الجمعة 20 سبتمبر 2024 الموافق لـ 16 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

المجاهد صالح بوزيدي الشاهد المتبقي على العملية يتحدث للنصر: تدمير مركز معافة والقضاء على 40 عسكريا فرنسيا ضربة لم تتوقعها فرنسا

يعد المجاهد صالح بوزيدي، الشاهد الوحيد المتبقي على معركة اقتحام، وتدمير مركز الجيش الفرنسي إبان الثورة التحريرية ليلة 30 ماي 1956 بمنطقة معافة جنوب ولاية باتنة، بالقرية التي أصبحت تحمل اسم الشهيد مسعود مذكور، وتعد عملية الاقتحام وتدمير المركز من أبرز المعارك التي خاضها جيش التحرير ضد المستعمر الفرنسي، الذي لم يتوقع جرأة وقوة جيش التحرير بعد أن تكبدت قوات المستعمر سقوط 40 عسكريا فرنسيا بينهم ضابط، وتحرير 19 جنديا جزائريا من المجندين إجباريا في صفوف الجيش الفرنسي، ناهيك عما تم جمعه من غنيمة لأزيد من مائة قطعة سلاح وذخيرة، وكان فوج جيش التحرير المنفذ للعملية المكون من 31 مجاهدا قد استشهد منهم أربعة أفراد، حسبما ما رواه لنا المجاهد صالح بوزيدي، أحد المشاركين في الهجوم، مشيرا إلى أن العملية شارك فيها فدائيون ومسبلون وأهالي المنطقة.     

روبورتاج: يـاسين عـبوبو 

الهجوم على مركز معافة تصدر صحف فرنسية وصدحت به إذاعة العرب
تحتفظ ذاكرة المجاهد صالح بوزيدي بتفاصيل الهجوم على مركز الجيش الفرنسي بمنطقة معافة، حيث وفي لقائنا به بمكان الموقعة بمناسبة إحياء الذكرى التاريخية لتدمير مركز الجيش الفرنسي، راح يصف لنا كل جزئيات العمل البطولي الذي قام به رفقة إخوانه من المجاهدين، وكان وهو يروي تلك التفاصيل و يتفاعل معها بجانبيها، جانب الانتصار ونشوته وكذا الأسى الذي خلفه  فقدان رفاق وكذا انتقام الاستعمار من سكان القرى المجاورة ، بعد تدمير المركز والقضاء على 40 عسكريا فرنسيا بينهم ضابط، وتحرير جزائريين من المجندين إجباريا بقوات المستعمر ليلتحقوا بعدها بجيش التحرير.
هول الخسائر التي لحقت بالعدو،  بعد تدمير المركز نهائيا، وحرقه والقضاء على 40 عسكريا فرنسيا، وتحرير 19 مجندا جزائريا بالجيش الفرنسي، فضلا عن الغنائم الحربية التي تمثلت في قطعتي مدفع هاون، وثلاث رشاشات و100 قطعة سلاح نوع فيزي ماط 49 ، جعل الخبر يتصدر وسائل إعلام بينها الصحف الفرنسية، كما صدحت إذاعة العرب بما حققه المجاهدون في الهجوم على مركز العدو الفرنسي بمعافة، فكان بذلك جيش التحرير، قد وجه صفعة وضربة موجعة للمستعمر الفرنسي، بصدى العملية، خاصة وأفي وقت كان يريد فيه  تشديد الخناق على الثورة بالأوراس.
وبالنسبة لعمي صالح بوزيدي ابن منطقة معافة، فقد التحق بالثورة التحريرية العام 1955 وهو في عز شبابه وكان أصغر المجاهدين المنفذين لعملية الهجوم على مركز معافة، ويروي لنا عديد المحطات في مسيرته الحافلة بالبطولات من إقدام وشجاعة وروح تضحية في سبيل الوطن، ويقول بأنه قبل التحاقه لم يكن مناضلا غير أن تأمله ورصده لحركة أفراد جيش التحرير بقريته آنذاك، جعلته هو ورفيقه بالقرية لزهاري مدور الذي استشهد فيما بعد يلتحقان بصفوف جيش التحرير.
وقال المجاهد صالح بوزيدي، بأنه قبل التحاقه كان يقوم بمساعدة ابن قريته إبراهيم يحياوي على تقديم ونقل الطعام للمجاهدين بمنزل شقيق صديقه موسى يحياوي بمعافة، وقد التقى حينها بقائد الناحية محمد الشريف بن عكشة، وفور تجنيده تم منحه قطعة سلاح إيطالية الصنع، لينشط ضمن فوج معافة، وظل ينشط بين جبال مولية ومتليلي بالقيام بعمليات ضرب ثم فر وكر ضد المستعمر الفرنسي، إلى غاية تلقيهم لتعليمات بالهجوم على مركز الجيش الفرنسي المتواجد بأعلى ثاقليعث بمعافة.

وأشار عمي صالح خلال تنقلنا للقائه ، بمناسبة إحياء الذكرى التاريخية لتدمير مركز الجيش الفرنسي بمعافة، إلى أن المكان الذي كبر به منذ نعومة أظافره كان مدرسة لتعليم الأطفال، قبل أن تتخذ منه فرنسا مركزا عسكريا لمراقبة تحركات جيش التحرير بعد أن بلغها وصول المجاهدين إلى المنطقة، ويتذكر أن أفراد الجيش كانوا يتسللون وسط الأهالي لأخذ ونقل المؤونة أو الاستعلام مرجعا لعب سكان المنطقة من المدنيين والمسبلين لدور كبير في مساعدة جيش التحرير، وقال بأن جيش التحرير كان يطلب المساعدات في كل مرة وما كان من سكان قريته، إلا تلبية الطلب وقد راح العديد من أترابه من الشبان يلتحقون بالجيش، بينهم الشهيد البطل الذي أخذت القرية تسميته فيما بعد، مسعود مذكور، الذي توفي متأثرا بجراحه البليغة بعد تنفيذ عملية الاقتحام، وسقط في العملية أربعة شهداء هم حسن الجيجلي، وعلي عرعار، والطاهر مهماهي ومسعود بلاندي.
دور العميل المزدوج لمجندين في الجيش الفرنسي مكن من اقتحام المركز
عمي صالح بوزيدي الذي شارك في عديد المعارك، كان ليسقط شهيدا في الهجوم المسلح على مركز الجيش الفرنسي بمعافة، لكن الأجل كما يقول لم يحن ليكتب له أن يعيش ويواصل الجهاد ويشهد على استقلال الجزائر، حيث كان خلال الهجوم على المركز قريبا من الشهادة بعد أن وجد نفسه وجها لوجه مع عسكري فرنسي داخل المركز، قال بأنه أطلق عليه عيار دون أن تخرج الرصاصة ليتشابك معه قبل أن يتمكن من القضاء عليه بعد طلقة ثالثة من السلاح الذي يحمله.
وكانت الخطة المحكمة لهجوم فوج معافة، الذي كان على رأسه المدعو حسين القبايلي أو الجيجلي، وسي صالح زيداني، إلى جانب فدائيين من المنطقة أبرزهم زكور عمر وزكور إسماعيل، قد نجحت بفضل دور العميل المزدوج لمجندين في صفوف الجيش الفرنسي بالمركز والذين التحقوا بجيش التحرير فيما بعد، ويقول عمي الصالح بأن الفوج الذي كان فيه تلقى معلومات من صالح نزار، وهو شهيد قائد ناحية وقبله كان ضابط صف عامل بالجيش الفرنسي بمركز معافة، حيث طلب الأخير رفقة مختار قسمون بالهجوم على المركز ليلا على أن تنطلق العملية بعد سماع كلمة السر، وهي «لهوا نوذرار» والتي تعني بالشاوية هواء الجبل.
وأضاف عمي صالح بأن فوج معافة المكلف بالهجوم كان بجبل ثنية النار، وقد تقدم منهم زكور إسماعيل الذي استشهد لاحقا قادما من عين التوتة وأخبرهم بموعد الهجوم وفق ما حدده صالح نزار(شهيد) ومختار قسمون، وأوضح لهم بأن كلمة السر تعني بأن الأمور هادئة وتسير وفق ما هو مخطط له وفي ذات السياق أشار المجاهد الذي يعد الوحيد الذي هو على قيد الحياة الشاهد على الهجوم، بأن كلا من صالح نزار وقسمون تلقيا بدورهما أوامر الهجوم من المجاهد عمار زكور، وهو صاحب مخبزة بعين التوتة، حيث كان المجاهدان على اتصال به عند جلب الخبز.        ولايزال عمي صالح وقد جبنا معه مكان الهجوم، يتذكر تلك العملية بتفاصيلها ويروي أن صالح نزار قبل استشهاده راح يغني بأعلى صوته مرددا كلمة السر «لهوا نوذرار» معلنا بذلك إمكانية الهجوم، فما كان منه ورفيقه معمر مدور الذي سقط شهيدا هو الأخر في ساحة الوغى، إلا تنفيذ الهجوم بعد التحاق أفراد المجموعة المكونة من 31 فردا، بقي واحد منهم يتولى منصب الحراسة بثنية النار.وأكد المجاهد بأن الخطة في بدايتها، كادت أن لا تنجح بعد أن تفطن جندي حراسة فرنسي لتحرك أفراد جيش التحرير بالبساتين المحيطة بالمركز، وطلب أحد القادة بالتراجع وقال بأن صالح نزار ومختار قسمون دخلا في شجارات مع الجندي الفرنسي، الذي كان قوي البنية ما اضطر حينها صالح نزار لإطلاق وابل من الرصاص عليه، لتتمكن حينها مجموعة جيش التحرير من اقتحام المركز على شكل فرق، وقال المجاهد صالح بوزيدي بأن 14 مجاهدا دخلوا المركز فيما بقي اخرون بمحيطه.وكان المجاهد صالح بوزيدي، ضمن المجاهدين الذين دخلوا حيث تصادف مع جندي فرنسي، وأضاف بأنه في تلك اللحظة خانته بندقيته في إطلاق العيار الناري ما جعله يستنجد بعد أن انقض عليه ذلك الجندي، وقد تدخل مجاهد رفيق لهم في المجموعة ينحدر من بسكرة لمساعدته، ولحسن حظه أن رصاصة خرجت بعد أن ظل ماسكا بسلاحه يضغط على الزناد.
وكانت العملية التي استغرقت حوالي ساعتين من الزمن، قد عرفت تبادلا لإطلاق النار، ويقول المجاهد عمي صالح بأنه بعد أن قضى على الجندي الفرنسي الأول الذي صادفه، واصل اقتحام الأقسام بالمركز حيث وجد بإحدى القاعات 04 عساكر اثنين فرنسيين، واثنين من الجزائريين المجندين إجباريا، وقد طلب منهم تسليمه السلاح فكان له ذلك، وقد أطلق مرة أخرى عيارات نارية على جندي فرنسي، فأصابه فيما ظل الاخر بعيدا عنه، ويقول بأن التعليمات وسط تلك المعركة كانت باستهداف العدو، وقد تحسر عندما وجد المجاهد الذي كان سيساعده، قد سقط وبجانبه جندي فرنسي وهما غارقان في بركة دماء.
وكاد قائد المركز الفرنسي أن يتمكن من طلب الدعم، قبل أن يتفطن له المجاهد عمي صالح، الذي قال بينما كان رفقة مجاهد آخر ينحدر من بريكة شاهد ضابط المركز راح يصيح «لاتطلقوا علي النار فأنا الضابط» ما جعله يطلب من رفيقه التمهل لإصابة الهدف، غير أن الضابط أفلت –يضيف - في شهادته لنا بعد أن راح يجري صوب إحدى الغرف، وقد بادلهم إطلاق النار وكاد يصيبهم، وقد سمعوه يتصل باللاسلكي طالبا النجدة من مركز عين التوتة مرددا «ألو ماكماهو ألو ماكماهو».

وفي تلك الأثناء قال المجاهد الصالح بوزيدي  ما كان منه أن يفعل إلا أن يطلب قنبلة قروناد سريعة الانفجار، من المجاهد مختار قسمون الذي ينحدر من ولاية المسيلة، والذي تولى مهمة رمي القنبلة على الضابط حيث أرداه قتيلا، وأضاف عمي الصالح بأنه تقدم بعدها للضابط لنزع السلاح منه، وقد بدت طلائع النصر بعد ساعتين من الاشتباكات تلوح قبل فجر اليوم الموالي.
هذه وصية مصطفى بن بولعيد بعد فراره من سجن الكدية بقسنطينة
كبدت عملية الاقتحام وتدمير المركز الفرنسي الذي أحرقه أفراد جيش التحرير بعد مغادرتهم، خسائر لم تكن فرنسا لتتوقعها خاصة وأن الهجوم وما تبعه من خسائر بسقوط 40 جنديا فرنسيا فيما استشهد في صفوف جيش التحرير 04 عناصر، سرعان ما تردد صداه عبر وسائل الإعلام الفرنسية وهو انتصار آخر للعملية وللثورة التحريرية، وكان فوج معافة قد أتم العملية بنجاح حسب المجاهد صالح بوزيدي بعد مغادرة المكان وتحرير المجندين إجباريا الذين التحقوا بالثورة.
وكما كان متوقعا فإن القوات الفرنسية، وفي فجر اليوم الموالي من العملية ثارت ثائرتها ولم تجد من طريقة للانتقام، سوى القيام بعمليات عدائية ضد المدنيين العزل من سكان القرى المجاورة لمركز معافة، ويتذكر المجاهد عمي صالح بوزيدي القوات الكبيرة التي حشدتها فرنسا، واصفا تعدادها بالنمل المنتشر في كل الأرجاء بالإضافة للمظليين الذين ينزلون من الطائرات، بعد أن راحوا يرصدون تحركات العساكر الفرنسيين من المرتفعات، مشيرا إلى ان صعوبة تضاريس المنطقة ومعرفتهم لها ساعدهم بشكل كبير على تنفيذ العملية بنجاح، ويتذكر أيضا المجاهد أن التعب كان قد نال منهم بعد أن تولى رفقة كل من معمر مدور وعبد الله مدور فتح الطريق حيث ظلوا مترجلين إلى غاية ليل اليوم الموالي وكان معهم مدنيون هربوا من بطش المستعمر.   
وكشف لنا المجاهد صالح بوزيدي عن التقائه رفقة المجاهدين بالقائد مصطفى بن بولعيد مباشرة بعد فراره من سجن الكدية بقسنطينة، وذلك بمركز جيش التحرير بمنطقة تيبحرين بأريس، أين قامت أفواج المجاهدين باستعراض لتحية القائد بن بولعيد، وقال عمي صالح بوزيدي بأن سي مصطفى بن بولعيد كان يتسم بالتواضع والبساطة، وقد قال لهم مخاطبا « أنا لا أريد الاستعراض والتحية. التحية التي أرغب فيها لما أسمع أنكم صنعتم التاريخ ضد العدو الفرنسي».
المجاهد صالح بوزيدي الذي استقر بمنطقة القنطرة بعد الاستقلال، لا يتوان في تلبية الدعوة لاستحضار معركة الهجوم على المركز الفرنسي بمعافة، مثلما كان لايتوان وهو شاب في تلبية الواجب الوطني ضد العدو المستعمر الفرنسي، حيث يحظى المجاهد باحترام وتقدير أهل القرية، الذين أبوا هذه المرة الاتكريمه عرفانا وتقديرا لتضحياته، وقد بادرت جمعية الحاج بوزيد للأيادي المتآزرة، إلى منحه الرئاسة الشرفية للجمعية التي تقوم بمبادرات خيرية وتضامنية بالمنطقة.                 
ي. ع

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com