تحولت بلدية ديدوش مراد خلال السنوات القليلة الماضية إلى أحد أكبر التجمعات السكانية و أكثرها استقطابا للتوسعات العمرانية و المشاريع الصناعية بولاية قسنطينة، فقد تخلت عن طابعها الريفي و لبست رداء المدينة التي باتت تضم أكثر من 50 ألف ساكن، إذ تشغل منطقتها الصناعية أزيد من 4 آلاف عامل، و من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 100 ألف في أفاق 2022، في حين تسعى السلطات المحلية إلى مواكبة هذا التطور الحاصل من جميع النواحي، رغم إمكانياتها المادية المحدودة.
روبورتاج / عبد الرزاق مشاطي
البلدية الواقعة على الطريق الوطني رقم 3 و التابعة إداريا لدائرة حامة بوزيان، تتوسط ثلاث بلديات هي بني حميدان و زيغود يوسف و حامة بوزيان، حيث تعد نقطة التقاء بينها و معبرا هاما نحو هذه المناطق، و تعود نشأتها إلى الفترة الاستعمارية و بالتحديد إلى سنة 1892، و بعد الاستقلال تحولت إلى مندوبية إلى غاية سنة 1967، ليتم إدراجها بعد ذلك كمنطقة تابعة لبلدية زيغود يوسف، و من سنة 1971 إلى يومنا هذا هي مصنفة إداريا كبلدية.
"بيزّو" توفر الخدمات لسكان عدة بلديات
و تمتد ديدوش مراد على مساحة 11.72 كلم مربع، و تضم بالإضافة إلى ديدوش القديمة و المعروفة بين سكانها باسم "بيزّو"، قطبين كبيرين هما واد الحجر و كاف صالح، و كذا ثمانية مجمعات سكانية معظمها قرى مثل بني مستينة و قربوعة و بسام و دوار بن زكري، و تبلغ الكثافة السكانية الحالية أكثر من 50 ألف نسمة حسب تقديرات مصالح البلدية، فيما تشير الإحصائيات الرسمية لسنة 2008 إلى أن عدد السكان كان آنذاك 44 ألفا و 972 نسمة، ما يؤكد أن تطورا كبيرا حصل في عدد القاطنين بالبلدية في ظرف 8 سنوات فقط.
بمجرد الدخول إلى وسط المدينة أو ما يعرف بين السكان "الفيلاج"، تدرك من شكل بعض المباني القديمة التي لا تزال صامدة أن عمر المنطقة يتجاوز المائة سنة بكثير، فهي مبنية على الطراز الاستعماري القديم، من طابق أرضي يعلوه طابق ثاني سقفه من قرميد أحمر، فيما طغى الإسمنت و الآجر على معظم المباني، التي يبدو أن تجديدها من قبل مالكيها أزال تاريخا يعود إلى عشرات السنوات.
و الملاحظ أن حياة المدينة باتت هي المشهد المألوف في شوارع ديدوش، حيث أن المحلات التجارية بمختلف ما تعرضه من سلع متنوعة، تمتد على طول الشارع الرئيسي، فيما تنتشر مراكز تجارية في أماكن عدة، و تكتظ الشوارع بالمارة و السيارات طوال ساعات النهار، و حتى الظهيرة و الحرارة المرتفعة لا تمنع السكان من التجوال و التسوق، و الملاحظ هو كثرة المقاهي، الممتلئة برجال من كل الأعمار، من شيوخ و حتى شباب، يجلسون لساعات، و أحيانا ليوم كامل، و حسب ما وقفنا عليه فإن مدينة ديدوش تعد متنفسا لسكان البلديات المجاورة، الذين التقينا العديد منهم و أكدوا بأنهم يقصدونها للتسوق أو لقضاء مختلف احتياجاتهم سواء من الإدارات العمومية أو للعلاج و غيرها من الأمور.
و تمتد المدينة إلى أحياء كبيرة أهمها حي واد الحجر و حي كاف صالح، و اللذان يضمان عددا كبيرا من العمارات ذات الطابع الاجتماعي إضافة إلى البنايات الفردية، كما أن جزءا آخر من ديدوش يضم أحياء راقية لفيلات فخمة، و الملاحظ أن المشهد لا يختلف كثيرا عن باقي مدن قسنطينة، فرغم بعض النقائص، غير أن الكثير من الضروريات متوفرة، من طرق و أرصفة و حتى مساحات خضراء، فيما تحدث السكان عن نقص في النظافة مرجعين السبب إلى اللاوعي عند قلة من المواطنين من خلال تصرفات غير مسؤولة في الرمي العشوائي للمخلفات المنزلية أو بقايا مواد البناء، إضافة إلى نقص على مستوى مساحات اللعب و الملاعب الجوارية، التي لاحظنا غيابها شبه التام عن الأحياء.
أسعار الكراء تقفز إلى 20 ألف دج و الشقة مقابل 800 مليون
و يبدو أن الهدوء و الأمن عاملان شجعا الكثيرين من أبناء مدينة قسنطينة على الاستقرار بديدوش مراد، فبعد الترحيلات الكثيرة نحوها منذ بداية التسعينات على حد تأكيد بعض من صادفناهم في المدينة، باتت المنطقة تستقطب الكثير من السكان من خارجها، فالبعض يشتري الشقق، أو المنازل الفردية التي حول معظمها إلى فيلات فاخرة، و السبب حسب محدثينا هو هدوء المنطقة و توفر الأمن، فنادرا ما تحدث السرقات، كما لا يكاد يسمع السكان عن اعتداءات.
هذا الأمر رفع من أسهم العقار في المنطقة و بلغت الأسعار حدا كبيرا، ففي منطقة واد الحجر يصل سعر كراء شقة من 3 غرف إلى 20 ألف دينار، فيما لا يقل سعر بيعها عن 800 مليون سنتيم، كما أن البنايات الفردية و التي يكثر الطلب على شرائها بالنظر إلى مساحتها الكبيرة و كذا إمكانية توسيعها و تحويلها إلى فيلا، فسعرها قد يتجاوز 700 مليون سنتيم، و قد التقينا بأشخاص يقطنون بالمدينة و يستأجرون فيها شققا، رغم أنهم من بلدية قسنطينة.
و حول ديدوش مراد تنتشر عدة تجمعات سكانية عبارة عن قرى، أكد سكانها أنهم شهدوا تحسنا كبيرا خلال السنوات الماضية بعد أن عبدت الطرق و استفادوا من جميع الشبكات الضرورية، رغم أن الكثير من النقائص لا تزال مستمرة، لاسيما فيما يخص وسائل النقل، التي لا تربط الكثير من هذه القرى، إضافة إلى مطالب البعض بالاستفادة من البناء الريفي.
الرتبة .. مشروع قطب عمراني يضم 33 ألف سكن
و الملاحظ أيضا هو توفر عدة مرافق هامة بالمدينة، التي تضم مستشفى كبيرا يحوي عدة اختصاصات، حيث دشن شهر أفريل الماضي بعد أن كان سابقا تابعا لوزارة الدفاع، وتم إعادة الاعتبار له، غير أنه لا يشتغل حاليا بكامل طاقته، بالرغم من أنه يمكن أن يوفر خدمات طبية لسكان عدة بلديات، و قد طالب المواطنون بالإسراع في فتح التخصصات و استقبال مرضى الاستعجالات، و الشروع في القيام بالعمليات الجراحية.
كما تضم المدينة عيادة متعددة الخدمات و 5 مراكز علاج، و من حيث الإدارات العمومية فهي تضم مركزا جهويا للضرائب، و مركز بريد و مكتبي بريد، إضافة إلى ملحقة لسونلغاز و مؤسسات عمومية أخرى، و كذا مقر البلدية و 3 ملحقات لتسهيل حصول المواطنين على مختلف الوثائق.
و تضم ديدوش أحد أهم المشاريع السكنية التابعة لبرنامج "عدل 2" بمنطقة الرتبة التي يتم بها حاليا إنجاز 6 ألاف سكن من قبل شركة صينية، من المنتظر تسليمها خلال سنة 2017، وحسب مصالح البلدية فإن المنطقة ذاتها هي عبارة عن توسع يمتد على مساحة 370 هكتارا، و عدد السكنات المبرمجة على هذه الأرضية يصل إلى 33 ألف سكن، فيما يتوقع أن يضم هذا القطب السكني المستقبلي أزيد من 50 ألف ساكن جديد بحلول سنة 2022.
المنطقة الصناعية توفر 4 ألاف منصب شغل
في المدخل الجنوبي للبلدية تقع أكبر منطقة صناعية بولاية قسنطينة، تضم عدة مصانع هامة، مثل مصنع البسكويت "بيفا" و الذي يوفر لوحده 3 ألاف منصب شغل إضافة إلى مصانع أخرى لإنتاج الأحذية البلاستيكية و السيراميك و مطاحن الدقيق و الفرينة، و كلها توفر ما مجموعه ألف منصب شغل آخر، حسب تأكيد رئيس البلدية، الذي أوضح بأن مختلف المجالس التي تعاقبت على رئاسة البلدية منذ 1984، صرفت أموالا كبيرة على شراء أرضية المنطقة الصناعية و تهيئتها على الشكل الذي صارت عليه اليوم، غير أن المداخيل حسبه لم تصل إلى الحد المنتظر، مؤكدا أن مجموع مداخيل بلدية ديدوش مراد لا يتجاوز 14 مليار سنتيم سنويا، باحتساب جميع الممتلكات، مشيرا أيضا بأن ميزانية البلدية تقدر بحوالي 45 مليار سنتيم، بعد الاستفادة من الميزانية السنوية التي تخصصها الدولة للبلديات.
رئيس البلدية السيد بوشحم الطاهر، أكد بأن ديدوش مراد لا هي مقر دائرة و لا هي بلدية فقيرة، و لذلك بقيت بعيدة نوعا ما عن المشاريع الكبرى للدولة حيث لم تستفد من الكثير من البرامج التنموية، ما عدا في الفترة الأخيرة، و قال "المير" بأن البلدية تشكو من نقص في المراكز الثقافية فهي لا تضم حسبه سوى مركزا ثقافيا صغيرا و مكتبة بلدية، كما أكد أن هناك نقائص من حيث المرافق الصحية التي تبقى غير كافية حسبه فيما يخص الصحة الجوارية و توفر مركز واحد متعدد الخدمات يبقى غير كاف، و من حيث خدمات البريد قال بأنه و بالرغم من تسجيل تحسن منذ 2012 بافتتاح مركز بريد جديد بواد الحجر، غير أن الكثافة السكانية المتنامية تتطلب حسبه مركزا آخر، كما أن قاعة وحيدة متعددة الرياضات تبقى غير كافية، خاصة أنها بقيت مغلقة منذ افتتاحها قبل أشهر، حسب تأكيد رئيس البلدية، الذي أكد بأن الوزارات المعنية، يجب أن تتكفل بهذه النقائص، باعتبار أهمية البلدية و حجمها، فيما وعد بالعمل في حدود إمكانيات البلدية من أجل توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين من خلال تعبيد الطرق و القيام بالتهيئة الضرورية للمحيط، معلنا عن مشروع قريب سيتم عرضه على الخواص من أجل إنجاز منتزه و مدينة ألعاب.