النصر في بيت المجاهدة والقيادية السابقة باتحاد النساء كرواز زهيةّ
«بطلة العلم» التي أبهـرت يوسف وهبــي وتعلمـت الخطابــة علـى يد مهـري
بابتسامة و حماس طفوليين، تستذكر المجاهدة زهية كرواز الخطابات الوطنية القوية التي كانت تلقيها في الساحات العمومية بالشرق الجزائري و هي لا تزال فتاة يافعة تحّدت بكل جرأة و شجاعة الجنود الفرنسيين، مُرتدية فستانا يحمل العلم الجزائري الذي كان مجرد إظهار ألوانه محرما خلال فترة الاستعمار، ففي هذا البورتري الذي أعدته النصر، تفتح ابنة حي السويقة بقسنطينة قلبها، و تروي تفاصيل مثيرة عن هذه اللحظات التي عاصرتها شخصيات وطنية من أمثال مصالي الحاج و عبد الحميد مهري و رابح بيطاط، كما تتطرق إلى تجربتها في الكتابة و كقيادية في الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، إضافة إلى أمور أخرى تُكشَف لأول مرة.
ياسمين بوالجدري
المجاهدة زهية كرواز من مواليد سنة 1935 بالسويقة وسط مدينة قسنطينة، و تحديدا بالحي المسمى “زنقة لعمامرة»، فهي تنحدر من عائلة ثورية محافظة، حيث زاولت تعليمها بمسقط رأسها في مدرسة التربية و التعليم التي أسسها العلامة عبد الحميد بن باديس. و تعد المجاهدة من مؤسسات الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، كما أنها كانت من أولى العضوات اللاتي شكلن أول مجلس شعبي بلدي لقسنطينة بعد الاستقلال.
ألقت خطابا على المجاهدين و عمرها 11 سنة
تخبرنا المجاهدة كرواز التي استقبلتنا بحفاوة، أنها ورثت النضال عن عائلتها الثورية، فشقيقها الشهيد رشيد كرواز كان من أبزر قياديي حزب الشعب الذي حُل سنة 1945 و أصبح يحمل اسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كما كان من المناضلين الذين عملوا إلى جانب محمد بوضياف و محمد خيضر و لمين دباغين و عبد الحميد مهري و غيرهم، و كذلك مع جمال دردور و حسن بوجنانة و عيساوي عبد الوهاب و الزيبر الدقس. و تضيف المجاهدة أن لقاءات و اجتماعات المناضلين، كانت تنظم داخل قبو بمدخل “طريق جديدة” شارع العربي بن مهيدي، وقد قامت وعمرها لا يتجاوز 11 سنة، بافتتاح إحدى الجلسات و إلقاء خطاب على الحاضرين سنة 1946.
و عن تجربتها في مدرسة التربية و التعليم، تؤكد السيدة كرواز أنها دخلت هذه المدرسة و عمرها 5 سنوات، و ذلك بعد وفاة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس بأربعة أشهر، حيث تربت فيها بطريقة دينية علمية سليمة، و تتلمذت، مثلما تضيف، على يد الشيخ أحمد حماني الذي كان رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، و الصادق حماني، و الصادق عبد الوهاب، و كذا محمد الصالح رمضان و أحمد رضا حوحو.
“ أمي الجزائر و أبي العلم الوطني”
وبعد تخرجها من مدرسة التربية و التعليم سنة 1948، بعدما أغلقت من طرف الاستعمار الفرنسي لمدة 18 شهرا، أصبحت الفتاة اليافعة تلتحق بمدرسة سيدي بومعزة، قبل أن يضطر شقيقها لإيقافها عن التعلم لأنها كانت مراقبة من الفرنسيين، لكن مناضلين في الحركة الوطنية و هما حسن بوجنانة و ابراهيم عواطي، قررا أن يخصصا لها أستاذا لتدريسها، و هو عبد الحميد فتوي الذي أصبح فيما بعد مديرا لجريدة النصر عند تأسيسها.
و قد كان منزل عائلة المجاهدة زهية كرواز مكانا لمبيت المناضلين، كما كان يتردد عليه أحمد بودة و محمد خيضر و محمد بوضياف و كذلك رابح بيطاط و محمد مشاطي أحد أعضاء مجموعة الـ 22 المفجرة للثورة و الذي كانت المجاهدة مرسالا بينه و بين والدته. هذه الأجواء الأسرية الثورية جعلت الفتاة اليافعة زهية، تكبر على حلم تحقيق الاستقلال و التحرر من المستعمر الغاشم، حيث تقول «حب الوطن كان لدي غريزة، كأنني رضعته في الحليب، حتى أن الإخوان في الحركة الوطنية كانوا يسألونني من أمك، فأجيبهم أمي الجزائر، و إذا قالوا لي من أبوك، أردّ عليهم بأن أبي هو العلم الجزائري».
فستان العلم كان يُخاط بسرية تامة
المجاهدة كرواز و رغم أن عمرها ناهز اليوم الـ 84 سنة، لا تزال تحتفظ بالكثير من التفاصيل و الأحداث التي عاشتها في تلك الفترة، حيث تعود بنا إلى ذات يوم من شهر ماي من سنة 1946، عندما قامت بمناسبة إحياء أول ذكرى لمجازر 8 ماي 1945، بالوقوف في ساحة أحمد باي بوسط مدينة قسنطينة، و ألقت خطابا بحضور رجال الحركة الوطنية و هي ترتدي فستانا رسم عليه العلم الوطني و تمت خياطته بسرية تامة، و تضيف محدثتنا بفخر، أنها لا تزال تتذكر آخر جملة من الخطاب و قد كانت «إلى الأمام إلى الأمام، إلى النصر إلى أن ترفرف الراية الجزائرية على هذه الربوع الغالية غير أننا نطلب منكم الصبر و الثبات”.
و تتابع المجاهدة بأن الحركة الوطنية كلفتها بإلقاء خطابات حماسية و وطنية في العديد من مناطق الشمال القسنطيني و هي ترتدي فستانا يحمل العلم الجزائري، ما جعلها و عائلتها تحت أعين المستعمر الفرنسي، الذي أوقف شقيقها رشيد لمرتين قبل اندلاع الثورة، حيث مكث لسنة ثم لثلاث سنوات في السجن، كما ألقي القبض على والدها و عليها سنة 1948 و تم استجوابها عن تحركاتها و عن هوية من خاط العلم، الذي تمت خياطته من قبل شقيقها رشيد كرواز، عندما كانت الأقمشة باللونين الأخضر و الأحمر غير متوفرة، ما كان يضطره إلى صبغ القماش الأبيض بهما.
«الحايك» للتخفي و الجنود كانوا يفتشون الحقيبة المدرسية
و عن هذه المرحلة العصيبة تقول محدثتنا «لا أعرف أحدا و لم أر شيئا، هكذا كنت أجيب دائما الجنود الفرنسيين.. في ذلك الوقت كنت صغيرة في السن فركزوا مع أخي رشيد و عذبوه عذابا أليما، لقد تعرض منزلنا للمداهمة و التفتيش لعدة مرات، و قد طلب مني شقيقي أن أرتدي الحايك لكي لا يعرفني الجنود لأنني أصبحت مراقبة، لقد كانوا يتتبعوني إلى غاية المدرسة و يفتشون حقيبتي».
و من أبرز الأحداث التي مرّت على قسنطينة قبل سنوات قليلة من اندلاع الثورة التحريرية، و التي كانت المجاهدة كرواز بطلتها و عمرها 14 عاما فقط، هي حادثة المسرح التي وقعت سنة 1949، عندما علم مناضلون في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، أن فرقة مسرحية مصرية تضم حوالي 40 فنانا و يقودها الممثل و المنتج يوسف وهبي الذي يعتبر أحد الرواد الأوائل في السينما والمسرح في العالم العربي، ستحل بقسنطينة لتقديم عروض لمدة 6 أيام.
هذا ما قالته أمينة رزق وهدى سلطان عن قسنطينة
و قد بدأت التحضيرات لجعل هذه المناسبة فرصة لإيصال القضية الجزائرية للأشقاء المصريين، و اختيرت الشابة زهية وقتها لتكون بطلة لسيناريو أعدّه المجاهدون بإحكام، حيث استطاعت المناضلة في البداية أن تتحدث إلى أفراد الفرقة الذين كان بينهم الفنانتان المصريتان أمينة رزق و هدى سلطان، حيث أخبرتاها خلال مأدبة عشاء بفندق «سيرتا»، أين كانت تقيم الفرقة، أنه تم اختيار قسنطينة لإقامة العرض “لأنها متشبعة بالروح العربية»، كما أصر يوسف وهبي وقتها على زيارة مدارس تعلّم طلبتها اللغة العربية.
و بكثير الحنين و الفخر تروي لنا المجاهدة تفاصيل ذلك الحدث، قائلة «قبل ذلك اليوم الذي تزامن مع الفاتح جانفي، طلب مني شقيقي رشيد باقتراح من قياديي الحركة الوطنية و منهم لمين دباغين، الصعود على الركح و تقديم خطاب وطني مرتدية فستانا يحمل العلم الوطني، فكتبت الخطاب بنفسي، ثم توجهت في اليوم المحدد للمسرح دون أن يعلم والدي بالأمر.. عندما دخلنا وجدت الطريق ممهدة، بينما جلس مناضلون في المقاعد العلوية وبينهم لحول الحسين و الوزير السابق العربي دماغ العتروس.. عندما مررت عليهم طلبوا مني أن أشرّف الحركة الوطنية فطمأنتهم بألا يقلقوا و بأني متعودة على ذلك، بعدما كنت قد وضعت الفستان في حقيبة اليد».
و على الساعة التاسعة ليلا، بدأت المسرحية التي كانت يومها في عرضها الأخير، و ذلك بحضور أسر قسنطينية معروفة و عائلات فرنسية، و عندما اقترب موعد انتهاء المسرحية على الساعة الواحدة و النصف، طُلِب من زهية أن تحضر نفسها، بينما كان والدها الذي أخبرته الزوجة فيما بعد بالعمل البطولي الذي ستقوم به ابنته، ينتظر بقلق شديد من على درج المسرح.
و تتابع المجاهدة بالقول إنها ارتدت فستان العلم الجزائري بغرفة تغيير الأزياء الخاصة بالممثلين، دون أن تثير الشكوك، ثم غطته بمعطف و انتظرت لحظة وقوف الممثلين على خشبة المسرح لتوديع الجمهور حوالي الساعة الثانية صباحا، لتدخل عليهم بشموخ و اعتزاز و قد نزعت معطفها، حاملة بين يديها باقة ورد بألوان الأبيض و الأخضر و الأحمر، و ذلك وسط دهشة الجميع.
«يوسف وهبي أجهش بالبكاء عندما سمع خطابي»
و أمام هذه المواجهة المثيرة التي لم يتوقعها الحضور، عمّت الفوضى داخل المسرح، فأسكت يوسف وهبي الجمهور، و حينها راحت المناضلة الشابة تخطب فيهم قائلة «باسمي و باسم مدينة قسنطينة كافة أحييكم تحية مبعثها الفؤاد و أرجوكم أن تسمحوا لي أن أقول لكم من هذه الخشبة، التي مثّلت عليها حسنات و سيئات العباد، بأن لنا يوم قريب و قريب جدا و إن كان يراه الدخيل منا لا يزال بعيدا، أعني بيه يوم السيادة و الاستقلال”.
زادت دهشة الحاضرين و انقلب المسرح على عقبيه، تقول المجاهدة و هي تستذكر بحماس شديد تفاصيل الحادثة كأنها حصلت اليوم، ثم تضيف “يوسف وهبي تأثر كثيرا و راح يبكي و يمسح دموعه بالمنديل، لقد طلب من الجمهور الهدوء و قال لهم، ما يزال، فعمّ الصمت مجددا ثم واصلت الخطاب قائلة، فلتحيا مصر زعيمة العروبة و الاسلام و ليحيا عاهلها فاروق حامي العروبة و لتحيا الجزائر حرة مستقلة و ليسقط الاستعمار الفرنسي”.
و بهذه العبارات القوية و المزلزلة، تم إسدال الستار، ليخرج يوسف وهبي بعد دقائق و يخاطب الجمهور من خلف الستارة، قائلا “قولوا معي تحيا الجزائر ثلاث مرات” فتعالت الهتافات و استدعى الفرنسي الذي كان يدير المسرح آنذاك، جنود المستعمر الذين شنوا بحملة توقيفات.
المحققون الفرنسيون احتفظوا بـ 15 صورة لها
و تضيف المجاهدة، أنه وبعد هذه الحادثة بثلاثة أيام تم توقيف شقيقها رشيد، كما سألها المحققون الفرنسيون عن مكان “فستان العلم”، فقالت لهم إنها وضعته في غرفة تغيير الأزياء، ليفتشوا المكان عقب ذلك دون أن يعثروا على شيء، لكنها كانت قد خبأته، مثلما أخبرتنا، في الحقيبة دون أن يتفطن إليها أحد.
و خلال عمليات الاستجواب، تبيّن أن المحققين الفرنسيين كانوا يحتفظون بـ 15 صورة للمجاهدة و هي ترتدي الفستان بألوان العلم الوطني، و تخطب في الجماهير خلال عدة مناسبات و بمختلف مناطق الشمال القسنطيني. و المثير في الأمر أن الفستان الذي صعدت به المجاهدة لركح المسرح، جهّزت خياطته فرنسية كانت تعمل بشارع 19 جوان، «شارع فرنسا» سابقا، بعدما بدّد رشيد كرواز شكوكها و أقنعها بأنه خاص بتلميذة في مدرسة التربية و التعليم، كما وعدها بطلبيّة جديدة لخياطة 200 فستان مماثل لتلميذات أخريات إذا أحسنت عملها، تستذكر المجاهدة ثم تضيف بمرارة “كان مجرد العثور على قطعة قماش باللون الأخضر محرم، لقد مورس علينا ضغط أعمى”.
تعلّمت الخطابة على يد عبد الحميد مهري
و قد كان المجاهد و السياسي الجزائري الراحل عبد الحميد مهري، صديقا مقربا لعائلة زهية كرواز، فقد مرّنها في منزلهم على فنون الإلقاء و الخطابة منذ أن كانت صغيرة في السن، و من الخطب التي دربها عليها و هي لا تزال تدرس في السنة ثالثة، “يا معشر الجزائريين مالي أراكم مستعمرين و في قيود العبودية مكبلين، ما دهاكم يا أبناء الجزائر حتى دبّ في ساعدكم حب الغرباء فبتم غرباء في وطنكم يحاول الأجنبي الغاصب أن يطفئ نور الله بعد أن اغتصب سيادتكم الوطنية و أنتم تنظرون، هل فكرتم في استرجاع العزم أم يإستم؟ لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم، إن في الجزائر حركة وطنية تستمد قوتها الروحية من سيرته صلى الله عليه و سلم و هي اليوم تدعوكم دعوة صادقة للالتحاق بصفوفها فشمّروا ساعد الجد و العمل”.
و قد كانت هذه العبارات الوطنية المؤثرة جزءا من خطاب ألقته المجاهدة كرواز في ساحة أحمد باي بقسنطينة، سنة 1946، كما التقت المناضلة العام 1951، بالزعيم مصالي الحاج في منزل النموشي بالخروب، أين كان يحج إليه المناضلون و عائلاتهم، و تتذكر محدثتنا أن نساء أتين إليه في ذلك الوقت و أردن التبرع بذهبهن، لكن عندما نقلت الشابة زهية طلبهن إلى مصالي الحاج، رفض هذا الأخير ذلك و قال لها أنه سيأتي يوم يحتاج فيه الوطن لهذه التبرعات.
و استمرت عائلة كرواز على نضالها ضد المستعمر الفرنسي، إلى غاية ليلة اندلاع ثورة التحرير في الفاتح نوفمبر من سنة 1954، و عمر الشابة زهية آنذاك 19 سنة، و عن هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية، تقول محدثتنا إن منزل عائلتها بالسويقة كان ملغما بحقائب كاملة من الأعلام الوطنية التي كان بعضها مخصص للّف جثث الشهداء به، كما علقت بجدران المسكن العديد من صور المغرب العربي و الزعيم الوطني مؤسس حزب الشعب الجزائري، مصالي الحاج، فيما كانت هناك قطع من الأسلحة، لأن الحركة الوطنية حضرت لنيران الثورة قبل سنة 1954، مثلما تضيف المجاهدة، لتتابع بأن المنزل كانت به خزانة حائطية تم إخفاء ملفات و قوائم خاصة بالمناضلين المشتركين في الحزب، بداخلها، لكن قبل اندلاع الثورة بـ 20 أو 15 يوما جاء أمر بإخراج كل شيء تحسبا لمداهمات العساكر.
و تستطرد المجاهدة قائلة «بالنسبة لي أول نوفمبر لم يأت هكذا و هو ليس وحيا نزل من السماء على الجزائريين، فقد عمل عليه رجال و نساء مهدوا الطريق و سهروا الليالي و مشوا للأرياف و عرّفوا بالقضية الجزائرية.. لقد كان أخي رشيد يتنقل على دراجة هوائية بين القرى للتعريف بالحركة الوطنية و القضية الجزائرية، و قد تجولت في البوادي لهذا الغرض و وجدت سكانا يجهلون ما هو العلم الجزائري، فقد كانوا يعتقدون أنه علم دول عربية أخرى».
«مجاهدون أصرّوا على ترأسي اتحاد النساء بقسنطينة»
و تعتبر المشاركة في تأسيس الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، من أهم المحطات في حياة المجاهدة زهية كرواز، و عنها تقول محدثتنا “الاتحاد لم يتأسس سنة 1962، بل منذ 1945 من طرف حركة انتصار الحريات الديمقراطية و تحديدا من قبل مامية شنتوف، في ذلك الوقت جاءت قياديات من العاصمة و أردن أن يعطينني مسؤوليات في الاتحاد، لكنهن اكتشفن أن سنّي صغير».
و تضيف المجاهدة أنها نشطت في الاتحاد النسائي خلال الاستعمار مع زميلتها خالدي خوجة منوبة، لكن بعد اندلاع الثورة تشتت هذا التنظيم ثم عاد مع الاستقلال سنة 1962، و عينت رئيسة له في الشرق بعد إصرار من المجاهدين بلقاسم قريس و احسن بوجبار الذين كانا في الجبل، و ابراهيم عواطي و الزبير الدقس، و غيرهم، لأنها كانت تنوي وقتها التفرغ للتعليم، مثلما أخبرتنا.
و تؤكد المجاهدة أنها ناضلت من أجل توحيد الصفوف و الكلمة و انضمام الجزائريين إلى بعضهم البعض، و من ضمن ما كتبته في جريدة المنار سنة 1953 بهذا الخصوص، “يتحقق الاتحاد في الجزائر عاجلا أم آجلا و هذه غاية كل فرد من أفرادنا و الاتحاد عنوان النصر و أرجو من الله سبحانه و تعالى و عز و جل أن يجمع شملنا، حتى نكسر قيود العبودية و نفوز بالحق الوطني و الحرية الآنية و الاستقلال المقدس، يجب أن نبني على أساس متين، و هو العمل و احترام النظام و السير إلى الأمام رغم العراقيل و المصاعب و الزجر الذي يقاسيه الشعب الجزائري من طرف الاستعمار.. وسائل تحقيق ذلك هو اندماج الأحزاب السياسية و اتفاقها على كلمة التحرير”، تختم المجاهدة و ذاكرتها لا تزال تحتفظ بكل حرف و كلمة.
«كتبت في أول عدد لجريدة النصر»
كما كتبت المجاهدة مقالة نشرت في الصفحة الأولى ليومية النصر في أول عدد لها سنة 1963، حيث رحّبت من خلالها بالجريدة، و عبرت عن فرحتها بتأميمها بعدما كانت تسمى “لاديباش دو كونستونتين»، التي كانت تنشر وقت الاستعمار، صورا تشوه المرأة الجزائرية بإظهارها بلباس غير لائق و أمور تنكرها، حسب تعبير محدثتنا، التي تضيف «المرأة الجزائرية كانت حية و تتحلى بالروح الوطنية».
و قد كانت المجاهدة كرواز أول نائبة بالمجلس الشعبي البلدي لقسنطينة سنة 1962 عن حزب جبهة التحرير الوطني، و ذلك تحت رئاسة «المير» سليم راشي، حيث كانت مكلفة بالشؤون الاجتماعية وتقدم الإعانات للأسر رفقة المجاهدة الراحلة فاطمة نويورة، كما ظلت في نفس الوقت مربية أجيال تدرس في الطور الابتدائي، إلى أن تقاعدت، تاركة خلفها إرثا نضاليا و علميا و تربويا كبيرا.
ي.ب
يتبع