تسبب تفشي فيروس كورونا منذ أشهر، في ركود العمليات التجارية الخاصة ببيع و شراء السكنات و الأوعية العقارية بقسنطينة، ما نجم عنه انخفاض الأسعار إلى قيم تتراوح بين 100 إلى 250 مليون سنتيم و تراجع بـ 90 بالمئة في المعاملات، فيما بدأت الوكالات العقارية تعرف انتعاشا تدريجيا في الأيام الأخيرة بعد استقرار الوضعية الوبائية في الولاية، لكنه انتعاش يبقى وفق متابعين، ضئيلا جدا مقارنة بالمسجل خلال الأعوام الماضية.
استطلاع: حاتم بن كحول
بتصفح مواقع بيع وشراء السكنات والأوعية العقارية على صفحات خاصة على غرار منصة «وادكنيس»، يلاحظ أن عدد الإعلانات الخاصة ببيع السكنات كبير جدا، حيث عرض مواطنون منازل تقع في مختلف أنحاء ولاية قسنطينة، على غرار الخروب و علي منجلي و بوجنانة و الزيادية و وسط المدينة و غيرها من المناطق.
شقة بسيدي مبروك مقابل 750 مليون سنتيم
كما لاحظنا أن الأسعار منخفضة نوعا ما مقارنة بما كانت عليه سابقا، حيث وضعت شقة للبيع في حي الزيادية، ذات 4 غرف و بمساحة 72 مترا مربعا، وأرفق صاحبها تعليقا يؤكد فيه أنه تلقى مقترحا بالبيع مقابل 730 مليون سنتيم فيما يطالب بمبلغ 760 مليونا، كما اقترح شخص آخر 800 مليون من أجل بيع شقة مهيأة ذات 3 غرف تقع في حي بوالصوف بمدينة قسنطينة.
و صادفنا منشورات أخرى على غرار منشور يخص بيع سكن في حي 20 أوت مساحته 80 مترا مربعا و يقع في الطابق الأرضي، حيث يطالب صاحبه بمبلغ مليار و 100 مليون سنتيم، و شقة أخرى في حي البوسكي بسيدي مبروك، ذات 3 غرف بمساحة 70 مترا مربعا يعرض مالكها 750 مليون سنتيم، فيما يطالب صاحب شقة ذات غرفة واحدة بمساحة 29 مترا مربعا بالطابق الثاني في حي قدور بومدوس بمدينة قسنطينة دائما، بمبلغ 370 مليونا قابل للتفاوض.
سكنات بإقامة الياسمين في علي منجلي بأقل من 850 مليونا
أما عن أسعار السكنات بالمقاطعة الإدارية علي منجلي التي أصبحت تستقطب أكبر عدد من سكان مدينة قسنطينة، فقد كانت الأسعار منخفضة أيضا مقارنة بفترة ما قبل كورونا، حيث نشر صاحب شقة ذات 3 غرف بمساحة 85 مترا مربعا في الوحدة الجوارية 15، بأنه تلقى مقترحا بالبيع مقابل 640 مليون سنتيم.
و حدد صاحب شقة تقع في إقامة الياسمين وسط مجمع مغلق، و تتوفر على 4 غرف بمساحة 81 مترا مربعا في الطابق الرابع، مبلغ 850 مليونا قابل للتفاوض، فيما كان سعرها في وقت مضى لا يقل عن مليار سنتيم، كما حدد شخص آخر مبلغ 750 مليونا قابل للتفاوض مقابل سكن بالوحدة الجوارية 2 يتكون من 3 غرف لمساحة 80 مترا مربعا و قريب من المركز التجاري «رتاج مول».
كما لم يختلف الحال بالنسبة لسوق بيع الأوعية العقارية في قسنطينة، حيث كانت الأسعار أقل من المعتاد، و وجدنا أن صاحب قطعة أرضية بحي البستان في بلدية عين عبيد مساحتها 300 متر مربع، يطالب بمبلغ 900 مليون سنتيم، فيما يطالب آخر بـ 700 مليون قابل للتفاوض من أجل بيع قطعة مساحتها 1150 مترا مربعا تقع بين حيي سيساوي و القماص، و حدد مساحة أخرى تتربع على 324 مترا مربعا بحي بكيرة، مبلغ 950 مليون سنتيم.
ولمعرفة المزيد عن سوق العقار بقسنطينة، تواصلنا مع بعض أصحاب السكنات من أجل الاستفسار منهم إذا تمكنوا من بيع سكناتهم التي تم نشر إعلانات بخصوصها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوع، و اتصلنا بحوالي سبعة كلهم لم يتمكنوا من بيعها رغم تنازلهم عن جزء من المبلغ المحدد للبيع، باستثناء شخص واحد يملك شقة في حي الكدية و تمكن من بيعها بمبلغ مليارين و 400 مليون سنتيم.
كما سألنا بعض أصحاب السكنات التي تم عرضها للبيع في موقع «وادكنيس»، و رد جل من تحدثنا إليهم أنهم لم يتلقوا مقترحا بالبيع حتى أنه لم يزر سكناتهم أي زبون محتمل، ما جعلهم يقررون تخفيض المبلغ المحدد بقرابة 50 مليون سنتيم، لعلهم يتمكنون من إغراء زبون ما بشراء الشقة.
و قال عبد الحق، و هو صاحب وكالة عقارية تقع في المقاطعة الإدارية علي منجلي، إن فيروس كورونا أوقف العمليات التجارية المتعلقة بالسكنات بنسبة 90 بالمئة، موضحا أن المواطنين في كل تلك الفترة السابقة لا يفضلون شراء سكنات أو بالأحرى لا يضعون ضمن اهتماماتهم اقتناء شقة.
من مليار سنتيم إلى 750 مليونا!
و أضاف المتحدث أن السبب في هذه الوضعية هو تخوف البعض من التعاملات في ظل تفشي الفيروس، حيث يخشون التنقل من وكالة عقارية إلى أخرى، فيما أدى توقف النقل بين الولايات و حتى بالنسبة للمركبات الخاصة في وقت سابق، إلى نقص إقبال المواطنين على ولاية قسنطينة التي تعد حسبه، مقصدا لشراء السكنات من طرف قاطنين بالولايات المجاورة.
و أوضح المتحدث أن أصحاب السكنات المعروضة للبيع اضطروا لتخفيض مطالبهم المالية، مؤكدا أنه رغم هذا التنازل إلا أن الركود يتواصل في قطاع العقار، مقدما مثالا عن شقة معروضة للبيع بمكتبه و تتكون من 4 غرف، حيث كانت قيمة البيع تفوق مليار سنتيم ولكن حاليا حدد ثمنها بـ 750 مليون سنتيم قابل للتفاوض، كما أكد أن انخفاض الأثمان مس أيضا السكنات الاجتماعية ذات 3 غرف التي كانت تباع مقابل 400 إلى 450 مليون سنتيم و حاليا سعرها لا يتجاوز 320 مليونا.
و أكد محدثنا أن نسبة الانخفاض تتراوح ما بين 100 إلى 250 مليون سنتيم، مضيفا أن ثمن كراء السكنات تراجع أيضا بقيمة تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 دينار، لكن عبد الحق ذكر أنه تم تسجيل انتعاش نسبي في سوق العقار مؤخرا بعد استقرار الوضعية الوبائية إلا أنه يبقى وفق تأكيده، ضعيفا جدا مقارنة بما كان عليه سابقا.
«الزبائن أصبحوا يفضلون اكتناز الأموال عوض الإنفاق»
كما قال محمد صاحب وكالة عقارية أخرى في حديث للنصر، إن سوق العقار عرف ركودا منذ بداية الحراك الشعبي في فيفري من العام الماضي، و لكنه توقف نهائيا مع بداية تفشي كوفيد 19 إلى غاية الأيام القليلة الماضية، موضحا أن سكنات كانت تباع بمبلغ 800 مليون سنتيم أصبح أصحابها يطالبون بـ 600 مليون سنتيم، مؤكدا أن قيمة الكراء هي الأخرى انخفضت مقارنة بما كانت عليه.
و يرى المتحدث أن الأسباب مادية محضة، موضحا أن السيولة المالية أصبحت نادرة، بسبب تخوف المواطنين من مستقبلهم الغامض في ظل تفشي الفيروس، ما جعلهم يفضلون الاحتفاظ بالأموال عوض اقتناء سكنات، خاصة بالنسبة للراغبين في استثمارها في شراء شقة ثم القيام بكرائها، موضحا أن عمليات الشراء اقتصرت فقط على أشخاص باعوا منازلهم بهدف شراء أخرى أكبر مساحة.
و أوضح صاحب الوكالة العقارية أنه تعود على التعامل مع أصحاب أموال يقومون بشراء السكنات من أجل كرائها فيما بعد أو بغرض إعادة بيعها، و خلال الفترة الماضية اتصل بهم ليخطرهم بوجود شقق للبيع بأسعار مناسبة و لكنهم رفضوا اقتناءها.
وبخصوص انخفاض الأسعار، ذكر محمد أنه عرض شقة ذات 4 غرف بحي دمبري في الوحدة الجوارية 2 بعلي منجلي وقريبة من المركز التجاري «رتاج مول»، حيث أن سعرها كان يفوق 900 مليون سنتيم و حاليا أصبح ثمن البيع لا يتجاوز 720 مليون سنتيم.
و مثّل المتحدث بواقعة جمعته بصديق له يملك شقة للبيع و طالب حينها بمبلغ 900 مليون، ثم أخذ يتصل به بعد مدة تتراوح ما بين أسبوع و10 أيام لاستفساره عن إمكانية إيجاد زبون، حيث اضطر صديقه في كل مرة إلى تخفيض المبلغ من 900 إلى 850 ثم 800 مليون سنتيم من أجل تسريع إجراء بيع السكن خاصة و أنه كان يحضر لمغادرة المنطقة.
«لم أبع شيئا طيلة 4 أشهر»
و أكد صاحب الوكالة، أن سوق العقار عرفت منذ حوالي 15 يوما، حركية، موضحا أنه كاد يستغني عن هاتفه في فترة الحجر لعدم ورود اتصالات من زبائن، و لكن حاليا بدأ يتلقى اتصالات من أشخاص لغرض البيع والشراء، مؤكدا أنه لا يمكن الجزم بارتفاع الأسعار مجددا في حالة انتعاش السوق.
تحدثنا إلى خالد صاحب وكالة عقارية تقع في حي زواغي سليمان، و أكد هذا الأخير أنه اشتاق إلى دخول زبائن إلى مكتبه في فترة تفشي فيروس كورونا، مضيفا أنه تحول إلى البطالة لمدة تفوق 4 أشهر، حيث لم يقم بأي معاملة تجارية سواء تعلقت بكراء أو بيع شقة أو وعاء عقاري، مضيفا أن الأسعار انخفضت مقارنة بما كانت عليه في شهر جانفي من السنة الجارية.
و أضاف خالد أنه يتوقع انتعاش السوق بعد استقرار الوضعية الوبائية ما قد يرفع الأسعار مجددا، و لكن الأهم بالنسبة إليه هو عودة عمليات البيع والشراء، لأن صاحب الوكالة حسبه، يقتطع نسبة من عملية البيع، كما اعترف أن بعض المواطنين يرفضون تخفيض الثمن لأنهم غير ملزمين بالبيع بسرعة، فيما يضطر آخرون إلى التنازل ماديا من أجل تسريع العملية لأسباب شخصية.
ح.ب