يعيش أصحاب بساتين الأشجار المثمرة ببلدية حامة بوزيان بقسنطينة، شبح فقدان نشاطهم بسبب نقص المياه المخصصة للسقي، بعد أن سجل المنبع الذي ظلوا يعتمدون عليه لسنوات طويلة انخفاضا كبيرا في السنة الأخيرة في الموقع المسمى «حمام الزواوي»، في وقت بدأت فيه علامات المعاناة من نقص المياه تظهر على آلاف الأشجار. وقد طالب فلاحو التعاونية بالسماح لهم بالاعتماد على أحد الأنقاب المخصصة لاستخراج مياه الشرب بشكل استعجالي خلال الفترة الصيفية، في حين وعدت مديرية المصالح الفلاحية بالتكفل بالجانب المادي لعملية حفر بئر ارتوازية. وقد تنقلت النصر إلى حامة بوزيان من أجل نقل صورة مقربة عن المشكلة المطروحة من قبل الفلاحين في هذا الروبورتاج.
روبورتاج: سامي حباطي
رافقنا رئيس التعاونية الفلاحية للخدمات المختصة في السقي وصرف المياه، بلال عليوش، إلى المكان المسمى «حمام الزّواوي»، الذي يعتبر خزانا مائيا طبيعيا هائلا، حيث أكد لنا أنه يضم أكثر من 10 آبار ارتوازية ومضخات تعمل على استخراج مياه الشرب من أجل تزويد سكان رقعة جغرافية واسعة من ولاية قسنطينة، في حين قادنا التقدم قليلا إلى وجود حفرة واسعة يبلغ عمقها أكثر من أربعة أمتار، وتحتوي على بركة مياه راكدة لكن منسوبها منخفض، كما تفضي إلى منفذ محفور في التراب في شكل مجرى مائي. وقد كانت الأتربة مكدسة على الحواف، حيث أكد لنا مرافقنا أنها حفرت خلال هذا الشهر فقط، في حين أشار إلى أن وجود التربة الرملية يعود إلى الكميات الكبيرة للمياه الجوفية في الموقع.
وأوضح لنا رئيس التعاونية أن المكان عبارة عن حمام قديم كانت تنبع منه المياه بشكل طبيعي ويستغلها فلاحو المنطقة للسقي منذ القدم، لكن منسوبها أخذ في الانخفاض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ليتفاقم الأمر في السنة الأخيرة، ما دفع بالمنتمين للتعاونية إلى القيام بعملية الحفر من أجل استخراج مزيد من المياه من الموقع، لكن ذلك لم يكن مجديا، فقد ظل منسوب الماء منخفضا ولا يستوفي المطلوب.
وقد لاحظنا أن المنسوب بالمسار الذي قامت التعاونية بتنقيته إلى غاية القناة المهيأة لمرور المياه، منخفض كثيرا، في حين ما زالت رقعة واسعة لم تستفد بعدُ من عملية التنقية، أين أكد لنا فلاح آخر رافقنا أنه شارك من قبل مع أعضاء من التعاونية بتنقية المكان يدويا، من خلال قطع القصب وإزالة الحشائش باستعمال الفؤوس والمناجل.
ولاحظنا أن الأتربة التي استخرجت من الحفرة الضخمة تحتوي على أحجار كبيرة ومصقولة في شكل لبنات، حيث أخبرنا الفلاحان أنها موجودة في المكان منذ القدم وتم استخراج عدد معتبر منها خلال الحفر، كما لاحظنا بقايا قطع فخارية في المكان تبدو عليها عمليات صقل. وأشار رئيس التعاونية إلى أن المعبر الصغير المنجز فوق المسار الخرساني المخصص لمرور مياه «المنبع» يعيق حركة المياه، خصوصا بعد أن زود بقناتين أسطوانيتين من الخرسانة لدعمه، لكنه نبه أن أعضاء التعاونية قاموا مؤخرا بالحفر أسفل المعبر من أجل السماح للمياه بالمرور.
وغادرنا موقع المنبع إلى الأرض الفلاحية المجاورة له، حيث أرانا مرافقانا مضخة مغلقة تتوسط الحقل وأكدا لنا أنها عبارة عن بئر ارتوازية غير مستغلة، في حين كان الأطفال يسبحون في بركة أخرى، يطلق عليها السكان تسمية «الوادي السخون» وتتشكل من مياه «منبع السقي»، وقد لاحظنا أن الأطفال قاموا بربط ثلاثة إطارات مطاطية، وملأوها بالحجارة في شكل يشبه السد من أجل أن يرتفع منسوب المياه، إلا أن مرافقنا طلب منهم إزالتها مؤكدا أنها تعيق وصول مياه السقي إلى الفلاحين.
قنوات صرف صحي تصب في مجرى السقي
واصلنا التقدم على طول المجرى المائي، حيث لاحظنا كميات كبيرة من الطمي المكدسة على حافته، أين أكد لنا رئيس التعاونية أنها مترتبة عن عملية التنقية التي أجرتها هيئته خلال نفس الأسبوع، في حين أشار إلى أن بعض أصحاب السيارات يقصدون المكان من أجل تنظيف مركباتهم، «ما يؤدي إلى تلويث المياه وهو ما دفعه إلى عدم إزالة الطمي حتى لا يتمكنوا من الركن»، إلا أننا لاحظنا شاحنة صغيرة يقوم صاحبها بتنظيفها بمياه المجرى، ليخلفه في نفس المكان صاحب دراجة نارية من أجل نفس الغرض.
وأنشأ بعض أصحاب المنازل الواقعة على ضفة المجرى قنوات صرف صحي تصب مباشرة في «وادي السقي»، حيث أكد لنا رئيس التعاونية أن أصحاب العديد من البنايات قاموا بإنجاز توسِعات إلى غاية المجرى مخالفين بذلك قوانين العمران، كما لاحظنا أن أحدهم قد صنع ما يشبه الجسر من أجل المرور إلى منزله.
ونبه مرافقنا إلى وجود نشاط لتربية الأغنام في الموقع الذي تواجدنا فيه، كما لاحظنا إوزات مُدجّنة تطفو على المياه، في حين انبعثت روائح كريهة من المياه في بعض الأجزاء التي مررنا بها على امتداد المجرى المهيأ، لنصل إلى نهاية الطريق المؤدّية إلى محطّة الضخ، أين لاحظنا أن المجرى لم يُنقّ بعد على الجهة الأخرى، كما وجدنا سَلالم معدنية ورافعة وسلاسل أخذت علامات الصدأ في الانتشار عليها، حيث شرح لنا مرافقانا أنها تابعة للتعاونية وكانت تستعمل من أجل تزويد الفلاحين بالمياه عن طريق الصهاريج.
وقد أكد لنا رئيس التعاونية أن «كاسيد» تشرف على ما بين 40 إلى 50 كيلومترا من المجاري المخصصة لنقل مياه «حمام الزواوي» إلى غاية نقاط بعيدة من البلدية من أجل السقي على غرار حيي الزويتنة ولبياضي، مؤكدا أن مواصلة المشي على ضفة المجرى المهيأ سيقودنا مباشرة إلى وسط مدينة حامة بوزيان.
وذكر لنا الفلاح الثاني الذي رافقنا أن المياه كانت تنبع بقوة في «حمام الزواوي» في سنوات ماضية، حيث كان الإنتاج الفلاحي وفيرا بحسبه، كما نبه إلى أن سكان المنطقة قد صنعوا منذ القدم شبكة قنوات حجرية وفخارية من أجل نقل مياهها إلى مختلف البساتين في حامة بوزيان بالاعتماد على قوة الجاذبية فقط، لكن الأشجار «تموت اليوم بسبب قلة مياه السقي».
أشجار مثمرة تذبل وفلاحون متخوفون على مزارعهم
وتنقلنا إلى منطقة الزويتنة، حيث دخلنا بستانا يضم أشجار التين و«حب الملوك»، وأكد لنا رئيس التعاونية أن الكثير من الأشجار فيه قد ذبلت وتشارف على الموت بسبب عدم سقيها بكميات كافية من المياه، في حين لاحظنا أن أوراق الكثير منها قد بدأت بالتيبّس ومال لونها نحو الاصفرار، كما أن ثمار إحدى أشجار التين صغيرةٌ ومتجعدة، والسبب عدم حصولها على كميات كافية من المياه.
و وقفنا على وضعية شجرة من نفس الصنف، قدر مرافقنا عمرها بعشر سنوات وأكد لنا أنها تشارف على الموت إن لم تدرك بكميات كبيرة من المياه خلال هذه الأيام، في حين أوضح لنا أن خسارة شجرة مثلها تُكبد الفلاح ما بين 40 إلى 50 مليون سنتيم، فضلا عن أن غلتها في الموسم الواحد قد تتجاوز القنطار من التين في الظروف الجيدة.
وبدأت بعض الأمراض تظهر على أوراق العديد من الأشجار في المزارع التي دخلنا إليها في منطقة الزويتنة، على غرار ظهور الثقوب على أوراقها وتغير ألوانها، حيث أكد لنا مرافقنا أن السبب بشكل أساسي هو عدم حصولها على المياه، في وقت أكد لنا فيه فلاح شاب من الزويتنة أن مياه السقي قد تراجعت بشكل تام في السنوات الأخيرة، حتى صار الفلاحون مجبرين على الاعتماد على الصهاريج من أجل تدارك المشكلة، لكنه أوضح أن السقي بالصهريج يظل غير كاف ومكلفا ولا يمكن أن يعوض وجود مصدر وفير مثل المنبع.
واتّجهنا بعد ذلك صوب مزرعة أخرى للمشمش وبعض الأصناف الأخرى، حيث لاحظنا أن القائم عليها قد شرع في غرس شجيرات زيتون، في حين كانت أشجار المشمش شبه خاوية من الثمار، أين أوضح لنا رئيس التعاونية أنّه من المؤكد أن عملية الجني قد تمت في المكان من قبل، لكنه نبه إلى أن وضعية الأشجار ليست جيدة من حيث ميلها إلى الاصفرار.
أما في المنطقة المسماة «طريق ميشال» فقد لاحظنا أشجار حب الملوك وهي تشارف على الموت بسبب نقص المياه مثلما أكده مرافقنا، حيث أشار إلى أن أعوادها الصغيرة قد صارت متيبسة فضلا عن أوراقها، في حين نبه إلى أن جميع المزارع الموجودة في المكان تواجه وضعية مماثلة. أما في بستان آخر، فقد أشار مرافقنا إلى إفراز إحدى أشجار «حبّ الملوك» لمادة صمغية ما يؤكد أنها قد ماتت نهائيا ولا يمكن استرجاعها رغم أنها لم تبلغ بعد حدها النهائي.
مديرية الفلاحة تتعهد بدعم التعاونية لحفر نقب للسقي
وشرح رئيس التعاونية أنّ «كاسيد» توجهت إلى السلطات المحلية بطلب استغلال بئر ارتوازية على مستوى موقع «حمام الزّواوي» بشكل استعجالي من أجل إنقاذ الموسم خلال الفترة الجارية، وخصوصا خلال شهري جويلية وأوت، فضلا عن جزء من شهر سبتمبر، في انتظار الحصول على رخصة بعد ذلك من أجل حفر نقب خاص بالتعاونية ويكون موجها خصيصا للسقي.
وأضاف نفس المصدر أن عدد الأشجار المهددة بالموت خلال الفترة الحالية يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف شجرة، في حين أن العدد الإجمالي لتلك التي تسقى من منبع «حمام الزواوي» على مستوى بلدية حامة بوزيان يقدر بحوالي نصف مليون شجرة من أنواع مختلفة، موزعة على ما يقارب الخمسمئة هكتار، كما أضاف أن عدد التي يملكها كل فلاح من البلدية يتفاوت، فبساتين البعض لا تحتوي على أكثر من ألف، بينما يملك آخرون أكثر من ألفي شجرة في مزرعة واحدة.
وأضاف نفس المصدر أن عدم تدارك الأشجار على مستوى بساتين الحامة خلال هذه الفترة يجعلها مهددة، حيث أوضح أن تدخل فلاحي التعاونية لحفر المنبع لم يحدث إلا في الفترة الأخيرة من هذا الصيف، مضيفا أن «عملية السقي كانت تتم من قبل من فائض الآبار الارتوازية الخاصة بالتزويد بمياه الشرب، بينما كان المنبع شبه ناضب قبل عملية الحفر»، بحسبه. وقد أثرت مشكلة المياه على النشاط الفلاحي لزراعة الخضر في بساتين المنطقة أيضا، مثلما أوضحه محدثنا ولاحظناه على مستوى المزارع التي زرناها، حيث كانت المساحات بين صفوف الأشجار خالية.
وأفاد مدير المصالح الفلاحية لولاية قسنطينة، ياسين غديري، في اتصال بالنصر، أن مصالحه قد اقترحت أن تتكفل بالجانب المادي لعملية إنجاز بئر ارتوازية مخصصة للسقي لفائدة التعاونية، بعد أن أوفد الوالي لجنة مشتركة إلى المكان من أجل معاينة الانشغال المطروح من طرف القائمين عليها، في حين أشار إلى أن الآبار الارتوازية المخصصة للشرب على مستوى موقع «حمام الزواوي» تقع ضمن نطاق صلاحيات مديرية الموارد المائية.
وتجدر الإشارة إلى أن النصر قد تطرقت من قبل إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية في بئرين ارتوازيين على مستوى حمام زواوي، تزود منهما شركة «سياكو» جزءا من بلدية قسنطينة، في حين قامت الشّركة بأشغال لتعميق المضخات المستعملة لاستخراج المياه منهما خلال شهر ماي الماضي لتدارك الأمر.
س.ح