الخدمـــة العموميـــة تصطدم بالذهنيــة الجزائريــة
تحولت الإدارات والمرافق الخدماتية بالجزائر إلى فضاءات لمناوشات يومية تصل حد الضرب بين موظفين يشتكون من سوء المعاملة ومواطنين يتهمونهم باللامبالاة والمحسوبية ويتحدثون عن خدمات دون المستوى. رغم الإصلاحات الأخيرة التي أدخلتها مختلف الوزارات على المصالح ذات العلاقة المباشرة بالمواطن لا يزال الجزائري يواجه صعوبات في استخراج الوثائق أو حتى اقتناء سلعة أو الحصول على خدمة من القطاعين العام والخاص ، ما ينم عن افتقاد ثقافة الخدمة العمومية وما تتطلبه من معاملة بين طرفي معادلة صعب تحقيقها في بلادنا .
الأسباب يراها مختصون اجتماعية محضة ، ويفسرها آخرون على أنها ناتجة عن إهمال الجانب النفسي في التوظيف . بينما يتفق كثيرون آخرون على أن المعاملات والسلوكات المتشنجة بين الموظفين وزبائنهم ، والانفعالات المتكررة في تعاملات الجزائريين بشكل عام هي من الأسباب المباشرة لتدهور الخدمة العمومية وإرتباطها بصورة يومية منفرة وغير مستقرة يمكن إيجازها في معنى شامل : إنعدام ثقافة الخدمة العمومية لدى العديد من المستخدمين والموظفين . لذلك فإن الذين تحدثوا إلينا في هذا الملف وشملهم إستطلاعنا يجمعون على أن التكوين والرسكلة والتربصات تعتبر أنجع أسلوب لتطوير وتحسين الخدمة العمومية .
ليس من السهل على الجزائري قضاء حاجة سواء كانت إدارية أو خدماتية دون الوقوع تحت تأثير الانتظار و المماطلة وسوء الاستقبال ما أدى إلى سلك طرق أخرى بحثا عن تسهيلات يفترض أنها تدخل في صميم أداء موظفين يعتبر حسن الاستقبال أساس عملهم ، فيما لا تستند التجارة إلى منطق الخدمة العمومية بل إلى مزاجية التاجر وبرنامجه الخاص.
أينما يتجه الفرد يشعر وكأنه غير مرغوب فيه حتى وإن كانت تلك الخدمة بمقابل، فمصالح البريد ، والبنوك والضرائب ،وعديد المصالح والإدارات والبلديات والمحلات التجارية... فضاءات يطغى على مرتاديها التشنج والغضب مقابل حالة من اللاإهتمام نجدها لدى موظفين و مقدمي خدمات يعاملون المواطن والزبون على أنه يتسول خدمة رغم أنهم يتلقون مقابلا عن ذلك سواء في شكل ثمن لسلعة أو خدمة ما أو راتب شهري . النصر قامت بجولة في مختلف الإدارات لتنقل صورة عن مدى تعاطي مختلف الأطراف مع مفهوم الخدمة العمومية ونقلت بعض جوانب ما تشهده الإدارات والمؤسسات ذات الطابع الخدماتي من أجواء يسيطر عليها الغضب والتناحر.
البداية كانت بمركز البريد الرئيسي وسط المدينة ، أين بدت الأوضاع منتظمة نسبيا مقارنة بفترات سابقة حيث تم وضع كراسي وأعوان للتوجيه ، لكن البقاء للحظات يكشف عن وجه لا يختلف عن الصورة التي طالما إرتسمت في أذهاننا عن البريد ومصالحه ... وجدنا شيخا يصرخ ويحتج على توقف نظام الإعلام الآلي، كما لاحظنا مناوشات على الطابور بين كبار السن.. إقتربت من الشباك وتظاهرت بالسؤال عن أمر ما ، الموظفة تجاهلت كلامي ، وعندما أظهرت إصرارا على الأمر رفعت رأسها قليلا وأطلعتني على رقم الشباك . بدا أشخاص مصطفون بالحيز المخصص لملء الوثائق أحسن من الموظفين، بعد أن اقترب مني أحدهم وسألني إن كنت أبحث عن مساعدة قبل أن يعرض علي خدماته . في الشباك الخاص بالحوالات وجدنا رجلا في حالة تشابك مع موظف ، موازاة لذلك كان غرباء بلا حاجة يدخلون المكان بلا سبب ، يتجولون قبل أن يطالبهم عون استقبال ظهر فجأة بالمغادرة.
تنقلنا بعدها إلى مقر اتصالات الجزائر بأحد الأحياء . كانت الساعة الحادية عشر ونصف صباحا . وجدنا أغلب المكاتب مغلقة . فتح رجل أحداها مغادرا وهو يشتم، قبل أن يتقدم من عون القباضة ليعلق» لن أسامحهم أبدا ، أسبوع كامل وأنا أتنقل لإصلاح الخلل في جهاز الأنترنت واليوم تقول لي عد ظهرا لأن وقت الغذاء قد اقترب» . الرجل تمتم قبل أن يغادر وهو يسب ويشتم . لم يثر ذلك اهتمام الموظفين المتواجدين في الساحة . عدنا عند الواحدة ، أين إنتظرنا نصف ساعة قبل أن يفتح مكتب تسديد الفاتورات والشكاوى . دخلت المكان ، جلست . وكانت الموظفة تتحدث في الهاتف، وعندما أكملت المكالمة إختبرت قدرتها على الابتسام بإلقاء التحية مع ابتسامة ، ردت بصوت منخفض وكأنها مضطرة ، ولم تنظر إلي ثم سألتني” نعم ؟ « . إدعيت أنني أريد أن أستفيد من خدمة الانترنت وأسأل عن الأسعار، نظرت إلي وكأنها تريد أن تشتمني ثم طالبتني بالمغادرة إلى مكتب آخر، قلت لها يمكنك أن تخبريني عن الأسعار على الأقل و محتويات الملف المطلوب ، انزعجت وردت « ليست وظيفتي»؟ .
أثناء تواجدي بالمكان لاحظت أن الموظفات كلهن في حالة عبوس . وجهت الملاحظة لموظف بدا لطيفا قال لي أنه نصحهن أكثر من مرة بتغيير طريقة التعامل لكنهن مصرات على الأسلوب معترفا بأن طريقتهن تثير استياء المواطنين .
في اليوم الموالي قصدنا مصلحة للحالة المدنية بالمدينة . كانت الأمور أكثر صخبا والشبابيك التي تم إلغاؤها زادت الأمر سوءا ، رغم أن الهدف هو رفع الحواجز. إقتربت من موظفة كانت غارفة في حديث مع شخص يبدو من نوع الحديث أنه قريب لها ، سألتها عن شهادات الحالة الشخصية وجهتني بإشارة إلى موظفة إلى جانبها . تقدمت من الأخرى التي إلتف حولها ما لا يقل عن عشرة أشخاص كلهم يتحدثون في وقت واحد ، بحيث لم تعد تلك المرأة تسمع شيئا ، ولم تكن باقي الطوابير أحسن حالا . بعد جهد جاء دوري . شرحت لها حاجتي، قالت : « لا توجد مطبوعات « . حاولت إضافة جملة أخرى لكنها لم تمنحن الفرصة بعد أن إلتفتت إلى جهة أخرى ، لينصحني مواطن بأن أسأل أشخاصا كانوا متواجدين في ركن من القاعة ، التي لا يمكنك أن تسمع بداخلها كلام من معك لشدة الأصوات المرتفعة وكثرة المتجولين والجالسين دون سبب و كأنهم في حديقة.
تقدمت من أحدهم . بحث في أوراقه قبل أن يطلعني بأن ما لديه نفذ . حاولت سلك طريق التشكي . فوجهت إلى رئيسة مصلحة ، أدخلني الحارس إلى جانب مواطن، الرجل كان في حالة غضب قصوى . أراد استخراج شهادة ميلاد عادية وطلب منه العودة في اليوم الموالي مبكرا . المسؤولة شابة وقد كانت ودودة ومتفهمة وتحاول تهدئة الرجل. شرحت له بأن الطلبات كثيرة وأن قدومه في ذلك الوقت هو السبب . تساءل الرجل « كيف لي أن أقضي يوما كاملا لأجل وثيقة بسيطة «، بعد أخذ ورد، طالبته بالانتظار قليلا ثم وجهت إلى العون المعني لاستخراج وثيقته رغم أنه أطلع بأن المطبوعات قد نفذت هو أيضا . حاولت فعل نفس الشيء معي ، إلا أنها لم تتمكن من ذلك لأنها لم تعثر على مطبوعة بدرجها . إعتذرت بطريقة توحي بأنها قد تنفذ التعليمات الخاصة بحسن الاستقبال بشكل مقبول . لكن وأنا أغادر صادفت شخصا أعرفه وعبرت له عن سبب تذمري إصطحبني إلى مكتبه أين إستخرج حزمة مطبوعات أكد بأنه يدخرها لمثل هذه الحالات . اثناء حديثنا أخبرني بأن الجيل الجديد من الموظفين يفتقرون للتخطيط ولا يحسنون التعامل مع المواطن ما شوه صورة مصالح الحالة المدنية وزادها سوء.
بمقر دائرة قسنطينة أول تواصل مع عون أمن أدى إلى تشابك . حيث طلبت مقابلة مسؤول لكنه تجاهل كلامي وراح يتحدث إلى زميله ويقهقه . وجهت له ملاحظة حول حسن الاستقبال رد “ أسمع هذه الجملة ألف مرة “ ، ثم عاندني وجعلني أنتظر وقتا طويلا . وبعد أن إعترضت على الأمر وقلت له بأنني سأقدم شكوى تدخل زميل له وإعتذر. داخل مصلحة قصدتها للتمويه لم أجد الموظف . إنتظرته حوالي الساعة ثم جاء ومعه إمرأة أجلسها وأعد لها الملف قبل أن يذهب إلى مكتب آخر. اتصلت بشخص من معارفه أرجو وساطته . فهاتفه بشأني . فراح يشرح لي مشكلة الاكتظاظ وظروف العمل الصعبة ، ثم وجهني إلى مكتب لإيداع الملف هناك كانت الساعة الحادية عشر و 45 دقيقة . كنا خمسة أشخاص فجأة وجدنا المكتب أغلق علينا من الخارج. راح رجل يصرخ ليطلعه الحارس بأنه وقت الغذاء والموظفات تتناولن وجباتهن داخل المكاتب عندما علق المواطن بأن الساعة الثانية عشر لم تحن بعد . إبتسم العون وغادر، عند استئناف العمل تظاهرت بالغضب وخرجت من المصلحة وتركتها تغلي .
مصلحة الزبائن لمتعامل في الهاتف النقال مكان نظيف تعمل به موظفات أنيقات مبتسمات موزعات على مكاتب مرتبة في فضاء به كراسي للجلوس وعون أمن يفتح الباب ويسألك عن حاجتك وهو مبتسم . هكذا تبدو الأمور في الأيام العادية، لكن بعد أسابيع فتح المتعامل عرضا مغريا جعل الطوابير تمتد فجرا لتتحول المعاملة إلى ردع وتدخل بلغ حد استعمال العصي لتنظيم الطوابير التي يمكن اختراقها بتدخل من موظف أو طريقة أخرى لفتح الأبواب . قد شهدنا في أحد الأيام ما يشبه المواجهات بين الأعوان والمواطنين الذين أكدوا لنا أنهم تلقوا معاملة غير لائقة وأن منهم من قضوا الليلة هناك.
خدمات النقل لا تخلو من إختلالات توحي بأن من يمارسون النشاط لا تهمهم الخدمة العمومية بل يتصرفون وكأنما يعملون وفق قانون خاص . فالحافلات في مدينة بحجم قسنطينة لا تحترم المسار، إذ يمكن لأي شخص أن يقل حافلة إلى جبل الوحش ويجبر على النزول في واد الحد . وقد لا يجد أصلا الحافلة أثناء محاولة التنقل إلى وجهة تحصل فيها ناقلون كثر على رخص . داخل الحافلة يضطر المواطن لسماع أغان يختارها السائق ويحشر في زاوية يختارها له « الروسوفور»، كما أنه مجبر على أن يقل سيارة أجرة بأضعاف التسعيرة القانونية لأن صاحب السيارة اختار قانون « الكورسة « ووضع رقما يلائم حساباته الخاصة . ففي أوقات الذروة لا يجد الزبون من يقله إلى وسط المدينة مثلا لأن أصحاب الصفراء يتحاشون الاختناق . في مدننا فقط سائق سيارة الأجرة هو من يختار الخط والطريق الذي يسلكه ويضطر الراكب لأن يتخذ وجهة غير وجهته لأنه هو يريد ذلك . ويتخذ محطة غير تلك التي يعرفها المواطن ليتوقف للقيلولة ، وينهي عمله في أوقات إدارية . كما أنه يأخذ عطلة طويلة صيفا أو قد يغير النشاط نحو ولاية ساحلية.
“ الزبون ملك « مقولة لا نشعر بها ونحن نتسوق يوميا لأن التاجر كغيره لا يعير الاستقبال أية أهمية وقد يمنع الزبون حتى من حق إختيار السلعة ، ما يجعل أسواقنا مسارح لمعارك ومناوشات يومية حول نوعية السلعة وسعرها ومعاملة التاجر للزبون ورد فعل الزبون وغيرها من السلوكات التي يؤكد مصدر من إتحاد التجار أنها ظهرت في السنوات الأخيرة بظهور جيل من التجار لا يفقه في المعاملة شيئا ولا يقتدي بمن سبقوه . التاجر اليوم يضع تلفازا في المحل ويقضي وقته في مشاهدة الأفلام والمباريات وقد يرفض البيع إن كان مشغولا كما أنه يعطي مكالمة هاتفية خاصة أهمية أكبر من مواطن تقدم لشراء شيء . في المطاعم قد يجبر من يدخلها على الجلوس مع شخص لا يعرفه لأن صاحب المطعم أراد ذلك وربما يصبح مطالبا بإنهاء الوجبة بشكل سريع لأن هناك من يعد عليه اللحظات كي يخلي له المقعد . ولا يحق له الإعتراض على نوعية الوجبة مهما كان نوع الملاحظة أو حجم الخطر.
في قطاع الصحة يشترك القطاع العام والخاص في الكثير من الإختلالات التي تؤرق حياة المواطن . طوابير المستشفيات نجدها في العيادات الخاصة أيضا ، وحتى نقائص سوء الإستقبال تتكرر بنفس التفاصيل لدى مرافق صحية خاصة أصبح هاجسها الفوز بأكبر عدد من المرضى وفقط . كما أن العلاج عند طبيب خاص يتطلب مشقة النهوض فجرا أو الإنتظار لأشهر وربما البحث عن وسيط يسهل الطريق .
هذه المعطيات لا تخلي مسؤولية المواطن حسب من تحدثنا إليهم من مواطنين وتجار وموظفين ، كون الخدمة تكون على حسب شروط الزبون والزبون الجزائري حسب ما أكده تاجر أصبح يرضى بأي شيء ويدفع المال وفق شروط يضعها غيره. كما أكد ناقل أنه لم يسمع بمواطن أودع شكوى ضد قابض بحافلة أو سائق سيارة أجرة . فيما أشارت أستاذة جامعية أن ثقافة المعاملة والخدمة العمومية مهمة الجميع كونها مبنية على فعل ورد فعل وتحسينات تكون وفق سقف طموحات المواطن.
اتخذت السلطات العمومية سلسلة من الإجراءات من أجل مكافحة البيروقراطية وتحسين الخدمة العمومية استجابة لتوجيهات رئيس الجمهورية للحكومة في السابع ماي من السنة الماضية .
حيث قامت الحكومة بتجسيد العديد من المشاريع ذات الصلة ، من وضع السجل الوطني الآلي للحالة المدنية حيز الخدمة ، وكذا العمل بالبطاقيات الوطنية الالكترونية لكل من رخص السياقة والبطاقات الرمادية، في انتظار تجسيد انجازات أخرى مستقبلية كبرى وعلى رأسها بطاقة التعريف الوطنية الالكترونية البيومترية.
وكخطوة أخرى تدخل في إطار المساعي الرامية للقضاء الكلي على مشاكل البيروقراطية ، جاء إلغاء اشتراط الإدارات والهيئات العمومية المصادقة على نسخ الوثائق المسلمة من طرفها ، لتخفيف الضغط الذي ظلت تعانيه مصالح الحالة المدنية، ما أضفى نوعا من المرونة والسيولة في تعاملات المواطنين مع مختلف الإدارات العمومية ، مع العلم أن هذا النص لا يغفل بعض الحالات التي يمكن أن يكون فيها تكوين الملف يخص ادّعاء حق أو الحصول على رخصة يستلزمان تحريات يقتضيها الأمن أو النظام العام.
كما قامت وزارة الداخلية والجماعات المحلية باستحداث مكاتب على مستوى بلديات الولايات الجنوبية لتمكين المواطن من استخراج الوثائق التي كانت تستخرج من الدائرة كبطاقة التعريف الوطنية والبطاقة الرمادية ورخصة السياقة وجواز السفر البيومتري، وهذا بهدف تخفيف الأعباء على المواطنين واختزال المسافات، خاصة أن البلديات مقر إقامة المواطنين تبعد عن مقر الدائرة بمسافات طويلة في الولايات الجنوبية مما يزيد من متاعب طالبي هذه الوثائق ومعاناتهم ولأجل ذلك جاءت هذه العملية لتقريب الإدارة من المواطن والتخفيف من معاناته.
كما تم استحداث مركز النداء الذي تم وضعه في متناول جميع المواطنين لنقل تساؤلاتهم وانشغالاتهم عن طريق الرقم الأخضر 1100 ، أين يجد المتصل مجيب صوتي يجيبه عن كل ما يريد التساؤل عنه فيما يتعلق بالوثائق كاملة بالإضافة إلى طلب معلومات حول ‘’ تكوين جمعية أو حزب وكيفية تكوين ملف أي وثيقة أو إعادة استخراجها أو غيرها’’.
وفي ذات السياق قامت الوزارة بتعزيز لجان التفتيش باعتبارها أحد أساليب و آليات الرقابة والمتابعة المختلفة، من أجل مسايرة انشغالات المواطن وطلباته وشكاويه من جهة ومن أجل أن تكون على اطلاع واسع وشامل بمدى تطبيق التعليمات من طرف المسؤولين المحليين بالنسبة للبرامج المقدمة من طرف الدولة لتقديم الصورة الحقيقية والواقعية الموجودة على الأرض للسلطات العليا، ومتابعة مدى تطبيق البرامج التنموية على المستوى المحلي.
وقد اعتمدت مصالح وزارة الداخلية لجان خاصة سرية ، وأخرى علنية تحقق وتتابع التقارير والانشغالات والتظلمات والشكاوي والتجاوزات و الخروقات، وغيرها على مستوى كل الولايات الـ 48، بناء على ما جاءت به اللجنة الأولى وتتكون من إطارات مركزيين ومدراء عامين، كما تثمن وتدعم جهود من جاءت تقاريرهم ايجابية.
وقال مصدر مسؤول بالوزارة للنصر ‘’ إن هذه العملية الرقابية قد حققت نجاحا بشكل كبير ‘’ وهو ما حدث في عدد كبير من الولايات أين استطاعت المصالح المعنية على مستوى الإدارة العمومية – يضيف - من تدارك الكثير من الأمور، كما مكنت عمليات التفتيش، من إعطاء الوزارة الفرصة في كثير من الأحيان لاكتشاف طرق أخرى سلسة وفعالة ومفيدة تساعد على تحسين الخدمة والتسيير وتكفل الإدارة الأحسن بالمواطنين، مثل ما حدث بالنسبة لأخطاء الحالة المدنية إذ وبعد أن تم اكتشاف طريقة معالجة مثلى وذات فعالية بولاية معينة ، قامت الوزارة بتعميمها على جميع الولايات، من خلال تعيين موظفين خاصين على مستوى كل بلدية لتدارك الأخطاء والتكفل بها.
من جهة أخرى تبنت الحكومة مشروع «الديمقراطية التشاركية أو التشاورية « كمبدأ هام وأساسي باعتبار ما للمواطن من حق في المشاركة في تسيير شؤون حياته اليومية، على الصعيد المحلي ليكون عنصرا فاعلا وفعالا في محيطه وبلديته، وذلك طبعا بطرق وآليات قانونية ومنظمة وعملية هدفها الأول والأخير خدمة المواطن.
وقد تم تكريس هذا المبدأ بناء على نصوص وأوامر قانونية لتأكيد تمسك الدولة بمبادئ اللامركزية والديمقراطية التشاركية، من خلال جعل البلدية فضاء للتعبير الديمقراطي تتم فيه تعبئة روح المبادرة والعمل المحلي لفائدة المواطنين قصد الاستجابة لاحتياجاتهم اليومية في إطار السياسة الوطنية للتنمية، بما يفرض على المجلس الشعبي البلدي أن يكون في الاستماع للمواطنين من خلال التأكيد على مسار موحد ومنظم لمداولات المجلس الشعبي البلدي وقرارات رئيس المجلس فيما يتعلق برقابتها، نشرها وتنفيذها خدمة لمصلحة الجماعة المحلية والمواطن، بالإضافة إلى تكريس مبدأ إعلام واستشارة المواطنين حول تسيير شؤون بلديتهم من خلال إلزام المجلس البلدي الأخذ بعين الاعتبار بآرائهم فيما يتعلق باختيار أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
في مجال التكوين فقد باشرت وزارة الداخلية والجماعات المحلية تنفيذ برنامج واسع يرمي إلى تطوير وتحسين أداء الإدارة، استجابة لتطلعات المواطن والرقي بالخدمة العمومية إلى مصاف النوعية والاحترافية.
حيث اتخذت وزارة الداخلية والجماعات المحلية مجموعة من التدابير ترتكز على عدة محاور أساسية من بينها تثمين الموارد البشرية.وعلى هذا الأساس شرعت الوزارة في تنفيذ برنامج تكوين واسع النطاق لفائدة موظفي إدارتها المركزية والمحلية ومنتخبيها في مختلف المجالات و ذلك من أجل تعزيز كفاءات موظفي القطاع، من خلال تعيين فوج من خبراء ممارسين وإطارات سامية من الإدارة المحلية والمديرية العامة للوظيفة العمومية لتأطير هذه الدورات التكوينية وتنشيطها حتى تكون فضاء لتبادل الخبرات وفتح النقاش حول قضايا التسيير، حيث قامت الوزارة بتنظيم عدة دورات تكوينية لفائدة ما يربو عن 17000 متكون لمختلف المناصب وفي مختلف الاختصاصات بدءا من الموظف البسيط إلى المدراء والولاة و الإطارات السامية، إلى جانب تنظيم دورة تكوينية لفائدة 1541 رئيسا للمجلس الشعبي البلدي تثمينا للدور الهام الذي يلعبه المنتخبون في تحقيق التنمية المحلية، إضافة إلى دورات تكوينية مبرمجة على مستوى كل ولاية لفائدة موظفي الولاية والدوائر والبلديات.
وتم فتح مراكز تكوينية على مستوى كل ولاية، من أجل تعميم فرص تكوين مستخدمي وموظفي القطاع في التكوين.
عبد الحكيم أسابع
يرى فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان أن البيروقراطية لا تزال تعيق تطور حقوق الإنسان في الجزائر وأنها طريقة مقنعة لنشر الرشوة في المجتمع مشيرا أن الحل يكمن في تفجير المشكلة لا محاربتها.
قسنطيني الذي أشارت هيئته إلى المشكل في تقريرها السنوي المرفوع لرئاسة الجمهورية حول حقوق الإنسان صرح للنصر أن، البيروقراطية في بلادنا نوعان، إدارية وقانونية و أنها مشكلة تعكر وتعطل حياة المواطن كما تجعل الجزائر تتقدم بصعوبة، وأشار أن القوانين واضحة وعصرية، لكن المشكلة، برأيه ، تكمن في التطبيق ، موضحا أن الإداريين أصبحوا يؤثرون بشكل سلبي على الحياة والإدارة ما حول الأمر إلى ما يشبه الثقافة، مفسرا ما يجري على أنه طريقة غير مباشرة للضغط على المواطن و إنهاكه و بالتالي دفعه إلى سلك أسلوب الرشوة لرفع الحواجز، وهو أمر امتد تدريجيا ، كما يضيف المتحدث أفقيا وعموديا
ويكاد يعمم.
وعلق قسنطيني بالقول بأن الجزائر تخلصت من الاستعمار لكنها لم تتخلص من استعمار الإدارة، معترفا بأن جزء من المشكل عبارة عن إرث استعماري لكنه أكد بأن الظاهرة ازدادت حدة عن ما كانت عليه في العهد الكولونيالي.
البيروقراطية برأي رئيس الهيئة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وضعت البلاد في حالة جمود « لأننا لم نعد نرى إدارة تسير بشكل عادي ولا يمكن لأي شخص أن يحصل على وثيقة بطرق صحيحة « مشيرا أن شهادة الميلاد أس 12 التي كثر الحديث عنها لا يمكن استخراجها دون وسيط ، ولا يسجل محدثنا أي تحسن في أداء الإدارة متمنيا أن توقف الإجراءات في تقويم الأمور لتوفر النية.
قسنطيني قدم مثالا عن الإفراج المشروط عن المساجين الذي قال بشأنه أن هناك نص قانوني يضع له شروط ولجنة يفترض أن تدرس الملفات لكنها، كما علق، تقوم بمهمة واحدة هي رفض الملفات رغم أن الأمر تلقائي تشريعيا أي يطبق بمجرد توفر تلك الشروط مضيفا بأن العملية في فرنسا تتم بسلاسة وفي الجزائر يحرم المواطن من حق مكفول قانونا.
المتحدث يرى أن دواء البيروقراطية في الجزائر ليس في القضاء عليها فقط بل في تفجيرها للخروج بإدارة وعدالة عصرية على إعتبار أن المشكلة لا تزال عائقا أمام تطور حقوق الإنسان في الجزائر.
ن/ك
ربط الناطق الرسمي للإتحاد العام للتجار و الحرفيين الجزائريين، الطاهر بولنوار، تدني مستوى الخدمة العمومية بجهل شريحة واسعة من التجار لأخلاقيات المهنة .
و اتهم مصالح السجل التجاري بعدم فرض الشروط الأخلاقية و الثقافية في الممارسة ، متحدثا عن مبادرة للتكوين قال بأنها أجهضت نتيجة الإنقسام الحاصل في الإتحاد.
المتحدث باسم التجار و الحرفيين ، قال بأن أي نشاط تجاري أو اقتصادي لا بد أن يكون هدفه الأساسي ، نيل رضا المتعامل و الزبون في إطار فائدة الخدمة العمومية ، معتبرا الأخلاق و الاحترام أساس كل التعاملات.
بولنوار ذكر أن كل القطاعات التجارية تعاني نقصا في الخدمة العمومية ، سواء كان ذلك على مستوى التجزئة أو الجملة . وأشار إلى بلوغها أدنى مستوياتها في قطاعات بعينها على غرار النقل بسيارات الأجرة أو الحافلات ، كظاهرة تشغيل الموسيقى دون مراعاة مشاعرالركاب ، أو التحدث في الهاتف النقال.
بالنسبة للأسباب التي تقف وراء كل هذا، تطرق محدثنا بالدرجة الأولى إلى ما أسماه جهل عدد كبير من التجار لقوانين الممارسة التجارية و أخلاقيات المهنة، وعدم فرض مصالح السجل التجاري شروط التقيد بحسن المعاملة والأخلاق و الثقافة في ممارسة المهن التجارية ، دون إهمال الإشارة إلى السلوكات السلبية لبعض المواطنين في تعاملاتهم مع التجار.
ممثل التجار لم يفوت إنتقاد مؤسسات الرقابة التي قال أنها لا تقوم بمهامها لتحسين المستوى، فضلا عن غياب برامج التكوين والتأهيل لأخلقة النشاطات التجارية . ذات المسؤول كشف عن برنامج وطني لتحسين الخدمة العمومية ، قال بأنه أجهض منذ 10 سنوات بسبب انقسام الإتحاد العام للتجار و الحرفيين الذي حال دون تجسيد البرنامج إلى اليوم.
الشكاوي التي يتلقاها التنظيم في هذا الإطار كثيرة ، و قال أنها تتمحور حول خدمتي النقل و البيع ، و أغلبها يتعلق بالمدن الكبرى كوهران ، قسنطينة
و العاصمة.
الناطق الرسمي للإتحاد العام للتجار و الحرفيين الجزائريين أكد أن الوصول إلى خدمة عمومية نوعية ، يتوقف على مدى التزام كل التجار بتربص أو تكوين يلقنه فنيات الخدمة الجيدة ، مع ضرورة القضاء على السوق الموازية باعتبارها ساهمت في تأزم الوضع حسب تقديره.
إ.زياري
يشتكي عديد العمال في بعض الإدارات والمؤسسات العمومية حالة من الضغط والقلق الكبيرين أثناء فترة الدوام وما بعدها. يتحدثون عن تعرضهم إلى مضايقات وسوء معاملة من طرف بعض المواطنين والزبائن ، تصل إلى حد السب والإعتداءات الجسدية .
أغلبية الموظفين الذين شملهم إستطلاعنا يقولون أنهم محاصرون بين مطرقة أوامر مسؤوليهم المتعلقة بمراعاة المواطنين وتحمل تصرفاتهم للحفاظ على مناصبهم وعلى صورة المؤسسة ، وسندان الدفاع والحفاظ عن كرامتهم ، ما أدى إلى تسجيل حالات اكتئاب وأمراض نفسية وعضوية تصل إلى حد التوقف عن العمل.
ويجمع جل الموظفين الذين تحدثنا إليهم وتتطلب مهنتهم الاحتكاك المباشر بشكل يومي مع المواطنين أو الزبائن، حول حاجة المناصب التي يتولونها إلى قوانين جديدة ردعية جديدة تحميهم من المضايقات بالإضافة إلى دورات تكوينية لتأهيل الموظفين وتلقينهم أبجديات الإتصال وكيفية التعامل مع الاستفزازات مع تخصيص أخصائيين نفسانيين للتخفيف من حدة الضغط المفروض عليهم وخفض عدد ساعات الدوام.
النصر قامت باستطلاع وتحدثت مع عدد من موظفي البنوك والبلدية ، بالإضافة إلى مؤسسات البريد ونقلت معاناتهم مع بعض المواقف التي يعيشونها يوميا.
بدايتنا كانت مع حمزة موظف في أحد البنوك، وبحكم موقعه واحتكاكه المباشر مع زبائن كثيرين ذكر لنا بأنه كثيرا ما تعرض لمواقف حرجة بسبب تصرفات بعض المواطنين والذين وصفهم بقليلي الذوق وعديمي الضمير، حيث أنه طالما تعرض للسب والتهديد من طرفهم بحكم مسؤوليته على ملفات القروض العقارية،إذ أن غالبيتهم، كما يقول، لا يتفهم بأن العملية تمر على عدة مراحل وأن الأمر ليس بيده وإنما دوره فقط يقتصر على استلام الملفات ومعاينتها، ومن تم يقوم بإرساله إلى اللجان المختصة للبث فيه بصفة نهائية، ويضيف محدثنا الذي تجاوز عمره 32 عاما ولديه خبرة 6 سنوات، بأن المواطنين طالما اتهموه بالمتماطل وبالمرتشي وهو ما سبب له في العديد من الأحيان إحراجا كبيرا وسط عائلته وزملائه . وذكر حمزة بأنه اضطر إلى رفع دعوى قضائية في حق أحد المواطنين، بعد أن قام بالإعتداء عليه أثناء خروجه من البنك في الفترة المسائية، والقضية حاليا على مستوى المصالح القضائية.
أما وليد، وهو موظف في بنك تجاري يعمل في شباك الصندوق، فقد قال إن ضغط العمل يزداد حدة في أوقات تحصل الموظفين والمتقاعدين المغتربين على رواتبهم، ومن بين هؤلاء من لا يتقن ملء الصكوك، وإذا طلبت منه الاستعانة بأحدهم بحكم وجود العديد من المواطنين الذي ينتظرون دورهم، في طوابير طويلة ، يبدأ في الصراخ ويطلق العنان للسب و المقارنة ما بين الخدمات المقدمة في الدولة الغربية التي كان يعيش بها وبالجزائر، وهو لا يعلم في حقيقة الأمر بأن تعليمات قدمت لهم تمنعهم من ملء أي شيك لأي كان، ما يجعله في غالب الأحيان يضطر إلى مخالفة التعليمات على الرغم من أن كاميرات المراقبة ترصد كل كبيرة وصغيرة بالبنك، ويضيف محدثنا بأنه يستغرب سلوكات العديد من المواطنين خاصة منهم من يعمل في إدارات عمومية مثله، إذ أن جلهم يقول بأنه على عجلة من أمره ولا يدركون أن التعامل مع الأوراق النقدية يحتاج إلى دقة شديدة و رصانة ، لأنه كثيرا ما اضطر إلى دفع مبالغ مالية من جيبه إلى الصندوق بسبب عدم تطابق الحسابات في نهاية اليوم، نتيجة تسرعه أو فقدانه للتركيز بسبب المضايقات والضغوط.
وأضاف وليد بأن ظاهرة السب و الاعتداء في تزايد مستمر، معتبرا أن المواطن يعتبر السبب الأول، لأنه لا يرى إلا مصلحته أمامه ولا يتقن الإتصال ولا يتحلى بالصبر، بالإضافة إلى غياب الأخلاق وانعدام ثقافة احترام الغير.
توجهنا إلى مندوبية بلدية التي تعرف بتوافد المئات من المواطنين إليها يوميا كونها تقع بوسط مدينة قسنطينة، لأخذ رأي عينة أخرى من الموظفين، استقبلنا رئيس مصلحة، حيث أكد أن العمل مع المواطنين متعب للغاية، قائلا” يجب علينا نحن الموظفون أن نراعي في عملنا اختلاف سلوكيات الناس ومستوياتهم التعليمية والفكرية ، فمنهم من يتحدث بكل هدوء واحترام، ومنهم من تكون معاملتهم صعبة وتحتاج إلى كثير من الصبر، حتى أن الأمر يصل في الكثير من إلى حد التطاول علينا بالسب والشتم وبأقبح النعوت والصفات”، مضيفا “نحاول قدر الإمكان تفهم حالتهم بالإسراع في تسوية وثائقهم والصبر على انفعالاتهم”، وأثناء لقائنا بالمسؤول فجأة اقتحم أحد المواطنين رفقة إمرأة المكتب، وأخذ يتلفظ في حق رئيس المصلحة بكلام غير لائق، بسبب أنه طلب منه الانتظار قليلا لكي يقوم بتسوية وثائقه الإدارية، ودون أن يرد عليه المسؤول نظر إلينا وقال لقد وقفتم بأنفسكم على التجاوزات الصادرة في حقنا، لكن ما الحيلة هذه هي طبيعة عملنا وهذا هو دورنا كإداريين.
وتابعت موظفة تشتغل في إطار عقود الشبكة الإجتماعية بذات المصلحة ، بالقول أنها تعمل منذ 8 سنوات في مصلحة الحالة المدنية ، وهي مدة زمنية كانت كفيلة أن تؤثر بشكل كبيرعلى سلوكياتها وصحتها مقابل راتب لا يتجاوز 6000 دينار ، إذ تحولت من إنسانة هادئة الى عصبية وكثيرة القلق إلى درجة أنها تؤكد بأنها أمضت فترات طويلة منعزلة كل مساء ولا تتحدث إلى أحد من أهلها في البيت، إلى غاية زوال أثار الضغط الذي تركه عملها على نفسيتها، وتضيف مواصلة حديثها أن بعض المواطنين يستصغرون موظف الشباك الذي يؤدي عملا في بلدية، وأشارت أنه تتم مخاطبتهم باستعلاء ويقول لهم المواطنون أنهم مجرد موظفين أقل من عاديين لا قيمة لهم و وجودهم لخدمة المواطن وتلبية طلباته فقط، و أنه الموظف دونهم من دوننا هو لاشيء، والسبب يعود في غالبية الأحيان إلى رفضهم لطلباتهم بإنجاز وثائق بطريقة غير قانونية، وتضيف الموظفة بأنهم مطالبون بمراعاة المواطنين، وأنها طالما ما لا تستطيع تمالك أعصابها و تدخل في شجار مع المواطنين، حيث أنها طالبتنا بالبقاء داخل المصلحة ليوم واحد فقط حتى نقف على حجم “الإهانات والتحرشات” التي تتعرض لها العاملات يوميا.
اتجهنا إلى مقر البريد المركزي في وسط المدينة ، فكان أول ما وقعت عليه أنظارنا مشهد أقل ما يقال عنه بأنه يعكس المعاناة التي يعيشها الموظفون، حيث نشب صراع بين موظف الشباك وأحد المواطنين بعد أن قام هذا الأخير بعدم احترام الطابور وأراد سحب مبلغ مالي بحجة أن لديه أمر مستعجل، ليدخل في مشادات كلامية مع الموظف ويوجه له وابلا من الشتائم لم تنته إلا بعد تدخل رجال الشرطة المناوبين بداخل المؤسسة.
لم نتمكن من الحديث مع الموظف لأنه غادر الشباك ودعا ذلك المواطن إلى النزال في الشارع ، لنتحدث مع موظف الإستقبال والتوجيه الذي لم يعر ذلك الشجار الكثير من الإهتمام ، حيث أنه اعتبر الأمر بالعادي والمتكرر طيلة فترة الدوام ، ليضيف بأن أحد المواطنين قفز إلى مكتب موظف الشباك واعتدى عليه باستعمال عصى ، وأن امرأة قامت برشق موظفة بكيس حليب ، بينما وصل الأمر في إحدى المرات إلى غاية الإعتداء على أحد الموظفين أمام مقر المؤسسة في الفترة المسائية ، باستعمال كلب مفترس كاد أن يفتك به لولا ركوبه لسيارته في آخر لحظة.
استطلاع لقمان قوادري
تشكل الإناث النسبة الأكبر من العاملين في قطاع الخدمات بقسنطينة و بالأخص الفنادق و الوكلات التجارية ، السياحية أو تلك المتخصصة في بيع السيارات ، أين يكون التعامل مع الزبون مباشرا، و يتطلب تقديم خدمة عمومية نوعية. غير أن الواقع يعكس ضعفا في مستوى التواصل بين هؤلاء الأعوان و الزبائن . هو راجع بالأساس إلى نقص التكوين و غياب ثقافة التسويق لدى الكثيرات ما يضطرهن إلى ترك العمل أو طلب التحويل نحو مصالح أخرى .
جولة بين أروقة عدد من وكالات بيع السيارات و الفنادق بقسنطينة ، بينت بأن نسبة العاملات في مجال التسويق و التوجيه تعادل 70 في المائة من إجمالي مستخدمي هذا القطاع . هو رقم يعبر عن خيار أرباب العمل بالدرجة الأولى ، حيث يفضلون الاستعانة بالعنصر النسوي بدلا من الذكور، كونهن أكثر سلاسة في التعامل مع الزبون، حسب ما أوضحه البعض.
مع ذلك يطرح الزبائن باستمرار مشكل ضعف الاستقبال و التوجيه ، حيث يتفق معظمهم على أن مستوى الخدمة في القطاعات الخدماتية بالولاية لا يرقى إلى المستوى المطلوب، بسبب نقص تكوين المستخدمين أو عدم تخصصهم كما ذهب إليه البعض .
بالمقابل تؤكد العديد من الفتيات العاملات بهذا المجال و غالبيتهن ذوات مستوى جامعي بينهن حاملات لشهادة الماستر في اللغات الأجنبية ، وتتمتعن بمظهر جذاب و مستوى جمالي جد مقبول ، بأن المشكل الأساسي يكمن في طبيعة الزبون بحد ذاته ، بالإضافة إلى ما يفرضه عليهن أرباب العمل من تنازلات تتعلق بطريقة جذب الزبون و إقناعه بالدفع مقابل السلعة آو الخدمة . ما عكس نظرة اجتماعية سلبية لطبيعة النشاط في هذا المجال و صعب ظروف العمل فيه . وأوضحت اللواتي تحدثن إلى النصر بـأن بعض الزبائن يتمادون أحيانا أو يتعمدون إساءة فهم أسلوب المجاملة الذي تفرضه طبيعة العمل ، كما أوضحت نريمان مضيفة استقبال بأحد فنادق وسط المدينة.
محدثتنا ، أشارت إلى أن العمل يتطلب منها المحافظة على هدوئها بشكل دائم ، فضلا عن استيعاب كافة أنواع الزبائن وهو أمر صعب أحيانا ، خصوصا في حال التعامل مع فئة الزبائن المتطلبين .
تقول « أحيانا كثيرة أفقد السيطرة واضطر للتعامل بصرامة مع الزبائن بسبب تجاوزاتهم». لكن أحيانا أخرى أجد نفسي في مواقف محرجة ، لأن قطاع الفندقة يضعك في احتكاك مباشر مع أشخاص من مستويات أخلاقية مختلفة . و هنا نضطر للاحتمال و التغاضي خوفا من رد فعل المسؤول المباشر، وهو ما ينعكس سلبا على نوعية الخدمة التي نقدمها«.
من جهتها تضيف أسماء خريجة معهد الفنون الجميلة ، بأنها اضطرت لطلب التحويل من قسم الاستقبال على مستوى الفندق أين تعمل ، نحو المطعم ، بسبب عدم قدرتها على التعامل مع الزبائن خصوصا الأجانب ، وذلك بالرغم من أن إدارة الفندق تصر على برمجة ورشات تكوينية متواصلة لكافة موظفيها ، كما قالت . غير أن الاحتكاك المباشر مع الزبائن يبقى من أصعب الوظائف التي تتطلب شخصية اجتماعية بالدرجة الأولى وهو ما لا يتوفر في الجميع على حد تعبيرها. في واحدة من وكالات بيع السيارات ذات علامة فرنسية على مستوى المنطقة الصناعية بالما، التقينا بأحلام ، ليسانس إعلام و اتصال ، تعمل على مستوى شباك الاستقبال و التوجيه منذ قرابة الستة أشهر، أوضحت لنا بأنها قدمت طلبا بتحويلها نحو شباك داخلي لتجنب التعامل المباشر مع الزبائن، وفي حال قوبل طلبها بالرفض فإنها تفكر في ترك الوظيفة . و السبب حسبها هو أن طبيعة تكوينها الجامعي لم تساعدها على خوض تجربة التسويق ، إذ تعجز عن التعامل مع الزبائن بالشكل المطلوب ما يجعلها موضع تأنيب دائم من قبل رب العمل .
نفس الموقف ذهبت إليه كل من آية و كذا محمد اللذان يعملان في قسم المبيعات على مستوى وكالة سيارات كورية . يعترفان بأن العمل في هذا المجال يتطلب تكوينا نوعيا من أجل تحسين الخدمة المقدمة للزبون و رفع المردود الشخصي من جهة ثانية.
غير أن غالبية العاملين في القطاع الخدماتي و بالأخص وكالات السيارات حسبهم ، لا يتمتعون بالمستوى المطلوب سواء من ناحية التواصل ، أو منهجية التعامل ، وحتى فيما يتعلق بآليات التسويق و أساليبه العصرية ، إذ يعتمدون بالدرجة الأولى على الفطرة . فبالنسبة لجل العاملين في هذا المجال هو مجرد محطة أو وظيفة مؤقتة إلى غاية تحصيل عمل قار في مجال تخصصهم .
مشكل تدني الأجور في قطاع الخدمات طرح أيضا كأحد العوامل المؤثرة على مردودية العاملين فيه، على اعتبار أن غالبيتهم موظفون عن طريق الشبكة التشغيل « أنام» ، و يتقاضون أجورا تتراوح بين 20 ألف إلى 25 ألف دج، وهو الوضع الذي لا يحفزهم كما عبروا على بذل مجهود إضافي أثناء التعامل مع الزبون ، كما لا يجدبهم إلى الاهتمام بالوظيفة في حد ذاتها.
ما عدا خلال فترات الذروة التي تتزامن مع رأس السنة أو فترات التخفيضات و العروض، حيث يتلقون علاوات إضافية قد تصل أحيانا إلى 30 ألف دج ، تحدد قدرتهم إلى جلب أكبر عدد من الزبائن و رفع مستوى المبيعات.
مع ذلك يبقى قطاع الخدمات من بين أكثر القطاعات التي تقدم خدمة عمومية مقبولة مقارنة بقطاعات أخرى، بالنظر لطبيعته كمجال يتحكم به الخواص.
ن/ط
ترى الأستاذة خيرة مرسلاب ( أخصائية علم الاجتماع التربوي بالمدرسة العليا للرياضة و تكنولوجياتها و مديرة مركز أمانات للتطوير و الاستشارة التربوية و النفسية ) ، أن من يعملون في مناصب تتعلق بالخدمة العمومية في الجزائر بعيدين كل البعد عن المستوى المطلوب.
المتحدثة ترى أن المسؤولية مشتركة بين الموظف و المواطن في كثير من الأحيان، غير أن تحسنا يلوح بالأفق بفضل موظفين قالت بأنهم باتوا يلجؤون للتكوين في مجال فن التواصل لأجل الوصول إلى تقديم خدمة في المستوى.
الأخصائية لا تعتبر الموظف المسؤول الوحيد عن سوء الخدمة ، و حملت بعض المواطنين سببا في جزء من حالات الاحتقان و المشادات و حتى الشجارات بين الموظفين أو الباعة و الزبون ، مرجعة كل ذلك إلى ما أسمته بالنقص في التنشئة الاجتماعية و انعدام الأخلاق بالدرجة الأولى، التي تعتبر الأسرة أساسها.
أما ظاهرة القلق التي باتت متفشية بشكل وصفته بالرهيب في العصر الحالي، ربطتها المتحدثة بالضغوطات الناتجة عن التطور التكنولوجي، وضغوط الوقت ، و كذا حب المال و عدة عوامل متداخلة في كل النواحي . عصر السرعة ، كما تقول ، أنتج أفرادا لا يتقنون كما هائلا من الممارسات ، ما أنتج ضغطا يزرع عدم الثقة بالنفس و نقصا في تقييم الذات ، ويعطي في النهاية فردا دائم التوتر يرمي بطاقته السلبية على من يقصده مهما كان منصبه ، ليصبح فردا لا يتحلى باللباقة و لا يحسن الاستقبال ، وكل هذا يعود بالسلب على جسم الفرد.
مشكل التكوين أيضا كان من بين العوامل التي عددتها محدثتنا حول سوء الخدمة العمومية في بلادنا ، فهي ترى في أنه أساس كل خدمة جيدة ، خاصة بالنسبة لمن يتقلدون مناصب في الواجهة يكون تعاملهم مع المواطن بشكل مباشر. التكوين بالنسبة إليها في مجال فن التواصل ، كما أن الابتسامة لها أهميتها في ترك انطباع جيد عن المكان الذي يعمل فيه الموظف ، فهي أكثر من ضرورية و إلا فإن صورة المؤسسة أو مكان العمل سيهتز لدى المواطن ، فضلا على أن ذلك يؤثر لا محالة في القدرة على الإنتاجية حتى و لو كان المكان بلدية أو مستشفى.
و كشفت المستشارة التربوية عن تسجيل تحسن قالت بأنه يبعث الأمل في تطوير الخدمة العمومية في الجزائر. حيث تحدثت عن مجموعة من الموظفين يتعاملون بحكم وظائفهم بشكل مباشر مع المواطنين، باتوا يقصدون التكوين في مجال فن التواصل مع الآخرين، بحسب ما تكشفه تجربتها في إدارة مركز التطوير الخاص بالتنمية البشرية ، و هي الفئات التي تعمل في مجال الاستقبال على مستوى مؤسسات اقتصادية و شركات اتصال و مجالات أخرى . بعض هؤلاء فكروا أحيانا في تغيير المنصب هروبا من المضايقات و الضغوطات التي يتعرضون لها بشكل يومي في تعاملاتهم مع الزبائن و المواطنين . و هم اليوم كما قالت يخضعون لفترة تكوينية قبل العودة إلى العمل بنفس جديد من شأنه أن يساعدهم في تأدية مهامهم بشكل جيد ترضيهم و ترضي الزبون في آن واحد.
و دعت الأستاذة مرسلاب في نهاية حديثها إلى ضرورة إخضاع كل من يتقلد منصبا يتعلق بالخدمة العمومية إلى الفحص التوجيهي النفسي و التقني، مع تزويد كل المؤسسات مهما كان نشاطها بأخصائيين في علم الاجتماع و علم النفس لتلقين الموظفين فنيات التواصل مع الأفراد باعتباره أساس العلاقات الإنسانية في المجتمع . ناصحة في الأخير كل من يعاني من القلق و قلة الصبر بألا يكونوا في الواجهة.
إ.زياري
حملت الأخصائية النفسانية شامة بن زيتوني ، الموظف الجزائري المسؤولية في تدني مستوى الخدمة العمومية المقدمة ، و اعتبرت بأن الشعب الجزائري عصبي، بإمكانه التخلص من ذلك عبر التكوين و إدراج مادة علم نفس التعامل في المقررات التعليمية.
المختصة التي اعتبرت المجتمع الجزائري بعيدا بنسبة كبيرة عن المستوى المطلوب في مجال الخدمة العمومية ، قالت بأن الموظف هو المسؤول عنها بالدرجة الأولى . وإعتبرت أن 70 في المائة من الموظفين عبر مختلف القطاعات العامة منها و الخاصة ، هم المتسببون في الوضع.
السيدة بن زيتوني إعتبرت أن غالبية الجزائريين سواء كانوا من الموظفين أو المواطن البسيط الذي يطلب الخدمة ، يعيشون على الأعصاب . وأرجعت ذلك إلى سلسلة عوامل ربطتها بضغوطات المجتمع ، وأساسا ما يرتبط بالظروف المعيشية للموظفين المكلفين بتأدية خدمة عمومية ما . فالتاجر مثلا في نظرها يعاني من كثرة الزبائن الذين يزورونه و يرهقونه دون شراء أي غرض. فيما يشكو عدد كبير من الموظفين من كثرة الأعمال التي يقابلها أجر زهيد لا يعكس حجم الجهد المبذول ، ضاربة المثل بموظفي الاستقبالات الذين ينشط أغلبهم في مناصب غير دائمة ، ما يجعلهم يرون أنفسهم مظلومين و مهضومي الحقوق . هذا بالإضافة إلى كون التركيز لدى الموظف الجزائري لا ينصب إلا على الراتب ، مع عدم إيلاء الاهتمام الكافي لما يجب تقديمه مقابل ذلك.
المختصة وصفت بعض الحالات بالضحايا ، خاصة و أن ما سبق ذكره يؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية و التي تنعكس في التعامل مع الآخرين ، محملة أغلب المكلفين بالخدمة العمومية مسؤولية ما إعتبرته تدن لمستوى الخدمة العمومية في الجزائر. و هي الشريحة التي قالت بأنها تفتقر للتكوين في مجال التعامل . لذلك فهي تدعو لحتمية إدراجه ضمن برامج التكوين عبر كافة المؤسسات باختلاف تخصصاتها.
و شددت النفسانية لأجل تحسين المستوى، على ضرورة أن تدرج أيضا مادة علم النفس تعامل في مختلف الأطوار التعليمية باعتبارها أهم مادة من شأنها أن تعرف الفرد بطرق التعامل مع مختلف الفئات و مع مختلف شرائح المجتمع، معتبرة بأن الموظف الذي يكلف بتقديم خدمة عمومية للمواطن لا بد عليه و أن يكون أهلا لإتقانها عبر التمكن من امتصاص غضب المواطن، تحمل وقاحته، تقدير جهله، و إيصاله إلى الهدف المرجو مع ترك انطباع جيد لدى المواطن عبر ابتسامة تشجع على العودة إلى ذات المكان مرة أخرى و ليس العكس كما هو شائع لدينا.
و أكدت محدثتنا من جانب آخر بأن سجلات الملاحظة بالنسبة للمواطن عبر مختلف المؤسسات و المراكز، لا بد و أن تكون موجودة، و تراعى فيها الدقة في الكتابة مع تحديد التواريخ و إيصال الشكاوي إلى المسؤول بنزاهة، هذا الأخير الذي قالت بأنه مطالب بالرد عليها جميعها و تجسيد ما يطمح إليه المواطن مادام يصب في الصالح العام.
إ.زياري