هل ساهمت وسائط التواصل الاجتماعي وبخاصة «الفايسبوك» في تقليص الفجوة بين الكاتب والقارئ، وفتحت نافذة للتواصل بينهما، وهل استغل الكاتب هذه الوسائط للتقرب أكثـر من جمهور القراء. وهل صار القارئ الافتراضي صديقا للكاتب وهل تنازل الأخير عن بعض أبراجه العاجية وتصالح مع التواضع وبالتالي أصبح صديقا للقراء، يتواصل معهم ويرد على رسائلهم وتعليقاتهم وأحيانا يلتقي بهم في مناسبات ثقافية على أرض الواقع؟
فـواقع الحال أنّه وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي صار القراء يعرفون الكثير من/وعن الكُتاب ويتابعونهم ويتحمسون أحيانا لقراءة نصوصهم ويتفاعلون معها ومع منشوراتهم على جدرانهم الزرقاء. وهذا شيء جميل وجديد ويساعد ربّما الكُتاب على معرفة مدى حضورهم وحضور كِتاباتهم لدى القارئ. والسؤال أيضا: كيف هي علاقة الكُتاب والأدباء بالقراء من خلال صفحاتهم على الفيسبوك، وهل هناك تواصل شبه يوميّ بينهم، وكيف هو مستوى هذا التواصل، وهل هو تواصل لا يعكر على الكاتب والأديب ولا على وقته؟
حول هذا الشأن «علاقة الكُتاب بالقراء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي»، يتحدّث في ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، بعض الكُتاب والأدباء كلّ حسب تجربته.
عبد السلام فيلالي/ كاتب ومحاضر –جامعة عنابة
مجرد نافذة لأن الرهان الحقيقي يقع خارجا
ما استجد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت هو التفاعلية الآنية وحجم هذا التفاعل. في الماضي، كانت الحلقة الضيقة من الأصدقاء هي مجال التفاعل ثمّ من خلال ما كنا ننشره على صفحات الجرائد. التفاعل كان موجودا، وكان هذا ما يضفي حيوية على عملية الإبداعي. كانت معرفة الأصدقاء بما تكتبه وفخرهم يجعلك ككاتب تشعر بنوع من الحظوة، فالاعتبار هو أغلى ما يحصل عليه الإبداع وكلّ عمل إنساني على كلّ حال. أنا شخصيا ما زلت أحتفظ في ذاكرتي بمواقف الافتخار والاعتزاز والتقدير التي كنت أحظى بها لدى بعض الأصدقاء، كان هذا يعني تقييما إيجابيا لما أكتبه كما كان أيضا يُمحضني ودا جميلا أجده يتحوّل إلى دافعية كبيرة للتحسن وشق فضاءات أرحب وأعمق. ولكنّي والحال هذا، لا أعتقد أنّ ذلك التفاعل يعني فقط شيئا من المجاملة فأنا أنظر إلى قضية الإبداع كعملية تفاعلية حيث أنّ رد الفعل مهم للغاية فيها. فالمرء يحتاج إلى من يقيم عمله ويحصل على النقد الموضوعي الّذي يؤدي إلى التطوير والتحسين.
تجربتي مع شبكات التواصل الاجتماعي أوصلتني إلى قناعة، وهي أنّ «الصديق» يهمه نجاحك أكثر مما يهمه عملك، فهو يتفاعل بحسب ما تنجزه وما يلقاه من صدى. وعليه فالاعتبار يكون قبليا فيما يخص «لايكاته»، وأنّ ما يأتي بعد ذلك يدخل في باب «العلاقات العامة». أنا أعني أنّه يتعين على الكاتب ألاّ ينتظر الحصول على أي قيمة أو اعتبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. إنّ التقييم يكون خارجا، عندما ننجح في استصدار أعمال. تماما كما كنا نميزه في ملتقيات الإبداع والأيّام الثقافية، حيث أنّ المشاركة فيها يتوقف على شبكة العلاقات الشخصية أكثر ما يعتمد على الفعل الإبداعي ذاته. وإذا حصل فهذا أمر نادر، هذا موقفي الخاص. والحق أنّ عملية التقدير والتقييم في بلادنا قد خضعت لنفس الاعتبار، فلقد تمأسس جو ثقافي محاباتي بين جماعات الإبداع الأدبي خاصة. كأن الاحتفاء يخص مجموعة ضيقة من الكتاب، وعليه لم نر بروز أسماء أدبية إلاّ في القليل النادر. وكان انعدام هذا التقييم الموضوعي يجعل الاستمرار صعبا إن لم نقل يكون مستحيلا، فغياب التحفيز يؤدي إلى موت النص و»مبدعه».
ضمن هذا المنحى يكون تقييم ما يمكن استقصاءه على «الفيسبوك»، إنّه خليط من النرجسية والسلطة. وبلا مبالغة أو حيف، يكون سمة هذا التواصل بين الكاتب وجمهوره، متابعيه أو قراءه. ولكن وللأسف هذا «الاعتبار» الّذي قد يحظى به الكاتب من بعض عشرات «الأصدقاء» والمتابعين لن يؤثر قطعا في طبيعة الحاجات النفسية للمبدع فهي ترتبط بالمؤسسة وليس الفرد. أقصد أن يجد ما يكتبه طريقا للنشر ثم الرواج، هذه هي قاعدة النجاح والاحتفاء. يقودنا هذا إلى الحديث عن المقروئية كظاهرة جد محدودة في مجتمعنا، أظن أنّ حجم المبيعات هو التقييم الموضوعي والمنطقي لنجاح الكاتب وليس شيئا آخر. وما يحصل على الفيسبوك لا يدخل ضمن هذه المعادلة، إنّه مجرّد نافذة نطل منها نتعارف ونتقارب وفقط. فالرهان الحقيقي يقع خارجا، أي بين ما يجري بين الناشر والقارئ. والحقيقة أنّ هذا «بيت القصيد»، فإنّ التحوّلات التي عشناها منذ بداية التسعينات من حيث التحوّل من نمط التسيير الاشتراكي إلى واقع اقتصادي ليبرالي لم يؤد للأسف إلى خلق الديناميكية في «سوق» الكِتاب. فما يحصل لا يزال مرتبطا بــ»الريعية»، وبالمناسبات الثقافية الكبرى.
وعلى أيّة حال وكخلاصة وبعد موضعة الإشكال ضمن الدائرة الأوسع، أقول أنّه بفضل شبكات التواصل الاجتماعي صار يمكن للكاتب أن يتفاعل بشكل مباشر مع قراءه. فقد لا يحتاج إلى وسيط للنشر أصلا. كما أنّه وفر مجالا للنقاش والحوار، وهو في اعتقادي لا يؤثر من ناحية الوقت. بقدر ما يجعل التفاعل أكثر شخصية وراهنية.
بلكبير بومدين/ كاتب وأستاذ محاضر –جامعة عنابة
وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الحواجز بين الكتاب والقراء
صحيح أنّ مختلف وسائط التواصل الاجتماعي (ومن بينها الفايسبوك) قد ساهمت في تقليص الفجوة بين الكاتب والقارئ بدرجة مهمة جدا. فتلك الوسائط رفعت الستار عن الكثير من الأعمال والمنجزات المُهمة لكُتاب شباب مبدعين لم نكن نسمع بهم من قبل (أسماءهم غير متداولة)، وساهمت في الترويج للكثير من الأعمال الجادة والمؤلفات الجيدة التي لم تـنل حقها من التغطية الإعلامية.
كما أنّ تلك الوسائط أعادت ابتكار طُرق جديدة في التواصل والتفاعل بين الكُتاب وقرائهم، دون تدخل أي طرف ثالث بينهما، فأضحت المعلومة تتدفق بينهما بطريقة مُباشرة وسريعة من دون أيّة حواجز أو إكراهات محتلمة.
كذلك حاول الكُتاب استغلال تلك الوسائط للتقرب أكثر من جمهور قرائهم، بسبب تقاعس نسبة كبيرة جدا من الناشرين عن القيام بأدوارهم وتحمل المسؤوليات المنوطة بهم في الإشهار والتسويق الثقافي للكُتب، وفي غض طرفهم عن تنظيم لقاءات بين الكُتاب والقراء، وعن توسيع شبكات التوزيع وخلق منافذ توزيع جديدة.
حقيقة كانت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة فرصة، وظفها أغلب الكُتاب في العقد الأخير في كسر الحواجز بينهم وبين قرائهم، كما ساهمت في كسر الاحتكار الإعلامي للأسماء المُكرسة، وأسست لفضاءات تسود فيها المنافسة الكاملة بين كلّ المؤلفات والأعمال بعيدا عن احتكار القِلة وسيطرة قانون الشِّلل الثقافية (ما أسميته قبل العام الماضي بالأوليغارشيا الثقافية) الّذي أصاب المشهد الثقافي كلّه بالشَّلل.
لا بدّ من التنويه بأنّ رضا القراء على انجازات الكُتاب (ومدى حضور الكُتاب وحضور إبداعاتهم لدى القراء)، لا يمكن أن يُقاس بامتلاء قائمة أصدقائهم ومتتبعيهم على صفحاتهم على التويتر أو فايسبوك، أو بعدد النكز على خانة الإعجاب على منشوراتهم. فالكثير من الكِتابات السيئة والسطحية والمنشورات الرديئة والتافهة تُحظى بمنسوب كبير من الإعجابات والتعليقات على سبيل المجاملة، والتملق، والتقرب، من الجنس الآخر أو من ذوي المناصب أو الشهرة أو الجاه لحاجة في نفس جمهور المُتــتبعين.
أعتقد أنّ العلاقة بين الكاتب والقارئ في عالمنا العربي لم تصل إلى مستوى المناقشة الجادة وطرح السؤال العميق حول جوهر المُنتج الثقافي والمنجز الإبداعي إلاّ فيما ندر، بقدر ما هي في الكثير من الأحيان أسيرة لحظة الدهشة والإعجاب.
شبكات التواصل الاجتماعي بقدر ما هي إيجابية وأذابت الكثير من الجليد بين الكاتب والقارئ، بقدر ما جعلت الكاتب يعيش في وهم جميل (أشبه بالسراب) وفي متاهة افتراضية (تستنزفه زمنيا وإبداعيا) بعيدا عن متطلبات الواقع ومنطقه. فأضحى أسيرا لها، سجينا لأوهامها، ومن ثمّة وجد نفسه قد استقال من الحياة الحقيقة وتحدياتها وطموحاتها، فالكثير من الأسماء الثقافية أضحت أشبه بالهياكل الميتة، لا تنتج ولا تبدع بقدر ما تخضع يومياتها على شبكات التواصل الاجتماعي للنميمة الثقافية والنفاق الافتراضي والحروب الشبكية بين الزملاء المثقفين. وسائط التواصل يسرت سبل الوصول والتواصل بين الكاتب والقارئ، وهذا ما جعل (من جهة أخرى) الحابل يختلط بالنابل، ويتعسر الأمر على بعض القراء في التمييز بين الكُتاب المبدعين وبين من يدعون زورا نبوة الكتابة، الذين أساؤوا لحرفة الكتابة أكثر من غيرهم.
خالد بن صالح/ شاعر
الحياة الحقيقية خارج فايسبوك وحياة الكاتب مجالها مكتبه
لا شك أنّ الفايسبوك استطاع أن يمحي الكثير من الحواجز بين الكاتب والقارئ، بل إنّه بشكل ما أزال تلك الهالة التي عادة ما يحيط الكُتاب بها أنفسهم، والأسوار الوهمية التي يبنونها لحماية خصوصيتهم في مواجهة العالم والمهتمين والقراء الشغوفين بمؤلفات الكاتب وحياته أيضا. كما لو أنّ الأمر يتعلق في بعض الأحيان بعروض السينما أو الأزياء وما ينجر عن ذلك من إشاعات ووشايات وقصص خيالية. أعتقد أنّ الأمر له علاقة بالوعي، وكيفية استغلال هذا الفضاء بشكل إيجابي، في ظل ندرة المكتبات، والمنابر التي تقدم الإصدارات الجديدة وتناقشها بشكل دوري ومستمر، لا يرتبط بالمناسبات.
شخصيا، أتعامل مع أصدقاء الفايسبوك بعلاقة أفقية، بنفس المستوى الإنساني الّذي يضمن حرية الرأي والاختلاف والحوار الموضوعي. ويسعدني جدا التجاوب مع الأسئلة المتعلقة بكتبي وكلّ ما أنشره عبر صفحتي الشخصية من أراء ومقالات ونصوص.
طبعا التواصل موجود، لكن مع قِلة وليس بشكل يومي، لأنّ الحياة الحقيقية خارج الفايسبوك أهم. وحياة الكاتب مجالها مكتبه أو دفتره الخاص، قراءاته وانشغالاته الفكرية والأدبية. وحتى التواصل مع الأصدقاء المقربين والذين تجمعني بهم نفس الاهتمامات يقل أحيانا عندما يكون لديّ عمل أدبي ما اشتغل عليه. النوافذ الكثيرة في الجدار قد تؤدي إلى انهياره، لذلك أنا أغلقها طالما أنّ جداري من زجاج وشفاف، يجنبني الكثير من الكلام الضائع.
عبد الرزاق بوكبة/ روائي
الفيسبوك جعل الكاتب يـملك نخبة من القُـراء و المعجبين و المتابعين من غير واسطة
حين تنخرط المجتمعات التي تخضع فيها العلاقات الإنسانية للكبت، في مواقع التواصل الاجتماعي، التي هي ثمرة طبيعية لفضاء غربي حرّر التواصل بين الذوات في الواقع المعيش، ستتحوّل هذه المواقع إلى واقع، فيما يصبح الواقع افتراضا.
في مجال النشر والقراءة والكتابة جزائريا على الأقل، باتت دار النشر والمكتبة والمجلّة والكتاب وما يتعلّق بها من معطيات، افتراضيةً، من حيث كونها غير مقبوض عليها، فيما بات فيسبوك واقعا تترتب عنه ثمار ملموسة كثيرة، منها أنّ الكاتب يملك نخبة من القراء والمعجبين والمتابعين من غير واسطة.
على مستواي الشّخصي، لم أعد أجد صعوبة في نشر كُتبي ومقالاتي ورقيًا، في الجزائر وفي الفضاء العربي، لكن هذا الامتياز لم يمنعني من توريط تجربتي الأدبية فيسبوكيا منذ ثمانية أعوام، وجنيت من ذلك ثمارا مختلفة عن ثمار الحضور الورقي، منها سرعة ومباشرة وحرارة التواصل مع المتلقين، بغضّ النظر عن كثرتهم أو قلّتهم، والاستفادة من ملاحظاتهم وأسئلتهم، بما يجعل المُتلقي في هذه الحالة شريكًا في العملية الإبداعية، ومن خدماته أيضا، كأن يُشارك نصّك على صفحته لتستفيد من قراءات أصدقائه، أو يُروّج له في دردشاته أو يفتح صفحة إعجاب لك، بما يجعله أيضا شريكًا في عملية التّسويق.
لقد خضت على مدار ثلاث سنوات تجربة فيسبوكية هي طرائف البيت، التي صدرت فيما بعد في شكل كتاب هو «يدان لثلاث بنات»، وقد حفّزني التفاعل الّذي رافقها على الذهاب بالتجربة إلى عتبات أخرى. وهو التفاعل الّذي شجّعني أيضا على أن أخوض تجربة شبيهة هي «ذاكرتي الجامعية».
غير أنّ الذهاب إلى النشر الفيسبوكي بذهنية ونفسية النشر الورقي، سيؤثر في الكاتب حتما. ذلك أنّه قد يصطدم مع نوعية من المتلقين لا تجامل أو لا تملك المفردة المناسبة في التعبير عن رأيها، مما يضطره إلى أن يتصرف بعيدا عن منطق الإيمان بالرأي الآخر، كأن يشتمها أو يحذفها. في المقابل، قد يواجه نوعية غارقة في المجاملة ممّا يوقعه في غرور فائض، فيغفل عن هوامش الاختلال في ما يكتب. من هنا، لا بدّ من ترويض الذات على اكتساب تفكير/عقل افتراضي. وهو العقل الضروري لكتابة أدب الكتروني حقيقي، ذلك أنّ هذا الأخير لا يستحقّ صفته بمجرّد النشر في المواقع الالكترونية فقط، بل بأن يكتب وفق معطيات هذا العقل الموازي للعقل العادي أيضا. أملك طرائف وتجارب كثيرة، في مسار تقاطعاتي مع القرّاء فيسبوكيا. وقد غيرت نظرتي في كثير من الزوايا، ذلك أنّه من المثير للدهشة أن يقتصر التّفاعل على الذّات القارئة، فيما تبقى الذّات الكاتبة متشبّثة بموقعها وتفكيرها القديم.
رشيد فيلالي/ شاعر وكاتب
ردم الفجوة التقليدية ما بين الكاتب والقارئ
في تصوري أنّ من بين أكبر حسنات وسائل الاتصال الاجتماعي وعلى رأسها «الفايسبوك» أنّها تساهم بشكل هام في حدوث تفاعل تلقائي مباشر بين الكُتاب والقراء عموما، وهذا التفاعل قد يكشف جوانب خفية في نصوص الكاتب يُلاحظها القراء النابهين المُتمرسين عادة، وذلك بناء على ملاحظات دقيقة وثاقبة، وشخصيا استفدت كثيرا من هذا التفاعل الإيجابي الرائع، لكنّني في الوقت نفسه لا أخفي تذمري من بعض الكائنات الطفيلية على عالم الكتابة التي يعج بها «الفايسبوك» مع الأسف وبشكل يُربك الكاتب ويزعجه، لاسيما وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى حدود التجريح ومحاولة النيل من شخصية الكاتب في سلوك سمج ومقزز لدواع غير بريئة، ولحسن الحظ أنّ القائمين على شؤون وسائل الاتصال الاجتماعي يعرفون جيدا هذا الصنف من البشر، وهو ما جعلهم يضعونهم عند حدهم في حالة تجاوزهم للخطوط الحمراء، وقد تكون هذه الكائنات الطفيلية قد وجدت في الاستخفاف بما يكتبه الكُتاب والمثقفون وسيلة تسلية وقتل لوقت الفراغ، غير أنّ كما أشرت سلفًا يمكن تجاوز هؤلاء بالضغط على زر بسيط، والحق أنّه رغم هذا الجانب السلبي في وسائل التواصل الاجتماعي عبر الفايسبوك فإنّ فوائدها تظل لا حصر لها، ولذلك فإنّ الأمم المتقدمة رأت في الفايسبوك وفي تويتر وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي مطية سهلة للخوض في نشاطات متعدّدة وزخمة إلى حدود غير معقولة، ولن تجد في الغرب كلّه ربّما فردا واحدا لا يملك حسابا ضمن هذا المجال، بل حتى كبار المشاهير في الفن والمثقفين والساسة والعسكريين وقادة الرأي والشخصيات الفاعلة في المجتمع، لها حسابات في تويتر والفايسبوك وما يماثلهما، على نقيض ما يحدث في البلدان المتخلفة التي يفزع المسؤولون من التواصل مباشرة مع شعوبهم خشية الاصطدام بحقائق وآراء لا يرغبون في معرفتها أو الاطلاع عليها، وهو ما يعني في المحصلة أنّ العصر (ومتطلباته الكثيرة) صار يحتم النشاط بشكل يومي مستمر في مثل هذه الوسائل من الاتصال الفوري بين الجميع وبكلّ ديمقراطية وتلقائية.
وبصراحة لقد تعرفت من جهتي على الكثير من كُتاب ومثقفي العالم عبر الفايسبوك، وهو ما لم يكن يخطر ببال أحد في السنوات الماضية، كما أنّني أجد متعة كبيرة في تبادل النقاش والحوار مع زملاء القلم أو القراء الذين يشاركونني الانشغالات الثقافية والاهتمامات ذاتها، وطبعا لوسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة كما قلت كلّ الفضل في ردم هذه الفجوة التقليدية ما بين الكاتب والقارئ.
نصيرة محمدي/ شاعرة
أكثر ما يستهوي سكان الأزرق هو العابر والسطحي والصراعات
لنقل صراحة إنّ الشِّعر في مكان آخر، وإنّه سيظل غريبا ويتيما كأي متشرّد أبدي يمارس ترحاله في الأقاصي والتخوم. سيظل عاريا ومتوحدا في ممالك المنفى والغربة. تلك حقيقة الشّعر المؤلمة والمُبهجة. كيف سيكون في عالم هش لغته السرعة والاستسهال، والركض بعيدا عن جوهر الأشياء، ومعنى الكينونة. كيف نتخلى عن طفولة الأشياء، ورؤية الكون بعين ثالثة تستقرئ وتستبطن، وتحفر في الأعماق، وفي الجمال. إلى أي مدى يتفاعل القراء في مواقع التواصل الاجتماعي مع عالم باطني ولغة تمارس انقلاباتها على ذاتها، وتتفجر في كلّ مرّة بعنفوان وحرقة وبهاء. أمام هيمنة النص السردي، ينحسر قراء الشّعر، ويظل يقاوم، ويتخبط في أسئلته وعزلته القسرية. يخاطب المؤمنين حقا به، ويعتلي بهم سماوات أخرى. قِلة من تقرؤك، وقِلة من تدرك اشتغالاتك، وجهدك، وقِلة من تتجاوب مع نصك. أكثر ما يستهوي سكان الأزرق العابر والسطحي وصراعات متخلفة. حقيقة الشّعر في مكان آخر.
علاوة كوسة/ كاتب وناقد وأكاديمي -المركز الجامعي ميلة
مساحات شاسعة للنشر والتواصل
لقد فتحت التكنولوجيات الحديثة نوافذ جديدة في عالم القراءة والتلقي للنص الأدبي، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي مساحات شاسعة للنشر والتواصل بين الكُتاب والقُراء، وصار التواصل والتفاعل والنقاش سريعا وسهلا وآنيا بين الطرفين، ولقد عرف هذا التواصل مستويات عديدة تتفاوت عمقا وتفاعلا ووعيا، حيث نجد أنواعا ومستويات لهؤلاء القراء بعد نشر النصوص تعليقا ونقدا وتفاعلا، وإن كنتُ أرى مستوى التفاعل من مستوى الكاتب والقارئ معا، وتتحكم فيه طبيعة المنشورات التي تتنوع من كاتب لآخر، ولدى الكاتب نفسه، الّذي قد تكون له منشورات أكاديمية وأخرى إبداعية وأخرى خاصة تفاعلية، بالنسبة إليّ أتواصل يوميا مع قرائي، مستفيدا من نقدهم وتقييمهم وتقويمهم، أخصص لهم وقتا للرد عليهم، دون تمييز أو إقصاء، محترما الجميع على اختلاف مستوياتهم ومقارباتهم لمنشوراتي، رغم انشغالاتي الكثيرة، لكن أحترم قرائي لأنّهم شركاء وطرف هام في ما ننشر، ولكن لا أدع الوقت كلّه للانشغال بالحرف الأزرق السارق، إذا لم نكن واعين بمتاحات هذا الفضاء، لأنّ ذلك قد يصير إدمانا ومرتعا يلهينا عن انشغالات أهم، أنا مع تقديس علاقات التواصل والتفاعل بين الكاتب وقرائه، لكن بوعي ودون التأثير على خصوصياتي وارتباطاتي وساعات بحثي.
محمّد العيد بهلولي/ روائي
تفاعل مُفرح يشجع على النشر
لقد باتت شبكة التواصل الاجتماعي أمرا ضروريا للجميع بما فيهم الكاتب والقارئ، بفضلها يحدث التعارف والتواصل ومن ثمّة يتم التفاعل وعقد صدقات افتراضية تمهيدا لصداقات واقعية. بالنسبة للنصوص القصيرة التي أنشرها على جداري، والتي لا تعبر بالضرورة عن آفاق الكاتب لاختزالها ومحدوديتها، أجد دوما وباستمرار ردودا عليها وتفاعلا حقيقيا وإعجابا. إنّ وجود هؤلاء القراء المجهولين بالنسبة لي يفرحني ويدهشني ويحفزني على النشر.. الحقيقة إنّ ميزة الشبكة الاجتماعية شيء جميل جدا، لا يحدث من خلال جريدة أو مجلة أو كِتاب حيث تطول مدة الاطلاع على ما يُنشر، عكس الفايسبوك الّذي يتم النشر والاطلاع في نفس اللحظة وهذا أمر باهر للغاية... أمّا علاقتي مع قرائي/أصدقائي وأحبابي فهي في أرفع مستوى، إلاّ أنّ هناك الكثير من الفوارق والاختلافات في نوعية المتابعين، هناك الأستاذ والمثقف والمبدع، وهناك الطالب والقارئ البسيط.. فيهم من يتفاعل بعمق ومن يقدم الشكر والإعجاب ومن يضغط على «لايك» فحسب.. شخصيًا أسعد كثيرا بتفاعل القراء، وإنّي أسعد أكثر وأنا أرد عليهم وأشعر بأنّي لست وحيدا في هذا العالم.
إستطلاع/ نــوّارة لحـــرش