السبت 19 أكتوبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

هجره الزوار كليا: محيط ضريح "ماسينيسـا" في حالة إهمال ودعوات لبعثه سياحيا

تعرف الغرفة الجنائزية لصومعة الخروب الأثرية بقسنطينة، أو ضريح القائد النوميدي «ماسينيسا»، حالة تدهور مؤسفة جدا، بعدما عزله التوسع العمراني وتراجع الإقبال السياحي عليه لدرجة كبيرة جدا أدخلته درج الإهمال.
روبورتاج/ إيناس كبير

أشارت الساعة إلى الثانية بعد الزوال، عندما وصلنا إلى أعلى حي الضريح، ببلدية لخروب بقسنطينة، وقد سُمي الحي كذلك نسبة إلى الغرفة الجنائزية لصومعة لخروب المتواجدة بذات المنطقة، والتي يُعتقد أنها ضريح يعود للقائد النوميدي «ماسينيسا».
يضيع وسط متاهة عمرانية و تغزوه القمامة
وبالرغم من أن الهواء كان منعشا في ذلك اليوم، بعد أن شهدت الولاية حرارة مرتفعة في الأيام التي سبقته، إلا أننا استغربنا الهدوء الكبير الذي طبع الأمسية، وقد كان المكان خاليا تماما من البشر رغم تواجده ضمن محيط سكني، لاحظنا أيضا غياب لوحات إرشادية تشير إلى وجود معلم أثري سياحي قريب، ولولا أننا زرناه من قبل لما كنا لنهتدي إلى مكانه أبدا في وسط تلك المتاهة من العمارات المتجاورة المتداخلة.
كان أول ما شدّ انتباهنا عند وصولنا إلى وجهتنا، هو انتشار النفايات والأكياس البلاستيكية على طول الطريق وقرب الساحة الخارجية، أين يوجد قوس نُقشت على عموديه صورتان لـ«ماسينيسا».
انتبهنا إلى أن محيط المعلم قد احتل من طرف مواطنين حولوه إلى حظيرة لركن سياراتهم و تصليح بعضها، فيما كان آخرون يرقصون بطريقة غريبة على أنغام صاخبة ويدخنون السجائر.
بعد دخولنا إلى الضريح، لاحظنا أنه يتربع على مساحة كبيرة، ومن خلال جولة في أرجائها، اتضح لنا بأن المكان كله مهمل بما في ذلك الحديقة المحاذية له والتي كانت قد هيئت قبل سنوات وأحيطت بحواجز حديدية، إذ بدا المكان خاليا على عروشه لا أثر فيه لأي زائر أو نشاط، فحتى الأكشاك و المراحيض العمومية تفتقد في المنطقة. المشجع في الزيارة كانت وضعية المعلم الحجري الذي بدا متماسكا ومحافظا على هيبته، رغم بعض الخربشات التي شوهت جزءا من حجارته القديمة.
تعد على حرمة التاريخ
كانت القمامة تعم محيطه و الأشواك تصعب الاقتراب منه، وقد واجهنا صعوبة في المرور عبرها، عكس شباب تخطوا الحاجز الحديدي بالفعل ودخلوا من خلال جزء مكسور منه، ليتوجهوا مباشرة نحو النصب الأثري أين قاموا بتسلق حجارته صعودا إلى أعلى الصومعة، وعندما أبلغنا الحارس، قال لنا بأنه لم ينتبه إليهم بسبب كبر المساحة، كما أن الجزء الذي تسربوا منه إلى الضريح كان بعيدا عن غرفته، مؤكدا لنا بأن هذا الأمر يتكرر دائما. وقد صادف تواجدنا هناك، مجيء أب مع أطفاله الثلاثة لزيارة المعلم الذي كان يملك تصورا إيجابيا مسبقا عنه، ليصدم بالوضع، فأبدى امتعاضه الشديد و قال إنه لا يفهم كيف يتوجب عليه أن يدفع ليزور معلما مهملا وغير آمن.
تدهور خلفته آثار الجائحة
قال لنا الحارس، إن زوار ضريح «ماسينيسا» هجروا المكان منذ جائحة «كورونا»، أين بدأ عددهم يتناقص منذ ذلك الحين، وأنه وضع يؤسفه جدا كونه اعتاد على الحركية الكبيرة التي كانت تطبع المكان في سنوات ماضية، حيث كان يعج بالسياح من كل ولايات الوطن، وحتى تلاميذ المدارس كانوا يأتون في رحلات مدرسية لاستكشاف المعلم التاريخي.مؤكدا، بأن المنطقة هجرت كليا وهو وضع يطبع كل أيام السنة، وأرجع ذلك إلى نقص الترويج للغرفة الجنائزية، ناهيك عن غياب لوحات إرشادية تشير إلى وجودها أو تعرف بها، إلى جانب غياب المرافق التي تجذب العائلات. أما بخصوص وضعية حظيرة السيارات عند مدخل النُصب الأثري، فأوضح بأنها غير تابعة للضريح، و ذكر بأن غياب بوابة تصد بعض المخربين عن الدخول إلى المعلم صعب من مهمة حراسته، خصوصا وأن الحواجز الحديدية تتعرض للتخريب في كل مرة.وبخصوص النقائص التي يعاني منها الضريح، تحدث الحارس عن غياب المياه بالرغم من تواجد المعلم بالقرب من برج للمياه، ووسط أحياء سكنية، زيادة على انعدام الإنارة وهو ما يشكل خطرا على الحارس الذي يعمل ليلا، ناهيك عن عدم وجود دورات للمياه. وفيما يخص الأمن، أكد لنا المتحدث، بأنه مضمون حيث تتحرك دوريات للشرطة طوال اليوم، وهو ما أدى حسبه، إلى تراجع حوادث الاعتداء على المواطنين.
مواطنون يحجمون عن زيارة المعلم بسبب غياب المرافق
تقول سارة وهي شابة تقطن بحي 1600 مسكن، ببلدية الخروب، إنها لم تزر ضريح «ماسينيسا» منذ خمس سنوات مضت، وأن قاطني المنطقة لا يقصدونه إلا عندما يسقط الثلج، أما باقي الأيام فهو خال تماما، وقد أرجعت السبب إلى غياب الأمن خصوصا في نهاية الأسبوع أين يصبح المكان مرتعا للمنحرفين، واصفة إياه بأنه غير عائلي بسبب غياب الحركة بالإضافة إلى الافتقار لمرافق الترفيه والأكشاك.
أما محمد، وهو من سكان لخروب أيضا، فقد أفاد بأنه لم يزر المكان سابقا، حتى إنه لا يملك معلومات كافية عنه، عكس نصب الأموات المتواجد وسط مدينة قسنطينة.
اعتبر المتحدث، بأن ضريح صومعة الخروب يحتاج إلى ترويج أكثر، وأردف معلقا :«باقي بلديات قسنطينة أيضا تتوفر على معالم أثرية تستحق الزيارة مثل تيديس، فلماذا عندما يأتي السياح إلى المدينة، يوجههم المرشدون نحوها ويغفلون الضريح»، وأتبع «عدم توفر معلومات كافية عن المعلم جعل الناس ينسونه بمرور السنوات»، مضيفا بأن الهيئات المسؤولة أيضا، يجب أن تتحرك من أجل تهيئة المكان، والترويج له تشجيعا للعائلات على زيارته وبعثه سياحيا.

* الباحث في التاريخ والآثار حسين طاوطاو
للضريح قيمة رمزية وتاريخية كبيرة
يوضح الأستاذ الباحث في التاريخ والآثار، حسين طاوطاو، بأن ضريح الملك النوميدي «ماسينيسا» يعد من المعالم الجنائزية المهمة، ويعود إلى الفترة البونيقية، وقد أجريت عليه عدة بحوث منذ 1915 إلى يومنا هذا، توصلت إلى أنه يعود إلى ابن الملك «ميسيبسا». وأكد طاوطاو، على قيمته الكبيرة في تاريخ العمارة حيث يعد حسبه، آخر الأضرحة التي بنيت في القرن الثاني قبل الميلاد قبل مجيء الرومان، ويختم سلسلة الأضرحة ويؤرخ للانتقال إلى مرحلة جديدة.
وأعقب، بأنه دليل أيضا على أن مركز الإشعاع الفني لم يكن مقتصرا على مصر واليونان فحسب، بل انتقل أيضا إلى إيطاليا، لأن المعلم يعد الوحيد الذي يحتوي على عناصر معمارية إيطالية، وهو ما اعتبرها المتحدث خاصية يتميز بها الضريح عن غيره من الأضرحة، فضلا عن أنه الوحيد الذي وُجد بداخله أثاث جنائزي وعظام. وأتبع طاوطاو، بأن زيارة الضريح مرتبطة بقيمته وظروفه التاريخية وهو غير مرتبط بعرق عن آخر.
الآثار الثقافية دليل وجودي وجب المحافظة عليها
وتأسف الباحث، لما آل إليه المكان بسبب بعض التصرفات السلبية مثل تسلق الضريح و الكتابة على حجارته، وأكد بأن الممارسات سوف تؤدي إلى اندثار المعلم وفقدانه لقيمته التاريخية والعلمية.
وأكد، بأن تحرك المسؤولين والتسيير الجيد لهذه المعالم أصبح أمرا ملحا، فضلا عن معرفة قيمة هذه الآثار وتطبيق القوانين على من يعتدون عليها، إذ أن الأمر وفقا للأستاذ والباحث في الآثار، لا يتعلق بالهوية فحسب وإنما هي مشكلة وجودية، خصوصا بعد أن فهم العالم منذ الحرب العالمية الثانية، أهمية الحفاظ على المعالم الثقافية والأثرية، لأنها بمثابة شواهد تثبت وجود الأمة على الأرض.
وقال طاوطاو، إنهم على مستوى مركز البحوث العلمية يعملون على إجراء دراسات وأبحاث علمية تعالج بعض المسائل التي ماتزال معلقة، وتبرز القيمة التاريخية والعلمية والفنية للمعالم الأثرية، خصوصا ما تعلق بالحالة التي آلت إليها هذه الأخيرة، بسبب ظروف تسييرها وعدم إعطاء الاهتمام الكافي لها، نتيجة الجهل بقيمتها الاقتصادية، مشيرا إلى أهمية التوعية والتحسيس على مستوى عال في كل مؤسسات الدولة. إ.ك

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com