حملت عودة قطار الجزائر تونس بعد 30 سنة من الغياب، أبعادا مختلفة ارتبطت برمزية توطيد التواصل الدائم بين الشعبين وتسهيل تنقلاته، حيث وجد المسافر الجزائري والتونسي بدائل جديدة عن النقل البري عبر السيارات، بحكم دخول الآلاف يوميا من الجانبين عبر المعابر الحدودية المختلفة، فحملت الرحلة الأولى التي عايشت النصر تفاصيلها انطلاقا من محطة عنابة إلى غاية الحدود التونسية، طابعا خاصا امتزجت فيه الفرحة بالارتياح.
روبورتاج: حسين دريدح
عند وصولنا لمحطة عنابة في حدود الساعة الثامنة صباحا من يوم الثلاثاء، لاحظنا اصطفاف المسافرين لشراء التذاكر مع امتلاء بهو المحطة بالمرافقين والفضوليين الذين قدموا لرؤية انطلاق أول رحلة دولية عبر القطار. بدا على الجميع لهفتهم واستعجالهم للركوب في القطار رغم توفير كل الظروف وسهولة الولوج، حيث استغرقت إجراءات تفتيش الأمتعة والقيام بإجراءات العبور أقل من 20 دقيقة، كما كان أعوان الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية مجندين لتقديم مختلف التسهيلات خاصة للمعاقين، فيما وفرت مصالح الضرائب شباكا لتمكين المسافرين من اقتناء قسيمة السفر بكل سهولة.
قبل موعد انطلاق القطار بنحو نصف ساعة، كان أغلب الركاب قد أخذوا أماكنهم، كما بقيت شبابيك بيع التذاكر مفتوحة لآخر لحظة، من أجل منح الفرصة لمسافرين آخرين للذهاب في أول رحلة باتجاه تونس، وفي ذات السياق أكد مسؤولو الشركة الوطنية للنقل بالسكة الحديدية بمحطة عنابة، أنه بإمكان المسافرين شراء التذاكر قبل موعد سفرهم بأيام، لتفادي وقوع الازدحام يوم الرحلة أمام الشبابيك.
رحلة مريحة إلى غاية سوق أهراس ووصول في الموعد
كانت انطلاقة القطار عبر صافراته الأولى باتجاه تونس في موعدها عند التاسعة و 10 دقائق صباحا، وتم تسجيل تأخر بدقائق بسبب الطلب على التذاكر. وقد بدت على الركاب علامات الارتياح فقد تم توفر التكييف نظرا لحرارة الطقس المرتفعة في الخارج، وكانت تعليقاتهم إيجابية عن الراحة التي يوفرها القطار، فيما بدأ آخرون يلتقطون صورا، والبعض ظل منشغلا بالهواتف النقالة، خصوصا مع توفر الشحن بجوار الكراسي التي يجلسون عليها.
القطار متكون من عربتين في الدرجة الأولى، وعربتين من الدرجة الثانية، بطاقة استيعاب تصل إلى 300 مسافر في الرحلة الواحدة، كما وفّر عربة لضمان خدمات الإطعام وأخرى إضافية مخصصة لنقل الأمتعة، إلى جانب توفير وضعيات مختلفة للجلوس ومنها ما تحتوي على طاولات لتناول الطعام، ونوافذ بستائر أوتوماتيكية يمكن استخدامها لعزل أشعة الشمس والضوء للراغبين في النوم.
أتناء الرحلة، كان سير القطار بسرعة متباينة، فأحيانا تُخفض السرعة بالمناطق الحضرية ومحطات التقاطع، ثم يعود نسق السير ليرتفع في الأماكن غير المأهولة بالسكان وذات التضاريس غير الوعرة. شاهدنا مسافرين من جنسيات أوربية قدموا في رحلة تونس عنابة، وقد سادت في رحلتنا قبل الوصول إلى سوق أهراس، أجواء حيوية، حيث كانت الحركة كبيرة باتجاه عربة بيع المشروبات والأكل الخفيف، بأسعار في المتناول كتلك المعتمدة في المحلات التجارية والمقاهي، فـ “السندوتش” يباع بما بين 200 و 350 دج، وقارورة الماء المعدني ذات الحجم الصغير بـ 30 دج، والقهوة بـ50 دج، كما يمكن للأشقاء التونسيين اقتناء المأكولات بالعملة التونسية.
تسهيلات في إجراءات الجمركة والعبور
القطار وصل لأول محطة بسوق أهراس، في الوقت المحدد عند منتصف النهار و 15 دقيقة، حيث استغرقت الرحلة نحو 3 ساعات و 15 دقيقة، لتتوقف بسوق أهراس للقيام بالإجراءات الجمركية، كما تم تسجيل ركاب آخرين بهذه المحطة قادمين من الولايات المجاورة بمجموع حوالي 30 راكبا، حيث تجاوز العدد الإجمالي للركاب 220 مسافرا.
وحسب ما أكده المدير الجهوي للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية بعنابة، بن بلقاسم عبد الرزاق، للنصر، فقد تفاجأت الشركة بالإقبال الملفت للمسافرين، حيث بدأت الحُجوزات بـ 40 مسافرا قادمين في القطار الليلي من الجزائر العاصمة، بغية التوجه إلى تونس، بالإضافة إلى 150 آخرين حجزوا من محطة عنابة.
وبمحطة سوق أهراس، كان الاستقبال جيدا وسط محطة القطار التي تمت تهيئتها بمواصفات جد عصرية، وبتجهيزات حديثة لمرور الأمتعة، إلى جانب توفر فضاء مخصص للعب الأطفال. كما لقي المسافرون تسهيلات وتم المرور بشكل سريع عبر شرطة الحدود وكذا الجمارك، حيث تمت الإجراءات بسلاسة، فيما عبر الركاب عن استحسانهم للمعاملة الجيدة والظروف المريحة في القطار. بعد انتهاء الإجراءات في الجانب الجزائري، انطلق القطار باتجاه تونس، حيث توقف مجددا بمحطة غار الدماء التونسية، للقيام بالإجراءات الجمركية.
تونسيون يستكشفون أجواء أول رحلة
خلال الرحلة اقتربنا من بعض المسافرين وتحدثنا إليهم، وقد كانت من بينهم عائلة تونسية تنحدر من مدينة باجة، غير البعيدة عن الحدود الجزائرية، حيث قال رجل كانت ترافقه زوجته، بأن روح المغامرة دفعتهما لاكتشاف أجواء أول رحلة بين تونس والجزائر، حيث انطلقا من محطة تونس العاصمة يوم الاثنين، وقضيا مساء نفس اليوم بعنابة، ليعودا في نفس القطار، وهي تجربة كانت حسبهما جيدة، كما سمح هذا القطار بالاحتكاك بجزائريين والحديث معهم، وهو ما يزيد حسبهما من توطيد العلاقات بين الأشقاء والانفتاح على ثقافة البلدين.
المسافرون رحبوا بضمان مجانية النقل للأطفال، وخفض التسعيرة بنسبة 50 بالمائة للأطفال من عمر 4 إلى 12 سنة، فيما اقترح بعضهم برمجة الرحلة ليلا، للوصول صباحا وتفادي البحث عن فندق للمبيت وفق التوقيت الحالي، وهي الانشغالات التي تم نقلها لمسؤولي البلدين. وسيسمح مشروع ازدواجية الخط المنجمي الجديد، الجاري إنجازه في إطار المشروع الضخم للفوسفات، بزيادة سرعة القطار في الشطر الذي يقطعه إلى غاية الحدود مع تونس، حيث يرتقب انتهاء الأشغال سنة 2027.
أسعار معقولة وظروف سفر أحسن من السيارة
وحسب الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، فقد تم ضبط تسعيرة تنافسية مقارنة بوسائل النقل الأخرى، حيث تقدر تسعيرة تذكرة الدرجة الأولى بـ 1900 دج، وفي الدرجة الثانية بـ 1640 دج، أما تذكرة الدرجة الأولى ذهاباً وإياباً فتكلف 3485 دج، وسعر تذكرة الدرجة الثانية ذهاباً وإياباً 3040 دج، ورغم الوقت المستغرق، يبقى القطار أكثر راحة من السيارة وأقل سعرا خاصة للعائلات.
وتنطلق الرحلات من محطة القطار بعنابة، أيام الأحد والثلاثاء والخميس، على الساعة التاسعة صباحا، لتصل إلى تونس العاصمة، على السادسة وسبع وعشرين دقيقة، فيما تكون الانطلاقة من محطة تونس أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، على الساعة الثامنة وخمس وعشرين دقيقة صباحا، لتصل إلى عنابة على السادسة وعشرين دقيقة.
التحضير لإطلاق قطارات نقل البضائع بين البلدين
وأوضح مدير الاتصال بالشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، جمال شعلال، في تصريح للنصر، بأن افتتاح هذا الخط، جاء بعد سنوات من الاشتغال عليه، كهدف للشركة، حيث تمت محاولتان لإعادة تشغيله، لكنهما لم ينجحا لأسباب تقنية متعلقة بالهياكل القاعدية وتوفر العتاد.
وفي شهر أكتوبر 2023 اجتمعت اللجنة المشتركة الجزائرية التونسية، ودرست العديد من النقاط فيما يتعلق بمجال النقل، وتم الخروج بتوصية لإعادة إطلاق هذا الخط، وأضاف المصدر أنه في شهر ديسمبر الماضي تنقل وفد من الشركة إلى تونس وتم إمضاء بروتوكول تعاون في مجال التكوين وصيانة العتاد والهياكل القاعدية، مع الانطلاق في إجراءات تجسيد إطلاق هذا الخط، بالتركيز على معايير السلامة.
وكللت هذه الخطوات بإطلاق أول رحلة تجريبية بتاريخ 6 جوان الماضي، مع القيام بأشغال كبيرة لتعزيز الهياكل القاعدية وصيانة السكة على طول 377 كلم بين البلدين، إلى جانب إطلاق مشروع تهيئة محطة سوق أهراس الدولية التي تتم فيها إجراءات العبور، بمساعدة السلطات العمومية التي وفرت التمويل اللازم، وتم رفع التحدي في ظرف وجيز جدا حسب شعلال .
وعن الرحلة الأولى أضاف المسؤول بأنه تم تسجيل العديد من النقاط والملاحظات، التي سيتم تحسينها بما فيها تقليص الوقت المستغرق. وعن رهان الشركة بعد إعادة إطلاق القطار، أشار شعلال إلى أن الهدف مستقبلا هو التحسين المستمر للخدمات داخل العربات، ومحاولة تقليص إجراءات العبور بين البلدين، ورفع سرعة حركة القطار، وأهم نقطة حسب المتحدث، هي التحضير لإطلاق قطارات نقل البضائع بين البلدين، والتي ستعزز التبادل التجاري والاقتصادي.
ح.د