الشطرنج وراء تفوقي و تحقيق طموح دراسة الطب
استطاعت ابنة قسنطينة، لاعبة الفريق الوطني للشطرنج، نسرين بوبنيدر، أن ترفع راية الوطن عاليا في البطولة العربية للشطرنج، بافتكاكها للميدالية الذهبية في الشطرنج الخاطف، و كذا الظفر بالمرتبة الثالثة في الشطرنج الكلاسيكي، لتعود بتتويجين من العراق المستضيف للبطولة، بميداليتين، ممثلة بذلك بلادها أحسن تمثيل، و أعربت في حوارها مع النصر، عن سعادتها بهذا الفوز، كما تحدثت عن سر احترافها رياضة الأذكياء، التي تعرف أيضا برياضة الأذهان و الملوك، و سر حصولها على لقب دولي.
حاورتها / أسماء بوقرن
. النصر: شاركت في بطولة العرب للشطرنج 2022، و عدت بلقب بطلة العرب و ميداليتين، إحداها ذهبية، حدثينا عن هذه المشاركة..
ـ نسرين بوبندير: لم تكن هذه مشاركتي الأولى في بطولة العرب، فقد شاركت في أربع دورات، ليكون الفوز باللقب حليفي في هذه الدورة التي احتضنها العراق، بعد تصفيات كانت الأولى قبل شهر و نصف من المنافسة، التي أجريت يين 10 و 17 مارس الجاري، حيث تنافست على المستوى الوطني، مع 08 لاعبات، و ظفرت بالمرتبة الأولى، ما أهلني لخوض غمار البطولة، حيث مثلت فئة أقل من 18 سنة إناث، إلى جانب ثلاث لاعبات في الفئات العمرية الأخرى، و أربعة مشاركين ذكور، من مختلف ولايات الوطن، لنعود ب08 ميداليات، منها 3 ميداليات ذهبية.
.هل كنت تتوقعين الفوز بميدالية ذهبية و الظفر باللقب؟
ـ حقيقة لم أكن أتوقع الفوز بالذهب و اللقب، لطالما اعتدت على احتلال المرتبة الرابعة خلال مشاركاتي في الطبعات السابقة، منها المنظمة في الأردن و تونس، فبعد أربع مشاركات مع الفريق الوطني توجت في هذه الطبعة بالذهب في فئة الشطرنج الخاطف و هي جولة سريعة جدا مدتها 3 دقائق، فيما نلت المرتبة الثالثة في الشطرنج الكلاسيكي و مدته ساعة النصف.
. ما سر تفوق اللاعبين الجزائريين في المنافسات الدولية في الشطرنج و بالأخص في هذه البطولة التي عدتم فيها بثماني ميداليات؟
ـ هذه المنافسات تكشف حقا عن المواهب التي تتمتع بها الجزائر في شتى المجالات، و بالأخص الشطرنج، فهناك مواهب لم تكن معروفة، أخرجتها هذه المنافسات للعلن، و يرجع سر التفوق للحافز الكبير الذي يتمتع به المتنافسون لتحقيق نتائج و التأكيد على أن لاعبي الشطرنج استطاعوا رفع الراية الوطنية عاليا، في الوقت الذي لا تلقى هذه اللعبة، أو بالأحرى الرياضة، الاهتمام مقارنة بباقي أنواع الرياضة، رغم ما نحصده من ألقاب، و هناك سبب آخر يكمن في تضحيات الأولياء الذين يدفعون أبناءهم إلى بذل قصارى جهدهم، لرد الجميل لهم، فأنا شخصيا والدي و والدتي قدما لي الدعم المعنوي و كذا المادي، من خلال تخصيص مدربة لي، و كذا دفع مستحقات المنافسات الدولية التي أشارك بها بمفردي.
. كيف كان رد فعل العائلة بعد الإعلان عن تتويجك؟
ـ كانت سعادة لا توصف، فسعادتي بردود فعل والدي و والدتي و عائلتي و أصدقائي أكبر من فرحتي باللقب، فأنا أسعد عندما أكون سببا في سعادة الغير و بالأخص أوليائي.
فزت بلقب نائبة بطلة الجزائر في التاسعة من عمري
. نجاح نسرين اليوم ثمرة سنوات من الكد و الجد، حدثينا عن بداياتك مع رياضة الملوك..
ـ بدأت ممارسة لعبة الشطرنج عندما كنت في الثامنة من عمري، لقد كان أخي الذي يكبرني بأربع سنوات، مولعا بها، و عندما التحق بجمعية الشطرنج القسنطيني، قررت أن انخرط بها أنا أيضا، ليس من باب حبي لهذه الرياضة، و إنما لتقليد ما يقوم به أخي، و لم أكن أتوقع أني سأغرم بهذه اللعبة و أعشقها حد النخاع، فبمرور الوقت أصبحت أمارسها بشغف كبير، خاصة بعد أن اكتشف مدربي قدراتي و مهاراتي في لعبها، و طلب من والدي إحضاري بشكل منتظم.
بعد سنتين التحقت بنادي الشطرنج القسنطيني، حيث صقلت مهاراتي بفضل مدربتي أمينة مزيود، الحاصلة على ألقاب عالمية، و التي يعود لها الفضل الكبير في احترافي الشطرنج و الفوز بألقاب محلية و وطنية، كالفوز بالميدالية البرونزية في البطولة الوطنية الجامعية للشطرنج سنة 2022.
. هل كنت تستغلين مهارة أخيك في الشطرنج في التدرب على اللعبة؟
ـ نعم، أكيد، براعة أخي في لعب الشطرنج و لعبي معه، جعلاني أصقل مهاراتي، كانت فرصة ثمينة قمت باستغلالها أحسن استغلال، فكنت أقضي وقت فراغي معه أمام لوحة الشطرنج، و كنا نركز على القطع و كيفية تحريكها بشكل مدروس و دقيق، و التنافس بيننا على الفوز، فنمت في أعماقي الرغبة في التفوق و خوض غمار المنافسات.
سرنا على نفس النهج لسنوات عديدة، إلى أن بلغ أخي مرحلة اجتياز امتحان البكالوريا، حينها قرر التوقف مؤقتا عن لعب الشطرنج، لكنه فضل بعد نجاحه في الامتحان، التفرغ لدراسة الطب، و ابتعد كليا عن هوايته، بينما فضلت أنا مواصلة مساري في رياضة الذكاء.
. هل لممارسة لعبة الشطرنج تأثير إيجابي على حياتك؟
ـ الشطرنج رسم طريقي بعناية و نجاح نحو المستقبل، و يقف وراء ما أحققه من نجاح دراسي، و يؤثر على سلوكي و طريقة تعاملي مع الغير، لقد جعلني أقدس الوقت و أجيد إدارته و الالتزام به، تعلمت الصبر و التركيز، و سرعة الحساب و نمى في الرغبة الدائمة في التفوق في كل المجالات، حيث لم أعد أكتفي في دراستي بالحصول على معدل مشرف، بل أجتهد و أثابر للظفر بالمرتبة الأولى، كما أثر على شخصيتي، من خلال القدرة على اتخاذ القرار و الشجاعة، و نمى لدي الخيال الواقعي، و قوى ذاكرتي و منحني الطاقة الإيجابية.
و مكنني الشطرنج من تحقيق حلم السفر إلى بلدان لم أكن لأزورها، لولا انضمامي إلى الفريق الوطني للشطرنج، حيث اكتشفت ثقافة 16 دولة، أذكر منها كازاخستان، العراق، الأردن، مصر، تركيا و مانيبيا.
زرت 16 دولة بفضل اللعبة
. متى التحقت نسرين بالفريق الوطني للشطرنج؟
ـ أول لقب وطني تحصلت عليه سنة 2013، عندما كنت في التاسعة من العمر، و هو نائبة بطلة الجزائر لأقل من 10 سنوات، و قد خضت منافسة بطولة العالم مع الفريق الوطني أصاغر، و أنا في العاشرة، و كان ذلك بمدينة العين الإماراتية.
كانت تجربة مميزة و رائعة فزت خلالها خمس مرات بلقب نائب بطلة الجزائر للشطرنج، و في 2017 تحصلت على لقب بطلة الجزائر للشطرنج، و هو لقب أهلني مباشرة للالتحاق بالفريق الوطني، و تمثيل الجزائر في المحافل الدولية، و خوض غمار منافسات عديدة مع لاعبين من جنسيات مختلفة .
كما كان لي شرف الالتقاء بأسماء لامعة في عالم الشطرنج كنت أحبها و أحلم برؤيتها، مثل بطل العالم للشطرنج كاس باروف، و البطل كاركوف و أمير العين، و رئيس الاتحادية العالمية للشطرنج، و ذلك سنة 2019 بكازاخستان، لقد كانت بطولة مميزة ، إذ شارك فيها أبطال العالم في الفئات الصغرى، و كانت الجزائر الممثل الوحيد لإفريقيا.
اعتمدت على إمكانياتي الخاصة للمشاركة في منافسات دولية
. ما هي المنافسات التي اعتمدت على إمكانياتك الخاصة للمشاركة فيها؟
ـ هناك بطولات أخرى شاركت فيها بإمكانياتي الخاصة في ليتوانيا و فرنسا، فالقانون يسمح لنا كرياضيين بالمشاركة الفردية، و ليس ضمن فرق ، في منافسات دولية، شرط التكفل الشخصي الكامل بالتكاليف. كنت أحرص على المشاركة في مختلف المنافسات الدولية، لرفع مستواي و التصنيف، فبلغت حاليا درجة 1520، من خلال التنافس مع لاعبين ذوي مستوى عال جدا، و اكتساب خبرات و تعلم مهارات جديدة.
كانت والدتي ترافقني في المنافسات التي أخوضها خارج الوطن، و هناك رحلات رافقني فيها أفراد آخرون من عائلتي، منها المنافسة التي خضتها في تشيكوسلوفاكيا، فيما ذهبت بمفردي عندما كان الأمر يتعلق بخوض منافسات في إطار الفريق الوطني، منها بطولة إفريقيا و أولمبياد الشطرنج في تركيا.
. كيف تمكنت نسرين من التوفيق بين الدراسة و الشطرنج و المشاركة في المنافسات؟
ـ اعتدت على التوفيق بين الدراسة و هوايتي في لعب الشطرنج منذ الصغر، فلم تكن حاجزا أمام دراستي، و لا يمكن أن أتصور حياتي دون ممارسة رياضة الذكاء، فهما بمثابة وجهين لعملة واحدة، لا يمكن فصلهما، فلعب الشطرنج جعلني أجتهد أكثر في دراستي، و أنجح في البكالوريا بمعدل 17.65 من 20، لأختار تخصص الطب و أسير على نهج أخي الذي يدرس حاليا في السنة الخامسة طب، فهو الذي مهد الطريق أمامي في هذا المجال، و لا يزال يساعدني و يقدم لي نصائح.
. هل اخترت الطب عن قناعة؟
ـ نعم تخصص الطب حلم طفولتي، فقد كنت أعيش مع جدي و جدتي و أحرص على متابعة وضعهما الصحي من خلال قياس ضغط الدم و نسبة السكري في الدم، و أقدم لهما الأدوية.
. من هي البطلة التي تعتبريها قدوتك في الشطرنج؟
ـ ملهمتي و قدوتي هي مدربتي أمينة مزيود، التي حققت ألقابا عالمية و حصدت عددا معتبرا من الميداليات الذهبية، أطمح لتحقيق ما بلغته، فهي الجزائرية الوحيدة التي بلغت تصنيفا عاليا جدا و حصلت على لقب مدرب كبير، و تعد رقم واحد في الشطرنج في الجزائر، و تحوز على لقب أستاذة دولية كبيرة.
. هل تلقى رياضة الشطرنج الاهتمام الكافي على المستوى الوطني؟
ـ لا ..للأسف لعبة الشطرنج مهمشة، رغم ذلك يحصد ممارسوها ألقابا مشرفة في المحافل الدولية، نريد فقط القليل من الإمكانات، إلى جانب الاهتمام الذي يعد حافزا قويا ، يمكننا من التألق أكثر خارج الوطن، و أحلم بأن يصبح تعليم لعبة الشطرنج في المدارس إجباري، و ممارستها من قبل الأطفال منذ الصغر، نظرا لفوائدها الكبيرة، أو حتى تخصيص فضاءات لممارستها، لأنها تمكن من اكتشاف المواهب و القدرات، و بذلك يمكن الاستفادة من تجارب مدربين في مختلف أنواع الشطرنج، سواء الشطرنج الخاطف و مدته من 3 إلى 5 دقائق، و يتطلب سرعة كبيرة أو الشطرنج السريع و الكلاسيكي و مدته ساعة و نصف، و قد يصل إلى 06 ساعات.
. هل تحلم نسرين بتأسيس مشروع في مجال الشطرنج؟
ـ أحلم بنقل تجربتي و معارفي إلى الجيل الصاعد، فقد لمست رغبة العديد من الأطفال في ممارسة هذه اللعبة، لكنهم يصطدمون بعدم اهتمام العائلة..
أ ب