استجابة متفاوتة للموظفين و حركية متذبذبة بالوادي
لا يزال سكان مناطق الجنوب يحاولون التأقلم مع التوقيت الصيفي الجديد المطبق بداية من تاريخ 21 جوان إلى غاية 31 أوت القادم بالرغم من انقضاء أول أسبوع على دخوله حيز التنفيذ، و يبدو أن الواقع جاء مخالفا للتوقعات، فالتخوف من عدم التزام الإدارات و الناقلين بالنظام الساعي الجديد الذي يبدأ من السادسة صباحا إلى الواحدة زوالا كان مبالغا فيه، حيث أن نسبة الاستجابة كانت كبيرة، خصوصا على مستوى المؤسسات التي تعتمد نظام البصمة لإثبات المداومة، بالمقابل فإن حركية المواطنين لا تزال بطيئة جدا بسبب جهل الكثيرين لوجود نظام ساعي خاص بالصيف نظرا لضعف الإعلام به، وهو ما أثر سلبا على قطاع الخدمات، بالمقابل يطرح متعاملون اقتصاديون مشاكل عميقة تتعلق بفارق توقيت العمل بين الشمال و الجنوب و تأثير ذلك على نشاطاتهم التجارية، خصوصا ما تعلق بالمعاملات مع البنوك.
الخدمــات متوفـرة و المواطــن غـائـب
«النصر» ، حاولت الوقوف على واقع تفعيل المخطط الساعي الجديد في مدينة واد سوف، وذلك من خلال جولة صباحية استطلعت أداء عديد القطاعات و رصدت حركة المواطنين منذ الساعة السادسة و النصف صباحا و إلى حدود الواحدة بعد الزوال. جولتنا بدأت من محطة النقل الحضري ببلدية الوادي، أين لاحظنا وفرة في وسائل النقل و التزاما تاما من قبل سائقي سيارات الأجرة و أصحاب الحافلات، بمواقيت العمل الجديدة رغم أن الحركية في المحطة كانت ضعيفة جدا، إذ اقتصر تواجد المواطنين على أعداد قليلة من الموظفين غالبيتهم من عمال ورشات البناء الخاصة ومن يشتغلون في السوق المركزي، وعند حديثنا إلى بعض الناقلين لمسنا تململا في أوسطاهم، بسبب ضعف الحركية و محدودية الزبائن، فغالبية المواطنين لا يزالون حسبهم، يعتمدون التوقيت القديم أو العادي، الأمر الذي أثر على نشاطهم، مؤكدين بأنهم يضطرون في الكثير من الأحيان، إلى مغادرة محطة النقل بعدد جد محدود من الراكبين، وهو الأمر الذي كبدهم خسائر مادية غير متوقعة، على اعتبار أن مردودهم اليومي لا يغطي نفقات البنزين و صيانة المركبات.
جولتنا، قادتنا إلى عدد من الإدارات العمومية على مستوى شارع محمد خميسي و حي 400 مسكن وسط المدينة، بداية بمصلحة الحالة المدنية بالبلدية الأم، و مرورا ببعض المؤسسات المالية كالبنوك و مراكز البريد، فضلا عن عدد من الشركات ذات الطابع الاقتصادي، أين وقفنا على تفاوت في الاستجابة للنظام الساعي و اختلاف في نسب المداومة بين الموظفين، وبالرغم من أن الملاحظة العامة تؤكد التزام غالبية العمال بمواقيت العمل و تواجد معظمهم في المكاتب في الساعة السابعة، إلا أن هنالك تقصيرا واضحا في العديد من المصالح، وقد حاولنا الاستفسار عن الأمر من مسؤوليها، فعلمنا بأن المشكل لا يرتبط بالضرورة بالتوقيت الجديد، بل أنه يعود لبعد مقرات إقامة كثير من الموظفين و العمال، عن وسط مدينة الوادي ، إذ أن من بينهم من يقطعون مسافة 40 كيلومترا، كل صباح للوصول لمكاتبهم و مقرات عملهم.
الغريب في الأمر هو أن هذا التأخير لم يؤثر على أداء العديد من المؤسسات، بالنظر إلى أن حركية المواطنين جد محدودة و لا تنطلق في العموم إلا بعد الساعة السابعة والنصف إلى الثامنة صباحا.
مطاعم أغلقت أبوابها و أخرى اكتفت بالمداومة المسائية
و يبدو أن القطاعات الاقتصادية و الإدارية ليست الوحيدة التي تأثرت بضعف حركية المواطنين منذ بداية تطبيق النظام الصيفي، فحتى قطاع الخدمات كان له نصيبه من التراجع، فبالرغم من أن الكثير من المقاهي و محلات المواد الغذائية و المخابز تفتح أبوابها باكرا خصوصا في الأحياء الشعبية، إلا أن الإقبال عليها لا يزال ضعيفا، خصوصا المطاعم و محلات الأكل السريع، التي أغلب زبائنها من العمال والموظفين، وهو ما دفع بالعديد من ملاكها إلى الدخول في عطلة أو تغيير مواقيت العمل إلى الفترة المسائية على اعتبار أن جل العمال و الموظفين باتوا يغادرون إلى منازلهم مباشرة بعد انتهاء الدوام في حدود الساعة الواحدة، وبالتالي ألغوا وجبة الغذاء نهائيا من برنامج يومهم، ما انعكس سلبا على نشاط فضاءات الإطعام.
الكهرباء أهم مكسب و الشركات الاقتصادية المتضرر الأكبر
خلال جولتنا، حاولنا استبيان أراء عدد من المواطنين حول نجاعة تطبيق التوقيت الصيفي، فأجمع جل من سألناهم على أن المكسب الأهم من هذا النظام هو توفير الكهرباء بشكل أكبر، و انحصار عدد الانقطاعات في التزود بالطاقة ، وذلك بالنظر إلى أن الاستهلاك يقل عموما بداية من الواحدة زوالا، كون غالبية المؤسسات تنهي دوامها و تغلق مكاتبها،وهو ما يوفر كما كبيرا من الطاقة، يستفيد منه بالمقابل المواطن البسيط.
مواطنون آخرون ثمنوا هذا الإجراء، معتبرين بأن العمل بالتوقيت الجديد يخدمهم أكثر، خاصة و أنه يبدأ مع الساعات الأولى للنهار أين تكون درجة الحرارة منخفضة نوعا ما، وهو ما يسهل عليهم قضاء حاجياتهم و العودة قبل منتصف النهار لمساكنهم.
وفي وقت أثنى الكثيرون على القرار، طرح متعاملون اقتصاديون، مشكل تضارب مواقيت العمل بين شمال البلاد و جنوبها، و هو ما أثر سلبا على طبيعة نشاطهم و أخر الكثير من المعاملات الاقتصادية و المالية، و حسب الخبير الاقتصادي الدكتور نور الدين جوادي، فإن النظام الساعي الجديد، لا يعد توقيتا صيفيا بقدر ما هو تغيير لمواقيت الدوام اليومية، و ذلك مقارنة بما هو معمول به في الكثير من الدول الأوروبية، التي تلتزم خلافا للجزائر، بزيادة ساعة في التوقيت مع الدخول الفعلي لفصل الصيف، لكن مع تكيف هذا التعديل ليتماشى مع برامج عمل الصرافات الآلية و الحواسيب ومختلف الأجهزة الذكية، التي يستخدمها المواطنون و الشركات في المناطق المعنية بالتعديل الزمني، مشيرا إلى أن ضرورة تكيف القطاع المالي مع هذا التغيير تعد الإجراء الأهم مستقبلا، حتى لا يكون هناك خلل في المنظومة الاقتصادية، نظرا للارتباط الوثيق للمؤسسات ببعضها.
أما إسماعيل بالنور، وهو صاحب شركة، فقال بأن التوقيت الصيفي يتسبب في تضييع قرابة نصف يوم كامل من النشاط، كون أغلب معاملات مؤسسته تتم مع ولايات لا يشملها هذا النظام، كما أن النظام الساعي الجديد يعرقل تعاملاته المالية مع البنوك وكثيرا ما يتسبب في تعطيل تحويل المبالغ المالية، و يؤخر عمليات البيع و الشراء لليوم الموالي، هذا ناهيك عن تراجع أداء الموظفين بسبب التغير في نظام النوم و الأكل و العمل وما يخلفه ذلك من إرهاق.
من جهته، تطرق المحامي حسن عون إلى صعوبة تطبيق هذا النظام بكل موضوعية لغياب وجود آليات حقيقية لذلك،مستشهدا بمشكل تأخر التحاق الموظفين بمن فيهم المسؤولون بمناصب علمهم، بحوالي ساعة كاملة في كل يوم، وهو أمر يدركه المواطن الذي يعطل بدروه، كما قال، أشغاله إلى ساعة أخرى إضافية تحسبا لذلك .
وذكر العيد.ك، موظف بالجامعة أنه من الصعوبة بمكان أن يتأقلم الموظف مع التوقيت الجديد، خصوصا في ظل ضعف الإشهار والترويج للنظام الساعي الصيفي ، حيث أن أغلب المواطنين في مدينة الوادي ، لا يعلمون أصلا بتغيير مواقيت العمل.
وحسب “عماد.ع”،موظف بمصلحة الضمان الاجتماعي، فإن التوقيت لا يؤثر كثيرا على الموظفين و المواطنين عموما الذين يملكون سيارات خاصة، أو يقطنون في وسط المدينة ضواحيها، إلا أنه يعتبر عبئا ثقيلا على غيرهم، في ظل ضعف منظومة النقل سواء من حيث شقها المتعلق بالالتزام أو مشكل الاكتظاظ المروري على مستوى المحاور الرئيسية.
وعبر هشام.ب، موظف بإدارة المقاطعة الإدارية ببلدية المغير، بالقول بأن، فائدة التوقيت الجديد تكمن في أنه يهدف لحماية سكان المدينة من قساوة المناخ، إلا أن مشكل نقص وسائل النقل الحضري في بلدية مثل المغير على سبيل الحصر، يعد نقطة سوداء في طريق تطبيقه،على اعتبار أن هناك ثلاث حافلات فقط تعمل في الوسط الحضري مما يجعل الموظف يضيع أكثر من ساعة بين مسكنه و مقر العمل .
أما”الحبيب مسلم” المكلف بالإعلام لدى مصالح مديرية التوزيع للكهرباء والغاز بالوادي، فأكد أن العمل بهذا التوقيت يساعد في التقليل من الضغط على الشبكة في وقت الذروة أي بين منتصف النهار و الرابعة مساء، نظرا للتعداد الكبير للتجهيزات الكهربائية التي تستخدمها الإدارات العمومية على غرار أجهزة التبريد الفردية والمركزية، ناهيك عن خفض فاتورة استهلاك القطاع العمومي للطاقة، فضلا عن التقليل من الأعطاب الفجائية التي تتضاعف مع ارتفاع حرارة الجو.
وأكد “عادل.ع” أنه كمواطن لاحظ التزاما أكبر، بالتوقيت الجديد في المؤسسات التي تطبق نظام البصمة الالكتروني لمراقبة الدوام، بالمقابل لا يزال المواطنون يواجهون مشكل تأخر انطلاق الدوام في العديد من الإدارات الأخرى، ناهيك عن مشكل تذبذب النقل العمومي سواء بين البلديات أو في المناطق الحضرية ، باعتباره قطاعا يسيطر عليه الخواص.
بشير منصر