الإعـلام الحـرّ و الـمسؤول شـريكٌ أساسـي لبناء دَعائم الجزائـر الجديدة
يتّجِه قطاعُ الإعلام والاتّصال في الجَزائر تدريجيًّا لتَفعِيل دَور الإعلام وجَعلِه شريكًا أسَاسيّا فِي بِناء أسَاسَاتِ الجَزائِر الجَديدة، التي رافع من أجل تَجسِيد مَبادئِها رَئيس الجُمهُوريّة عَبد المَجيد تبّون، مِن خلال سَعي القَائِمين عَليه لإحْدَاث ثَورَة تَغييرَات تَستهدِف مَجَالات مُختلِفة في مَيدَان الإعلام والاتّصَال، يتم مِن خِلالها العَمل عَلى إِحدَاث القَطِيعة مَع مُمارَسَات المَاضِي، وضَبط عَقارب السّاعَة لمُرافَقة وَاقِع بَدأت آثاره تتّضِح في المَحطات الأولَى لبِناء الجَزائر الجَديدة، وَدَعت وِزارة الاتّصال فِي عَديد المُناسَبات القائمِين على تَسيير المُؤسسات الإعلاميّة والمنصّات الإلكترونية عَلى اختِلافِها للتقيّد بمُعادلة «الإعلام الحُرِّ والمَسؤول» وفَتحَت فِي المُقابل عَديد الوَرشات التي لا تزال قائمة بإشراك جَميع الفَاعلين بُغية سَنّ مَراسِيم وقَوانِين جَدِيدةٍ وإدخَال تَعْدِيلاتٍ عَلى أُخرى.
* تقرير: أَحمد ذِيب
وعَرفَ قِطَاع الإعلام فِي الجَزائر خلال الفِترة الأخِيرة توجُّه القائمين عَليه لفَتح عَديد الوَرشَات، والتي يُرَاد بِها العَملُ عَلى تَجاوُز عَثراتِ المَاضِي بتدارُكِ مَا فَات، والالتِفاتِ لِمَا هُو قَادمٌ وآتٍ، وأشرَكَت وِزارَة الاتّصَال مِن أجلِ إضْفَاء شَفافِيةٍ أكبَر على العَمَل الذي تَقوم بِه لإعَادة قِطاع الإعلام للسِكّة الصّحِيحة كُلّ الشّركَاء سعيًا مِنهَا لوَضعِ آلياتٍ ومِيكانِيزمَاتٍ لمُمارسَةٍ إعلاميّة تَحترِم آدابَ وأخْلاقِياتَ المِهنَة وتُجنِّب مُمارسِيهَا عَدِيد الانحِرَافات التي تمّ رَصدُها، وشَرعت وِزَارَة الاتّصَال مُنذ شَهر فِيفرِي من السّنة المَاضِية فِي إطْلاقِ وَرشَاتٍ مُختلفَةٍ تَهدِف أسَاسًا لإصلاحِ قِطاعِ الإعلامِ والاتّصَال بِالجَزائِر بِالارتِقاء بمِهَنيّي القِطَاع نَحو واقِع يُمَكنّهم مِن مُمارسَةٍ إعلاميّةٍ حُرّةٍ ومسؤولةٍ في آنٍ واحِدٍ، على غِرار وَرشَة الصّحَافة الإلكترُونيّة التّي تمّ مِن خِلالِها رصدُ جَميع مَشاكِل وَنقائِص المُمَارسَة الإعلاميّة الإلكترُونيّة فِي الجَزائِر.
كَمَا أطلقت الوِزارَة وَرشَةً حَول مَوضُوع التّوفيق بين الحُرّية والمَسؤوليّة في المُمارسَة الإعلامِيّة مِن خِلال يوم تكوِيني تحت عُنوان «إجمَاع مَفاهِيمي مِن أجل مُمارسَة هَادئة لحُرّية الصّحَافة»، فِي الوَقت الذي تطرّقت ورشة أخرى لمِحوَر ضَمان الحَق في المَعلومَة في إطار تَعدُّدي وأَخلَقة المُمَارسَة الصّحُفيّة، وتطرّقت إحدَى الوَرشَات لوَاقِع الاتّصَال الرّقمِي وحَتميّة الانتِقال له، إلى جَانب تخصِيص ورشَةٍ للاتّصَال المُؤسسَاتي وكذا التطرق لمِحوَر تعزِيزِ التّكوِين والتأهِيل الذي كَان مِحورَ إحدَى الوَرشات.
ترسَانة قانونية يتم من خلالها السّعي لتكريسِ إعلامٍ حُرٍّ ومَسؤول
تَضبِطُ المَشهدَ الإعلامِيِّ اليَومَ قَوانِين ومَراسيم تنفيذية، تم إقرارُها وسنُّها في سَنوات خَلت، غير أن تسجيل بَعض الاختلالات في المُمارسة الإعلاميّة دفع الوِزارة الوصيّة للشُّروع من خلال الورشات المفتوحة في وَضع أرضيّة قانونية صَلبة ومَتينة، مِن شأنها جعل المُمارسة الإعلاميّة تُمارَس في كنف الحُرّية والمَسؤولية، فإلى جانب القانُون العُضوي رقم 05/12 المحرّر سنة 2021 المُتعلق بالإعلام، تم سنة 2014 سنُّ قانون يُحدّد معالم النشاط السّمعي البصري، ولو أن القانونين صَاحبَهما فَراغٌ في عَديد الجَوانب التي من شأن مُراجَعتها دَفعُ مِهنيّي قِطاع الإعلام لالتزَام الحِيَّاد واحتِرام أخلاقيّات مهنة الصّحافة والتقيّد بمُعادلة الحرّية والمَسؤولية، وعَرفت نهاية شهر أفريل من سنة 2014 تحديد تشكيلة اللّجنة المُكلفة بتسليم بطاقة الصّحفي المُحترف، وضبط بعض آليات الخُروج بالصّحافة لعالم الاحتراف، أين تلاها مطلع شهر جويلية من سنة 2015 إصدار قرار إنشاء اللجنة المكلفة بتحديد صِفة الصّحفي المُحترف، وتم شهر أوت من سنة 2016 اعتماد مرسوم يتضمن دفتر الشروط العامة الذي يحدّد ويَضبِط القَواعد المَفروضة على خِدمة البثّ الإذاعِي أو التلفزي، كمَا صدر شهر أوت من سنة 2016 كذلك مَرسُوم تنفيذي يحدّد شُروط وكيفيات تنفيذ الإعلان عن الترشّح لمنحة خِدمة اتصال سَمعي بصري موضوعاتي، كما صَدر مرسوم في التاريخ نفسه يحدّد مبلغ وكيفيات دفع المقابل المَالي المُرتبط برُخصة إنشاء خِدمة اتّصَال سَمعي بَصري مَوضُوعاتي.
أولُّ مَرسُوم تنفيذِي مُخصّص لنشَاط الإعلام عَلى الإنترنت
يُعتبر المَرسُوم الذي يضبِط المُمارسَة الإعلاميّة على الفضَاء السيبراني، أولَّ مَرسُوم تنفيذي يُحدّد كيفيات مُمارسَة نشَاط الإعلام عبر الإنترنت وطُرق نَشر الرَّد أو التصحِيح عبر الموقع الإلكتروني، ويَهدف المشرُوع بحسب ما كشفت عنه مَصَالح الوزارة الأولى في وَقتٍ سَابقٍ إلى تطبيق الأحكَام التشريعيّة للقانون 05/12 المحرّر سنة 2012 المُتعلق بالإعلام، ويتم من خلالها السعي لتأطير الصّحافة المَكتُوبة الإلكترُونيّة وتوطين استضَافتها على الصّعيد القانُوني، بهدف مواكبة التطوّر السّرِيع الذي يشهدُه هذا الجَانب الهَام مِن الصّحافة الوطنية.
ويأتي النّص التنظيمِي كامتداد لنصّ المَادتين 66 و113 من القانون العُضوي للإعلام ويَهدِف إلى وَضْع الصّحافة الإلكترُونيّة المَكتوبة في مَسار يتوافق وأهداف القانون، ويَمنح نصُّ المَرسوم للمُتصفّح الحرّية في الوُصول إلى الصّحافة الإلكترونيّة بشكل مُتواصل، وألّحت الوِزارَة الوصيّة على ضرُورة أن يكون توطِين هذه المواقع بالجزائر بتأطيرٍ من مَركز البحث في الإعلام العِلمي والتقني، وفي سِياق ذي صِلة كان رئيس الجُمهوريّة عبد المَجيد تبُّون قد أمَر بتحضير النّصوص القانونية لإنشاء قُطب جَزائي مُكلف بمحارَبة الجَرائم السِّيبرانية، طبقًا لِمَا تقرّر في اجتماع المَجلس الأعلى للأمن مَع العَمل على تحسين طُرق وآليات التواصل مع المُواطن في كل المَجالات وجعله أولويّة العمَل الحُكومي بما يُمَكِّن مِن اتخاذ القرَارَات المُلائمة لإيجاد الحُلول لمشَاكِله وانشغالاته.
نحوَ إدخَال تعدِيلاَت لتنظِيم نشَاط السّمعِي البَصرِي
ورَافع وزيرُ الاتّصَال عمَّار بلحِيمر عدِيد المرّاتِ لصالح التعدِيلات الجاري إدخالها على قانون السمعي البصري، مُعتبرًا إيّاه بالقانون الذي مِن شأنه المُساهمة في ترقية صُورة وصوت الجزائر داخل الوطن وخارجه، مُشيرا إلى أهمية إيجاد الميكانيزمات القانونية التي تمكّن الدولة من الاضطلاع بمهامها كاملة في مجال ضبط وتنظيم القطاع، ويرمي القانون إجمَالا إلى إيجَاد مُناخ مُنظم ومُحفز لنشاطات السّمعي البَصري في القطاعين العُمومي والخاص، من شأنه المُساهمة في ترقية صُورة وصوت الجزائر داخل الوطن وخارجه، وأشار الوزير في عديد المحطات إلى ضرورة الاسترشاد بقيم المُواطنة والمسؤولية الذاتيّة التي تعدُّ من الضّمانات الأسَاسية لتطوير المشهد الإعلامي وجعله أداة فعالة لتعزيز مُقومات الأمّة ومُواجهة ما تتعرّض له من هجمَاتٍ مُمنهجة، خاصّة عبر الشّبكة الإلكترونيّة، وتمّ الشّروع في إعدَاد قانون السّمعي البصري للحدّ من التّجاوزات والمُخالفَات القانونيّة والمهنيّة المسجّلة، وتسعى وِزارة الإعلام من خِلال قانون السّمعي البَصري لفرضِ نَوعَين من دفَاتر الشّروط، يتضمّن الأوّل دفترًا للشّروطِ العامّة ويحدّد القَواعِد المفروضَة على خدمات البثّ السّمعي البصري، والثاني يتضمّن دفترًا للشّروط الخاصّة ويُحدّد العَلاقة التعَاقدِية بين سُلطة الضّبط وبين مؤسّسات البَرامج الخاصة، ولا يُعتبَر إجرَاء اعتِماد دَفتر الشّروط ردعيًّا بقدر مَا يعوّل عليه للمساهمة في تعزيز احترام الحُرّيات الأساسيّة على غرار حرّية التعبير وحُقوق الإنسَان ومتطلبات التسيير الديمقراطي للمُجتمع، ويَضبِط في المُقابل الالتزامَات الأخلاقيّة في مجال المُعالجة المِهنيّة للإعلام والبرمجة وبثّ مضامين ومُصنفات ثقافية والخُضوع لمُراقبة السّلطة الوطنيّة المستقلة لضبط السّمعي البصَري وتطبيق توصياتها.
مؤسّسات إعلاميّة ركّزت على الحُرّية وهمّشت المَسؤوليّة
شهدت السّاحة الإعلاميّة بالجزائِر مؤخرًّا عَديد التجَاوُزات المُمارسة من طرَفِ بَعض المؤسَّسات الإعلاميّة، التي توجّهَ القائِمون عليها للحرّية في العَمل الإعلامِي، دُون أن يستندوا على المَسؤوليّة التي لم يتحلّوا بها في سَبيل إيصال الرسالة الإعلاميّة الهادفة، ولعلّ آخر تجاوز نقلته عديد المنابر الإلكترونية قضيّة مُدير المَحطة الإذاعيّة بقسنطينة وربط هاته المَنابر ما حصل بأغنية للمطربة فيروز، في الوَقت الذي أطلعتنا الإذاعة الوطنية عبر بيانها على توضيح يُفنّد ما روِّج له فِي غيَاب المَسؤوليّة التي تقتضي التّحقق من مَصادر الخَبر قبل النّشر، وكانت قبل ذلك جريدة قد هزّت الساحة الإعلاميّة بالجزائر بقيامها بحذف صُورة المَسجد الأعظم ضمن المَوكب الجنائزي للرئيس الرّاحل المجاهد عبد العزيز بوتفليقة من الواجهة الأولى لصفحاتها، أين طمست الجريدة منارة المسجد الأعظم الذي يُعتبر أحَد أبرز مَعالم الجزائر الجَديدة ومن رُموز الجزائر المستقلة.
ولم تضع قبلها قناة تلفزيونية مِيكانيزمات وإجراءات تقنية خاصة بحِماية الأطفَال القُصر والأحدَاث خِلال بثّ برامجها، مع بثّها مقطع لحلقة مكرّرة لصور الجريمة الشنعاء المقترفة في حق الشهيد «جمال بن اسماعيل» والذي راح ضحيّة عملٍ موجّه من قبل تنظيم إرهابي، وهو ما شكّل بحسب -بيان الوزارة- انتهاكًا صَارخًا للالتزامات القانونية والأخلاقيّة للقناة، ولأجل ذلك قرّرت سلطة ضبط السّمعي البَصري توقيف القناة عن البثّ لمُدة أسبوع، كما تم كذلك اتخاذ قرَار بالوقف الفَوري والنّهائي لقناة تلفزيونية أخرى بسبب خُروقات مهنيّة تتعلق أساسا بعدم احترام متطلبات الأمن العام، بالإضافة إلى خَرق أحد شُركَاء القناة لقانُون النّشاط السّمعي البَصري القاضي بمَنع شراء أسهم في أكثر من قناة تلفزيونية، إلى جانب المتابعات القضائية وصدور مذكرة توقيف وأمر بالقبض من قبل العدالة الجزائرية في حق الإخوة مالكي ومؤسسي ومسيري القناة.
وقرّرت وِزارة الاتّصال الغَلق النّهائي لقناة تلفزيونية أخرى بسبب عدم استفادتها من الترخيص المُسبق لمُزاوَلة نشاط السّمعِي البَصري في الجزائر، واعتبرَت الوِزارة بأنّ نشاطها خارج الأطر القانونية المعتمدة، وإلى جانب القنوات الجزئرية شهدت الساحة الإعلامية تجاوزات من طرف قنوات أجنبية رُخِّص لهَا طيلة سَنواتٍ بالعمَل بحرّية في الجزائر، وهي التي لم تراع المسؤولية الملقاة على عاتقها، على غرار قناة «العربية» التي سحب اعتمادها نتيجة عدم احترامها لقواعد أخلاقيات المهنة وممارستها للتضليل الإعلامي والتلاعب، وسحبت وزارة الاتصال قبلها اعتماد قناة «فرانس 24» نتيجة لما اعتبرته وزارة الاتصال بالعداء الجليّ والمتكرر لهذه القناة إزاء بلادنا ومؤسساتها وعدم احترامها لقواعد أخلاقيات المهنة وممارستها هي الأخرى للتضليل الاعلامي والتلاعب إضافة إلى العُدوانية المؤكدة ضدّ الجزائر وسبق قرار سحب الاعتماد توجيه إعذار للقناة عبر ممثليها في الجزائر.
* رئيس الاتحاد الوطني للصحفيّين والإعلاميّين الجزائريين قديري مصباح
تدارُك الفَراغَات القانونيّة من خِلال وَرشاتِ الإصلاح سَيجعَلُ المِهنة حُرّةً ومَسؤُولَة
يَرى رَئيسُ الاتّحاد الوَطني للصّحفيّين والإعلاميّين الجَزائريين قديري مصباح، بأن وِزارةَ الإعلاَم والاتّصال تَهدِف مِن خِلال ورَشاتِها التي فَتحَتها لإصلاَح المنظومَة الإعلاميّة بالجَزائر إلى إرسَاءِ دعَائِم إعلامِ قويٍّ، لا يتأتّى إلاّ مِن خِلال بَسط مُعادلَة الحرّية والمسْؤوليّة عَبر جَميع المُؤسّسات الإعلاميّة.
ويُؤكد رَئيسُ الإتّحادِ الوطنِي في ردّه على أسئلة النّصر، بأنّه كشَريكٍ اجتمَاعِي للوِزارة كانَ حاضِرًا فِي مُختلَف وَرشات الإصْلاحِ التي فَتحهَا القطاع، بدَعوَة مِن وِزارة الاتّصال مِن أجل تقدِيم اقتراحَاتٍ بنّاءةٍ وفَعّالة مُستمِدة مِن نِقاش واسِعٍ ومُستفِيضٍ مع الصّحفيّين والمهنيّين للنهوضِ بالقِطاع الإعلامِي، وثمّن مُحدّثنا هذِه المبادَرة مُشيرا بأنه يُراد بهَا إعطَاءُ وجهٍ مِهنيٍّ عَصرِيٍّ ومُميّز للعَمَل الصّحفيِّ في الجَزائِر، والارتقَاء بِه وتَمكينه من تدارُك الاحترافيّة وهذا راجِعٌ إلى الصُّعوبَات التي بَاتت تؤثر سِلبًا على المِهنَة، نتيجَةَ تَراكُمِ التشابُكات السِياسيّة، والاختِلافَاتِ الأيْدُيولُوجيّة التي فُرضَت على السّاحة الإعلاميّة على مَدار الـ30 سنة المَاضية موعِدُ التعدُديّة الإعلاميّة عَقب دُستُور فِيفرِي 1989، حَيث يتعيّن اليَوم عَلى الجَميع السّعي لانتفائِها وتَرقية جَوانِبها الإيجابيّة في ظلِّ الجَزائر الجَديدة.
وسجّل الإتّحَاد بحسَبِ رئيسِ المَكتبِ الوَطني «فراغات قانونية» فِي قانُون الإعلامِ الصّادر سنة 2012 وكذا قَانُون السّمعِي البصَري لسنَة 2014، جَعله لا يَستوعِب حَالاتٍ وأوضَاعٍ خَاصّة لأسبَابٍ عِدة، منها حداثة تَجرُبةِ التّعدُّدية والانفتَاح الإعلامِي آنَذاك والتطوّرُ الرّهِيبُ الحَاصِل في مَجال التّكنولوجيّات الجَديدَة للإِعْلامِ والاتّصال، الأمر الذي خلق نوعا من الفوضى لاسيما على مستوى قنوات خاصة إلى جانب عدم قابلية تشكيل بعض الآليات كسلطة ضبط الصحافة المكتوبة. ولأجل ذلك رافع الاتحاد من أجل تَفعِيل هَيئات ضَبط الصّحَافة واستشَارتها فِي كلّ القرارات المتعلقة بتنظيم قِطاع الإعلامِ وحقّ الوُصُول إلى مَصدر المَعلومة وهذا كان انشِغالا طالما عَانى مِنه الصّحفي، حيث أصبح للصّحفي اليوم الحق في نشر الأخبَار والأفكار، والصّور والآراء بكل حرِّية، وفي المُقابل يرى الاتّحاد أنه لابد من التّفكير فِي إيجَاد صيغٍ لوَقف نَزيف المِهنيين بالقطاع بإحالة مئاتِ العمال على البطالة، بضرُورة وَضعِ آلياتٍ لعَدم تَسريحِ الزّملاء من المُؤسسات الإعلاميّة، داعيًا إلى ضرورة الإسرَاع في إعَادة تفعيل صُندوق دَعم الصّحافة المُجمّد مُنذ سنة 2014.
* عبد الجليل حسناوي أستاذ مساعد بالمدرسة الوطنيّة العليا للصّحافة وعُلوم الإعلام
إذا لم تُمَارس الحرّية الإعلاميّة في إطار المسؤوليّة الاجتماعيّة فستنجرُّ عن ذلك تَجاوُزات
يؤكد الأُسْتاذ بالمَدرسة الوطنيّة للصّحافة وعُلوم الإعلام عبد الجليل حَسناوي، بأن العَديد من مهنيّي قطاع الإعلام بالجزائر فهِموا الحُرّية الإعلاميّة بشكل خاطئ، الأمر الذي باتت تنجرُّ عنه تسجيل خروقات وتجاوزات، وبيّن الأُستاذ في ردّه على استفسارات النصر حول أطروحته لنيل شهادة الدكتورة التي تم إعدادها حول حرّية الإعلام وأخلاقيات المهنة بأن الحرّية الإعلاميّة وجب أن تُمارَس فِي إطار المَسؤُولية الاجتماعيّة، ويُشير المتحدّث بأنّ موضوع الحرّية والمسؤولية في الممارسة الإعلاميّة، من أهمّ المواضيع التي يجب أن تخضعَ لنقاشٍ عميقٍ في الجزائِر وهذا ما ذهَبت إليه الوزارة الوصيّة على الإعلام من خلال ورشَات وندوات تهدِف إلى تسليط الضّوء على واقعِ المُمارَسة الإعلاميّة ومدى ارتباطِها بالمسؤوليّة المهنيّة والاجتماعيّة، مشيرا أنّه وبالعودة إلى حرّية الإعلام في الجزائر نجد أن المُنظمات الدوليّة ترى أن الجزائر تعترف لُغويّا ودُستورِيّا بحرّية الإعلام ولكن في الواقِع الترجمة رديئة ويمكن مُلاحظة ذلك في قوانين تسعى للتقييد أكثر من ضمانها لحرّية أوسع، ويتجلى ذلك أيضا من خلال الممارسة الإعلامية على أرض الواقع.
وهذا لا يُنكر بطبيعة الحَال وُجود ترسَانة قانونيّة في مجال الحرّيات بشكل عام وحرّية الإعلام بشكل خاص، ولكن ما ينقص هو المتابعة الميدانية وتوفير آليات تتيح ممارسة هذا الحق في الميدان، فالقَانون العُضوي للإعلام 2012 رغم كونه جاء في إطَار إصلاحَات دُستوريّة وسِياسيّة، وأرادت السُّلطة السياسيّة جعلَه ضمانة من ضمانات حرّية الرأي والتعبير، وانعكاسًا لنيّتها الحسنة تجاه وسائل الإعلام، إلا أنّ هذا لم يَمنع من اعتباره مقيّدا لحرّية الإعلام في المادة 2 منه التي تضمنّت العديد من الموانع والقيود في وجه العَمل الصّحفِي، وأضاف الأستاذ حسنَاوي بأن الدّراسة الميْدَانيّة التي أجرَاها على عيّنة من الصّحفيّين بينت بأن بعضهم يجْهَلُ المفهُوم الصّحيحَ للحُرّية ويُمارسُونها بشكل خاطئ وهذا ما أدى إلى وُقوعِ العديد من التجاوزَات الأخلاقيّة، فالحرّية الإعلاميّة يجب أن تمارس في إطار المسْؤوليّة الاجتمَاعيّة.
وبحسَبِ الأستَاذ حسْناوي فهُناك مَسألة أخْرى مُهمّة تتعلّق بضرُورة تكوينِ الصّحفيّين في مجَال حرّية الإعلام والمَسؤوليّة الاجتمَاعيّة، لزيَادةِ معَارفهم ومعلومَاتهم بشكلٍ يُمكّنهم من أداء عمَلهم وِفق ضَوابِط وقواعِد مهنيّة تُراعي الجَانب الأخلاقِي للمِهنة والمسؤوليّة تجاه الجُمهور كذلك، ورغم أن القانون العُضوي شدّد على ضرُورة أن تخصِّص المؤسّسات الإعلاميّة جُزءا مِن أرباحها السنوية للتكوين، إلا أنّ أغلبَ المُؤسّساتِ الإعلاميّة لا تلتزِم بذلك، واعتبَر مُحدثنا بأنّ عدمَ احترامِ الصّحفي للمسؤوليّة المهنيّة راجِع إلى تداخُل العدِيد من الأسبابِ المهنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، داعيًا الدّولة إلى ضرُورة توفيرِ المَزيدِ من الآلياتِ والضّمَاناتِ التي تُتيح مُمارسة الحرّية في مَجال عمَلِ وسائل الإعلام، ومن الضّرُوري استحدَاثُ مَجلِسٍ أَعلى لأخلاقيّاتِ المِهنة يَعمَل كضابِطٍ للمهنَة وبصَلاحيّاتٍ واسِعة مع تمتُّعه بالاستقلاليّة المَاديّة والمعنويّة، ويَعمل هذا المَجلس على مُعاقبَة الصّحفيّين الذين لا يحترِمُون أخلاقيّات المِهنة بعُقوبَات تصِل إلى درجَةِ فَصلِهم من العمل، ووَسائِل الإعلامِ بحسَب الأستاذ حَسناوي يجِبُ أن تَفهم جيّدا أهميتها ودَورَها ودرجَةِ تأثيرِها الكَبير فِي المُجتمَع وأن تضْطلع بأدوارٍ أساسيّة وحيَويّة، على أن يكُون كلّ ذلك فِي إطار مُمارسَةِ الحرّية الإيجَابية التِّي تفضِي إلى الالتزَامِ الوَاعِي والمَسؤول تجَاه المُجتَمع والدّولة، وأكّد المُتحدّث بأنّ الباحِثين والأكَاديمِيّين والمِهنيّين اليوم هُم في انتظارِ قانُون الإعلام الجَديد الذي سَيكُون انعكَاسًا للدّستُور الجَديد، ويترّقب الجَميع بأن يَعكِس إرَادة سياسيّة حقيقيّة فِي إصلاَح العمَل الإعلامِي، ودعَا الأستاذ حسنَاوي وسَائِل الإعْلامِ للاهتمَامِ الكبيرِ بالمَسؤوليّة الاجتماعيّة فِي عمَلها وَأن تُمارِس الحُرّية في جَانبها الإيجَابي، فالحُرّية كمَا قال «لها حُدود في كلّ دُول العالم حتى فِي كنَدا والولايات المتحدة الأمريكيّة».
* محمّد مسلم عُضو المكتب الوطني للمجلس الوطني للصحفيين الجزائريين
إعَادة النّظر فِي البُعد التشريعِي الذي يَضبط مِهنة الإعلام سَيُؤسّس لإعلامٍ حُرٍّ ومَسؤُول
يَرى العُضو بالمَكتب الوَطنيّ للمَجلس الوَطني للصّحفيين الجزائريين الإعلامي محمد مسلم، بأن مُراجعة البُعد التشريعي الذي يُنظّم مِهنة الإعلام فِي الجزائر من عَديد الجَوانب سواء تعلق الأمر بقانون الإعلام أو قانون الإشهار الذي لم ير النّور، من شأنه أن يُؤسّس لإعلام يَتمتع بالحرّية والمَسؤولية في آن واحد بَعيدا عن الصعوبات التي تواجهه.
المَجلس الوَطني للصّحفيين الجَزائريين الذي يَرفع شِعار «حرّية واحترافية ومَسؤولية»، هو بحسب عُضو مَكتبه الوَطني وأحَد مُؤسّسيه ورفيق الصّحفي الرّاحل رياض بُوخدشة، مَع كلِّ نصّ قَانُوني يُساهم في حِمَاية الأبعَاد الأساسيّة لحرّية الصّحافة فيما يتعلق بحرّية التّعبير وحرّية الوُصول للمصَادر وعدم مُعاقبة الصّحفيين خلال مُمارسة مَهامهم والقَانون لا يَزال قيد الدِراسة والمَجلس من خلال مُحدثنا سَيعمل على إثراء القَانون بتقديم مُقترحَات بالتنسِيق مع نوّاب البَرلمان بالعمل على إدراج تَعديلات على مُستوى اللجنة المُختصّة بدراسَة القانون، وأضاف محدثنا بأن المجلس يتابع عن كثب وعن قرب وباستمرار هذا المشروع منذ خروجه مِن وزارة الاتّصال إلى الحكومة ثم البرلمان من أجل ترك بصمة المجلس عليه عند المصادقة عليه.
عضو المكتب الوطني للمجلس الوطني للصّحفيين محمد مسلم، يؤكد كذلك بأن الوزارة الوصية فتحت ورشات شملت في البداية محور تنظيم مشهد الإعلام الإلكتروني أين شارك المجلس فيه، وقدم مقترحات وحاليا يتم انتظار تنظيم هذا القطاع الذي يعتبر جديدا والذي هو بحاجة فعلية للتنظيم، ويُضيف محدثنا بأن قانون الإعلام هو مُبادرة من الوزارة ننتظر ترسيمها، أين أشار بأنه اطلع على النسخة الأولية للمشروع، والملاحظ فيه من خلال ما قدّمه المَجلس كمُقترحات مَسألة تمثيل الصّحفيين في الهيئات الإعلامية فالمَجلس يَرى بأن التمثيل يَكون عن طريق انتخابات بدل التعيين لإضفاء شفافية أكبر، وسعي الوزارة لإرساء مبادئ إعلام حرٍّ ومَسؤول مُرتبط بعديد الأبعاد، وفي مُقدمتها البُعد التشرِيعي سَواء قانون الإعلام أو قانُون الإشهَار.
فالإشهَار حاليًّا –بحسب المتحدّث ذاته- يتواجَد في فوضى ولابُدّ من وَضع معايير ضَابطة في شفافية أكبر، حتى يتم تجنب ما يحصل حاليا، والمَجلس يأمل أن يُجسّد قانون الإشهَار، الذي لم يَصدُر حاليا كوثيقة أوليّة، وينتظر صدور هذه الوثيقة لإثرائها من طرف الشّركاء الاجتمَاعيين وكل الفاعلين، ويدعو المَجلس كذلك الوزارة إذا مَا أرادت العَمل على تكريس حقيقي لمَبدأ الحرية والمسؤولية في العَمل الإعلامي، إلى إحَالة قرارات غلق المؤسسات الإعلاميّة من عَدمها لجِهاز العَدالة، مع توجيه إعذارات ومُلاحظات لكلّ وَسيلة إعلاميّة مُخالفة، والتوجّه للعدالة للفَصل في قرار الغلق كآخر مَرحلة تفاديا لأية تأويلات قد تَحدُّ من الحرية وجعلها مُقيّدة.
* الدكتور حجّام الجمعي أستاذ مُحاضر في عُلوم الإعلام والاتّصال جامِعة أم البَواقي
إرسَاءُ دعَائمِ إعلامٍ حُرٍّ ومَسؤولٍ يتَأتّى بالتّصَدّي لحَالةِ الفوضَى
يُشير الأستاذ المُحاضر بجامعة العَربي بن مهيدي بأم البواقي الدكتور حجّام الجمعي، أن الورشات التي فتحتها وزارة الاتصال لمراجعة وسنِّ قوانين ومراسيم جديدة، هدفها الأول إرسَاءُ دعَائِم إعلامٍ حُرٍّ ومَسؤول، يتم به إحدَاث القطيعَةُ مَع مُمارسَات المَاضِي، ووَضع حدٍّ لحَالة الفوضَى التي تسُود قِطاعًا مُهمًّا ومُرافقًا أسَاسِيًّأ لبناء جَزائِر جدِيدة.
وبحَسبِ الدّكتور حجّام الجَمعي فالتّصريحَاتُ الكثيرةِ والمتكرِّرةِ لوزير الاتّصَال تكشفُ عَنْ نيّةٍ في اعتِمادِ مقارباتٍ جَديدةٍ لإصلاح شامل لقطاع الصّحافة والإعلام، وترتكز هذه المُقاربةُ علَى التصدي لحَالةِ الفَوضى الاتّصَالية المتفاقِمة بشكل خطير ومُرعب، وفي هذا الاتجاه تمّ التّحضير لفتح ورَشات عملٍ تشمل تنظيم الإعْلام الإذاعِي والتلفزيُوني عَبر مُراجعة القانون الخاص بالنّشاط السّمعي البَصري وسَدّ الثغَرات التي تضَمنّها والتي حَالت دُون التّنظيم المُحكَم قانونيّا ومهنيًّا لهذا القِطاع الاستراتيجي، كما يَجري التّحضير لإعداد قانونٍ خاصٍ بالإعْلام الإلكتروني استكمَالا لجُهودِ الوِزارة التي سَبق لهَا وأن بَادَرت إلى إصْدار مرسُومٍ تنفيذيٍّ يتعلّق بتنظِيم مُمارسَة الإعْلام عَلى الإنتَرنت شهر ديسمبر المُنقضي، وهو خُطوة يرَاها مُحدّثنا مُهمة لتنظِيم الفضَاء الاتّصالي الإلكترُونِي الذي يُعتبر من أهم حُصون الأمن السّيبراني الوطنيّ، كمَا تبحث وِزارة الاتّصال مع الشّركاء من الأكَاديميين والمِهنيين لمُراجَعة الاختلالات المَوجودة فِي القانون العُضوي المتعلق بالإعلام، لإرسَاء أرضيّة تشريعيّة مِن شأن تطبيقِهَا الصّارم بعثُ رُوحٍ مهنيّةٍ لإعلام يَعيش حَالة أزمَة مُتعدّدة الأبعَاد، ويُعتبر الإشهَار بحسَبِ الدّكتور حجّام من الفَضاءاتِ الاتّصاليّةِ التي تَغرق فِي الفَوضى بسبَب الفَراغ القانوني وبالتّالي تَعكِف الوِزارة الوَصيّة على تفكِيك ألغَام هذا الحَقل الحيَويّ للصّحافَة والإعلام خاصة وأنّه ظل محلّ نقد من الأكاديميّين والمهنيّين، ومحلّ احتجَاج من الناشرين بسبب غيَاب معَاييرٍ دقيقَة وواضِحة لتوزيعِ الإشْهارِ العُمومِي على المؤسّسات الصّحفيّة والإعلاميّة، فباتَ إصدَارُ قَانون خاصٍّ بالإشهار من الأولوياتِ القُصوَى لمُرافقة جُهود الإصلاح لفضَائنا الإعلامِي والاتصالي، خاصّة وأن عَالمنَا اليوم يَقترنُ الوُجودُ فيهِ ببنَاءِ منظومَةٍ اتّصاليّةٍ ذكيّةٍ وقويّة، رَأسُمالهَا الحقيقِي المِهنيّة والمِصداقيّة.
وأضاف المتحدّث بأن إصرَارَ وزِيرِ الاتّصال الحَالي عمّار بلحِيمر على ضرُورة أخلقة المُمارسَة الصُّحفيّة والإعلاميّة وذلك بالحرص على الإستمرار في تكوين الصحفيين، والسعي لتنصيب المجلس الأعلى لأخلاقيّات المهنة كآلية للضّبط الذاتي وتقليصِ حِدّة التّجاوُزات التي يَقعُ فيهَا الصّحفيّين وتتورّطُ فيها المُؤسّسات الإعلاميّة، مُشيرًا بأن الخُروقات التي تمسّ أخْلاقيات ومَعايير المِهنة الصّحفية باتت مقلقة، بل وتشكّل خَطرًا على مُؤسسات الدّولَة والنّسيج الاجتمَاعي، ممّا يستدعي كَبحَ هذا الجُنوح نَحوَ العَبثيّة والعَدميّة والتأسِيس لإعلامٍ حرٍّ ومَسؤولٍ ومُدركٍ لحَجمِ التّحدّيَات التي تنتظر الجزائر والجزائريين، وهذا يقتضِي طبعًا تحرير الحرّية من الشعبوية وتكريسِها لتحرير الوَعي الفرديّ والجَماعِي والانخرَاط بكلّ إخلاصٍ في بنَاء الجَزائر.