شـــواهــد علـــى الحصار الدامي و الصمــود الطويـــــل
من عين بن بيضاء و وادي فراغة و بوكموزة على الحدود مع ولاية عنابة و ولاية الطارف، إلى مجاز الصفا و وادي الشحم على الشريط المتاخم لولاية سوق أهراس، مرورا بمدينة بوشقوف شرق قالمة، مازالت أبراج المراقبة منتصبة وسط الغابات، و على التلال و رؤوس الجبال، تروي قصة خط النار الرهيب الذي بناه قادة العدو الفرنسي لخنق الثورة و عزلها عن قواعدها الخلفية بتونس، من حيث كانت تحصل على السلاح و المؤن و المدد.
عندما تأخذ طريق جبال هوارة و الناظور و الكرابيش و مجاز الصفا و وادي الشحم، يمكنك مشاهدة بقايا خط النار التي تروي سنوات الحصار الدامي و الصمود الطويل لكتائب جيش التحرير التي خاضت معارك ضارية على جانبي خط موريس بالإقليم الشرقي لولاية قالمة، ممر قوافل السلاح نحو القاعدة الشرقية و الحدود التونسية، و يقول المؤرخون المهتمون بتاريخ الثورة بمنطقة قالمة بأن عدد الشهداء الذين سقطوا بين جبال هوارة و بني صالح على تخوم الخط المكهرب يتجاوز 6 آلاف شهيد.
و قد بدأ بناء خط موريس شرق قالمة شهر جويلية سنة 1957، و يمتد هذا الخط الدفاعي الذي يحمل اسم وزير دفاع جيش العدو الفرنسي «أندري موريس»، من البحر قرب مدينة عنابة، إلى نقرين بولاية تبسة على طول يتجاوز 460 كلم، و تم دعمه بخط دفاعي ثاني يسمى خط شال ببعض المناطق ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة.
و يبلغ طول خط موريس العابر لشرق ولاية قالمة نحو 50 كلم، و هو المقطع الأكثر خطورة و أهمية بالنسبة لقوات الاحتلال، حيث كانت المنطقة الممتدة من بوكموزة إلى مجاز الصفا و وادي الشحم، المعبر الرئيسي لقوافل جيش التحرير المتوجهة إلى تونس لجلب الأسلحة، أو العائدة إلى الجبهة الداخلية للالتحاق بقواعدها عبر الولايات الأولى، الثانية، و الثالثة بمنطقة القبائل.
و قد تم زرع خط النار الرهيب بالألغام المضادة للأفراد، و تجهيزه بمعدات مراقبة متطورة، و أسلاك مكهربة بقوة تصل إلى 6000 فولط.
و شكل هذا السد الخطير تحديا كبيرا للثورة، و كاد أن يعزلها عن قاعدتها الخلفية بتونس، و يوقف قوافل الإمداد، قبل أن يقوم قادة الثورة بترويض خط الموت باستعمال معدات قطع الأسلاك المكهربة، و كشف الألغام المدفونة تحت الأرض، و ما زال سكان المنطقة يعتقدون إلى اليوم بأن كائنات الموت هذه ربما ما زالت بموقع ما تحت الأرض إلى اليوم، رغم الاتفاق المبرم بين وزارة الدفاع الوطني، و وزارة الدفاع الفرنسية في شهر أكتوبر 2007، عندما حصلت الجزائر على خارطة الألغام المزروعة على طول خط موريس بين سنتي 1965 و 1959.
و تعمل قوات الجيش الشعبي الوطني دون توقف لتطهير الخط من الألغام، و وضع حد للمآسي التي خلفها على مدى سنوات طويلة، بين سكان المناطق المتاخمة للخط المكهرب ببلديات بوشقوف، عين بن بيضاء، وادي فراغة، مجاز الصفا و وادي الشحم و غيرها من المناطق الأخرى التي شملها الجدار الدفاعي شرق قالمة.
و قد تحول خط موريس إلى مصدر خطر على مستقبل الثورة عند اكتماله، خاصة بعد ارتفاع عدد الضحايا و انتشار الخوف و الرعب وسط قوافل الإمداد كلما اقتربت من الخط، و في كل مرة تكون هذه القوافل وجها لوجه من الألغام و الكهرباء، و أجهزة الإنذار، و الطائرات و الدبابات العاملة ليلا و نهارا.
و تقول المصادر التاريخية بأن أعنف المعارك بولاية قالمة قد دارت رحاها بالإقليم الشرقي و على طول خط موريس الذي كان محاذيا لنهر سيبوس الكبير في مقاطع كثيرة منه، و ظلت هذه المنطقة مسرحا لقتال عنيف بين كتائب جيش التحرير و قوات العدو حتى قبل بناء خط النار، و من بين هذه المعارك التي دارت وقائعها على طريق قوافل السلاح و حول خط موريس، معركة بئر لعناني، معركة قلعة فيالة الأولى و الثانية، معركة جبال هوارة، معركة رأس الماء،و معارك جبال لقرين و كاف لعكس قرب حمام النبائل.
و كانت كلما مرت قافلة سلاح عبر الخط المكهرب و حرضت أجهزة الإنذار يسارع العدو إلى تطويق المنطقة بالكامل و سد الطريق أمام وحدات جيش التحرير، و في كل مرة تدور معارك ضارية تخلف ضحايا من الجانبين، لكن معركة عبور الخط بقيت مستمرة رغم الخسائر الثقيلة التي لحقت بوحدات جيش التحرير.
و مازال السكان القدامى الذين عايشوا وقائع الثورة المقدسة ببلديات عين بن بيضاء، وادي فراغة، بوشقوف، مجاز الصفا و وادي الشحم ينظرون إلى خط موريس كواحد من أبشع و أخطر الدفاعات العسكرية في التاريخ الحديث، و لا يترددون في وصفه بجريمة حرب ما زالت آثارها إلى اليوم مجسدة في الألغام الخفية، و عدد الضحايا الذين سقطوا بعد استقلال البلاد، و الآثار النفسية المدمرة التي خلفتها الحرب العنيفة على امتداد الخط الرهيب.
فريد.غ