مراهقون يُدمنون على عقاقير قاتلة بعد مزجها بالمشروبات الغازية
«الصاروخ»، «مصورخ»، «كوكو الضعيف» و «بورقيبة»، كلمات انتشرت في الأشهر الأخيرة بين المراهقين و مدمني المخدرات و الأقراص المهلوسة، و يبدو أنها اختيرت لتعكس حالتهم النفسية بعد تناول هذه المؤثرات العقلية، التي «ابتكرت» بإحداث تفاعلات بين مشروبات غازية و بعض الأدوية التي لا يمنع القانون تسويقها، و ذلك بعيدا عن أعين الرقابة و من أجل عيش نشوة مؤقتة يُحذر الأطباء من عواقبها الوخيمة على الصحة العقلية للمدمن و حتى حياته.
تحقيق: عبد الله بودبابة
إذا حدث و أن وجدت مراهقا يتمايل و هو في نشاط غير طبيعي و يردد كلاما غير مفهوم حاملا في يده قارورة لمشروبات غازية، فأعلم أنه قد يكون تحت تأثير مخدر جديد يُعرف في الشارع باسم «مصورخ»، فمفعول هذا المخدر، حسبما علمته النصر، لا يختلف عن تأثير باقي الأقراص المهلوسة، حتى أنه أصبح الأكثر تفضيلا بين المُدمنين عن باقي المؤثرات العقلية المعروفة مثل «ريفوتريل» لكيتيل» و «باركيديل»، فأمام محاربة المصالح الأمنية لترويج و استهلاك هذه السموم، أضحى الحصول عليها أمرا في غاية الصعوبة، لكن بعض المراهقين لجأوا إلى طرق أخرى تُجنّبهم المٌلاحقة القانونية، باستخدام عقار جديد اسمه «ليريكا» لم يعد موجودا مؤخرا في الصيدليات و أصبح يُسوق تحت اسم «بريجابالين»، كبديل، من خلال تناوله مع مشروبات غازية قوية، لتكون التفاعلات بين المادتين كفيلة بتحقيق الإثارة المرجوة من المؤثرات العقلية، و هي ظاهرة خطيرة أصبحت منتشرة بكثرة في أوساط المراهقين.
و لعل ما جعل هذا النوع الجديد من الدواء أكثر انتشارا بين الشباب في الآونة الأخيرة، هو عدم تصنيفه ضمن قائمة المؤثرات العقلية، كما أنه يدخل ضمن العقاقير التي يمكن اقتناؤها من دون وصفة طبية، أو من خلال ما يعرف بين المهنيين بالبيع الحر للأدوية، غير أنه و مع تنامي ظاهرة الاستخدام السلبي لهذه الأدوية، التزم أغلب الصيادلة بالتوقف عن بيعها من دون استظهار وصفة محررة من طرف طبيب مختص في أمراض العظام، أو منحها للمرضى المعروفين لديهم و لكن بشكل ضيق جدا. و دون الكشف عن هويتنا، حاولنا من خلال جولة عبر عدد من الصيدليات بولاية قسنطينة، الحصول على دواء «بريجابالين» من دون استظهار وصفة طبية، و قد كانت البداية من وسط المدينة، حيث قصدنا إحدى أكبر الصيدليات، أين استفسر منا البائع إذا كانت بحوزتنا وصفة طبية عند سؤالنا عن الدواء المذكور، و بعد أن قلنا له أننا لا نملكها، أجاب بأن الدواء غير موجود، ما جعلنا نغادر مباشرة نحو صيدلية أخرى فكانت الإجابة نفسها.
صيادلة يتفطّنون إلى حيل المدمنين
و بالمدينة الجديدة علي منجلي، حاولنا الحصول على دواء «ليريكا» أو ما يعادله من أدوية جنيسة مصنوعة من مادة «بريجابالين» دون استظهار لوصفة طبية، غير أن الإجابة كانت أيضا بعدم توفر الدواء، لكن أحد الصيادلة بوسط علي منجلي و عندما كشفنا له عن هويتنا و صرحنا له أننا بصدد إجراء موضوع عن الأدوية غير المتوفرة في السوق، أوضح أن الدواء متوفر غير أن الصيادلة و بعد اكتشافهم قضية استهلاكه من طرف مدمني المخدرات، صاروا يمتنعون عن بيعه دون أن يستظهر المريض أو المشتري وصفة طبية صادرة عن طبيب مختص في الأمراض العقلية، مضيفا أن قضية استهلاك هذا الدواء أضحت منتشرة بكثرة في الشارع و لدى فئة معينة من الشباب أغلبهم مراهقون لا يتجاوز سنهم 28 سنة.
صيدلي آخر من مدينة قسنطينة، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال إنه تعرّض منذ حوالي سنتين لخدعة من طرف مدمن على هذا الدواء، حيث اقترب منه و قدّم نفسه على أساس أنه مريض ينحدر من ولاية أخرى و تنقل خصيصا لقسنطينة من أجل شراء دواء «بريجابالين» 150 ملغ، حيث اقتنى عشرة علب ليعود بعد فترة قصيرة و يطلب كمية أكبر، و تابع محدثنا بالقول «استغربت أمر عودته لأن الكمية التي اقتناها تكفيه لوقت طويل جدا، سيما و أن العلبة تحتوي على 60 حبة.. اعتذرت في المرة الثانية عن بيعه بحجة عدم توفر الدواء، و استفسرت عن الأمر من زملاء بالمدينة التي ينحدر منها المشتري، ليعلموني بأن هذا الدواء تحول إلى مخدر، و هو ما جعلني أمتنع عن بيعه دون وصفة طبية».
و بالمقابل، حاولت النصر التوغل أكثر وسط متعاطي هذا النوع من المؤثرات العقلية الجديدة دون إثارة الشكوك أو الانتباه، و بما أن الأمر كان شبه مستحيل، قمنا بالاستعانة بوسطاء لهم علاقة بأشخاص يستهلكونها، حيث أسر لنا شاب جامعي عمره 24 سنة، أن المصطلح المتداول في الشارع بعيد كل البعد عن الاسم العلمي حيث يعرف «ليريكا» أو «بريجابالين» باسم الصاروخ و ذلك كناية عن الحالة التي يتحول إليها مستهلكه، حيث يصبح غير قادر على استيعاب حجم خطورة ما يقوم به، بل يتحول كل شيء أمامه إلى لا شيء، مضيفا أنه متوفر بسهولة في السوق مقابل مبلغ 300 دج للحبة الواحدة من عيار 150 ملغ، حيث يتم تناوله مع مشروب غازي قوي على غرار «كوكا كولا».
أطباء يُحذرون
مُدمنو هذه العقاقير مُعرضون للموت المفاجئ و لأمراض عقلية
ولمعرفة تأثير هذه الأدوية و استعمالاتها، تحدثت النصر إلى الدكتورة كريمة بوالجدري المتخصصة في أمراض الطب الداخلي، حيث أكدت أن دواء «بريجابالين» و كأي عقار آخر له تأثيرات جانبية، و تناوله دون استشارة الطبيب قد يسبب لصاحبه مضاعفات صحية تصل لحد السكتة القلبية، حيث يصفه الأطباء للمرضى الذين يعانون من تضرر الأعصاب بفعل داء السكري، و عادة ما ينطلق العلاج من جرعات بسيطة ابتداء من 25 ملغ ليصل إلى 50 ثم 75 فـ 150 ملغ. و أوضحت الطبيبة أن هناك احتمالا بإصابة المدمن على هذا الدواء بالذبحة الصدرية، و ذلك بفعل تناول جرعة كبيرة، و قد يصل به الأمر إلى غاية السكتة القلبية، و تضيف الدكتورة أن من الأعراض التي يسببها هذا العقار أيضا الدوار و الغثيان، إلى جانب عدم القدرة على النوم، و كل هذه الحالات تنتج عن الاستهلاك غير المعقول و المفرط دون استشارة طبية. أما الدكتور فريد بوشان رئيس الجمعية الجزائرية لأطباء الأمراض العقلية الخواص، فأوضح أن هناك إقبالا كبيرا على تناول دوائي «ليريكا» أو «بريجابالين» وسط شبان و مراهقين في الآونة الأخيرة، و ذلك من أجل الحصول على إثارة مؤقتة، تسبب لهم فيما بعد الكثير من المشاكل التي قد تدوم على المدى الطويل. و أوضح أخصائي الأمراض العقلية أن الإدمان على هذه الأدوية يكون على مراحل، و ينطلق عادة من استهلاك حبة واحدة، و بعد فترة تفقد هذه الجرعة مفعولها و يجد الشخص نفسه، دون أن يشعر، في حاجة لمضاعفة الجرعة فيتحول لتناول حبتين ثم ثلاث و مع طول مدة الاستهلاك، تتطور طريقة الاستخدام و يتم التحول من استهلاكها مع المشروبات الغازية إلى تناولها مع المشروبات الكحولية، و هي مظاهر شائعة في الوقت الحالي، و قد تصل بصاحبها للإثارة القصوى أو كما يعرف في الوسط الطبي بـ «نيرفانا». و مع تطور استهلاك هذا الدواء يصبح المدمن معرضا للإصابة بأمراض نفسية خطيرة، و هناك حالات، يضيف الدكتور، يصبح فيها الشباب يسمع أصواتا صاخبة، أو يتخيل أشياء أمامه غير موجودة في الواقع، موضحا أن العلاج يتطلب استعدادا من المريض كشرط أساسي و يمكن أن يطول على حسب الحالة.
رئيس خلية الاتصال بأمن ولاية قسنطينة
عالجنا قضايا تزوير وصفات طبية
أوضح رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة بأمن ولاية قسنطينة محافظ الشرطة محمد زمولي، أن مصالح الأمن تقوم بمحاربة ظاهرة الاتجار غير القانوني بكامل الأدوية بناء على ما جاء في نصوص قانون الإجراءات الجزائية.
و صرح ذات المسؤول في حديث للنصر، أنه قد تم تسجيل عدد من القضايا التي تخص تزوير الوصفات الطبية تمت معالجتها على مستوى عدد من مصالح الأمن الحضري المنتشرة بالولاية، آخرها قضية تمت على مستوى الأمن الحضري السادس بحي بوجنانة، و ذلك بناء على شكوى تقدم بها طبيبان متخصصان في أمراض العظام مفادها قيام مجهولين بتزوير وصفات طبية تخصهما، و قد مكنت التحقيقات من الإطاحة بالعصابة المكونة من 7 أفراد و تقديمهم أمام العدالة بتهم التزوير و استعمال المزور في وصفات طبية، و طرح دواء غير مصنف على أنه مهلوس للترويج، مضيفا أن الأدوية المدونة في الوصفات المذكورة هي من نوع «بريجبالين».
المحامية كوثر كريكو
القانون لا يُصنف «ليريكا» و «بريجابالين» كمهلوسات
أكدت المحامية المعتمدة لدى مجلس قضاء قسنطينة كوثر كريكو، أن ظاهرة تناول “ليريكا” و”البريجابالين” أصبحت شائعة في المجتمع الجزائري في الآونة الأخيرة، و أن محاربتها أمرا ليس بالسهل، كون قانون الصحة لا يصنفها ضمن الأدوية المهلوسة الممنوعة.
و أوضحت الحقوقية في تصريح للنصر، أن هناك الكثير من المواد الصيدلانية التي تحوي مكوناتها على خصائص مشابهة لمكونات المخدرات و بالتالي فاستهلاكها يؤدي إلى نفس النتائج، معتبرة أن عملية تصنيف الأدوية أمر ليس بالسهل و إنما يخضع لمراسيم خاصة، و بالمقابل تعرف الجريمة تطورا متسارعا، و لذا فإن على القوانين أن تتماشى مع هذا التطور.
و تابعت الأستاذة كوثر كريكو أنه من الضروري إعادة النظر في تصنيف الكثير من الأدوية و المواد الصيدلانية حتى يشملها قانون منع التداول و البيع الحر الخاص بباقي الأدوية، ما يمكن السلطة التنفيذية و القضائية من متابعة المتورطين في حيازتها و بيعها، موضحة أن الضبطية القضائية ملزمة بتطبيق نصوص قانون الإجراءات الجزائية و بالتالي هي غير قادرة، حسبها، على اتخاذ أي خطوة إلا في حالة تحيين جدول الأدوية المهلوسة، و ذلك بعد إجراء خبرة علمية على هذه العقاقير بمخابر معتمدة كمخبر باستور، و مخبر الدرك ببوشاوي و كذلك التابعة للشرطة. و بالمقابل فإن أي قضية تشمل دوائي «ليريكا» أو»بريجابالين» لا يمكن تصنيفهما ضمن الحيازة من أجل الاستهلاك أو من أجل الاتجار غير الشرعي بالأقراص المهلوسة، تضيف المحامية كريكو، التي قالت إن الدفاع يطالب في مثل هذه الحالات بالبراءة، و في حالات ضيقة يكون التكييف بطريقة أخرى كطرح دواء غير مصنف على أنه مهلوس للترويج.
ع.ب