نفاد كميات البطاطا يخلق ندرة و رهان على محصول الصيف
بلغت أسعار البطاطا بأسواق الوادي، مستويات قياسية لم تعهدها منذ 3 سنوات تقريبا، حيث بيع الكيلوغرام من هذه المادة واسعة الاستهلاك، بأرقام مضاعفة تخطت عتبة 140 دينارا للكيلوغرام في التجزئة، بالنظر للأسعار التي اقتنى بها تجار الجملة المحصول من الفلاح، فيما تسبب نفاد الكميات المحصلة من الموسم في خلق ندرة، بينما يبقى الرهان قائما على منتوج الصيف لعودة الاستقرار للسوق.
روبورتاج: منصر البشير
تتصدر الوادي خلال السنوات الأخيرة، ترتيب الولايات المنتجة للبطاطا، بوفرة كبيرة تغطي ما يفوق 35 في المائة من الإنتاج الوطني، وتحولت بذلك إلى وجهة لتجار الولايات الذين يحولون كميات نحو الأسواق في الشمال وحتى الجنوب، خاصة من محصول فصل الشتاء المبكر الذي تنفرد به الوادي دون غيرها من المناطق الأخرى.
في مقابل ذلك، عرفت الوادي خلال الأسابيع القليلة الماضية وإلى غاية شهر رمضان، ارتفاعا كبيرا في أسعار البطاطا كغيرها من الولايات، وهو ما يرجعه عدد من الفلاحي إلى كثرة الطلب وبالتالي تحويل جل محصول الشتاء مباشرة من المزارع إلى أسواق الولايات الأخرى، دون المرور حتى بأسواق الجملة التي تصلها نسبة قليلة مما ينتج محليا.
فلاحون باعوا كل المحصول بما بين 75 و 90 دج للكلغ
النصر تنقلت إلى مزارع على مستوى بعض المحيطات الفلاحية في إقليم ولاية الوادي، أين وجدت عددا كبيرا من الفلاحين كان قد أنهوا جمع محصولهم من البطاطا وقاموا بزرع كميات أخرى من أجل جنيها في آخر فصل الربيع، حيث أكدوا أن أغلب ما تم جنيه وُجه إلى خارج الولاية بالنظر إلى الإقبال الكبير عليه من تجار من مختلف الولايات الشمالية.
وقال عبد الرؤوف وهو فلاح بطريق دوار الماء النخلة جنوب شرق ولاية الوادي، إنه باع محصوله الذي تم جنيه قبل أزيد من شهر ونصف على مساحة تفوق 8 هكتارات، مباشرة لتجار من ولايات الشمال، حيث تنقلوا إلى مزرعته وتفاوضوا معه لشراء كل ما قام بزرعه في أول محصول من موسم 2022، موضحا بأن باع أجود نوع من البطاطا بنحو 90 دينارا وهو ما حفزه على الانطلاق في الزراعة من جديد، حيث يقوم حاليا باستعمال مختلف الأسمدة للجني بعد شهر ماي المقبل.
وأكد موسى وهو فلاح بدائرة حاسي خليفة، أنه و رغم تقليصه للمساحة التي كانت تخصصها عائلته لزراعة البطاطا، إلا أن نجاح الموسم الأخير الذي باع به منتوجه بما بين 75 و 88 دينارا حسب الحجم والجودة، حفزهم بعد انتكاسات آخر 3 مواسم، للعودة إلى زراعتها وبمساحات أوسع، إلا أن تخوفه كفلاح يبقى قائما من إمكانية انهيار الأسعار في أي لحظة، تزامنا مع دخول موسم جني ولايات الشمال المشهورة بزراعة البطاطس، على غرار معسكر، مستغانم وعين الدفلى.
كما أشار محمد وهو فلاح ببلدية ورماس، إلى أنه لم يتبق من محصول فصل الشتاء لمادة البطاطا بمستثمرته، إلا نسبة قليلة مما زرعه والتي لا تتعدى 5 بالمائة كان قد زرعها متأخرة بحوالي شهر وشرع في جنيها منذ أيام، ليقوم ببيعها منتصف شهر رمضان لتاجر من خارج الولاية، بمبلغ 88 دينارا للكيلوغرام، مضيفا بأن بطاطس الشتاء ككل سنة، تنفرد بها الوادي كمحصول مبكر دون غيرها من الولايات، مساهمة في تموين أسواق الوطن.
قلة العرض ألهبت السوق
تابعت النصر تعقب سلاسل إنتاج وتسويق مادة البطاطا واسعة الاستهلاك، إلى أن التقت بعدد من تجار سوق الجملة المركزي للخضر والفواكه بالوادي، حيث أكدوا أن الارتفاع الكبير في أسعار البطاطس بالمنطقة، راجع لقلة العرض حتى على المستوى المحلي كون جل الفلاحين أنهوا محصول فصل الشتاء وامتصت أسواق الشمال أغلب الكميات، في انتظار نضج محصول فصل الصيف، ناهيك عن الأمطار الأخيرة التي عرفها أغلب ولايات الوطن، بما فيها ولايات الشمال التي كان منتوجها يدخل الأسواق بعد انتهاء عملية جني محصول الوادي مباشرة.
وقال زكريا وهو تاجر بسوق الجملة للخضر والفواكه، إن قلة العرض جعلت الكثير من تجار التجزئة للخضر والفواكه، يعزفون عن شرائها بعد أن فاقت أسعارها 140 دينارا للكيلوغرام، خاصة أن ذلك تزامن مع شهر رمضان، أين يكثر الطلب من طرف المستهلك، منوها بأهمية تأمين كميات كافية في المخازن لسد العجز وقت الحاجة، لاسيما في بطاطا الشتاء.
كما أكد “عمي علي» الذي ينشط كتاجر في ذات السوق، أن الكميات الكبيرة من مادة البطاطس التي تهافت على شرائها تجار الولايات الذين كانوا يقصدون أسواق الوادي ومختلف المحيطات الفلاحية بحثا عن البطاطا، أدى إلى ندرة في هذه الأخيرة بالولاية وإلى ارتفاع جنوني في أسعارها التي لم تعرفه الأسواق منذ أزيد من 3 سنوات، مشيرا إلى أنه تم تداولها في التجزئة بما بين 110 و 150 دينارا حسب الحجم والجودة.
ولاحظت النصر خلال الأيام القليلة الماضية، ندرة كبيرة في البطاطا على مستوى جل المساحات التجارية، وإن وُجدت تباع بأسعار مرتفعة أدت إلى عزوف العديد من المستهلكين عن شرائها، ناهيك عن انتهاز البعض هذه الفرصة لعرض كميات من النوعية الرديئة جدا بالأرصفة ومداخل سوق التجزئة المركزي بأسعار أقل، من أجل إغراء المستهلك الباحث عن هذه المادة بأقل سعر ممكن.
* رئيس الفيدرالية الوطنية لمنتجي البطاطا أحسن قدماني
نتوقع استقرارا في الأسعار خلال الأسابيع القادمة
أرجع رئيس الفيدرالية الوطنية لمنتجي البطاطا بالوادي، أحسن قدماني، الارتفاع الجنوني في أسعار هذه المادة والتذبذب في العرض، إلى تراكمات عديدة خلال آخر 3 سنوات، والتي زادت من حدتها جائحة “كورونا»، داعيا الجهات الوصية لإعادة هيكلة الشعبة بما يضمن الوفرة وحماية المنتج، التاجر والمستهلك، مطمئنا المواطن بقرب انفراج الأزمة مع انطلاق الجني بعدد من الولايات في شمال البلاد.
وأضاف رئيس الفيدرالية في اتصال يالنصر، بأنه كانت هناك وفرة كبيرة للمحصول لكن في غياب آليات حقيقية لامتصاص الفائض، بما يضمن حماية الفلاحين من انهيار الأسعار وخسارتهم في كل مرة وعزوف عدد كبير منهم عن ممارسة هذه الشعبة، بما فيهم الناشطين بولاية الوادي التي تزرع فيها البطاطا 3 مرات في الموسم الواحد وتساهم في تموين السوق الوطنية بأزيد من 35 في المائة.
وتحدث مصدرنا عن أزمة تفشي وباء “كوفيد19”، التي عطلت عجلة الاقتصاد العالمي بإجراءات الغلق التي تسببت في إعاقة الحركة التجارية بين الدول، بما أدى تسجيل وفرة للمحاصيل الفلاحية قابلها فائض، ناهيك عن الجفاف الذي عرفته الجزائر والذي أوقف نشاط العديد من الفلاحين في الشعبة، حيث كانوا يعتمدون في سقيهم على مياه الأمطار.
وذكّر قدماني بمشكلة ارتفاع تكاليف الإنتاج كمضاعفة تكاليف الأسمدة، البذور واليد العاملة ومختلف الحاجيات التي تدخل في عملية الإنتاج، وهو ما أثر سلبا على منتجي هذه الشعبة وأدى إلى عجزهم عن سد التكاليف مقارنة بما يتداول من سعر في السوق، رغم تفعيل نظام “سيربالاك” الذي لم ينجح في ضبط السوق خاصة خلال هذا الموسم، على حد قوله.
ودعا ذات المتحدث، الجهات الوصية، لإعادة هيكلة شعبة البطاطا، بما يضمن تقديم خدمة عمومية للمواطن، وضمان توفير منتج ذي جودة و سعر مناسب للقدرة الشرائية للمستهلك يحفز الفلاح على مواصلة الإنتاج، مؤكدا أن الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين أعطى أهمية كبيرة لهذه الشعبة في اتصال مع الوزارة الوصية، من أجل إعادة هيكلتها وتقديم الاقتراحات اللازمة التي تضمن تطويرها، مجددا دعوته لكل الفلاحين الذين أجبرتهم الظروف على التوقف عن هذا النشاط، بالعودة والمساهمة في النهوض بالشعبة.. كما طمأن رئيس الفيدرالية، المستهلك، باستقرار الأسعار وعودتها إلى حالتها العادية خلال الأسابيع المقبلة، بعيدا عن الأسعار غير المبررة والجنونية التي شهدتها مختلف الأسواق عبر التراب الوطني، وذلك مع الشروع في جني المحصول بعدد من ولايات الشمال والتي أعاقتها الأمطار الأخيرة عن النشاط، إضافة إلى محصول فصل الصيف بولاية الوادي وبعض المناطق الجنوبية الأخرى التي تزرع فيها البطاطا أكثر من مرة خلال الموسم الواحد.
م.ب