في سابقة للترويج للسياحة المحلية في الجزائر، أتاحت المؤسسة العمومية للنقل الحضري وشبه الحضري لمدينة الجزائر وضواحيها "إيتوزا"، أمام السياح المحليين وحتى الأجانب، وعموم الزوار الراغبين في القيام بجولة فريدة من نوعها في الجزائر العاصمة، الفرصة لاكتشاف أهم المعالم السياحية و التاريخية و الدينية والمواقع الأثرية والتنوع المعماري، الذي تتميز به عاصمة البلاد، وسط أجواء من المتعة والفرجة عبر المسارات التي تم اختيارها بدقة.
روبورتاج: عبد الحكيم أسابع
منذ حوالي 10 أشهر أطلقت مؤسسة ‹›إيتوزا›› خدمة «سيتي تور» (جولة في المدينة)، أو ‹› تحويسة فدزاير ‹› بتخصيص حافلات مكشوفة تجوب شوارع العاصمة وأبرز معالمها السياحية والتاريخية والثقافية والدينية، انطلاقا من مواقع محددة، مرورا بأعالي العاصمة، ووصولا إلى ساحة الشهداء عبر عدة مسارات، ما مكن من إشباع رغبات الكثيرين سيما الذين لا يمتلكون سيارات وأولئك الذين يرغبون في استثمار الأوقات المخصصة للنزهة والتجوال دون عناء البحث كل مرة عن حظائر السيارات أو من يرشدهم للوصول لمختلف مقاصد زياراتهم.
ويأتي الهدف من هذه الخدمة، حسب السيدة آسيا زايدي، المكلفة بالإعلام في مؤسسة ‹› إيتوزا››، وهي مؤسسة عمومية، ‹›للمساهمة في الترويج للسياحة المحلية وخلق حركية جديدة للسياحة الداخلية في عاصمة البلد، بتوفير خدمة تسهّل على السياح وزوار مدينة الجزائر العاصمة الوصول إلى أغلب المقاصد التي يرغبون في زيارتها، ضمن الجهود التي تبذلها الدولة في إطار ترقية وجهة الجزائر، وخاصة الجزائر العاصمة، التي صنّـفها مـوقع «سكاي سكانر»، مؤخرا كثـاني أفضـل وجهـة سياحيـة في العـالم لسنة 2024، من حيث الكلفة بعد مدينة فـارو البُـرتغالية». هذه المنصة، أبدت في تقريرها إعجابها الشديد بهندسة الجزائر المعمارية الفريدة في تشييد المباني والمساجد والقلاع التراثية وكتبت» إنها مدينة مذهلة تستحق الزيارة والاستكشاف». كما يأتي الهدف من إطلاق خدمة حافلات ‘’ سيتي تور‘’ حسب محدثتنا، السعي للمساهمة في تحقيق تنمية سياحية مستدامة باعتبار أن كل المؤسسات العمومية الوطنية، معنية بتكثيف الجهود من أجل تحقيق هذا المطمح.
وقد لاقت مبادرة ‘’ إيتوزا ‘’ استحسانا كبيرا من طرف السياح المحليين والأجانب ومختلف الزوار، وحتى خبراء السياحة الذين دعوا إلى تعميمها على كبريات المدن الجزائرية كما نشاهده في كبريات مدن وعواصم الدول السياحية.
الناشطون على شبكة التواصل يتفاعلون مع المبادرة
وما يلفت الانتباه هنا أنه منذ إطلاقها، تفاعل ناشطون على شبكات التواصل مع هذه الخدمة بكثير من الترحاب، حيث وصفوها ‹›بالرائعة›› كونها تمنح الفرصة للمواطنين والسياح لاستكشاف الجزائر العاصمة.
ولعل ما حقق النجاح والإقبال الكبيرين على هذه الخدمة، هو حرص المؤسسة على استكشاف العاصمة ومعالمها السياحية على متن حافلة ذات طابقين، واحدة مغطاة والأخرى مكشوفة، مجهزة بشاشة كبيرة ومكبرات صوت، برفقة مرشد سياحي ومرافق ثان، يرتدي الزي التقليدي المحلي والذي يقوم بتزويد الركاب بكافة المعلومات الضرورية باللغة العربية، واللغة الانجليزية، في حال وجود سياح أجانب.
وبخصوص الأسعار المطبقة، أوضحت السيدة زايدي، في تصريح للنصر، أن الأسعار درستها المؤسسة لتكون في متناول كل المواطنين مقارنة بالأسعار المتواجدة في السوق.
وذكرت بأنه تم تحديد سعر التذكرة بـ 450 دج بالنسبة للجولة التي تستغرق ساعتين و600 دج للجولة التي تستغرق أربع ساعات و 1000 دج للجولة التي تستغرق ست ساعات.
مدينة الدهشة والأحلام وعبق الحضارة في قلب مسارات الجولة
وضعت مؤسسة ‹›إيتوزا ‹› مخططا لمسارات جولات حافلاتها الأربع المكشوفة، المبرمجة يومي نهاية الأسبوع مساء الثلاثاء، نظرا لتفرغ التلاميذ في هذه الفترة، ويوميا أثناء العطلة الصيفية، حيث ينطلق الأول من متنزه الصابلات، نحو مقام الشهيد مرورا بجامع الجزائر والثاني من ساحة أول ماي وصولا إلى ساحة الشهداء مرورا بعدد من المواقع والشوارع ما يشكل فرصة رائعة للاستمتاع بمختلف معالم الجزائر العاصمة التي لا مثيل لها في العالم، فهي تتميز بسحرها الخاص الذي لا يقاوم، وأكثر من ذلك تاريخها الطويل الذي يتجسد جانب منه من خلال هندسة المباني المختلفة، الأوروبية منها و العثمانية و الأندلسية.
فمدينة الجزائر المعروفة بالإسم الروماني ‹› إيكوزيوم ‹› إلى جانب لقب ‹›المحروسة›› و ‹› البهجة››، أو ‹›الجزائر البيضاء›› لبياض ولمعان عماراتها ومبانيها... مدينة الدهشة والأحلام والتقدم والازدهار الدائم المستمر، التي يفوح منها عبق الحضارة والتاريخ، ستكون في قلب هذه الجولات.
ولأن انطلاق إحدى المسارات سيكون من منتزه ‹› الصابلات ‹› الذي يعد محطة هامة تستقطب العديد من العائلات الجزائرية و متنفسا لها سيما خلال العطل، منذ افتتاح جزء منه سنة 2013 بعد تهيئته في إطار مشروع تغيير الواجهة البحرية للعاصمة الجزائرية، فلا شك أن الوجهة الأولى ستكون ‹›جامع الجزائر››، الذي يعد ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين هو تحفة معمارية وصرح ديني وحضاري جامع للأمة وحافظ للمرجعية والهوية الوطنية.
وسيكتشف الكثيرون هذا الصرح الديني الذي تحول منذ افتتاحه إلى أكبر قطب للسياحة الدينية في الجزائر، وكل مرافقه سيما منارته التي تعانق السماء بعلو يصل إلى 265 مترا كشاهد من شواهد الجزائر الجديدة التي تتطلع إلى آفاق واعدة.
كما ستتاح الفرصة ضمن ذات المسار لزيارة المعلم الوطني والتاريخي ‹› مقام الشهيد ‹› ا أو بمسماه الآخر رياض الفتح، وهو نصب تذكاري بني على شكل ثلاثة أوراق نخيل لتخليد ذكرى الثورة الجزائرية.
هذا المعلم الذي يضم أسفله المتحف الوطني للمجاهد في الساحة المقابلة متحف الجيش الوطني الشعبي، تحول منذ تدشينه في 5 جويلية 1982 بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 20 للاستقلال، إلى محور اهتمام الجزائريين الذين يجدون في هندسته الفريدة وموقعه الاستراتيجي رمزية عميقة تخلد جهاد الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي وتؤكد مكانة البلاد الدبلوماسية والحضارية.
ولاشك أن الإطلالة من الشرفات المحيطة بمقام الشهيد، ستشوق المستفيدين من رحلات حافلات ‹›سيتي تور›› للوصول وزيارة ‹› حديقة التجارب بالحامة›› لمن لم يزرها من قبل، سيما وأن هذه الحديقة التي تم تأسيسها في 1832 إحدى أجمل الحدائق النباتية في العالم، و أفضل الأماكن السياحية في الجزائر العاصمة، وهي التي تعد رئة العاصمة الجزائرية التي سبق لها وأن احتضنت تصوير فيلم ‹›طرزان››.
فرصة للغوص في ذاكرة التاريخ
وستتاح الفرصة ضمن ذات المسارات للغوص في ذاكرة التاريخ إنطلاقا من العصور القديمة، من خلال زيارة ‹›متحف باردو›› متحف ‹› الواقع في أعالي شارع ديدوش، بمدخله الفخم الذي يوحي بأنك ستندهش مما تراه في الداخل، المتخصص في عرض تحف ومقتنيات ما قبل التاريخ والإثنوغرافيا، إذ يحوي قرابة 15 ألف قطعة، تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من القطع الإثنوغرافية، التي تعود إلى القرون الماضية، وبه عدد هائل من الجماجم لإنسان العهد الحجري، تفوق أعمارها مليوني سنة.
ولأن حي ‹› القصبة ‹›، التي تم بناؤها في العصر العثماني لتكون مقرا للسلطان، و التي تتميز بأزقتها الضيقة وجمالها المعماري، فهي من أهم الأماكن السياحية في الجزائر العاصمة، فبزيارتها ضمن مسارات رحلات الحافلات المكشوفة ستتاح الفرصة أيضا لزيارة عدة قصور أهمها قصر مصطفى باشا، وقصور «خداوج العمية» و»الرياس» و»دار عزيزة»، وهي قصور تغري زوارها بحكاياتها المشوقة وتفاصيلها المثيرة.
وإلى جانب ذلك ستشد الزائر رغبة جامحة لزيارة مساجد القصبة التي تحكي قصة حضارة كبيرة حكمت البلاد طيلة 3 قرون، وأبرز هذه المساجد على الإطلاق مسجد كتشاوة، وكذلك الجامع الجديد المطل على البحر.
والمسجد كما هو معروف، يوجد في ساحة الشهداء التي حملت أهمية كبيرة على مر العصور فهي تعتبر بوابة المدينة القديمة القصبة، وتعتبر هذه الساحة المشمولة بمسارات حافلات ‹› سيتي تور المكشوفة‹› البوابة الأولى لخط المترو الذي يربط وسط مدينة الجزائر بعدد من الأحياء وصولا إلى عين النعجة من الجهة الجنوبية والحراش من الجهة الشرقية.
والحاصل أن ركوب رحلات ‹›إيتوزا السياحية المكشوفة ‹› و التجول في شوارع الجزائر العاصمة هو عبور لتاريخها من خلال الهندسة المعمارية لمبانيها وآثارها التي تظهر لنا التناقض المتناغم بين الحضارات والثقافات القديمة التي استقرت في المدينة. والنزول مثلا إلى شارع العربي بن مهيدي الذي يضم تمثال قائد المقاومة الشعبية الأمير عبد القادر، يعد تذكرة عبور إلى أزمنة أخرى بمبانيها وأروقتها وزخارفها، وبالنزول إلى شارع زيغود يوسف حيث يمكن الاستمتاع بمنظر ميناء الجزائر العاصمة الواسع، أول ما يلاحظه الزائر وينال إعجابه هو المبنى الضخم للمجلس الشعبي الوطني، وبجانبه يوجد مبنى ولاية الجزائر العاصمة حيث يمكنك الاستمتاع بشرفاته الخشبية المتميزة إلى جانب بناية مجلس الأمة
من المفيد توسيع مبادرة ‹›إيتوزا›› إلى مدن أخرى
ثمن الخبير السياحي عبد الرحمان عويسات، الخدمة غير المسبوقة التي أطلقتها المؤسسة العمومية للنقل الحضري وشبه الحضري لمدينة الجزائر ‹› إيتوزا ‹›، باعتبار أنها جاءت للمساهمة في الترويج للسياحة الداخلية خاصة وللعدد الأكبر من المعالم السياحية و التاريخية والثقافية والأثرية التي تزخر الجزائر العاصمة والتي تستقطب كل واحدة منها آلاف من الزائرين.
وبحسب المتحدث فإن أحد الجوانب الإيجابية ‹› الكثيرة ‹› لخدمة الجولات السياحية بالحافلة المكشوفة ، هو جعل حي القصبة العريق وما يحتويه من قصور ومتاحف والقصور، ضمن مسارات هذه الخدمة، سيما وأن، القصبة، تعد أهم المقاصد المحفزة والمدعمة للسياحة في العاصمة.كما أبرز المتحدث أن ذات الخدمة سهلت التنقل للكثيرين خاصة العائلات والسياح المحليين الذين لا يمتلكون وسيلة نقل، معتبرا أن السائح المحلي هو المستفيد الأكبر من الخدمة التي وفرتها مؤسسة ‹› إيتوزا ‹› خاصة إذا علمنا – كما ذكر – أن السائح الأجنبي عادة ما تكون جولاته مؤطرة مسبقا عبر رحلات منظمة.
وأشاد السيد عويسات توفر المؤسسة صاحبة المبادرة للدليل الذي يتولى تقديم معلومات مختلفة ووافية عن كل وجهة أو معلم تتم زيارته، ما يجعل السائح يشعر خلال كل مسار وكأنه وسط كتاب مفتوح يحكي تاريخ ‹› المحروسة‹›، كما ثمن الزام أعضاء طاقم الحافلات بارتداء ألبسة وبدلات تقليدية ما يساعد على الترويج لهذا النمط من الألبسة التي لم يتخل العاصميون عن ارتدائها في مناسبات كثيرة وتوريث هذا التقليد للأجيال المتعاقبة. من جهة أخرى أكد ذات الخبير وهو عضو في المنظمة الوطنية للسياحة، وصاحب وكالة متخصصة، أن تعدد الأنماط السياحية في الجزائر، من شأنه أن يجعل السياحة قوية و تزيد من قوة الاقتصاد الوطني و هذا من خلال الاستغلال الأمثل للمقومات السياحية التي تزخر بها الجزائر، وقال في هذا الصدد ‹› إن ما يجعل القطاع السياحي في ارتياح هو ما شهدته العاصمة على غرار مختلف الولايات الأخرى من تشييد البنى التحتية والفنادق الفخمة وتلك التي تناسب ذوي الدخل المتوسط، وفتح الاستثمار أمام الخواص لإنشاء مرافق سياحية ثقافية ترفيهية تساهم في الصناعة السياحية.