تنشر النصر، شهادات حية وجديدة للمجاهد ساعد عسلوج من بلدية الحروش، الذي يعد المجاهد الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة بولاية سكيكدة من مفجري الثورة، و يروي المجاهد في هذه الشهادة، انخراطه في الحركة الوطنية و معايشته مجازر 8 ماي 1945 مرورا بمشاركته في اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، و غيرها من الأعمال و المعارك البطولية التي شارك فيها مع العديد من رفقاء السلاح.
كمال واسطة
النصر تنقلت إلى منزل المجاهد ساعد عسلوج الكائن بقرية التوميات ببلدية الحروش أين وجدناه في انتظارنا رفقة ابنه علي وملامح الشموخ و الهمة بادية على محياه رغم بلوغه 92 سنة لكنه لا يزال يتمتع بذاكرة قوية ويحفظ الأحداث والوقائع التي عاشها وشارك فيها بتسلسل و بالتواريخ والأسماء بدقة كبيرة.
انخرطت في الحركة الوطنية و عمري لا يتجاوز 15 سنة
في بداية كلامه عاد بنا المجاهد إلى فترة التحاقه بالنضال وانخراطه في الحركة الوطنية عندما كان عمره يتراوح بين 12 إلى 15 سنة وكان ذلك في عام 1945، «كنا وقتها ضمن مجموعات نلتقي أسبوعيا وأحيانا أخرى شهريا من أجل تبادل المعلومات والأخبار، بينما كان مصالي الحاج يتردد دوريا لإلقاء خطابات بالحروش يحضرها جمع كبير من أبناء الشعب من القرى والمداشر»، و هنا تعود به الذاكرة إلى مشاركته في إتلاف بستان كبير من الحمضيات يمتد على عدة هكتارات تابع لمعمر يدعى «باصو» من الكولون الفرنسي قام بارتكاب مجزرة مروعة بقتله ألاف من أبناء الشعب العزل في قالمة، في أحداث ماي 1945، و «ردا على ذلك قمنا في إحدى الليالي بتجميع حوالي 30 شخصا حاملين المناشير وتنقلنا إلى البستان الكائن قرب قرية السعيد بوصبع وفي ظرف حوالي ساعتين من الزمن اختفى البستان تماما بعد أن قمنا بتقطيع كامل الأشجار وغادرنا المكان وفي صبيحة اليوم الموالي استيقظ القائد العسكري الفرنسي ليتفاجأ باختفاء البستان غير مصدق لما يرى خاصة وأن الحادثة تزامنت وفترة نضج البرتقال ومن شدة الصدمة توفي بسكيكدة لما كان متوجها إلى فرنسا».
الدرك الفرنسي خشي مواجهتنا ليلة 1 نوفمبر 1954
يتذكر المجاهد جيدا يوم 1 نوفمبر 1954، حيث يروي لنا الأحداث التي عايشها في هذا التاريخ المجيد، مفيدا بأن التحضير لهذا الحدث بالمنطقة التي كان يتواجد بها كان بمشتة عين كحلة بقرية خندق عسلة التابعة اداريا لبلدية زردازة، فقد «كانت عبارة عن مركز للقائد العايب الدراجي، عقدنا اجتماعا ليلا في فوج يضم 14 مناضلا بينهم السعيد عسلوج، عزالدين عسلوج، أحمد بوحوش، بوحوش محمد، وصالح بوالنمورة، وتحت قيادة صهر زيغود يوسف عمار بوضرسن، تنقلنا مباشرة باتجاه الحروش وقبل وصولنا توقفنا بمزرعة جاكي (حاليا تسمى قرية علي مصباح 2)، وفي حدود العاشرة ليلا أخبرنا قائد الفوج أننا بصدد القيام بمهمة بتكليف من القائد زيغود يوسف ضد العدو الفرنسي وتوجهنا إلى ثكنة للدرك الوطني (حاليا مستشفى للأمراض العقلية خاصة بالنساء)، و كنا مدججين ببنادق كنا قد جمعناها من بعض أفراد الشعب وتفرقنا في مجموعات، واحدة تمركزت في الطريق المؤدي إلى بلدية زردازة و أخرى بالطريق المؤدي إلى بلدية امجاز الدشيش ومجموعة ثالثة بالطريق المؤدية إلى قسنطينة بقرب التوميات وأخرى بالطريق المؤدي إلى سكيكدة، بينما تكفلت مجموعة أخرى كنت برفقتهم بالتوجه إلى ثكنة الدرك الفرنسي حيث هجمنا على المقر وقام كل من عمار بوضرسن وبوحوش أحمد بإطلاق النار على النوافذ والأبواب ولم نلقى أي ردة فعل من الفرنسيين واستمر الحال فترة من الزمن ولم نسجل أي مواجهة من طرفهم حيث كان الهدوء التام يعم داخل الثكنة ولما تأكدنا من رفض العدو الخروج ومواجهتنا، تقدمت إلى بوابة الثكنة وألصقت ورقة مدون فيها (نحن نطالب بحقوقنا سواء بالاستشهاد أو الاستقلال وسنواصل الجهاد دفاعا على بلادنا)، و بعدها غادرنا المكان باتجاه ربوة صغيرة قرب مقر الدائرة، و ما ما هي إلا لحظات حتى أطلقت صافرة الانذار تدوي بالمكان فقام المجاهدان بوحوش وبوضرسن بإطلاق النار وتحطيمها ولم يتجرأ أي دركي على الخروج من الثكنة».
يواصل المجاهد رواية تفاصيل مشاركته في أحداث ليلة 1 نوفمبر 1954، و يضيف في هذا السياق «بعدها توجهنا إلى مخرج الحروش بالطريق الرئيسي باتجاه التوميات حيث يوجد مستودع ضخم للفلين على الهواء الطلق، قمنا بتقييد الحارس في عمود كهربائي وأضرمنا النار في أكوام الفلين ولم نجد أي مقاومة أو ردة فعل للعدو وحتى الحماية المدنية لم تأت لإطفاء الحريق، ثم أمرنا قائد الفوج عمار بوضرسن بمغادرة المكان تاركين ألسنة النيران تضيء المكان، وعدنا إلى حيث اجتمعنا في المرة الأولى وكان ذلك في حدود الثانية بعد منتصف الليل وعند وصولنا إلى مكان يدعى جنان دلابش بمنطقة مسونة أين يوجد منزل عائلة المجاهد المتوفى علي كافي توقفنا وأخبرنا عمار بوضرسن أنه يريدنا في شيء مهم فتناول قلما وكراسا ونادى علينا واحدا واحدا ثم قام بتدوين اسمائنا 14 ولم نعلم حينها أي شيء عما يريد فعله وشكرنا وطلب منا الانصراف إلى منازلنا».
و يروي لنا المجاهد تفاصيل احدى العمليات التي كان أحد منفذيها الرئيسيين « في احدى المرات وبما أنني كنت أنتمي إلى فوج الدركيين تم تكليفي من طرف صالح بوالنمورة بمهمة التنقل إلى مكان بمخرج مدينة الحروش باتجاه قرية السعيد بوصبع المعروف بكثافة أشجار الزيتون وأتذكر أنه قال لي بأنه يعول علي كثيرا، قمت بالاختباء بين الأشجار رفقة المدعو بوزيد رمضاني بعد أن منح لي كلمة السر (القمر) وطلب مني انتظار مجموعة من الأشخاص وفي حدود 10 إلى 11 ليلا تحسسنا اقتراب أشخاص فناديت لمعرفة هويتهم ولما أجابونا بكلمة السر تقدم نحونا حوالي 10 أشخاص وسلموا لنا عددا من المناشير، ثم توجهنا قرب معصرة زيتون وطلب منا بونمورة تقسيم أنفسنا إلى مجموعات من 3 أشخاص، كل مجموعة تتكفل بقطع عمود كهربائي وقمنا بالمهمة بنجاح وفي ظرف قصير تم تحطيم الخط الكهربائي على مسافة طويلة من المعصرة إلى الجسر بقرية السعيد بوصبع وبعد لحظات شاهدنا مدفعين اثنين للعدو بقرب السوق الأسبوعي بالحروش فقمنا بمغادرة المكان باتجاه مسونة حتى لا يكتشف أمرنا ، وما هي إلا لحظات حتى شاهدنا طلقات المدافع باتجاه بلدية الغدير وبقينا نتابع في المشهد إلى غاية مغادرة العدو المكان إلى الثكنة العسكرية وفي الصباح تفاجأ الفرنسيون بسقوط الخط الكهربائي وهكذا تواصلت عملياتنا ضد العدو أحيانا ليلا و أخرى كنا نقوم بها في النهار مثل قطع الطرقات، وحفر خنادق وحرق البساتين وقطع الأعمدة الكهربائية وغيرها من العمليات التي كانت ترهب العدو الفرنسي، بالإضافة إلى القبض على الخونة الذين كانوا يتعاملون مع المستعمر، و كذا نقل المؤونة للمجاهدين في الجبل.
سجنت تحت الأرض لمدة شهر ونجوت بأعجوبة من الموت
وروى المتحدث قصة القبض عليه بوشاية من جاره ثم اعتقاله في سجن تحت الأرض لمدة شهر وكان ذلك في 1957، «بينما كنت أقوم بمساعدة والدي في العمل قدم 4 عساكر فرنسيين بينهم محافظ شرطة لما وصل اقترب مني وقام بسل خنجر و فتح جرحين في وجهي من الجهتين اليمنى واليسرى والدماء تسيل في منظر صدم والدتي التي أخذت تبكي وتتوسل العساكر أن يطلقوا سراحي، لكن جاري الخائن تقدم نحوها ليخبرها بأنني سأعود بعد أن يراني القائد».
«اقتادني العساكر إلى مزرعة بقرية السعيد بوصبع ثم وضعوني في (كازمة)و هي (زنزانة تحت الأرض) وفي اليوم الموالي أحضروا شابا من الحروش يدعى بلحيول دون ملابس ورموه بجانبي وهو في حالة يرثى لها بعد تعرضه للتعذيب الشديد، فسارعت إلى تغطيته بملابسي ولما أيقنت أنه يصارع الموت، قمت بتلقينه الشهادة، و بعد لحظات فارق الحياة، وفي اليوم الموالي جاء محافظ الشرطة برفقة جاري الخائن الذي وشى بي وكنت حينها في قمة الشجاعة ولم يتمالكني أي خوف لأنه في قرارة نفسي كنت مستعدا للموت وتيقنت أن مصيري سيكون القتل لا محالة فأخبرته بأن الشاب توفي فقام بإطلاق النار في كامل جسمه، استغربت للمشهد لكن لم تنتابني حينها أي لحظة من الخوف لأن المحافظ الفرنسي كان يعتقد بأني سأخاف فنطق قائلا عليك بقول الحقيقة وستذهب إلى منزلك وإن رفضت أن تعترف ماذا تعمل مع المجاهدين سيكون مصيرك القتل، فأكدت له بأني مستعد للموت.. فيما بعد علمت أن ذلك الخائن قام بمساعدتي بتدخل من معارفي بعد أخد مبلغ من المال».