أثارت قضية تفاقم الغش في سوق الذهب جدلا واسعا مؤخرا، بعد تصريح رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك بأن 80 بالمئة من المصوغات المتداولة في السوق مغشوشة، ليخرج بعض ضحايا الغش و يكشفوا عبر الفضاء الافتراضي عن جوانب من قصصهم، و هو ما قادنا إلى الميدان للتواصل مع مختلف الأطراف الفعالة في السوق و الوقوف على حقيقة المشكل ومدى استفحاله. أرجع متابعون، سبب انتشار الظاهرة إلى تهرب التجار من دمغ المصوغات و الجزم بأن ذلك غير ضروري، في الوقت الذي أكدت مصالح الضمان بمفتشية الضرائب بقسنطينة، بأن الدمغ شرط أساسي ومؤشر على مطابقة الحلي، فيما قال تجار تحدثت إليهم النصر، إن هيمنة السوق الموازية و انتشار الورشات السرية وراء تفاقم الغش في الذهب مؤكدين، بأن نشاط بيع الذهب تأثر بسبب ممارسات « الدخلاء و المحتالين».
تحقيق / أسماء بوقرن
التحقيق في الموضوع قادنا إلى عدد من محلات بيع المجوهرات بالمدينة، ورغم محاولاتنا المتكررة إلا أن تجارا كثرا أبدوا تحفظا كبيرا تجاه الموضوع، و منهم من رفضوا حتى فتحه بحجة الحفاظ على أسرار المهنة، فيما رأى آخرون بأن التصريح بأي شيء سوف يشكل تهديدا لنشاطهم وأنهم سيفتحون بذلك على أنفسهم أبوابا هم في غنى عنها.
حاولنا إقناع آخرين بالحديث بعد طمأناهم بعدم ذكر أسمائهم فقال حرفي قديم في وسط مدينة قسنطينة، إن الاحتيال و الغش في هذا المجال تفاقم في السنوات الأخيرة، بعد انتشار ورشات سرية على مستوى ولاية باتنة، التي تعتبر الممول الأول للسوق الموازية، و مصدرا لبعض التجار الذين ركبوا الموجة حسبه، لتحقيق الربح السريع، حيث يعتمدون على أساليب «جهنمية» على حد وصفه، لاستقطاب الزبائن، من بينها التعامل مع باعة غير نظاميين «الدلالة» بهامش ربح متفق عليه.
«الصولــــــد» حيلة لتسويق الذهب المغشــــــــــــوش
و من الأساليب المنتهجة كما قال، طريقة التخفيضات، التي يلجأ إليها تجار في كل مرة، وذلك عن طريق عرض تنزيلات مغرية في الأسعار على الفضاء الافتراضي و هي حيلة لاستقطاب الزبائن في ظاهرها، غير أن هناك من يستعملونها للتخلص من الحلي المغشوشة.
من جانب آخر، أوضح محدثنا ، بأن «الصولد» لا يمكن أن يعتمد في سوق الذهب، لأن أسعار المعدن الأصفر تخضع للبورصة العالمية، مع ذلك فإن هناك تجارا أو باعة يعرضون منتجات بتخفيضات خيالية، بحيث نلحظ في سعر الحلية فارقا يصل إلى 70 ألف دينار، بالرغم من أنها تحمل نفس المواصفات بما فيها الوزن، لكن بالتحقق من الأمر يتضح بأن البائع لم يلتزم بعيار الذهب المعمول به و هو 18 قيراطا، و نجد بأن وزن الحلية لا يزيد عن 15 إلى 16 قيراط، وأن ما ينقص من وزن الذهب يعوض بإضافة معادن أخرى مثل « النحاس و الحديد و ألمنيوم».
و بخصوص الطرق التي تساعد على التأكد من أن القطعة غير مغشوشة، فإنه يمكن للزبون كما قال، أن يحتاط بتجنب الشراء من السوق الموازية و التأكد من أن الحلي يتوفر على دمغة مصلحة الضمان، كما وجب التأكد من توفر المعلومات اللازمة في وصل البيع، خاصة عبارة « 18قيراطا ـ عيار مضمون «.
منافسة غير شريفة
وقال تاجر آخر، إن الدخلاء على سوق الذهب، حولوا الحرفة إلى نشاط تشوبه الكثير من الخروقات، و أججوا منافسة غير شريفة يحكمها الغش، بعد أن أصبحت الجودة من آخر الأولويات، بفعل انسياق الزبائن وراء إغراء السعر على حساب الضمان.
عرض علينا التاجر، مجموعة من الحلي و أطلعنا على شكل وطبيعة الدمغة الواجب توفرها في كل حلية مضمونة، قائلا إن الدمغة هي الدليل على الضمان و شرط أساسي واجب توفره في كل الحلي، غير أن هناك من التجار حسبه، من باتوا يتهربون من الالتزام بهذا الشرط، بالرغم من كونه المؤشر الوحيد الذي يدل على مطابقة الحلي للمعايير، كما أن الاحتياط يستوجب أيضا مطالبة الزبون بوصل شراء يتضمن المعلومات الأساسية عن الحلية كاسمها و وزنها و العيار المعمول به، فضلا عن ختم التاجر أو الحرفي، مردفا بأنه يحرص على دمغ كل منتجاته، للحفاظ على سمعته و زبائنه و لتفادي المخالفات و العقوبات المالية الناجمة عنها.
و أضاف ذات المتحدث، بأن الدليل على وممارسة الغش هو اختلاف سعر غرام الذهب من تاجر إلى آخر، كأن يكون سعر غرام الفتلة عيار 18 قيراطا هو 10 آلاف دينار، لكننا نجد تجارا يبيعونه بسعر أقل، موضحا، بأن سعر غرام الذهب المحلي حاليا يقدر بـ 11 ألف و 500 دينار، أما سعر غرام الذهب المستورد فيصل إلى 13 ألف دينار « عيار 18 قيراطا «.
أشار التاجر خلال حديثه، إلى أنه وقف على حالات لزبائن قصدوا محله لبيع مصوغات ليتفاجأوا بأنها غير مطابقة، كما حصل مع زبونة اقتنت أساور ذهبية بسعر غرام العيار 18، ليتضح بعد فحصها جيدا بأن معيار الذهب لا يزيد عن 9 قيراطات، مؤكد، بأن الغشاشين ما عادوا يكتفون بإضافة النحاس فقط للذهب، بل باتوا يستخدمون معادن أخرى خاصة الألمنيوم الذي لا ينكشف باستخدام وسائل التحليل البسيطة مضيفا، بأن الحديد أيضا من المواد التي تستخدم في الغش.
حتى المحلات الكبرى لم تسلم
أخبرنا بعض المواطنين الذين تعرضوا قبلا لحالات غش بأن الأمر لا يقتصر على شراء الحلي من « الدلالة» فحسب بل أن هناك من اقتنوا حليهم من محلات كبرى و معروفة حتى أصحابها انطلت عليهم حيل الغشاشين.
وقال هشام وهو موظف في قطاع التربية، بأنه وقع ضحية للغش، بعد اقتنائه لحلية «مذبح» مصنوع من الفتلة بقيمة 250 ألف دينار، قال إنه قدمه إلى جانب قرطين من الذهب كهدية لزوجته، بقيمة إجمالية بلغت نحو 400 ألف دينار موضحا، بأنه اقتنى الحلي من محل كبير و مشهور في وسط المدينة و حصل على وصل الشراء.
بعد خمس سنوات أراد بيع العقد، ليصدم بأنه مغشوش كما أوضحه له صاغة عرضه عليهم بقصد البيع، قالوا إن قيمة المذبح « 14 قيراطا و ليس 18»، و بأن الذهب ممزوج بالنحاس، وحين توجه إلى المحل الذي اشترى منه الحلية أصر البائع على أنها ذهبية، لكنه هدده بالتوجه إلى العدالة و إظهار وصل البيع والشراء، فتعهد الصائغ بتعويضه بقطعة أصلية و قال له بأنه لم يكن يعلم بأن القطعة مغشوشة أصلا.
الحناء للغش في «اللويز»
من جهته أكد عبد الحق، شاب في العقد الرابع من العمر بأنه كان يدخر المال عن طريق شراء قطع « اللويز» و قد حصل على كمية معتبرة منها وكانت القطع من الذهب القديم الأحمر الخام، كما أكده له الصاغة و الباعة الذين كان يشتري منهم، وهو يعتقد بأن قيمة الذهب ستزيد مع مرور الوقت، وحين أراد أن يعيد بيع مدخراته ليمول مشروعه اكتشف بأن نسبة كبيرة من القطع مغشوشة و قد كبده بيعها خسارة عادلت 400 ألف دينار، بعد أن تبين بأن «اللويز» يحتوي على نسبة معتبرة من النحاس، و أن اللون الأحمر الذي كان يميز القطع ليس دليلا على أن الذهب خام، بل لأن الغشاشين يقومون بنقعها في الحناء لتتخذ اللون المطلوب.
أما ماجدة و هي موظفة في القطاع العمومي، فأخبرتنا بأنها اشترت سوارا بقيمة 150 ألف دينار، و حرصت حينها على أن تتوفر الحلية على الدمغة، غير أن الصائغ قال لها إن الدمغ لم يعد شرطا لتأكيد الضمان و أن غالبية التجار تجاوزوا هذه الجزئية، و أقنعها بأن الوصل دليل على أن الحلي مصنوع من الذهب و مطابق لعيار 18 قيراطا، لكن بعد ثلاث سنوات قررت بيع الحلية، لتكتشف بأن الأجزاء التي تزين السوار مصنوعة من النحاس، مؤكدة بأنها تتحمل العواقب لكونها لم تحرص على دمغ السوار، مع ذلك فقد توجهت إلى العدالة.
* رئيس منظمة حماية المستهلك مصطفى زبدي
نسبــــــة كبيـــرة من الذهــــب المتــــداول غير مطابقـــــــــة
شدد رئيس منظمة حماية المستهلك، مصطفى زبدي على ضرورة تشديد الرقابة على سوق الذهب و وضع حد للتجارة الموازية و لنشاط الورشات السرية، التي أصبحت تغرق السوق بقطع الذهب مغشوشة، ما يهدد الاقتصاد الوطني و يضر بالمستهلك.
وأكد، بأن هناك تلاعبا بقيمة الذهب عن طريق تقليل الوزن بهدف تحقيق هامش ربح كبير، مضيفا بأن منظمته تستقبل عددا معتبرا من ضحايا الذهب المغشوش، ما يشير إلى أن الظاهرة في تزايد، و تسعى حسبه، المنظمة إلى المساهمة في تطهير سوق الذهب، إذ قررت طبقا لقانونها الأساسي إنشاء لجنة تحت مسمى «اللجنة الوطنية لنوعية وجودة الذهب»، لتقديم مقترحات الهدف منها حماية المستهلكين وضمان الجودة، و ستضم اللجنة ممثلا عن الحرفيين و ممثلا عن تجار الذهب، مع السعي إلى التنسيق مع مديرية الجودة والضمان بوزارة المالية. و هي مبادرة ثمنها تجار و حرفيون، فيما أزعجت البعض.
و شدد المتحدث، على ضرورة توفير تجهيزات دقيقة لفحص الحلي، داعيا إلى مراجعة المادة 358 من قانون الضرائب غير المباشرة، و التي تنص على أن المصوغات التي تثبت التحاليل بأنها دون العيار الأدنى القانوني، ترد بعد كسرها إلى صاحبها، و هو أمر شجع الغش حسبه، لأن وقف الظاهرة لا يتأتى إلا من خلال فرض عقوبات صارمة على المخالفين كاشفا، بأن المنظمة تحضر لاتخاذ إجراءات عملية ميدانيا لتبيان المتورطين.
* عيسى أمغشوش رئيس جمعية حرفي و تجار المجوهرات
أنشـــــأنا مكتـــبا معلوماتــــــيا و اعتمدنا محللا فوريا للذهب
قال رئيس الجمعية الوطنية لحرفيي و تجار المجوهرات عيسى أمغشوش، بأنه لا يمكن إنكار تفاقم مشكل الغش مرجعا السبب إلى السوق الموازية و انتشار الورشات السرية التي تغرق السوق بحلي غير مطابقة، و عليه فقد قامت الجمعية كما قال، بوضع آليات للمساهمة في الحد من الظاهرة، بداية بإنشاء مكتب معلوماتي خاص بالمواطنين لاستقبال انشغالاتهم و التعرف على القواعد الواجب التقيد بها عند الشراء، في انتظار الحصول على الموافقة على بعض المقترحات التي رفقت للسلطات المعنية بخصوص اعتماد محلل دقيق و فوري و متطور يمكن من التعرف على نسبة نقاوة الذهب في أقل من دقيقة و يقدم معلومات مفصلة عن كل الشوائب، بحيث يمكن للمواطن التأكد من جودة ما يشتريه، كما تحرص الجمعية على مرافقة الزبون الذي تعرض للغش و مساعدته على التوجه إلى العدالة و استعادة حقه بالطرق القانونية.
و باعتباره حرفيا و تاجرا، أكد بأن المعايير العالمية للذهب تقول بأن أي نسبة من المعادن تتجاوز 33.3 في المائة في كل 24 قيراط ، هي مادة مضافة، موضحا أن الإضافات القانونية معروفة و تتم بطرق مدروسة للحصول على اللون المطلوب، فاللون الأصفر ينتج بإضافة نسبة من النحاس أو الفضة، أما الحصول على الذهب الأحمر فيتم بإضافة النحاس فقط، و نحصل على الذهب الأخضر بإضافة الفضة وحدها، مشيرا إلى أن الذهب الصافي هو 24 قيراطا.
* عمار حطرق مدير مفتشية الضرائب بقسنطينة
الدمغة هي الضمان الوحيد
أوضح المدير الولائي لمفتشية الضرائب بقسنطينة، عمار حطرق، بأن مصلحة الضمان تفتح أبوابها على مدار الأسبوع أمام التجار و الحرفيين لدمغ المعادن الثمينة سواء كانت ذهبا أو فضة أو بلاتين، مقابل حوالي 82 دينارا للغرام الواحد، فيما تحفظ عن التطرق إلى موضوع الغش و ما تقف عليه مصالحه من حالات خلال الدوريات الميدانية، مضيفا، أن مصالح المتابعة تحرص على مراقبة المصوغات المعروضة لدى التجار و الحرفيين و حجز الحلي التي لا تتوفر على الدمغة، مع تحرير مخالفات في حال ما إذا كان الذهب غير مطابق للمعايير المعمول بها، أما في حال تبين بأن الحلية غير مطابقة، فإنه يتم كسرا و إرجاعها إلى التاجر أو الحرفي لإعادة ضبطها وفقا المعايير اللازمة.
المدير، رفض تقديم شروحات أكثر فيما يتعلق بحالات الغش التي تسجلها مصلحة الضمان و مدى إقبال التجار على دمغ سلعهم. أ ب