الومضــات الإشهاريــة.. كثير من الصخب قليل من الإتقــان
تعتبر الإعلانات التجارية في العالم ككل، صناعة هامة تضخ لصالحها شركات كبرى ميزانيات كبيرة و تجند لها نجوما و مشاهير لتقدم خلال 30 ثانية أو 3 دقائق ومضة إشهارية مغرية وممتعة، تدفع المشاهد لا إراديا، لاشتهاء المنتج، لكن في الجزائر لا يزال الإعلان التجاري بدائيا وبعيدا عن المستوى المطلوب، ما يدفع المشاهد لتغيير القناة بمجرد عرضه أو التذمر من كثرة الضجيج و بلادة الفكرة التي يطرحها، وهو واقع أكده مختصون في مجال الإعلان و صحة المستهلك، متهمين الصناعيين و المعلنين بالوقوف خلف الابتذال المسجل.
تحقيق: نور الهدى طابي
الانفتاح الإعلامي و تعدد القنوات التلفزيونية في الجزائر، لم يخدم مجال الإعلانات التجارية بشكل كبير، بقدر ما خدم القنوات التي يعد الإعلان مصدر ربح لها، فخلال شهر رمضان، الذي يعد ذروة عرض الإشهارات، شكلت هذه المادة سقطة حقيقية، و كانت محل تذمر من قبل المشاهدين أو المستهلكين، إن صح التعبير، الذين وصلوا إلى حد وصفها بـ "المزعجة".
وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ساخر، لقائمة تضم أسوأ عشرة إعلانات تجارية يتم عرضها ، بالمقابل قوبل إشهار خاص بمشروب غازي، بهجوم كبير من قبل جمعيات حماية المستهلك و حتى المواطنين، بسبب الإيحاءات العنيفة التي يتضمنها والتي وصلت حد تطليق سيدة من زوجها، لأنها نسيت وضع المشروب على طاولة الإفطار.
ويلاحظ من يتابع القنوات التلفزيونية الجزائرية على اختلافها، بأن المواد الاستهلاكية الغذائية تحظى بحصة الأسد ضمن المادة المعروضة، بالمقابل تشكل إعلانات الخدمات نسبة قليلة، هذا مع الإشارة إلى أن بعض المؤسسات الوطنية ذات الطابع الاجتماعي الاقتصادي، قد دخلت على خط الإشهار التحسيسي مؤخرا، كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
أفكار مبهمة، موسيقى صاخبة و غياب كلي للتشويق
استطلاع أجريناه بقسنطينة، بين عدم رضا شريحة واسعة من المواطنين على نوعية الإعلانات التجارية الموجهة إليهم، إذ أجمعت مختلف الآراء على أن المستوى ضعيف، وأن فكرة الإعلان عادة ما تكون غير واضحة وغير مدروسة بشكل يقدم المنتج بصورة جميلة و مغرية.
وسام، موظفة، قالت بأن المشكل الأساسي بالنسبة للإعلانات، يكمن في كونها مكررة و صورة طبق الأصل من بعضها البعض، ما يدفعها إلى تغيير القناة بمجرد عرضها، مضيفة بأن الموسيقى التصويرية الصاخبة و الأغاني المبتذلة التي ترافق الإعلان، تسبب لها إزعاجا كبيرا و تدفعها إلى كره المنتج في حد ذاته، في حين تصف بعض الإعلانات التي تبثها قنوات الطبخ بـ "الممتعة"، و تدفعها أحيانا إلى تجربة المنتج، وهي إعلانات تعتقد بأنها صورت في الخارج، كما علقت.
أما سلاف ربة بيت، فأشارت إلى أن الإعلانات التجارية عرفت نوعا من التطور، مقارنة بسنوات ماضية، إذ نشاهد أحيانا إعلانات يبدو جليا بأنها صوّرت في الخارج و تقدم إضافة جميلة، وهي عموما إعلانات الشركات الكبرى النشطة في مجال مشتقات الألبان و مساحيق الغسيل، لكن عموما لا يزال مستوى الإشهار ضعيفا، أفكاره غير مدروسة و غير واضحة، و لا يوظف عنصر الإغراء بالشكل المطلوب، لحث المستهلك على شراء المنتج، كما أنه يقدم أحيانا أفكارا خاطئة و غير صحية، كما أن الومضات على اختلافها، كثيرا ما تفشل في توظيف الشخصية الرئيسية للإعلان و تميل إلى الدراما، وحتى تقنيات العرض و نوعية الصورة و المؤثرات البصرية و الصوتية، كما أضافت، تبين ضعف التحكم في المضمون.
"إعلانات السيارات الأفضل و القهوة هي الأسوأ"
نفس الموقف ذهبت إليه ياسمين طالبة، مضيفة بأن هناك تركيزا كبيرا على الإعلانات الخاصة بالمواد الغذائية، و بالأخص القهوة و العصائر، وهي ومضات وصفت أغلبها بالمبتذلة وغير العفوية، مشيرة إلى أن بعض الومضات تفرط في توظيف الموسيقى و الأغاني التصويرية، لدرجة أنها تسبب الإزعاج و القلق، مؤكدة بأن الإعلانات لم تتطور في بلادنا منذ أول إعلان لغسول الشعر " شعرك راو يطيح"، و إلى غاية الآن، حسبها، لا يزال معدو الومضات يختارون عارضة بشعر أشعث لتمثيل إعلان عن شامبو مرطب للشعر.
أما نبيل موظف، فقال بأنه يفضل إعلانات السيارات و يعتبرها الأفضل لأنها تقدم الجديد و تتماشى نوعا ما مع التطور الحاصل في مجال الإعلان في العالم، أما إعلانات القهوة و العصائر فهي الأسوأ، كما أنه لا يتم تجديدها و تعرض بكثرة، لدرجة تجعل المشاهد يمل منها و تصبح روتينية رتيبة و تفقد قيمتها، مع ذلك فإن إعلانات المواد المستوردة تعد أفضل من تلك المصنعة محليا، كما أضاف محدثنا.
المنتج سليم بن عليوش
ومضة جيدة تكلف 800 مليون سنتيم
حسب المنتج المنفذ سليم بن عليوش، صاحب وكالة للإعلان و الإشهار، فإن ضعف مستوى الإعلانات التجارية في الجزائر، مقارنة بدول قريبة كالمغرب و تونس أو مصر، مرده بالدرجة الأولى إلى غياب ثقافة الإعلان لدى الصناعيين و أصحاب المؤسسات في بلادنا، إذ أن غالبيتهم يعتبرون الإعلان لمنتجهم إجراء ثانويا، أو مجرد مصاريف إضافية لا طائل منها، وحجتهم في ذلك أن منتجاتهم تباع و تستهلك بشكل عادي وبالتالي هم ليسو بحاجة إلى إعلان يعرف بها.
من جهة ثانية، فان المستثمرين أو الصناعيين الذين عادة ما يقبلون على الإعلان بداعي المنافسة مثلا، هم من يفرضون منطقهم على الجهة المنفذة له ، و بالتالي يتسببون في تكسير الفكرة المبدئية للعمل و يفرضون أقاربهم و أبناءهم كوجوه في الإعلانات، كما يركزون على تقليص تكاليف العمل إلى أقصى حد، وهو ما يخرجه للمشاهد بذلك المستوى الضعيف.
بخصوص تقنيات التصوير و الإنتاج و مواضيع الإعلانات المتكررة، أوضح المتحدث، بأن الكفاءات موجودة و الأفكار متوفرة، حتى أن وكالات متخصصة، كالوكالة التي يملكها و يسيرها، تتوفر على تجهيزات و برامج عالية الجودة و التقنية، تواكب ما هو موجود في الخارج، لكن الإشكال يكمن في تكلفة الإنتاج، على اعتبار أن غالبية المعنيين يطلبون إعلانات لا تتجاوز فترة تصويرها يومين و بأقل تكلفة ممكنة، كما يرفضون الإنفاق على بعض المشاهد الخارجية و يفضلون الالتزام بمقترحهم الخاص، على حساب فكرة الإعلان الرئيسية.
علما بأن إعلانا تجاريا "محترم" ، قد يكلف ما يعادل 300 إلى 800 مليون سنتيم و حتى ملياري سنتيم، خصوصا إذا تم الاعتماد فيه على فنان مشهور ، قد يطلب وحده مبلغ يعادل 500 مليون سنتيم، مقابل الترويج للمنتج لمدة 30 ثانية.
وهنا تتوقف النتيجة على الجهة المعلنة، فالبعض يوجهون حوالي 40 في المائة من ميزانية المؤسسة لشق التسويق و يولون أهمية كبيرة لاسم الشركة و مكانتها، بينما يركز آخرون على التعريف بالمنتج فقط، وهو واقع يتوقع أن يتحسن بعد صدور القانون المنظم للإشهار.
المنتج أحمد كريستالي
الشركات متعددة الجنسيات أفضل من حيث التعامل
أوضح بدوره المنتج أحمد كريستالي، بأن مستوى الإعلان يتحدد ، حسب مطلب الجهة المعلنة و استعدادها للإنفاق عليه، و هنا تعد الشركات متعددة الجنسيات الأفضل من حيث التعامل، حسبه، إذا علمنا أن تكلفة الومضة تختلف، فقد تعادل 16مليون بالنسبة للإذاعة، و تتعدى ذلك بكثير إذا كانت خاصة بالتلفزيون.
مع ذلك يبقى المشكل الرئيسي كما أكد محدثنا، في تدخل المعلنين في فكرة الإشهار أولا، و ثانيا غياب مكتب اتصال على مستوى المؤسسات ينوب عن مدير الشركة في التنسيق مع وكالة الإعلان، وهو ما يعكس ضعف ثقافة الإشهار في مجتمعنا عموما.
رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي
بعض الإعلانات مبتذلة و مضللة و سنقاضي أصحابها
أكد رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، بأن الإعلانات في الجزائر ضعيفة جدا و لا ترقى للمستوى المطلوب، حتى أنه يصل أحيانا لدرجة الابتذال، كما عبر، مضيفا بأن الإعلانات تتعامل مع المشاهدين و المستهلكين بشكل مهين، و كأنها تتوجه إلى قصر، وبمقارنة بسيطة مع إعلانات قنوات عربية أو أجنبية، يظهر الفرق الكبير في المستوى.
وقال المتحدث بأن جمعيته قامت بدراسة بعض الإعلانات، و توصلت إلى أنها لا تقدم خدمة مقبولة و لا تتطابق مع المنتج الموجود في السوق كما لا تحتكم لأي معايير تذكر، وهو ما سينجر عنه رفع دعاوى قضائية في حق بعض الشركات التي قدمت إعلانات كاذبة و مضللة، لم تحترم الوسم التجاري ولا تركيبة المنتج و معايير الصحة.
"الإشهار يؤثر على الثقافة الصحية"
بدورها أشارت أخصائية التغذية حنان قاضي، بأن الإشهار يؤثر على الثقافة الصحية للمستهلك، خصوصا وأن أغلب الإعلانات تحاول إقناع الفرد بالإقبال على استهلاك المنتج بشتى الطرق، و بعضها يصل حد الإزعاج، كما أنها لا تفرق بين المستويات العمرية للمشاهدين و لا تحترم الثقافة الغذائية السليمة، بسبب تركيزها على الترويج لمنتجات مضرة بالصحة مثل رقائق البطاطا " شيبس" و العصائر المشبعة بالسكر.