الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

النصر تزور المزرعة النموذجية ريشي عبد المجيد بقالمة: الشروع في عملية التحول إلى جبهة الأمن الغذائي

عند المدخل الرئيسي، حيث تصطف أشجار النخيل في نظام هندسي محكم، تنتصب لافتة بلون ذهبي، تحمل الهوية الجديدة للمزرعة النموذجية الشهيد ريشي عبد المجيد، الواقعة ببلدية بلخير شرقي قالمة، موطن الأراضي الزراعية الخصبة التي يمدها نهر سيبوس الكبير بأسباب الحياة.

فريد.غ

مزرعة عريقة ظلت تقاوم متغيرات الطبيعة والزمن، محتفظة بإرث تاريخي يروي قصص الغزاة الذين استولوا على الأرض، وكفاح الأجداد المستميت لتحرير السهل الخصيب وإعادة الأرض إلى أصحابها بعد سنوات طويلة من المصادرة بقوة السلاح.
ريشي اليوم مقبلة على مرحلة جديدة، ترى فيها السلطات العليا بارقة أمل لتقويم قطاع الزراعة الوطنية، والاستعداد للمستقبل الصعب الذي يعرفه العالم في مجال الغذاء والتغيرات المناخية المتسارعة.
مزرعة معنية بالتحول نحو التخصص الزراعي
مرحلة جديدة مليئة بالتحديات تعيشها ريشي عبد المجيد، وما لا يقل عن 174 مزرعة نموذجية أخرى على المستوى الوطني، قررت الدولة إدخال تغييرات جذرية على نظامها الإنتاجي القديم، وتأهيلها إلى النظام الجديد الذي يعتمد على التخصص والاحترافية والعلوم والتكنولوجيا، فلم يعد هناك مجال للصدفة والارتجال عندما يتعلق الأمر بالمنتجات الغذائية الاستراتيجية التي ظلت عبئا ثقيلا على خزينة البلاد.
في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم 18 فيفري 2024 قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تحويل المزارع النموذجية عبر الوطن، إلى وحدات فلاحية إنتاجية «UAP» متخصصة في البقول الجافة والنباتات الزيتية، والبذور والقمح ومنتجات إستراتيجية أخرى، وتنضوي هذه الوحدات تحت مسؤولية مجمع وطني للزراعات الاستراتيجية.

وتعد مزرعة ريشي عبد المجيد واحدة من 26 مزرعة نموذجية ستكون متخصصة في إنتاج بذور القمح وبذور البطاطا وبذور النباتات الزيتية بينها الكولزا ودوار الشمس، وهذا لإمداد مزارع الوطن بما تحتاجه من البذور في مسعى جاد لوضع حد للاستيراد المنهك لخزينة البلاد.
النصر زارت المزرعة الشهيرة وتحدثت مع مديرها إبراهيم بوستة، عن التحضيرات الجارية لتطبيق مخطط العمل الجديد بداية من الموسم الفلاحي 2024/2025 الذي يوشك عل الانطلاق بعد أيام قليلة، في سياق تحول جذري لقطاع الزراعة الوطنية.
وبدا واضحا بأن اختيار ريشي عبد المجيد لقيادة تجربة الانتقال الزراعي بالجزائر لم يكن محض صدفة، بل كان على أسس ومعطيات واقعية سبقت الإعلان عن التوجه الجديد، حيث أنجزت المزرعة تجارب مثمرة في عدة شعب وتخصصات زراعية، بينها إنتاج الجيل الأول من بذور البطاطا، وبذور القمح الصلب واللين، وبذور السلجم الزيتي ودوار الشمس وبقول موجهة للاستهلاك الوطني.
«نحن جاهزون للمرحلة الجديدة، لا يوجد ما يعيق عملنا، سننطلق بعد أيام قليلة» يقول مدير المزرعة، متحدثا للنصر وهو بمكتبه منكبا على مراجعة وتدقيق حسابات الموسم الفلاحي الذي انتهى منذ أيام قليلة.
مردود تجاوز المعدلات الأوروبية
تقع أراضي مزرعة ريشي عبد المجيد، التي صارت اليوم تحت مسمى وحدة الإنتاج الفلاحي «يو.أ.بي» على ارتفاع 231 مترا عن سطح البحر، وسط مناخ رطب وممطر شتاء.
وتتربع المزرعة التي تمد الجزائريين بالغذاء منذ عقود طويلة، على مساحة تتجاوز 1000 هكتار بينها 947 هكتارا صالحة للزراعة، وتتميز هذه الأراضي بالخصوبة والقدرة على الإنتاج المكثف للبذور والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية الموجهة للاستهلاك، وكانت هذه الأراضي هدفا للمعمرين الذين قدموا مع جيش الغزاة، وبسطوا سيطرتهم على المنطقة، وأقاموا فيها مزارع كبرى ما زالت معالمها إلى اليوم بريشي وبمزارع أخرى مجاورة.

يقول مدير المزرعة، إبراهيم بوستة بأن ريشي قادرة على إنتاج كل المحاصيل الزراعية من قمح وبقول وبطاطا وطماطم صناعية وفلفل وأشجار مثمرة وأعلاف، وتجاوز مردود بعض المحاصيل المعدل الأوروبي كالقمح وبذور البطاطا ومحصول دوار الشمس الموجه لإنتاج الزيوت الغذائية.
وقد ظلت المزرعة كذلك تحرز المزيد من التطور، حتى جاء التحول الجديد الذي أقرته الدولة، وبموجبه ستكون المزرعة بداية من الموسم الجديد 2024/2025 متخصصة في إنتاج مختلف أنواع البذور، بينها بذور البطاطا من الجيل الأول «جي1» وبذور دوار الشمس والقمح الممتاز، لتحقيق الاكتفاء الوطني والحد من استيراد البذور من الخارج.
وقد رافقنا إبراهيم بوستة إلى منشآت المزرعة، مؤكدا بأنها تملك كل مقومات النجاح وهي مستعدة للمرحلة الجديدة، نظرا لتوفرها على بنية تحتية قوية، وكأنها كانت تتوقع حدوث تحولات جذرية بقطاع الزراعة الوطنية.
وقد اختارت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية مزرعة ريشي عبد المجيد سنة 2021 لإقامة مشتلة نموذجية لإنتاج بذور البطاطا من الجيل الأول، ومنذ ذلك الحين اكتسب المهندسون العاملون بالمزرعة خبرة كبيرة سمحت لهم بالمضي في التجربة، والمساهمة في الجهد الوطني الرامي إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلاد.
طاقة مائية لضمان الانتقال المرن إلى المرحلة الجديدة
وتعد الطاقة المائية الهائلة ثمرة الجهود التي بذلت على مدى سنوات طويلة، حيث تكاد المزرعة اليوم أن تحقق الاستقلالية والاكتفاء من مياه السقي، يقول مدير المزرعة، وهو يقف على شاطئ حوض مائي ضخم يتسع لنحو 50 ألف متر مكعب، يقع على بعد أمتار قليلة من إدارة المزرعة، انتهى به العمل السنة الماضية وهو اليوم يسقي الحقول الزراعية وبساتين الأشجار المثمرة التي تحيط بمنى الإدارة وأقسام الخدمات، في نظام هندسي بديع.

ويتغذى الحوض المائي من بئر عميق اكتشِف داخل المزرعة وله قوة تدفق هامة، حيث تم ربطه بالطاقة الكهربائية وتجهيزه بمعدات الضخ التي توصل المياه إلى حوض التجميع كلما انخفضت مياهه تحت تأثير السقي المكثف بواسطة محركات الديزل وشبكة ضخمة من الأنابيب المغذية للحقول والمشاتل والبساتين.
وتتوفر المزرعة الشهيرة أيضا على حوض آخر للمياه تبلغ قدرته 20 ألف متر مكعب وبئرين عميقين قوة كل منهما 9 لتر في الثانية الواحدة. كما ترتبط المزرعة بالنظام المغذي لمحيط السقي الشهير قالمة بوشقوف المتربع على مساحة تقارب 10 آلاف هكتار، وحسب مدير المزرعة فإنه يوجد اليوم نحو 70 مأخذا للتزود بمياه السقي القادمة من سد بوحمدان، وفي حالة تعطل هذا النظام بسبب الكسور أو بسبب الجفاف الذي يطال سد بوحمدان بين سنة وأخرى، فإن ريشي عبد المجيد ستتجنب الجفاف بفضل مواردها المائية الذاتية.
وينظر مدير المزرعة ومساعدوه إلى المستقبل بتفاؤل كبير، مؤكدين أن الطاقة المائية تعد العصب الحيوي لقطاع الزراعة، ولذا فإن الجهود لا تتوقف على الأحواض والآبار الجوفية المنجزة، ولا على شبكة محيط السقي التي تتغذى من سد بوحمدان، فالأعين متجهة اليوم صوب محطة عملاقة لمعالجة المياه العادمة لمدينة قالمة، حيث تعرف هذه المنشأة المائية الضخمة عمليات تطوير لتنتج طاقة مائية نظيفة ستستفيد منها مزرعة ريشي عبد المجيد في المستقبل، لتعزيز مواردها المائية وتكون في مأمن من التغيرات المناخية وموجات الجفاف المتعاقبة على المنطقة.
سلسلة التبريد عصب الأمن الغذائي
وإدراكا منها لأهمية التبريد في حفظ المنتجات الزراعية، والبذور الثمينة، أنجزت مزرعة ريشي عبد المجيد بقالمة، غرفة تبريد ضخمة تتسع لنحو 1100 متر مكعب تمتلئ كل موسم بمختلف المنتجات من خضر وفواكه وبذور، وعندما دخلنا إليها كانت بها كميات ضخمة من بذور البطاطا من الجيل صفر، التي سيتم غرسها بعد أيام قليلة لتصبح بذورا من الجيل الأول.

كانت الغرفة أشبه بخلية نحل، العمال في حركة دؤوبة لتوظيب البذور وإعدادها في أكياس ذات 50 كلغ ستوجه إلى مشتلة من البيوت البلاستيكية بعد إعداد التربة وتشغيل نظام التكييف ونظام السقي.
وتعد غرفة التبريد الضخمة مكسبا لقطاع الزراعة المحلية برمته، حيث يمكن الاعتماد عليها لحفظ منتجات غذائية أخرى قادمة من خارج المزرعة، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، حيث تراهن ريشي على مبدأ الشراكة والاستثمار مع متعاملين آخرين لزيادة الثروة وتحقيق المزيد من المداخيل المالية لتطوير البنى التحتية وتجديد معدات الإنتاج.
مدرسة لتكوين كوادر التسيير والعمالة المؤهلة
وينظر مدير المزرعة، إبراهيم بوستة ومساعدوه، إلى المستقبل بأمل وإصرار كبيرين مؤكدين للنصر بأن تطوير قطاع الزراعة في البلاد مرهون بالطاقة المائية وبالكوادر المتمكنة والعمالة المدربة على التقنيات الزراعية الحديثة.
ولتحقيق هذه الغاية تعتمد ريشي عبد المجيد على مدرستها الخاصة المتواجدة قرب مبنى الإدارة، للقيام بدورات التدريب، وعقد الملتقيات العلمية واستقبال الوفود الزائرة في إطار التعاون والتكوين المتواصل للمهندسين والتقنيين وعمال الصيانة والعتاد. وإلى جانب المدرسة يوجد مبنى الميكانيك أين تتم عمليات صيانة العتاد والتدريب على التحكم فيه، خاصة تلك المعدات الحديثة المتخصصة في البذر وجني المحاصيل الزراعية المختلفة. قبل أن نغادر هذا القطب الزراعي الواعد، أطلعنا مدير المزرعة على نظام المراقبة الإلكترونية الذي يغطي مساحة واسعة من المزرعة، بما فيها الآبار والأحواض المائية والحقول الزراعية وغرفة التبريد، و ورشات الصيانة وحظيرة العتاد، التي وضعت على أهبة الاستعداد لبداية موسم فلاحي جديد على وقع التحولات الجذرية التي يعرفها قطاع الزراعة في البلاد.
ف.غ

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com