أكد نزلاء بمؤسسة إعادة التربية والتاهيل بالبليدة، أنهم اتخذوا قرارات بعدم العودة إلى استهلاك المخدرات والمهلوسات، وأثنوا على المجهودات المبذولة من طرف إدارة المؤسسة والمصلحة الخارجية لإعادة الإدماج في علاجهم من هذه السموم وإدماجهم في المجتمع، من خلال عدة برامج وأنشطة موجهم لهم.
روبورتاج: نورالدين عراب
رافقت أمس النصر إدارة مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالبليدة في الحملة التحسيسية والتوعوية الخاصة بأخطار المخدرات والمؤثرات العقلية الموجهة للنزلاء والتي تدوم ليومين تحت إشراف النائب العام لدى مجلس قضاء البليدة، وتضمنت الحملة التحسيسية تقديم اعترافات لنزلاء حول اقتحامهم عالم المخدرات والمهلوسات، وعرفت تقديم محاضرات من طرف مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس وأئمة مساجد ومختصين في الشرعية والقانون، وشهدت الحملة التي استهدفت عشرات المحبوسين من مدمني المخدرات من الجنسين تفاعلا قويا مع المواضيع المطروحة، واغتنم أحد الأئمة المشاركين في هذه التظاهرة الفرصة قبل اختتامها ليتأكد من مدى تأثيرها في المستهدفين من نزلاء مؤسسة إعادة التربية من خلال توجيه سؤال لهم حول ما إذا كانوا قد قرروا الابتعاد عن الإدمان والعودة إلى طريق الصواب، فتفاجأ المشاركون في الحملة بصعود عدد من المحبوسين إلى المنصة ليعلنوا عن قراراتهم بعدم العودة إلى عالم المخدرات والتمسك بحبل الله المتين كما عبر عن ذلك أحد النزلاء في كلمته.
نزيل مدمن يتحصل على شهادة جامعية و5 شهادات تكوينية
استهل نزيل بمؤسسة إعادة التربية يدعى (ل-ح) اعترافاته في هذه الحملة بقوله: « حرقت كل دفاتر الماضي، وقررت بناء حياة جديدة ولا مجال للعودة إلى المخدرات» وسرد هذا الشاب الثلاثيني قصته مع المخدرات التي خطفت منه شبابه ودمرت حياته وأدخلته في عالم مظلم وأبعدته عن أهله، ودفعته لارتكاب جرائم منها السرقة، الضرب والجرح العمدي تعاطي المشروبات الكحولية، لكن هذه الغفلة لم تدم وقرر بناء حياة جديدة وحرق دفاتر الماضي، و كتابة دفاتر جديدة قائمة على العلم، حيث تحصل هذا الشاب على شهادة جامعية داخل مؤسسة إعادة التربية، كما تحصل على 5 شهادات تكوينية في مجالات مختلفة، وكان هذا الشاب من بين شبان آخرين صعدوا إلى المنصة ليعلن أمام الحضور بأنه قرر حرق الدفاتر القديمة وسيؤسس لدفاتر جديدة بعد مغادرته مؤسسة إعادة التربية، وأثنى نفس الشاب على الدعم الذي لقيه من قبل إدارة مؤسسة إعادة التربية سواء فيما يتعلق بالتكوين أو العلاج من الإدمان من طرف أخصائيين نفسانيين، كما تحدث عن دور المصلحة الخارجية لإعادة الإدماج في التخلي عن هذا العالم المحفوف بالمخاطر.
شباب يروي قصته مع المهلوسات بعد طلاق الوالدين
وفي السياق ذاته روى شاب آخر( س ع) قصته مع المخدرات والتي بدأت في عمر الثالث عشر بعد طلاق الوالدين، وأصبح في هذه المرحلة في مفترق طرق ولم يجد سوى رفاقه في الحي الذين خالطهم واحتك بهم إلى أن أدخلوه إلى عالم المهلوسات، وذكر في اعترافه عبر شريط فيديو بأنه كان يتلقى المهلوسات من طرف زملائه مجانا لمدة شهرين بمعدل قرصين في اليوم، ثم بعد أن تحول إلى مدمن أرغم على مشاركة زملائه في الترويج ليحصل على الأقراص المهلوسة ويوفر المال لاستهلاكها، ثم تحول إلى السرقة للحصول على المال لشراء الملهوسات، إلى أن تم القبض عليه وإدخاله إلى مؤسسة إعادة التربية، وقال بأنه وجد في هذه المؤسسة الرعاية والعلاج الكافيين، وقرر عدم العودة إلى هذا العالم، وقدم نصائح للشباب المدمنين بضرورة التخلي عن هذا العالم الذي يضر ولا ينفع.
مصلحة متخصصة في علاج الإدمان حققت نتائج معتبرة وسط النزلاء
يذكر في هذا الإطار ضابط بمؤسسة إعادة التربية ومنشط اليوم التحسيسي بأن المؤسسة تتوفر على مصلحة مختصة في علاج الإدمان يشرف عليها أطباء مختصون، وقال بأن هذه المصلحة حققت نتائج معتبرة في صفوف النزلاء المدمنين الذين قرروا التخلي عن تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة، كما توفر إدارة مؤسسة إعادة التربية فضاءات مختلفة للنزلاء بهدف المساهمة في إعادة إدماجهم، منها توفير التكوين في الحرف المختلفة، ويحصل النزلاء المتربصين على شهادات من قطاع التكوين المهني، ولا تحمل الشهادات المتحصل عليها أي إشارة إلى مؤسسة إعادة التربية، وذلك حتى لا يجد النزيل صعوبات في ميدان العمل والاندماج في المجتمع بعد مغادرته السجن، وأوضح في هذا الإطار مدير مؤسسة إعادة التربية والتأهيل الطاهر بخوش بأنه سيتم فتح ورشات جديدة بالمؤسسة تخص الحدادة الفنية والألمنيوم، كما توفر المؤسسة حاليا عدة ورشات أخرى منها الحلاقة، النجارة وغيرها بالنسبة للذكور، وفي نفس الوقت توفر ورشات الحلويات والخياطة والطرز وغيرها للنساء، إلى جانب التعليم في الأطوار الدراسية المختلفة، مشيرا إلى أن نسبة النجاح في شهادة البكالوريا بلغت الموسم الماضي بمؤسسة إعادة التربية بالبليدة 62 بالمائة، وأشار مدير المؤسسة إلى أن هذه الورشات التي توفر للنزلاء تندرج في إطار إعادة إدماجهم وتكوينهم وحمايتهم من الانحراف مرة أخرى، مؤكدا على أهمية المجتمع المدني في احتضان هذه الفئة بعد مغادرتها السجون، كما تم على هامش الحملة التحسيسية حول المخدرات والمهلوسات تنظيم معرض لمنتجات نزيلات مؤسسة إعادة التربية في مجال الخياطة والطرز وصناعة الحلويات.
فتح فوجين كشفيين لفائدة النزلاء
تحدث الضابط منشط الحملة التوعية أثناء عرض الأنشطة التي تقدمها مؤسسة إعادة التربية لفائدة النزلاء بهدف إدماجهم عن فتح فوجين كشفيين بالتنسيق مع المكتب الولائي للكشافة الإسلامية الجزائرية، ويخص الفوج الأول الأحداث، والفوج الثاني للبالغين ما بين 18 و21 سنة، كما سيتم فتح أفواج أخرى حسب نفس المصدر تخص النساء والفئات الأكثر من 21 سنة، وتحدث في هذا الإطار محافظ الكشافة الإسلامية بالبليدة عبد الكريم بلقرقاع عن دور المؤسسة الكشفية في محاربة آفة المخدرات، مشيرا إلى أن المخدرات تستهدف العقل، وتحدث عن ظهور أنواع جديدة من المخدرات ومنها المخدرات الالكترونية، محذرا من خطر هذه الآفة التي تصنع في مخابر أجنبية وتصدر إلى بلدنا ويراد بها تدمير البلد وإعطاء فرصة للغير لضب الوطن، مشيرا إلى أن نشوة الاستهلاك زائلة بعد لحظات ولا تدوم في حين من أخطارها تدمير البلد والمال وقد تؤدي بالمتعاطين إلى الاعتداء على الأصول، وتحدث عن ضحايا أبرياء استغلوا في هذا الميدان، مؤكدا بأن حماية المراهقين والشباب من هذه الآفة مسؤولية الجميع خاصة مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
استقالة الأولياء من مسؤولياتهم الأسرية من أسباب انحراف الأبناء
قال في هذا الإطار الأستاذ عبد الرزاق بوستة المختص في الشريعة والقانون في مداخلته بأن استقالة الأولياء من مسؤولياتهم الأسرية من أسباب انحراف الأبناء وتوجهم نحو عالم الإدمان والمخدرات، مشيرا إلى أن تركيز الأولياء منصب نحو توفير الطعام واللباس للأبناء مع إغفال التربية السليمة، مضيفا بأن تربية الأبناء لا تكون وظيفية فقط، بل تحتاج إلى رعاية وتربية سليمة لحماية الأبناء من الانحراف والتوجه نحو عالم المخدرات والجريمة، كما تحدث عن دور وسائل الإعلام وما تبثه من بعض المضامين التي تروج للجريمة وعالم الانحراف خصوصا تلك المضامين التي تقدم للأطفال الصغار داعيا إلى ضرورة مراجعة هذه البرامج.
الأدوية تقلل من الإدمان ولا تقضي عليه نهائيا
و يقول الدكتور مساعدية شكيب طبيب مختص بمصلحة الوقاية والعلاج من الإدمان بمستشفى الأمراض العقلية بالبليدة بأن الأدوية المتوفرة اليوم على مستوى مراكز معالجة الإدمان لا تقضي على الإدمان بشكل نهائي بل تقلل منه فقط، مشيرا إلى بعض الأدوية التي تخفف من الآلام الحادة وتعطي القدرة على النوم، وقال لا يوجد حاليا دواء يقضي على الإدمان بشكل نهائي، وتحدث نفس المصدر عن بعض الأمراض التي قد يسببها الإدمان على المخدرات والأقراص الملهوسة ومنها التهاب الفيروس الكبدي، وبعض الأمراض المتنقلة عن طريق الدم كالسيدا، والهيستيريا، مشيرا إلى أن التكفل بالمدمنين مبني على ثلاثة نواحي هي النفسية والدوائية والاجتماعية.
وفي السياق ذاته قالت الدكتورة رشيدة أوشعلال طبيبة عامة رئيسية بمستشفى الأمراض العقلية بالبليدة أن علاج المدمنين يتم من 3 إلى 6 أشهر، وكلما طالت مدة الإدمان تطول مدة العلاج.
ن ع