ترك المجاهد الراحل الفريق أحمد قايد صالح ، سجلا حافلا سيخلده التاريخ بأحرف من ذهب ، حيث كانت مواقفه وقراراته التاريخية التي اتخذها و هو يقود المؤسسة العسكرية ، شاهدة على عظمة رجل، يعتبر من بين الرجال المخلصين الذين خدموا الجزائر، ليكون بذلك أبرز شخصية وطنية خلال سنة 2019 .
فقدت الجزائر، منذ أيام قليلة المجاهد الفريق أحمد قايد صالح ، رجل من بين رجالاتها الكبار، والذي نجح بفضل حنكته في آداء مهامه الوطنية، خدمة للوطن ودفاعا عن سيادته، فمنذ الوهلة الأولى، اتخذ المجاهد الراحل، مواقف حاسمة من الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد، حيث كانت قراراته المصيرية مدروسة وفق خطة محكمة، جنبت البلاد الدخول في متاهات ومخاطر المراحل الانتقالية التي أراد البعض الدفع بالبلاد إليها.
وقد توّجت جهود الفريق قايد صالح، بإسدائه وساما برتبة «صدر» من مصف الاستحقاق الوطني من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ، كما خرج الجزائريون يودعون الفقيد في جنازة تاريخية مهيبة رافعين شعار «جيش شعب خاوة خاوة «.
فمنذ انطلاق المسيرات الشعبية في البلاد ، أعلن المجاهد قايد صالح تخندق الجيش الوطني الشعبي مع الشعب الجزائري ووقوفه معه حتى تتحقق مطالبه كاملة ، حيث أكد في هذا الإطار، في كلمته التـي ألقاهـا بمناسـبة ترؤسـه، يــوم 30 مــارس 2019 ، اجتمــاعا لدراســة تطــورات الأوضــاع الســائدة فـي البلاد، أن موقـف الجيـش الوطنـي الشـعبي يبقى « ثابتـا بمـا أنـه ينـدرج دومـا ضمـن إطـار الشـرعية الدسـتورية ويضـع مصالـح الشـعب الجزائـري فـوق كل اعتبـار ويـرى دائمـا أن حـل الأزمـة لا يمكـن تصـوره إلا بتفعيـل المـواد 7 و8 و102 مـن الدسـتور» ، معلنا بذلك عن قراراته الحاسمة التي تمسك بها إلى غاية تنظيم رئاسيات 12 ديسمبر ، رغم مناورات العصابة وأذنابها ، لكنه تمكن من تفكيك خيوط المؤامرات التي كانت تحاك في الخفاء لضرب مؤسسة الجيش و الدفع بالبلد إلى الفوضى والانزلاق .
وفي هذا الإطار أوضح الفريق قايد صالح يوم 2 أفريل «إن المسـاعي المبذولـة مـن قبـل الجيـش الوطنـي الشـعبي منـذ بدايـة الأزمـة وانحيازه الكلـي إلـى المطالـب الشـعبية، تؤكـد أن طموحـه الوحيـد هـو السـهر علـى الحفـاظ علــى النهــج الدســتوري للدولــة، وضمــان أمــن واســتقرار البـلاد وحمايــة الشــعب مــن العصابــة التــي اســتولت بغيــر وجــه حــق علــى مقــدرات الشــعب الجزائــري، وهـي الآن بصـدد الالتفـاف علـى مطالبـه المشـروعة مـن خـلال اعتمـاد مخططـات مشـبوهة، ترمـي إلـى زعزعـة اسـتقرار البلاد والدفـع بهـا نحـو الوقـوع فـي فـخ الفـراغ الدسـتوري» . وأضاف في السياق ذاته أنه « وفـي الوقـت الـذي كان الشـعب الجزائـري ينتظـر بفـارغ الصبـر الاسـتجابة لمطالبه المشـروعة، صـدر يـوم الفاتـح مـن آفريـل بيـان منسـوب لرئيـس الجمهوريـة، لكنـه فـي الحقيقـة صـدر عـن جهـات غيـر دسـتورية وغيـر مخولـة، يتحـدث عـن اتخـاذ قـرارات هامـة تخـص المرحلـة الانتقاليـة، وفـي هـذا الصـدد بالـذات، نؤكـد أن أي قـرار يتخـذ خـارج الإطـار الدسـتوري مرفـوض جملـة وتفصيلا» .
وبعد استقالة الرئيس السابق وتنصيب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، أكد الفريق أحمد قايد صالح، «الالتزام اللامحدود» للجيش الوطني الشعبي في مرافقة المرحلة الانتقالية، لافتا إلى المساعي التي بذلها الجيـش الوطنـي الشـعبي مـن أجـل حمايـة الهبـة الشـعبية مـن اسـتغلالها مــن قبــل المتربصيــن بهــا فــي الداخــل والخــارج .
و نبه الفريق قايد صالح لخطورة محاولات بعض الأطراف الأجنبية ضرب استقرار البلاد ، وقال في هذا الاطار «ومــع انطــلاق هــذه المرحلــة الجديــدة واســتمرار المســيرات، ســجلنا للأسف ظهـور محـاولات لبعـض الأطـراف الأجنبيـة، انطلاقا مـن خلفياتهـا التاريخيـة مـع بلدنا، لدفـع بعـض الاشـخاص إلـى واجهـة المشـهد الحالـي وفرضهـم كممثليـن عـن الشـعب تحسـبا لقيـادة المرحلـة الانتقاليـة، وتنفيـذ مخططاتهـم الراميـة إلـى ضـرب اسـتقرار البـلاد وزرع الفتنـة بيـن أبنـاء الشـعب الواحـد، مـن خلال رفـع شـعارات تعجيزيـة ترمـي إلـى الدفـع بالبـلاد إلـى الفـراغ الدسـتوري وهـدم مؤسسـات الدولـة، بـل كان هدفهـم الوصـول إلـى إعـلان الحالـة الاسـتثنائية، وهـو مـا رفضنـاه بشـدة منــذ بدايــة الأحــداث».
ضمانات للعدالة في محاربتها الفساد
من جهة أخرى ، وفي ظل النهج الذي اختاره الجيش كسبيل أوحد للخروج من الأزمة، ضمن الإطار الدستوري، فقد التزم الفريق قايد صالح أيضا بتحرير العدالة، من كافة أشكال القيود والإملاءات والضغوطات، وتمكينها من ممارسة مهامها بكل حرية بما يكفل تطهير البلاد من الفساد والمفسدين، وقال في هذا السياق « إننــا نشــير إلــى أن العدالــة، وقــد اســترجعت كافــة صلاحياتهــا، ســتعمل بــكل حريــة ودون قيــود ولا ضغوطــات ولا إمـلاءات، علــى المتابعــة القضائيــة لــكل العصابــة، التــي تورطــت فــي قضايــا نهــب المــال العــام واسـتعمال النفـوذ لتحقيـق الثـراء بطـرق غيـر شـرعية».
وأكد أن قيـادة الجيـش الوطنـي الشـعبي تقـدم الضمانـات الكافيـة للجهـات القضائيـة لكـي تتابـع بـكل حـزم، وبـكل حريـة ودون قيـود ولا ضغوطـات، محاسـبة المفسـدين، وهـي الاجـراءات التـي مـن شـأنها تطميـن الشـعب بـأن أموالـه المنهوبــة ستســترجع بقــوة القانــون وبالصرامــة اللازمة.
وقد تعهد الفقيد ووفى وحرص على الحفاظ على أرواح الجزائريين وعدم إراقة قطرة دم واحدة، وتصدى لأصحاب «الاجتماعات المشبوهة» التي عقدت في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب الجزائري وعرقلة مساعي المؤسسة العسكرية ومقترحاتها لحل الأزمة، وعملوا أيضا على تأجيج الوضع والاتصال بجهات مشبوهة وقال في هذا الصدد» لقـد تطرقـت فـي مداخلتـي يـوم 30 مـارس 2019 إلـى الاجتماعـات المشـبوهة التـي تعقد فـي الخفـاء مـن أجـل التآمـر علـى مطالـب الشـعب ومـن أجـل عرقلـة مسـاعي الجيــش الوطنــي الشــعبي ومقترحاتــه لحــل الأزمــة»، مؤكدا «إن قــرار حمايــة الشــعب بمختلــف مكوناتــه قــرار لا رجعــة فيــه ولــن نحيــد عنــه مهمــا كانـت الظـروف والأحـوال» .
وقد تعهد الفريق بالعمل بهدوء وصبر على «تفكيك الألغام» التي زرعها «الفاسدون المفسدون» في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة ضمن «تخطيط خبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد تعود بوادره إلى سنة 2015 ، مؤكدا أنه سـيتم تطهيـر هـذه القطاعـات بفضـل تضافـر جهـود كافـة الخيريـن، ثـم بفضـل وعـي الشـعب الجزائـري الغيـور علـى وطنـه، وجاهزيـة أبنائـه وإخوانـه فـي الجيـش الوطنـي الشـعبي المرابطيـن علـى ثغـور الوطـن، والحريصيـن علـى اسـترجاع هيبـة الدولـة ومصداقيـة المؤسسـات وسـيرها الطبيعـي.
الجيش ينجح في اختبار انتخابات نزيهة
وبالرغم من حملات التشويه التي طالت قيادة الجيش ، وكذا المصاعب التي واجهت المسار الدستوري لحل الأزمة ، إلا أن الجزائر نجحت في تنظيم رئاسيات 12 ديسمبر ، بفضل الدور المحوري الذي لعبه الجيش، حيث أكد الفريق قايد صالح أن «الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها، لأن هذا المسعى الوطني النبيل هو نابع من الإرادة الشعبية»، وأكد أنه «لا خوف على وطن يتشبع أفراد جيشه بقيم تاريخهم الوطني « ، مبرزا أن كل المحاولات اليائسة الهادفة إلى المساس بأمن بلادنا واستقرارها، فشلت وستفشل مستقبلا، وأكد اتخاذ كافة التدابير الأمنية الكفيلة بتأمين جميع مراحل العملية الانتخابية، مع مراعاة كافة التدابير القانونية الكفيلة بحماية صوت المواطن والمحافظة على الطابع الدستوري لهذا المسار الوطني الهام.
كما أكد نائب وزير الدفاع الوطني ، أن لا طموحات سياسية لقيادة الجيش سوى خدمة الوطن مشددا أن الجيش «لا يزكي أحدا» في رئاسيات 12 ديسمبر وأن الشعب هو من «يزكي الرئيس القادم من خلال الصندوق».
كما جعل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي من عصرنة الجيش و احترافيته أولوية ، حيث أكد خلال زيارات العمل والتفتيش العديدة التي أداها إلى مختلف النواحي العسكرية على ضرورة عصرنة واحترافية الجيش الوطني الشعبي، وأشرف خلالها على تنفيذ العديد من التمارين .
وكان آخر ظهور للفقيد، بمناسبة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستورية، وهو الرئيس الذي اعتبره الفريق قايد صالح «الرجل المناسب والمحنك والقادر على قيادة بلادنا الجزائر نحو مستقبل أفضل».
الشعب الجزائري يبكي رجلا حافظ على وعده
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد في برقية تعزية إثر وفاة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي أن الجزائر «تتحسر على فراق واحد من عمدها ورجل من رجالاتها الكبار وركن من أركان الدولة المخلصين».
وقد كشفت الجنازة الشعبية التي أقيمت للمجاهد والقائد السابق لأركان الجيش الوطني الشعبي،مدى إيمان الجزائريين بشخصه ودعمهم لكل قراراته، حيث هب عشرات الآلاف من المواطنين من كل الولايات جماعات و فرادا، لتوديع الرجل في جنازة لم تحظ بها شخصية عسكرية من قبل، و لا يزال إلى اليوم المواطنون ينظمون عمليات تبرع و خيم تأبينية على روحه.
مراد- ح