طريق متدهور يتحول إلى نقطة سوداء تحصد عشرات الضحايا بقسنطينة
أعادت «المجزرة» المرورية التي وقعت في التاسع جويلية بولاية قسنطينة وأودت بحياة 19 شخصا، الحديث عن الخطر الذي يواجهه مستعملو الطريق الوطني رقم 27، في جزئه المار على منطقة وادي ورزق التي شهدت الحادث، بحيث أصبح «نقطة سوداء» حسب المواطنين، وخصوصا صيفا، أين يتحول إلى معبر للمصطافين المتوجهين إلى سواحل ولاية جيجل والقادمين منها. النصر زارت المكان بعد رحلة رصدنا فيها تجاوزات خطيرة ومشاكل تقنية في الطريق، كما نقلت شهادات سكان حذروا من حوادث أكثر دموية في حال عدم إصلاح المحور، بينما تتعهد السلطات بمشروع لازدواجيته.
روبورتاج: حاتم بن كحول
النصر تنقلت إلى هذه المنطقة التي شهدت حادثا مروريا أليما أدى إلى وفاة 19 شخصا معظمهم نساء وأطفال من عائلة واحدة وجرح آخرين، نتيجة اصطدام بين حافلة وشاحنة من الوزن الثقيل. وللوصول إلى وادي ورزق التابعة لبلدية بني حميدان، سلكنا الطريق الوطني رقم 27 الرابط بين ولايتي قسنطينة وميلة، أين وجدنا ازدحاما مروريا بمنطقة البشير، لتتحرر حركة المرور بعين بن سبع التي يقطن بها معظم ضحايا الحادث، ومنها إلى الجلولية ثم شعبة المذبوح، حيث كان الطريق ضيقا.
محور مليء بالحفر والمنعرجات
وأثناء رحلتنا وقفنا على خطورة الطريق التي تمتد من شعبة المذبوح، وتحديدا قبيل مسجد نور الإسلام، حيث كنا شهودا على تجاوزات خطيرة من سائقين في منعرجات حادة، على غرار صاحب مركبة من نوع «شانا» ، تجاوز الشريط المتواصل المرسوم على الطريق.
ويعرف الطريق الممتد من مدخل حامة بوزيان إلى منطقة واد ورزق الحدودية مع ولاية ميلة، بكثرة مرور شاحنات الوزن الثقيل، والتي شكلت سلسلة طويلة أدت إلى ازدحام مروري على طوله، ما يدفع بعض السائقين للقيام بمناورات خطيرة.
كما كانت حالة الطريق سيئة بسبب عدم استوائها وكذا كثرة الحفر، ما يجعل كل سائق يجد صعوبة في التحكم في مسار المركبة، إذ تهتز في كل مرة وبشكل مائل، وخاصة في منطقة عين الحمراء، فيما تم وضع لافتة تحذيرية بضرورة عدم تجاوز سرعة 60 كيلومترا في الساعة، بسبب خطورة هذا المسلك.
مناورات خطيرة لاجتياز شاحنات الوزن الثقيل
وتواصلت المناورات الخطيرة طيلة رحلتنا في هذا الطريق غير الصالح في أجزاء منه، لنتوقف بمنطقة شعبة المذبوح أين تحدثنا مع بعض السكان، ومنهم كهل يملك محلا لبيع الأعشاب، حيث أخبرنا بأن شاحنات الوزن الثقيل كانت تستعمل مسلكا آخر يدعى «الطريق القديمة»، ولكن قبل 45 يوما عادت لتستعمل الطريق الوطني.
وأضاف المتحدث، أن أكثر ما يقلقه عند المرور على «طريق الموت» مثلما سماها، هو كثرة الشاحنات التي تجبره حسبه، على القيام بتجاوزات خطيرة، محملا سائقيها مسؤولية حوادث المرور المسجلة بالمكان، وآخرها التي وقعت في التاسع من شهر جويلية، مضيفا أنه يفضل عند تنقله للريف من أجل زيارة الأهل والأقارب، أن يسافر في الصباح الباكر لتفادى الشاحنات.
بعد عشرات الأمتار من السير، وجدنا الشاحنة التي تسببت في الحادث المذكور، مركونة بمدخل محطة البنزين بمنطقة أولاد النية، حيث كانت واجهتها الأمامية محطمة كليا، رغم صلابة هذا النوع من المركبات من علامة «شاكمان»، ما يعكس قوة الاصطدام.
توقفنا لبعض الوقت في هذه المحطة التي تبعد بحوالي 3 كيلومترات عن موقع الحادث، وتحدثنا إلى مواطن كان بصدد ارتشاف فنجان من القهوة، حيث أخبرنا أنه يقطن بوسط مدينة قسنطينة، وتعود على قضاء عطلته في ولاية جيجل، وبالتالي فإنه يمر في كل مرة على هذه «النقطة السوداء» كما وصفها.
وقال المتحدث، إن خطورة الطريق تمتد من منطقة تيديس إلى غاية جسر واد ورزق، موضحا أنه يشعر بالارتياح كلما اجتاز هذا الجزء منها، كما أنه يخشى المكان في رحلة الإياب لأن الشاحنات تكون قادمة من الأعلى إلى الأسفل، ما يعني إمكانية فقدان سائقيها للسيطرة على المكابح، كما أن الفترة المسائية تعرف حسبه، حركة مرورية كبيرة لتزامن عودة المصطافين مع انطلاق الشاحنات من المصانع نحو وجهاتها.
خطورة الطريق تمنع مواطنين من التوجه إلى الشواطئ
وأضاف محدثنا أن عددا كبيرا من أفراد عائلته، أصبحوا يتفادون التوجه إلى جيجل بسبب هذا المسلك، مفضلين ولايات ساحلية أخرى، حيث يقترح إنجاز طريق ازدواجي خاصة وأن المساحة متوفرة على حافتي المحور، زيادة على أن مستعملي المركبات يستغرقون قرابة ساعتين من أجل اجتياز المسافة الرابطة بين وادي ورزق وعين بن سبع.
و أكد ثلاثيني يعمل بمحطة البنزين في منطقة أولاد النية، أنه يضطر للمرور على هذا المحور يوميا، بحكم أنه يقطن في مدينة القرارم، موضحا أنه لا يمكن تسميته بالطريق، نظرا للحفر والانشقاقات الكثيرة، كما قال أنه وأثناء رحلتي الذهاب والإياب يشاهد العديد من حوادث المرور، حتى أنه يخشى على حياته كلما مر على هذه النقطة، ليضيف قائلا «عكس بقية العمال، أنا لا أفكر في كيفية تمضية أو أداء عملي المرهق، فهمي الوحيد هو تجاوز تلك الطريق والوصول إلى مقر عملي ثم إلى سكني سالما».
«أخشى على حياتي كلما مررت على هذا المسلك»
وفي طريقنا استوقفنا أحد الشبان الذي كان قادما من جسر وادي ورزق، قبل مكان وقوع الحادث بأمتار، لنعلم منه أنه يعمل فلاحا ويقطن بمنطقة بودباغ بولاية ميلة، حيث قال «أستعمل هذا الطريق يوميا، حقيقة أنا ابن المنطقة وأعرفه جيدا، ولكن أخشى على حياتي كلما مررت من هنا. من لا يعرف الطريق قد يتعرض إلى حادث في أي لحظة، فالمحور الممتد من القرارم إلى وادي ورزق جيد جدا، عكس ما هو عليه من وادي ورزق باتجاه شعبة المذبوح».
وبعد أمتار من السير وصلنا إلى «طريق الموت»، أين لفظ 19 شخصا أنفاسهم، وهو عبارة عن مسلك ضيق غير مستو، به مطبات عديدة ويقع في منحدر به منعرجان خطيران مختلفان في الاتجاه. وحسب سكان بالمنطقة حضروا مباشرة بعد الحادث، فإن الشاحنة كانت قادمة بسرعة في المنحدر لتصطدم مباشرة بالحافلة التي كانت في طريقها للصعود، وتجرها لأمتار باتجاه خندق بحافة الطريق، لتقع الحافلة و فوقها الشاحنة.
وبقيت بعض آثار الحادث متمثلة في زيوت المحركين وكذا زجاج مهشم، موجودة بالمكان، بالإضافة إلى بعض القطع والأجزاء الصغيرة الخاصة بالمركبتين، فيما انتشرت على المساحة الترابية المحاذية للمسلك، علب عصير وغلاف بسكويت وحذاء أطفال وقارورات مياه معدنية يبدو أنها كانت بحوزة الضحايا.
توجهنا بعد ذلك نحو قرية وادي ورزق، بحيث كان العديد من سكانها شاهدين على الواقعة أو تواجدوا بعين المكان مباشرة بعد الحادث. التقينا بصاحب مقهى يقع مباشرة أسفل المنحدر الخطير ومقابل جسر واد ورزق، وقد بدا جد متأثر بما شاهد في ذلك اليوم المشؤوم، حيث فضل الحديث عن خطورة الطريق قائلا «سبق وأن توجهت شاحنات صوب محلي بعد فقدان السائقين السيطرة عليها، لذلك أجبرت على بناء هذا السور لحماية المقهى والزبائن».
وعاد بنا أحد السكان ليوم الواقعة قائلا «قبل موعد صلاة المغرب بدقائق سمعنا دويا قويا، وظننا أن قنبلة انفجرت، خاصة وأن مكان الحادث يبعد بحوالي 500 متر عنا، ومع ارتفاع دخان كثيف، ظن الجميع أنها قنبلة بالفعل، حيث تنقلنا مسرعين إلى مكان الحادث، لنشهد على أكبر مجزرة مرورية تقع في المنطقة»، ليتدخل صاحب المقهى معلقا «تخيل أن الغبار المنبعث من الحادث وصل إلى داخل المقهى على بعد مئات الأمتار».
و واصل المتحدث سرده للحادثة في تأثر «لا يمكنني نسيان تلك المناظر. كأنها مجزرة، أو حرب أهلية، فالكثير منا لم يتمكن من مواصلة النظر إلى الضحايا، تلك المشاهد الأليمة لا زالت محفورة في مخيلتنا».
أطفال تعودوا على مشاهد الدماء والموتى
وأضاف مواطن آخر «الكثير منا فقد شهية الأكل لأيام»، حيث أوضح أن سكان وادي ورزق تأثروا كثيرا، رغم أنهم متعودون على تلك المشاهد، خاصة وأن هذا الطريق حصد حسبهم العديد من الأرواح طيلة السنوات الماضية، وبعضهم من أهل المنطقة، وتابع «لا توجد عائلة لم تفقد شخصا على الأقل في حادث مرور بهذا الطريق»، كما تعرض الكثير من السكان، مثلما أخبرونا، إلى إصابات أدت إلى إعاقات حركية، على غرار شاب بترت ساقه.«حضرنا عدة حوادث مرور مميتة، حيث نكون في سكناتنا فنسمع فجأة صوت تصادم قوي، لنخرج مسرعين ونحن متأكدون من وقوع حادث مرور، حتى أن أبناءنا تعودوا على مشاهد الجرحى والجثث والدماء، خاصة أن الأطفال أول من يحضر إلى مسرح الحادث»، يقول أحد المواطنين ثم يضيف «أغلب الحوادث تتسبب فيها الشاحنات، نتمنى ألا تعاد مثل هذه الحادثة لأننا أصبحنا نعيش الرعب».
وحذر كهل من حدوث كارثة جديدة حسبه، موضحا أن أطفال المنطقة يضطرون لقطع الطريق يوميا من أجل الوصول إلى مدارسهم الواقعة في الجهة المقابلة، حيث يمكن لسائقي الشاحنات أن يفقدوا التحكم في مركباتهم بسبب أعطاب في المكابح ويدهسوا الأطفال. وأضاف محدثنا قائلا «الطريق يشكل خطرا على مستعمليه، لأنه جاء في منحدر ثم منعرج خطير، ثم يأتي جسر أنجز في فترة الاستعمار على أساس مرور مركبة واحدة (..) كم من مركبة سقطت بالوادي الواقع أسفل الجسر».
حافلة ضحايا الحادث تتحول إلى كومة حديد
وتحدث السكان عن طريق قديم كان يستعمل في السابق لمرور شاحنات الوزن الثقيل، ما ساعد على انخفاض عدد حوادث المرور كثيرا، ولكن اهتراءه أجبر السائقين على العودة إلى الطريق الوطني، كما أكد أيضا أن بعض أجزاء المحور تم ترميمها ولكنها تعود لحالتها السابقة بعد فترة، بسبب انزلاق في الأرضية ما يحدث انشقاقات وحفرا كثيرة.
وعلى بعد أمتار من المقهى الذي تواجدنا به، وضعت الحافلة التي كانت تقل ضحايا حادث المرور، بمساحة محاذية للطريق القديم، حيث كانت مغطاة بغطاء أبيض على جهتها المقابلة للطريق ولاحظنا أن حجمها تقلص جراء قوة الاصطدام.
وبإلقاء نظرة داخل الحافلة شاهدنا مناظر تفطر القلب وتدمع العين، فلم يكن سهلا التفريق بين المقدمة ومؤخرة المركبة، مع تلاصق الكراسي التي نزعت من مكانها، كما لاحظنا بقع دماء على الواجهة اليمنى، فيما بقيت بعض المستلزمات والأغراض الخاصة بالضحايا، على غرار أوعية تبريد المياه و المناشف.
مشروع لإنجاز ازدواجية الطريق
وقال رئيس بلدية بني حميدان سابقا والنائب البرلماني المنتخب مؤخرا، محسن طاهر، أن أجزاء بالطريق الوطني رقم 27 وخاصة مكان وقوع الحادث تعرف مشاكل عديدة منها اهتراء هذا المحور بسبب انزلاق في الأرضية، مؤكدا أنه تمت إعادة تهيئة جزء من الطريق القريب من جسر واد ورزق ولكنه يعود لحالته بسبب الانزلاق.
أما بخصوص الطريق القديم، والذي كان مخصصا لمرور شاحنات الوزن الثقيل، فقد أوضح محسن أنه وخلال اجتماع حضره مع والي قسنطينة، أكد هذا الأخير أن دراسة منتهية منذ أكثر من سنتين من أجل إنجاز ازدواجيته، بحيث سيتم تسجيل المشروع سنة 2022.
ح.ب