ما تزال العديد من كتب الجيل الثاني الخاصة بطوري المتوسط و الابتدائي، مفقودة في المؤسسات التربوية و حتى بالمكتبات الخاصة، رغم مرور أسبوعين كاملين على الدخول المدرسي، و هو ما اضطر الأولياء إلى البحث عن أي مخرج يخلّصهم من هذه «الورطة»، باللجوء إلى السوق السوداء أو إلى شبكة الأنترنت أين تُعرض بالمنتديات و مواقع التواصل الاجتماعي، العناوين غير المتوفرة للبيع و بأسعار تزيد بكثير عن الثمن الرسمي، فيما اهتدى بعض الأساتذة إلى التحميل الالكتروني للكتب ثم نسخها، ربحا للوقت و من أجل البدء في تقديم الدروس المتأخرة.
تحقيق: ياسمين بوالجدري
على عكس الأعوام الماضية، شهد الدخول المدرسي هذه السنة اضطرابات في توزيع الكتاب المدرسي الخاص بمناهج الجيل الثاني، و مسّت الندرة العديد من العناوين في السنتين الثالثة و الرابعة ابتدائي، و السنتين الثانية و الثالثة متوسط، رغم أن وزيرة التربية الوطنية سبق لها و أن طمأنت بأن هذه الكتب التي طُبع منها 40 مليون نسخة، ستكون متوفرة عبر مراكز التوزيع التابعة للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، و كذا على مستوى 800 مكتبة معتمدة، كما تعهدت بتوفيرها في المؤسسات التعليمية في غضون يومين من الدخول المدرسي، أو في العشرة أيام الأولى كأقصى تقدير.
دروس مُعلّقة في الطور الابتدائي
هذه الندرة غير المتوقعة، وضعت الأساتذة المعنيين بكتب الجيل الثاني، في حيرة من أمرهم، كحال معلمة ابتدائي بإحدى مدارس ولاية قسنطينة قالت للنصر إنها تدرس تلاميذ السنة الرابعة، و لم تستطع إلى اليوم الإطلاع على مضمون العديد من الكتب الجديدة، ما جعلها غير قادرة على الانطلاق في التدريس بعد أسبوعين كاملين من الدخول المدرسي، بحيث لم تصل مؤسستها التربوية سوى كتب التربية الإسلامية و كراسي نشاطات العربية و الرياضيات، و ذلك بكميات محدودة لم تكف جميع التلاميذ، زيادة على أن هذه الكراريس لا يمكن استخدامها قبل الدراسة باستعمال كتبها الأصلية، أما العناوين الثمانية المتبقية، و التي من بينها مواد أساسية، كالرياضيات و القراءة العربية و الفرنسية، فما تزال، حسب المصدر ذاته، مفقودة، و تضيف محدثتنا أن الوضع نفسه مسجل بالنسبة لكتب السنة ثالثة ابتدائي، إذ لم تحصل بعض المدارس سوى على كتاب القراءة العربية.
أما في الطور المتوسط، فلم تختلف الأمور كثيرا، إذ يشتكي التلاميذ و أولياؤهم من ندرة كبيرة في كتب الجيل الثاني، و في هذا الخصوص ذكر ولي تلميذة تدرس في السنة الثانية متوسط، أنه وجد، و لأول مرة، صعوبة في شراء الكتب لابنته و لم يستطع الحصول سوى على جزء منها عن طريق معرض نظمته السلطات و معارفه، بحيث ما تزال ابنته تدرس دون كتابي الرياضيات و العربية المفقودين في المؤسسات التربوية و المكتبات بولاية قسنطينة، بعد أن نفدت الكميات الموزعة بسرعة، لتضطر التلميذة لسماع عبارة “دبري راسك” من أساتذتها الذين يطالبونها في كل مرة بإحضار الكتب.
و قد عبر أولياء تحدثنا إليهم عن استيائهم من استغلال بعض التجار و باعة السوق السوداء لهذا الوضع، من خلال رفع أسعار الكتب، لعلمهم بحاجة المواطنين إليها، ففي الطور الابتدائي مثلا، حدد الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية أثمانا تتراوح بين 70 و 220 دينارا، أما قيمة الكتب مجتمعة في كل سنة معنية بإصلاحات الجيل الثاني، فلا تتعدى 1810 دينار، رغم أن هذا الرقم، وصل بحسب ما أكده لنا بعض الأولياء، إلى 4000 دينار، بما يعادل أزيد من ضعفي السعر الرسمي، فيما أوضح مدير التجارة بولاية قسنطينة للنصر، بأن أثمان الكتب المدرسية ليست محددة بمرسوم مثل هو معمول به في مادتي الخبز أو الحليب، لذلك لا يمكن لمصالحه التدخل في المكتبات مهما كانت الظروف و حتى لو تضاعف السعر لعدة مرات.
و أمام نفاد الكتب حتى من السوق السوداء و نقاط بيع الخواص، وجد الأولياء ضالتهم في الشبكة العنكبوتية التي أتاحت لهم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، فرصة لوضع “طلبياتهم»، لكن هذه المرة ليس عن طريق المؤسسات التربوية أو المكتبات مثلما تعوّدت عليه العائلات الجزائرية، بل بواسطة المجموعات و الصفحات المعروفة ببيع السلع، من خلال وضع منشوارت تتضمن عنوان الكتاب المطلوب و السنة المعنية، لتنهال عليهم التعليقات من طرف “سماسرة الكترونيين”، يضعون أرقام هواتفهم أو يطلبون من المستخدم المعني التواصل معهم على الخاص عبر “المسنجر»، فيما يكتفي آخرون بكتابة الأسعار التي غالبا ما تكون مرتفعة.و قد اتصلت النصر بأحد الأرقام الهاتفية التي وُضعت في هذه “النداءات”، حيث كان في الرد امرأة يبدو من صوتها أنها فتاة شابة.. تظاهرنا بأننا نبحث عن كتاب الرياضيات لتلميذة في السنة الرابعة ابتدائي، فتأسفت بالقول إن الكميات التي لديها في هذه المادة نفدت، و لم يتبق لديها سوى عنوانان، ثم علّقت بالقول “راني نليكيدي فالسلعة اللي بقات”، هي عبارة كانت كافية للتأكد من أن الكتب المدرسية لم تسلم أيضا من الباحثين عن الربح السريع، بعدما تحوّلت بالنسبة لهم إلى مجرد سلعة تُشترى بطرق ملتوية و أحيانا قانونية، لكن ليس بغرض تقديمها للتلاميذ الذين هم في أمس الحاجة إليها، بل للسمسرة بها و تحقيق أكبر عائد مالي ممكن.
و يضع الكثير من هؤلاء “السماسرة” إعلانات بموقع “فايسبوك” و لا يكتفون بتصيّد ناشري الطلبات، حيث يعرضون كتب الجيل الثاني المفقودة للبيع، و ذلك بأسعار مرتفعة في الغالب و نادرا ما تتطابق مع الأسعار الرسمية أو تقل عنها، على غرار مستخدمة قالت إنها تبيع 8 كتب خاصة بالسنة الثالثة ابتدائي مقابل مبلغ 1650 دينارا، ليتفاعل معها بعض الأولياء الذي بدأوا في التعليق لمعرفة طريقة الحصول على هذه الكتب، التي تباع في المؤسسات التربوية مقابل 1310 دينار فقط.
أساتذة يستلفون الكتب من تلاميذهم و «فورشيرد» ينقذهم!
و لأن الأساتذة أنفسهم لم يستطيعوا الحصول على بعض كتب الجيل الثاني، فقد اضطر العديد منهم إلى «استلاف» الكتب من التلاميذ الذين «غنموها»، على الأقل من أجل التمكن من تحضير الدرس و تقديمه، كما يلجأ آخرون إلى تمرير الكتاب بين التلاميذ داخل القسم، فيما اهتدت فئة أخرى إلى الحلول التي توفرها شبكة الأنترنت، من خلال ولوج المنتديات الالكترونية الجزائرية و صفحات “الفايسبوك” الخاصة بالتعليم و الأساتذة، حيث توفر هذه الفضاءات روابط تحيل مباشرة إلى مواقع تسمح بتحميل الكتب، و خاصة موقع “فور شيرد» العالمي، بعد أن تطوّع أساتذة بنسخها الكترونيا و وضعها في خدمة المعلمين و التلاميذ. و قد علّقت معلمة في إحدى المجموعات الخاصة بموقع «فايسبوك» بالقول «أرجو منكم عرض نسخة من كتاب اللغة كي أتمكن من طبعها لتلاميذي و أبدأ الدرس الأول يوم الأحد المقبل لأن الكتب لم تصلنا»، ليلقى طلبها استجابة من بعض المستخدمين الذين أحالوها إلى المواقع التي يتم من خلالها تحميل الكتب كحل مؤقت يسمح لهم بتجاوز “الأزمة”، إلى حين وصول الكتب و بالعدد الكافي.
ي.ب