أظهرت حادثة تفحّم و اختناق 8 رضع في مركب الأم و الطفل بالوادي، الأسبوع الماضي، مدى هشاشة المنشآت الصحية ببلادنا و عدم قدرتها على تحمّل «أبسط» الكوارث، فشرارة كهربائية مصدرها جهاز عادي لطرد البعوض، صارت كافية لنشوب حريق يأتي في ظرف ثوان على مصالح بأكملها و يُسقِط الضحايا، دون أن تتمكن الجهات المتدخلة من إنقاذهم، و هو واقع يؤكد خبراء و مسؤولون تقصّت النصر آراءهم في هذا الملف، أنه راجع إلى عوامل متعددة و متشابكة اتحدت لتنتج مستشفيات «مقابر»، لا تتوفر حتى على مخارج نجدة و لا توجد بمعظمها أنظمة كشف عن الحرائق.
ملف من إعداد: ياسمين بوالجدري/ نور الدين-ع/ بشير منصر
النصر تتقصى وضعية دار الولادة التي شهدت حادثة تفحّم الرضع بالوادي
بناية بمخرج وحيد و أسلاك كهربائية في العراء
كشفت فاجعة وفاة 8 رضع بدار الولادة التابعة لمستشفى بشير بن ناصر في ولاية الوادي، النقاب عن مرافق صحية متهالكة، أنجزت دون مراعاة شروط السلامة و الأمن المعمول بها، و بينما توسعت المدن و ازدادت الكثافة السكانية بها، ظلت هذه المرافق على حالها، في صورة لا تستجيب لمتطلبات المرضى و حتى العمال الذين عادة ما يشتكون من ظروف الاستقبال و نقص الوسائل و الهياكل اللازمة لممارسة المهنة في أحسن الظروف.
و توغلت النصر داخل مقر دار الولادة التابعة إداريا للمؤسسة الاستشفائية للأم و الطفل بشير بن ناصر، و التي تبعد عنها بحوالي كيلومتر و شهدت حادثة وفاة الرضع في الحريق الذي شب فجر الثلاثاء الماضي، فهذه المنشأة لا تتسع سوى لنحو 60 سريرا، و هي موجهة لتعداد سكاني يفوق 78 ألف ساكن، حيث لاحظنا أنها لا تضم في الأصل سوى مدخلا واحدا، فيما استحدثت مداخل أخرى من طرف مصالح المؤسسة، كمنافذ للتخفيف عن الباب الرئيس.
إضافة إلى ذلك، سجلنا انعداما لمختلف أنظمة السلامة داخل المبنى المكون من طابق واحد، خصوصا ما تعلق بعلب التحكم في الكهرباء بغرف المرضى و العمليات و التي وجدنا بعضها دون أغطية و أسلاكها ظاهرة للعيان، بما يسهل حدوث شرارات كهربائية، بينما أنجزت الأدراج بشكل حلزوني يصعّب من تنقلات المرضى و العمال و لا يتماشى مع طبيعة المنشأة، أما المصعد فيكون معطلا في غالب الأوقات.
و قال عدد من سكان الجهة، بأن دار الولادة أنجِزت على أساس عيادة متعددة الخدمات موجهة لأحياء الجدلة، النور، المجاهدين و مختلف المناطق القريبة، لتخفيف الضغط عن بعض المؤسسات الواقعة بعاصمة الولاية، إلا أنها حولت إلى مركب للأم و الطفل على أساس أن يكون ذلك مؤقتا إلى حين إنجاز مرفق جديد متخصص، و ذلك عقب النداءات المتكررة لبرمجة مثل هذه الهياكل بوسط المدينة.
و ذكر عدد من العاملين بمركب الأم و الطفل، بأنهم يستقبلون بشكل يومي مختلف حالات الولادة بما فيها العادية، و ذلك من أغلب البلديات القريبة، ما جعلهم يعيشون ضغطا متواصلا.
المستشفى أنجز بالجبس منذ 60 عاما!
النصر دخلت أيضا مبنى المؤسسة الاستشفائية للأم و الطفل بشير بن ناصر ، و هو هيكل قديم تم وضعه حيز الخدمة سنة 1958، بعدما أنجِز آنذاك بالجبس المحلي و بسواعد محلية كأول مستشفى بالمنطقة، حيث استفاد من عشرات عمليات الترميم و صرفت عليه ملايير، كان بالإمكان استغلالها لإنجاز مستشفيات كبيرة.
و يظهر جليا أن هيكل البناية في وضعية متردية قد لا تتحمل المزيد من العوامل المناخية، و هو ما أكده لنا عدد من العمال القدماء بمن فيهم متقاعدون، حيث ذكروا أن المستشفى المصنوع من مادة الجبس، صار مهددا بالانهيارات بفعل كميات الأمطار المتساقطة و المياه المتسربة الصاعدة عبر الجدران و الأساسات، رغم سماكة الجدران التي تصل إلى 80 سنتيمترا.
كما وقفا على مدى عدم فاعلية مختلف عمليات الترميم السابقة، خاصة ما تعلق بإعادة أشغال التلبيس الخارجي و الداخلي، سواء بالاسمنت أو مادة السيراميك أو الصباغة، بسبب تشبع الجدران بالماء الذي جعلها تتساقط داخل مختلف الأجنحة، بما فيها أجنحة حساسة كالإنعاش و الأشعة.
الإدارة تلجأ إلى ترقيع الجدران بالبلاستيك!
كما لجأت مصالح المستشفى في ظل انعدام البديل و تجميد المشاريع وقتها، لتغليف الجدران الداخلية بمادة البلاستيك «PVC» و المستعملة في الأسطح المزيفة، رغم خطورتها في حالة اشتعال حريق، و هو حل ترقيعي كان الهدف منه التقليل من سقوط الغبار و بقايا الصباغة على المرضى الماكثين بالمستشفى.
و ذكر عدد من العمال بمن فيهم أطباء متخصصون ممن وجدناهم منهمكين في عملهم الخاص بالحد الأدنى من الخدمة في ظل الإضراب الذي تم شنه تضامنا مع زملائهم، أنهم يعملون تحت ضغط يومي بسبب كثرة المرضى الوافدين من 30 بلدية، على اعتبار أن هذه المؤسسة الوحيدة التي تقدم خدماتها للأطفال.
و قال شاب توظف بذات المؤسسة منذ نحو عامين، بأنه يجد نفسه في بعض أيام المناوبة الليلية، أمام واقع صعب، حيث يتنقل بين مختلف أسرة المرضى من الأطفال رفقة الطبيب المناوب، بين أزيد من 60 مريضا و لمدة تصل إلى 16 ساعة، بسبب قلة التأطير البشري، مما انعكس سلبا على صحته، كاشفا عن التفكير في الاستقالة و الابتعاد عن هذا الميدان.
منصر البشير
مسؤولون بمؤسسات صحية يصرحون للنصر
الشرارات تحدث بكبرى مستشفيات العالم لكننا نعاني من نقص الإمكانيات
يطرح مسؤولون بمؤسسات استشفائية بقسنطينة، مشكلة العجز في عدد أعوان الأمن و التي يقولون إنها من أهم العوامل التي تُضاعف من خطر الحرائق و الكوارث، كما يؤكدون أن ضعف الإمكانيات المادية جعلهم غير قادرين في الوقت الحالي على تركيب أنظمة حديثة مضادة للنيران، إضافة إلى طرح مشكلة نقص التكوين.
و يقول السيد قرفي الزبير مدير مستشفى علي منجلي بقسنطينة، إن وقوع الشرارات الكهربائية مثلما حصل في مستشفى الأم و الطفل بالوادي، أمر وارد بسبب الأعطاب التي “يستحيل التنبؤ بها»، لذلك فإن مصالحه تسهر، مثلما يؤكد، على تفاديها و عدم الانتظار إلى غاية وقوع حادث، لكنه طرح مشكلة الضغط على مؤسسته التي تحصي مصلحة الاستعجالات بها، لوحدها، 300 استشارة طبية يوميا، ما جعلها تعمل بأكثر من القدرة الاستيعابية بغرض تلبية احتياجات للعدد الكبير لسكان المدينة الجديدة علي منجلي.
“نعمل بمخطط أورساك يُحيَّن سنويا”
و وضع مستشفى علي منجلي، حسب مديره، مخططا استعجاليا أمنيا لتسيير الأزمات «أورساك»، كما أن الحماية المدنية تشرف على تحيينه كل سنة، فيما تتوفر المؤسسة على 12 عون أمن يتناوبون في العمل، و أحيانا يتم اللجوء إلى السائقين في حالة تسجيل غيابات، و قد طرح المتحدث أيضا مشكلة نقص الإمكانيات، حيث قال إنها تمنع من القيام بعمليات التجديد بالشكل اللازم.
المكلف بالإعلام بالمستشفى الجامعي ابن باديس، عزيز كعبوش، ذكر أن إدارة المؤسسة تضع مخطط أمن داخلي يُحيَّن كل سنة، حيث يشمل القيام بمناورات داخل المستشفى في حالات الحرائق من أجل التدرب على التدخل السريع، و هو أمر يشرف عليه المدير و كذا مديرية الوسائل و التجهيزات التي تحرص على عمليات التكوين و توفير العتاد اللازم.
عجز بـ 140 عون حراسة بأكبر مستشفيات الشرق
و يطالب السيد كعبوش باستفادة عمال المستشفى من دورات تكوينية مع الحماية المدنية و الهلال الأحمر الجزائري، و غيرهما من المتدخلين، بما يمكن أن يساهم في منع وقوع الحرائق و التقليص من أضرارها، مشيرا في ذات السياق إلى النقص المسجل في عدد أعوان الأمن بمستشفى بهذه الضخامة، حيث لا يتوفر حاليا سوى على 60 عونا، بينما يحتاج لـ 200 رجل حراسة على الأقل.
من جهته ذكر السيد بن مهيدي عبد الكريم، مدير مستشفى ديدوش مراد و المدير السابق لمستشفى الخروب، أن حادثة الحريق التي شهدها هذا الأخير قبل بعض سنوات، نجمت عن احتراق المحول “أنديلار” التابع لجهاز كمبويتر، حيث ترك مشتعلا و وقعت به شرارة كهربائية، داخل مكتب كان مغلقا، لذلك فالأمر يتعلق، حسبه، بأخطاء بشرية، لكن رقم ذلك تم في ظرف 10 دقائق إجلاء 140 مريضا، وفقا لبن مهيدي.
و نفى المسؤول أن تكون الحماية المدنية قد حذرت الإدارة من خطر الشرارات الكهربائية قبل حدوث حريق بمستشفى الخروب، قبل أن يضيف «كيف يمكن لعون أمن أن يحدد بمفرده أن هناك خللا»، حيث قال إن ذلك من اختصاص المؤسسة الوطنية للاعتماد و المراقبة التقنية “إيناكت”، التي تتوفر على خبراء يستعملون أجهزة خاصة، و تقوم بناء على اتفاقيات بمراقبة سلامة مختلف التوصيلات و الأجهزة، قبل أن يضيف “الشرارة يمكن أن تحدث في أكبر مستشفيات العالم».
“أجهزة طرد الناموس و التدفئة خطيرة”
أما في ما يتعلق بمستشفى ديدوش مراد الذي خضع لعملية إعادة اعتبار استغرقت سنوات و استهلكت أموالا ضخمة، فقال بن مهيدي بأنه لم تتم مراعاة معايير السلامة الخاصة بمواجهة الحرائق في المشروع، حيث توجد مخارج النجدة، غير أن الأنظمة الحديثة المضادة للحرائق غير متوفرة، كحال باقي المستشفيات بالجزائر «غير المطابقة” و التي بني معظمها وقت الاستعمار، أما الأخرى فقد اتبعت فيها نماذج موحدة، حسب بن مهيدي.
و أضاف المتحدث، أنه و حتى إذا رغبت الإدارة في تثبيت هذه الأنظمة، فإنها تصطدم بمشكلة الأموال الكبيرة التي تتطلبها، أما في ما يتعلق بمسألة التكوين، فقال إنها من مهمة مصالح الحماية المدنية، لكنها تكون، حسبه، بمقابل مادي مرتفع لقاء الفرد الواحد، ما جعل الإدارة ترسل عددا قليلا من الأعوان من أجل الخضوع للتكوين، على أن ينقلوا الخبرات التي اكتسبوها إلى زملائهم، لكن هذا الأمر يبقى بنظره “غير كاف”، حيث يحسن العمال استعمال أجهزة الإطفاء، ليس أكثر.
و لأنه لا توجد مستشفيات مطابقة حسب محدثنا، فإن الإدارات تلجأ إلى اعتماد الترقيع، ما يؤدي لحدوث شرارات بسبب الضغط على الأجهزة، مضيفا “لا يوجد ما هو أكثر خطرا من أجهزة طرد الناموس و أجهزة التدفئة التي تعمل بالكهرباء، حيث كثيرا ما تؤدي إلى شرارات خاصة إذا استعملت بكثرة، و ربما يرجع ذلك إلى عامل النوعية».
ياسمين.ب
رئيس مصلحة الوقاية بالحماية المدنية بقسنطينة النقيب لقرع عبد الرحمان
نقص مخارج النجدة من أهم التحفظات التي سجلناها بالمستشفيات
يكشف النقيب لقرع عبد الرحمان، رئيس مصلحة الوقاية بالمديرية الولائية للحماية المدنية بقسنطينة، أن نقص أو غياب مخارج النجدة، يعدّان من أهم التحفظات التي تسجلها مصالحه خلال الخرجات الرقابية بالمؤسسات المستقبلة للجمهور، و منها المستشفيات، مضيفا بأنه تم الوقوف على استعمال مواد بناء و توصيلات رديئة و غير مطابقة، تكمن خطورتها في إنها قابلة للاشتعال.
و ذكر النقيب لقرع أن المشرّع الجزائري سنّ قوانين بخصوص تأمين مثل هذه الهياكل، من الكوارث و الحرائق و غيرها، و من بينها الأمرية رقم 04/76 الصادرة في 20 فيفري 1976، حيث تتعلق بالقواعد العامة المطبقة في ميدان الأمن و إنشاء لجان الوقاية و الحماية، و قد تم تعديلها بالقانون رقم 02/19 المؤرخ في 17 جويلية 2019 المتعلق بالقواعد العامة للوقاية من أخطار الحريق و الفزع، و العمل على ضمان الوقاية و الأمن داخل المؤسسات المستقبلة للجمهور.
و أضاف المتحدث بأن المادة رقم 46 من هذا القانون ألغت أحكام الأمرية الأولى، في انتظار صدور النصوص التنظيمية بخصوص المؤسسات المستقبلة للجمهور و منها المؤسسات المصنفة و العمارات السكنية و ذات العلو المرتفع.
«أنظمة تصريف الدخان و الإضاءة التعويضية ضرورية»
و أوضح النقيب لقرع أن الإجراءات الوقائية في هذه المنشآت، تبنى على أساس سيناريوهات قد تحدث حسب نشاط المؤسسة، سواء تعلق الأمر بمستشفى أو منشأة إدارية و أو فندق أو مسارح و غيرها من البنايات التي تضم تجمعات بشرية كبيرة، و ذلك حول كيفية توفير الأمن التام و الحماية من الدخان و ضمان المخارج و الظروف الضرورية، عبر التهوية و نظام تصريف الدخان سواء كان طبيعيا أو ميكانيكيا، إضافة إلى ما يسمى بالإضاءة التعويضية و الأمنية التي يجب أن تكون موجودة لاستعمالها في حالات الطوارئ و انقطاع التيار الكهربائي.
و أضاف رئيس مصلحة الوقاية أن هناك أمرا آخر يجب الحذر منه و أخذه بعين الاعتبار، و هو التقليل من استعمال المواد القابلة للاشتعال في المؤسسات المستقبلة للجمهور، حيث لا بد أن تقاوم النار و أن يتم اختيارها حسب طبيعة و نشاط المؤسسة لتقلص خطر الحرائق، فيما تشمل الاحترازات حتى موقع الأرضية الذي ينجز عليه المشروع، بأن يكون بعيدا عن الأخطار الطبيعية.
و أكد المتحدث أن جميع المشاريع العمومية، تجرى لها دراسة أمنية للحصول على رخصة البناء طبقا للقانون رقم 19/ 15 الذي يحدد كيفيات تحرير عقود التعمير و تسليمها، و هي دراسة تشارك فيها الحماية المدنية.
و عن الاختلالات التي تسجلها الحماية المدنية خلال خرجاتها الرقابية، فقد أكد لقرع أن من أهمها نقص مخارج النجدة حتى في روضات الأطفال، و كذا الوضعيات غير المناسبة للأجهزة ذات الخطورة العالية، مثل المسخنات “شوديار”، إضافة إلى غياب المولدات الكهربائية التي يفترض أن تضمن الإضاءة التعويضية.
و ذكر محدثنا أن مثل هذه المشاكل تُسجل في المستشفيات العمومية و الخاصة و كذلك في عيادات الخواص، ففي إحداها مثلا، تبيّن أنها تتوفر على مخرج وحيد، ما استدعى بمصالح الحماية إلى إلزامها بإنجاز مخرج ثان، و هو ما تم في ما بعد. و أطلعنا النقيب لقرع على ملف يخص مشروع عيادة خاصة جاء لمصالحه عن طريقه مديرية التعمير من أجل إبداء الرأي حوله، حيث تم إدخال تعديلات على مخططاته لتكون البناية في وضعية تسمح بوصول شاحنات الإطفاء و الإسعاف.
كما تم التأكد من إدراج وسائل الدفاع ضد الحريق، و المتمثلة في نظام تصريف الدخان و الإنذار و شبكة مكافحة الحريق التي تشمل توفير خزان يتسع لكمية كافية من المياه حسب طبيعة و حجم البناية، و كذلك أنابيب أجهزة الإطفاء و الحنفيات التي توضع في المواقع ذات الخطورة و قرب المخارج، و هي احترازات تقدمها مديرية الحماية المدنية بخصوص العديد من الملفات الأخرى التي يتم بموجبها القيام بزيارة للمشاريع المعنية و هي لا تزال ورشات.
“حذرنا من حريق مستشفى الخروب قبل وقوعه”
و قدم النقيب لقرع مثالا عن مستشفى الخروب، الذي أكد أن مصالحه “حذرت من النقائص الأمنية به لمرتين متتاليتين”، مضيفا و أن بعد كل مرة كانت النيران تشتعل رغم التحذيرات القبلية.
و ذكّر المتحدث، بأن المؤسسات المستقبلة للجمهور يجب أن تتوفر على خلية تحرس المؤسسة لـ 24 على 24 ساعة، للحفاظ على البناية و الدفاع ضد الحريق و الإجلاء، و يتعيّن أن تتكون هذه الخلية من أعوان مؤهلين يعرفون كيف يتم الإطفاء و إجلاء المواطنين، معلقا بالقول “عندما نضع نظاما لكشف الحرائق و معه حارس يجهل طرق التدخل، فإن النار ستشتعل و لن يعرف ما الذي عليه فعله”.
و بيّن النقيب بأن المواد المستعملة خاصة في التوصيلات الكهربائية، تكون في عدة حالات رديئة و غير مطابقة للمعايير المعمول بها، ما يتسبب في كثير من المرات في حدوث حرائق، خاصة إذا تم وضعها دون استشارة مصالح الحماية المدنية.
و بخصوص المستشفى الجامعي ابن باديس الذي يعد الأكبر و الأكثر استقطابا للمرضى بالشرق الجزائري، فقد سجلت به نقائص تخص الشبكة الكهربائية و التخزين العشوائي للمواد الكيميائية و الأفرشة و الأغطية، حسب لقرع، الذي أضاف أنه تمت ملاحظة تحسن في ما يتعلق برفع هذه التحفظات خلال الفترة الأخيرة.
و يوضح لقرع أن المستشفى الجامعي و بحكم أهميته، يجب أن يتوفر على عدد كبير من أعوان الأمن المؤهلين، للقيام بدوريات المراقبة، خاصة أن معظم الحرائق تحدث، مثلما يتابع، في الفترات المسائية التي ينام خلالها الحراس، و هي نقائص قال المختص إنها سجلت في مؤسسات صحية عمومية و خاصة أخرى، و شملت أيضا استعمال تلبيسات للجدران لا تقاوم الحرائق، مضيفا بأن مراقبة نوعية المواد المستعملة تبقى من صلاحيات مكاتب الدراسات المعنية بالمشاريع.
ياسمين.ب
رئيس النقابة الوطنية للشبه طبي الوناس غاشي
المقاولون يتحمّلون جزءا من مسؤولية حرائق المستشفيات
أكد رئيس النقابة الوطنية لشبه الطبي الوناس غاشي، بأنه لا يوجد مستشفى في الجزائر يتوفر على جهاز إنذار بالحرائق، في حين أن هذه الأجهزة موجودة في الفنادق و مؤسسات أخرى، منتقدا حبس ممرضات إثر حريق مستشفى الأم و الطفل بالوادي, حيث قال إن المسؤولية لا تقع على عاتقهن.
ولتفادي الأخطاء التي تؤدي إلى وقوع حوادث مأساوية نتيجة الحرائق، مثلما عرفه مستشفى الأم و الطفل بالوادي الأسبوع الماضي، يوضح غاشي بأنه يتوجب على الأقل تثبيت أجهزة إنذار بالحرائق في المستشفيات والتي سيكون لها دور في الوقاية من هذه الكوارث، مضيفا بأن هناك حلولا أخرى يجب اتباعها، خاصة ما تعلق بتوصيلات الكهرباء في المستشفيات و مطابقتها لمقاييس الحماية المطلوبة، كما دعا إلى ضرورة إعادة معاينة شبكة التيار بكل المؤسسات الصحية لتفادي وقوع مثل هذه الأخطاء المكلفة.
وحمّل رئيس نقابة الشبه الطبي المسؤولية للمقاولين الذين يدعمون المستشفيات والعيادات الطبية بشبكة كهربائية غير مطابقة في بعض الأحيان، حيث يثبّتون، مثلما يتابع، كوابل كهربائية ليست سميكة، ومع تواجد أجهزة عديدة وكبيرة الحجم في المستشفيات، يؤدي ذلك إلى وقوع شرارة كهربائية نتيجة عدم تناسب هذه الكوابل مع المعدات الطبية، مضيفا بأن المقاولين لهم جزء من المسؤولية في وقوع الحرائق في المستشفيات.
و دعا غاشي، إلى ضرورة الاعتماد على مختصين وخبراء في ميدان الكهرباء في وضع شبكة التيار في المستشفيات، حيث لا يجب حسبه، الاعتماد على كهربائيين عاديين يستعين بهم في بعض الأحيان المقاولون لتوصيل المؤسسات الاستشفائية، ولتفادي مثل هذه الأخطاء التي كانت مكلفة هذه المرة بوادي سوف بوفاة 8 رضع، يشدد النقابي على ضرورة اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة.
وبالعودة إلى الحادث المأساوي الذي شهده مستشفى الوادي، ذكّر رئيس النقابة الوطنية لشبه الطبي بأن المسؤولية «تقع على عاتق الطاقم الطبي الكوبي الذي يسير المصلحة، ومدير الصحة السابق الذي يشغل نفس المنصب حاليا بولاية المدية والمقاول الذي قام بعلمية الترميم»، مضيفا بأن عملية إعادة تهيئة القسم قام بها المدير السابق للصحة وليس الحالي الذي تم توقيفه.أما الممرضات وعمال الصيانة الذين تم توقيفهم، فلا تقع على عاتقهم حسب محدثنا، أية مسؤولية، مضيفا في نفس الإطار بأن الممرضات اللواتي تم حبسهن، لم يكن في المناوبة الليلية، بل أن عملهن كان في فترة النهار، متسائلا عن سبب توجيه تهمة المشاركة في القتل غير العمدي للمعنيات.
و يقول السيد غاشي إن عاملة كوبية كانت في المناوبة الليلية، «هربت من مكان الحريق بعد نشوبه»، ولولا تدخل باقي الطاقم الطبي الجزائري لإنقاذ باقي الرضع، لكانت حصيلة القتلى أكبر، داعيا إلى ضرورة فتح تحقيق معمق يحدد المسؤوليات الفعلية في الحادث، و مشيرا إلى أن نقابة الشبه الطبي أصدرت بيانا تتضامن فيه مع الممرضات الموقوفات، مضيفا بأن هيئته ستعمل بكل الطرق القانونية للدفاع عنهن وتبرئتهن.
و ذكر رئيس نقابة الشبه الطبي أن الأمر ذاته ينطبق على توقيف عمال الصيانة بالمصلحة، مشيرا إلى أنهم لا يتحملون مسؤولية وقوع الشرارة الكهربائية، بل هذه المسؤولية تقع حسبه، على عاتق المقاول الذي أعاد تهيئة المصلحة منذ سنتين، كما ذكر بأنه يجب البحث في ما إذا كانت الشبكة الكهربائية بعد عملية الترميم، أنجزت وفق المواصفات والمقاييس المطلوبة، أم على العكس من ذلك.
نورالدين-ع
رئيس عمادة الأطباء بقاط بركاني
يجب وضع دفتر شروط خاص بإنجاز المؤسسات الاستشفائية وصيانتها
دعا رئيس عمادة الأطباء، الدكتور بقاط بركاني محمد، إلى وضع دفتر شروط خاص بإنجاز بنايات المؤسسات الاستشفائية وصيانتها، قصد حمايتها من الحوادث المختلفة وخاصة الحرائق، وقال بأن هناك نوعا من الاستهزاء في المستشفيات والمؤسسات الصحية، خاصة في مصالح الاستعجالات التي تعيش وضعية «كارثية» في غياب الاهتمام بوقايتها من مختلف الأخطار.
وبخصوص الحريق المأساوي الذي راح ضحيته ثمانية رضع بالوادي، قال بركاني بأنه لا يستطيع الجزم مسبقا بالجهة المسؤولة عنه، بما أن التحريات لا تزال جارية، مؤكدا أنه يجب عدم التسرع في تحديد المسؤوليات على اعتبار أن نتائج التحقيق لم تُكشف بعد، كما أشار إلى أنه يتعّين معرفة ما إذا ما كان الحادث مرتبطا بخطأ بشري يخص المناوبة الطبية وعدم وجود بعض المناوبين في المصلحة، أم أن الأمر متعلق بالكهرباء و مدى المطابقة التقنية في البناء.
وأضاف بركاني بأن عمادة الأطباء كانت قد اقترحت العام الماضي ضرورة الوقوف على الصورة الحقيقية بالنسبة للمنظومة الصحية، و أكدت أن على جميع المتعاملين في قطاع الصحة وممثليهم أن يلتقوا في مكان واحد لعقد لقاء وتقديم اقتراحات تمثل حلولا تقدم إلى السلطات المعنية بالأمر، مضيفا بأن الوضعية الحالية لا تتحملها وزارة الصحة لوحدها، بل أن المسؤولية تشارك فيها قطاعات أخرى منها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، و الداخلية والجماعات المحلية في ما يتعلق بجانب الصيانة.و في نفس الإطار، أشار الدكتور بركاني إلى جلسة عقدت منذ 4 سنوات، لمناقشة سبل الخروج من أزمة المنظومة الصحية التي تعيشها البلاد، داعيا في نفس السياق إلى ضرورة عقد هذه الجلسات من جديد لضبط الأمور ووضع ورقة طريق تبقى ضرورية و على الحكومات القادمة الالتزام بها، من أجل ضمان الصحة لكل الجزائريين.
بركاني قال إن مشكل الصحة ببلادنا عويص و ثقيل، و تتوجب معالجته من كل جوانبه، كما أن على كل جهة تحمل مسؤوليتها، من أجل ضمان أمن المواطن عندما يدخل إلى أي المستشفى.
نورالدين-ع
معماريون يشرّحون وضعية السلامة بالمستشفيات
لا وجود لأنظمة كشف الحرائق و المهندس يُلزَم بالاستعجال في الدراسات
يرى مهندسون معماريون، أنه يستحيل إنجاز مستشفيات مطابقة لمعايير السلامة، إذا ما استمر الاعتماد على دفاتر شروط تعدّ بشكل مستعجل ، و تراعي جانب التكلفة أكثر من أي شيء آخر ، لتكون النتيجة هياكل صنعت بمواد ذات نوعية رديئة، و قابلة للاشتعال مع أبسط شرارة كهربائية، دون التمكن من التدخل الفعال بسبب طريقة الإنجاز غير الصحيحة
و غياب أنظمة الكشف عن الحرائق.
و يؤكد الدكتور جمال شرفي رئيس المجلس العربي الأعلى للمعمار و العمران و تطوير المدن، و رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للخبراء، أن كل المنشآت المستقبلة للجمهور يجب أن تخضع في تصاميمها لقواعد السلامة، و هي الحماية من خطر الحريق الذي لا يشمل فقط وضع أجهزة الإطفاء، و إنما يضم أيضا تركيب أنظمة الإنذار و شبكة مضادة للحرائق و الدخان و مرشات في الأسقف تفتح أوتوماتيكيا، إضافة إلى استعمال الجدران الكاتمة للنيران، و أبواب مضادة للحرائق لا تكون خشبية فتشتعل بسهولة.
«لا نزال بعيدين عن معايير المنظمة العالمية للصحة”
و يقول شرفي إن المؤسسات الاستشفائية القديمة التي يعود العديد منها إلى الفترة الاستعمارية، عبارة عن «مقابر»، رغم ذلك فإنها تبقى، مثلما يتابع، أحسن من المستشفيات الجديدة التي لم تراع فيها شروط السلامة المضادة للحرائق، مضيفا أن المنظمة العالمية للصحة وضعت في هذا الخصوص معايير “لا زلنا بعيدين عنها”، و المستشفى الوحيد في الجزائر الذي يستجيب لها، هو عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة، و الذي أنجزته مؤسسة أجنبية، مثلما يؤكد شرفي.
و يرى الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الجزائريين، أنه لا يوجد أدنى اهتمام من الجهات المشرفة، بجانب السلامة في المشاريع المنجزة، حيث تحرص السلطات المحلية على بناء هياكل قد تراعى فيها الألوان أكثر من أي شيء آخر.
و يضيف الخبير المعماري أن المشاريع التي تسير على المستوى المحلي تشهد دائما “اعتداء على دفاتر الشروط” فكانت النتيجة في معظم الحالات، اعتماد دفاتر شروط مفرغة لم تعر اهتماما للمعايير التقنية للبنايات خصوصا المستقبلة للجمهور، في حين يُلزَم مكتب الدراسات بالإسراع في الدراسة، و هو وضع نجم عنه، مثلما يردف شرفي، تبديد للمال العام في أمور ليس لها معنى.
«معظم المشاريع تهتم بالمظهر لا بشروط الأمان»
شرفي تطرق أيضا إلى “غياب السلطة الرقابية”، فالمشاريع التي يشرف عليها الولاة كانت، برأيه، تهتم بالمظهر الخارجي على حساب كل المعايير التقنية للانجاز، معلقا بالقول “كل ما بني سواء خلال الحقبة الاستعمار أو بعدها لم تراع فيه شروط السلامة”.
من جهته، يرى السيد نبيل قحام، و هو مهندس معماري أشرف على عدة مشاريع في قطاع الصحة بقسنطينة و خارجها، أن الإشكال يكمن في المشاريع التي تقوم بها الدولة على أراض تابعة لها، حيث أنها لا تخضع، مثلما قال، إلى رخصة بناء، و بالتالي فإنها لا تمر على الشباك الموحد الذي تراقب بموجبه الجهات المعنية و منها الحماية المدنية، مدى المطابقة، من أجل رفع التحفظات اللازمة، و هو ما يحدث مع “معظم منشآت الدولة”.
و أضاف الرئيس السابق لهيئة المهندسين المعماريين بقسنطينة، أنه توجّه إلى مصالح الحماية المدنية من أجل استشارتها بخصوص مدى مطابقة مشروع توسعة مركز مكافحة السرطان الذي أشرف عليه، لمعايير السلامة، حيث قدم لها المخططات و تلقى التحفظات، و هو أمر قال إنه قام به بمحض إرادته دون أن يلزمه به أحد، مضيفا أن هذا الإجراء تطبقه مكاتب دراسات بالنسبة للمشاريع التابعة للدولة، بينما لا تحترمه أخرى، إما جهلا أو لأنها لا تمتلك الوقت الكافي لذلك.
و في هذا الخصوص طرح المعماري مشكلة اعتماد السلطات التي تشرف على مشاريع المستشفيات و غيرها من المؤسسات المستقبلة للجمهور، على معيارين وحيدين، هما السرعة في إعداد الدراسة و العرض الأقل تكلفة، و هو ما يضطر المهندس إلى العمل باستعجال لأنه لم يُمنح الوقت اللازم، في حين أن مشاريع مثل هذه تتطلب أخذ رأي العديد من الجهات المتخصصة و الحصول على موافقتها.أما في ما يخص شرط الاعتماد على التكلفة الأقل، فيؤكد السيد قحام أنه أنتج استعمال مواد ليست ذات نوعية جيدة، لذلك نرى حرائق كثيرة ناجمة عن شرارات كهربائية سببها أجهزة غير ملائمة و لا تتحمل الضغط الكبير عليها، خاصة عند استعمالها في المستشفيات التي تضم عتادا طبيا كثيرا.
«مخارج النجدة سُدّت ببعض المؤسسات»
و عن الاحتياطات الواجب اتخاذها، أكد قحام أنه يجب أولا توفر نظام كاشف للحرائق يستشعر أي ارتفاع غير عادي في درجة الحرارة و كذلك الدخان، حيث يوضع في الأماكن الحساسة، و هو نظام ذكر محدثنا أنه غير موجود في أي مستشفى و لا حتى في المؤسسات المستقبلة للجمهور، إذ أنه مكلف جدا.
و أضاف المختص، أنه و حتى في حالة وضع نظام مضاد و كاشف للحرائق، فإن فعاليته غير مضمونة، لأنه لا يتم في الغالب تنظيم مناورات تساعد العمال على التعامل الجيد مع كيفية استعماله، خاصة في غياب دراسات سلامة تحدد بدقة طرق التدخل في مثل هذه الحالات، مثلما يؤكد السيد قحام.
و أكد محدثنا أن أمورا كثيرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند بناء المؤسسات المستقبلة للجمهور، و منها بناء مخارج النجدة التي و حتى و إن أنجزت، فإن هناك إدارات تقوم بسدّها “لأسباب أمنية”، كما يجب أن لا يقل عرض السلالم عن 1.2 متر و أن تكون الأبواب قابلة للفتح من الداخل و الخارج، و غيرها من الأمور التي ذكر قحام أنها لم تراع حتى في عمليات الترميم.أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة، و المختص في إنجاز المرافق الصحية، الدكتور شويطر رياض، أكد أن الإشكال يكمن في وضع صاحب المشروع سواء كان مديرية الصحة أو الوزارة الوصية، لدفتر شروط «ناقص»، لذلك فإن المشكلة بنظره، ليست في دراسات المهندس المعماري، لأنه ملزم باحترام هذه الدفاتر التي يفترض أن تفرض على الجهة المنجزة استعمال مواد بناء غير قابلة للاشتعال و مخارج و سلالم النجدة، و كذلك نظام الكشف عن الحرائق الذي لا يؤخذ في الحسبان بسبب الأموال التي يتطلبها، و حتى عمليات المراقبة لا تتم من خلال إجراء مناورات، وفقا للدكتور.و يضيف المختص أن الشروط التي تتوفر في العادة، هي مخارج و سلالم النجدة فقط، لكنها تُغلق غالبا لمنع دخول الغرباء، مقدما مثالا عن جامعة قسنطينة 3 التي تعد مؤسسة مستقبلة للجمهور، حيث أن مخارج جميع مدرجاتها أغلقت بالأقفال و الحديد، و هو نفس الشيء الذي قال إنه مسجل في عدة مؤسسات استشفائية، بما يشكل خطورة على المرضى و الرضع خاصة، لذلك فإن المسؤولية تقع، مثلما يردف، على عاتق صاحب المشروع الذي يجب أن يمارس الرقابة اللازمة. ياسمين.ب