الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

المجاهد العربي بلقج يروي شهادته لأول مرة للنصر : إعــدام الشهــيــد رمضــان قـســوم دون محـاكمــة دفـعــنـي إلى الالتحــاق بالجبــل


يؤكد المجاهد العربي بلقج، في الشهادة التي يرويها لأول مرة في حياته حول مساره الثوري، أن اغتيال الشهيد رمضان قسوم بطريقة تعسفية من طرف قوات الاستعمار هو ما دفعه إلى الالتحاق بجيش التحرير رغم أنه لم يبلغ 17 سنة حينها، في حين يروي تفاصيل عمله الثوري واحتكاكه بقادة كبار في الثورة، على غرار بوشريحة بولعراس الذي أهداه مسدسه الشخصي ولخضر بن طوبال والشهيد حملاوي ومسعود بوجريو، فضلا عن المجاهدين الذين احتك بهم خلال عمله كممرض في المستشفيات الميدانية.

حاوره: سامي حباطي
ويقدم المجاهد العربي بلقج، الذي نظم لقاءَنا به متحفُ المجاهد بقسنطينة على هامش ندوة تاريخية حول أحداث 20 أوت 1955، شهادته عما عايشه خلال أحداث 20 أوت 1955، عندما كان يقطن في شارع "بيانفي" المعروف باسم "نهج الثوار" حاليا، الذي بدأ منه نضاله في صفوف جيش التحرير.
ويقول محدثنا المولود يوم 2 أفريل 1940، أنه يتذكر العمليتين اللتين قام بها جيش التحرير داخل مدينة قسنطينة في إطار هجمات الشمال القسنطيني، حيث تم استهداف صيدلي وقتله من طرف جيش التحرير الوطني، بينما أصيب المحامي الشريف بن الحاج السعيد ولم يمت، ليفر بعد ذلك إلى فرنسا ثم يستقر في تونس.
وأشار المجاهد إلى أنه رغم صغر سنه في تلك الفترة، إلا أنه كان يتأثر بهذه الأحداث، حيث قال إن والده توفي عندما كان المجاهد ما يزال صبيا صغيرا، في حين وجد في الشهيد رمضان قسوم، الذي مُنح اسمه اليوم للحديقة المعروفة قديما باسم "غامبيطا"، الأخ الأكبر الذي اعتنى به. وسرد لنا المجاهد بحسرة كبيرة أن الشهيد رمضان قسوم أوقف من طرف القوات الاستعمارية، وتم اغتياله بـ"دم بارد" من طرف مفتش شرطة كان يعرف باسم "الوهراني" في شعب الرصاص، في حين نشرت جريدة "لاديباش دو كونسطونتين"، التي اعتبر أنها كانت أداة للدعاية ولم تكن جريدة إخبارية حقيقية، أن الشهيد قد حاول الفرار واضطرت القوات الفرنسية إلى إطلاق النار عليه.
استوليت على سلاح رشاش من شاحنة للعساكر الفرنسيين
وأضاف محدثنا قائلا "إن هذه الحادثة أثّرت فيا كثيرا فقد فقدت من كنت أعتبره أخي الأكبر، كما أنها وقعت في سياق ما بعد أحداث 20 أوت 1955"، في حين دفعت الحادثة بالمجاهد إلى السعي لربط الاتصال بالمجاهدين من أجل الالتحاق بالثورة، وقد نجح في الأمر بصعوبة، حيث التحق بالخلية الأولى التي كان يرأسها المجاهد يوسف خلاصي إلى جانب عبد الحميد الميلي وعلاوة عشي، مؤكدا أنهم من كانوا مسؤولين على خلية شارع "بيانفي" حينها. وكانت مهام الخلية المذكورة البحث عن الأسلحة والمؤونة لفائدة المجاهدين، حيث اشتغل محدثنا في جمع المؤونة والملابس ومختلف الوسائل الضرورية، لتجمع في مخبزة المجاهد خلاصي وتحول إلى المجاهدين.
وبعد فترة استولى أعضاء الخلية الآخرين على سلاح أحد الموظفين من الجزائريين وفروا إلى الجبال، بينما لم يشارك معهم محدثنا لأنه كان صغيرا في السن، في حين بقي وحده في شارع "بيانفي"، لكنه أصر على ضرورة الالتحاق بالجبل بعد الحصول على سلاح، لتواتيه الفرصة يوم الثامن من جانفي من عام 1957 عندما لاحظ وجود شاحنة عسكرية مركونة بالقرب من معمل "بلمعطي" فاغتنم فرصة وجود سلاح رشاش بداخلها في غياب السائق، فاستولى عليه ولاذ بالفرار.
وأضاف محدثنا ضاحكا أنه بعدما أخفى السلاح، توجه مباشرة إلى السينما، ليعود خلال المساء، لكن أخبار الحادثة كانت قد انتشرت في الحي، فتلقى تعليمة بالتوجه إلى حي أمزيان، أين التقى بالمسؤول المسمى إبراهيم حشاني وظل في المكان 3 أيام في منزل المجاهد الحاج لعويسات، الذي اكتشفته القوات الاستعمارية لاحقا واقتلعت جميع أسنانه خلال التعذيب، فضلا عن حضور الشهيد حملاوي الذي قال عنه عمي العربي "لقد طلب مني منحه سلاحي الرشاش، وحاول ثنيي عن الالتحاق بالجبل لصغر سني، لكنني رفضت وأصررت على الانضمام للمجاهدين".  
وتوجه محدثنا بعد ذلك إلى بني حميدان أين التقى بالشهيد مسعود بوجريو، الذي كان يسمى "مسعود القسنطيني"، وكان معه الشهيد توفيق خزندار، ليلتقي في اليوم الموالي بعمار غوة ويوسف فارح والشيخ بوشريحة بولعراس، حيث استقبل بترحيب كبير، ليحول إلى وحدة يرأسها المُسمّى ساعد اللبان في منطقة بني حميدان، في حين وجد محدثنا نفسه إلى جانب عمار قيقاية ورابح ميلاط والمجاهد بوزيان. وقال محدثنا إنه عانى خلال الفترة الأولى من صعوبة المشي وقطع عشرات الكيلومترات يوميا في الأوحال، حيث كان المجاهد بوزيان يحمل عنه السلاح الرشاش بينما يحمل عنه قيقاية جراب الخراطيش، كما أشار إلى أن الوحدة لم تكن تحوز على قطع أسلحة كثيرة، إلى أن جاء مدد بالأسلحة بعد حوالي عشرين يوما.


المجاهد بولعراس أهداني مسدسه الشخصي بعد إصابتي
وبعد حوالي ثلاثة أشهر من القتال في الجبال في المناطق المحيطة ببني حميدان، قامت القوات الاستعمارية يوم 15 مارس 1957 بعملية عسكرية في منطقة أولاد محمد بمحيط القرارم، حيث أصيب فيها عمي العربي بلقج بثلاث رصاصات في ساقه، واستشهد فيها أكثر من 40 مجاهدا، لكن محدثنا يقول "في البداية لم أشعر بساقي، لكن لا أعلم كيف استحضرت وعيي في تلك اللحظة وحركت ساقي فوجدت أنها غير مكسورة، لأدحرج جسدي وأتوارى دون أن ينتبه لي عساكر فرنسا، الذين شاهدتهم وهم يتناولون طعامهم فوق جثث الشهداء". واصل محدثنا مسيره بعد مغادرة الفرنسيين وقال "لم أشعر بالألم بقدر ما شعرت بعطش رهيب...اختفيت بعد ذلك في كوخ مهجور إلى أن عثر علي مجاهدون".
ونقل محدثنا بعد الحادثة المذكورة إلى المنطقة المسماة "المايدة" بالقرب من بني سليمان ليلتقي فيها بالمجاهد لخضر بن طوبال والمجاهد بوشريحة بولعراس، بينما يتذكر محدثنا أنه كان يحتج ويتذمر من بندقيته الإيطالية القديمة التي لم يتمكن من إطلاق النار منها لأنها معطلة، فمنحه المجاهد بولعراس مسدسه الشخصي من أجل تهدئته، حيث ما يزال محدثنا يتذكره ويقول إنه تحفة حقيقية، وهو عبارة عن مسدس ألماني عيار 9 ميليمتر من نوع "بارابيلوم". ونُقل محدثنا إلى منطقة أولاد عربي القريبة من منطقة أولاد مشاط، حيث حمله المسبلون طيلة يومين، في حين يستذكر أنه عولج من طرف المجاهد عزّ الدين بلمبارك وظل حوالي شهرين في عيادة الثورة، التي لم تكن إلا كوخا، حتى استعاد قدرته على المشي مجددا.
وقد وجد محدثنا نفسه منقولا من طرف المجاهدين والقائمين على العيادة في كل مرة إلى الغابة من أجل حمايته من العمليات العسكرية الاستعمارية، فضلا عن تأكيده على أنه لم يشهد وجود جرحى آخرين معه وإنما مرضى، في حين انتقل محدثنا بعد ذلك إلى منطقة "تايراو" التي التقى فيها قادة الولاية الثانية، على غرار لخضر بن طوبال وعلي كافي والدكتور لمين خان مهندس الخدمة الصحية للثورة في الولاية الثانية، وعبد المجيد كحل الراس، حيث اتخذوا قرار تحويله إلى الخدمة الصحية، في حين عاد محدثنا إلى قبل ذلك إلى منطقة بني سليمان من أجل التقاء القادمين من قسنطينة، وكان ذلك في أعقاب العملية البطولية التي قام بها المجاهدون في منطقة زكرانة وقضوا فيها على 73 جنديا فرنسيا، كما استعادوا عددا معتبرا من الأسلحة.
والتقى محدثنا بحسب ما أكده بعدد من المجاهدين الذين كانوا متجهين إلى تونس من أجل جلب الأسلحة، من بينهم المجاهد محمد بتشين، وحسونة زيغود ويوسف بن حلاسة، في حين تلقى عمي العربي تكوينا في التمريض، وحول بعد إتمامه التكوين إلى جبل موشاون بمنطقة أولاد عسكر المطل على العوانة أين أشرف عليه عزوز حمروش، وبعد حوالي سبعة أشهر، حول إلى منطقة يرجانة، أين تلقى تكوينا معمقا من طرف الدكتور محمد تومي المختص في التصوير بالأشعة، مشيرا إلى أنه لقنهم طريقة رصد الأمراض والعديد من المهارات الطبية.
وحُوّل بعدها إلى منطقة بوداود أين عمل في المستشفى الميداني تحت إشراف المجاهدة يمينة شراد، زوجة المجاهد بشير السّوفي الذي كان طالب طب، حيث يؤكد أنها كانت تتمتع بمهارة كبيرة في التمريض حتى يبدو لمن يراها أنها طبيبة، كما أضاف أنه تنقل بعد ذلك إلى منطقة بني عافر وعمل إلى جانب الشهيدة مليكة خرشي، التي اعتبر رحيلها خسارة للبلاد، فقد كانت تظهر التزاما متميزا بالثورة وكانت تقوم بمهام المرشدة في نشر المعرفة الطبية بين سكان القُرى، حيث تنظّم تجمعات لفائدتهم، فضلا عن تمتعها بأسلوب كتابة راق جدا.

سجن قصر الطير جحيم حقيقي
وفي عام 1960 حول محدثنا إلى منطقة "تاكسانة"، حيث قضى أول ليلة في كازمة (خندق) بعيدة بحوالي 150 عن الغابة في مشتى يسمى "لعرايش"، لكنه لم يكن مرتاحا في المكان بعد يومين من وصوله بسبب ضيقه وعدم اعتياده، كما أضاف أن صاحب الكازمة كان يختبئ فيها معهم، منبها إلى أنها قريبة جدا من داخل مدينة جيجل. وذكر محدثنا أن فرقة من كوموندوس المجاهدين حضرت إلى المكان واصطحبتهم من أجل تناول طعام العشاء، لكنهم وقعوا في كمين في طريق العودة، حيث وصف محدثنا الأمر بالقول "إنه كان طوفانا من الطلقات النارية والتفجيرات"، منبها إلى أن عددا معتبرا من الحركى كانوا مع الجنود الفرنسيين.
وألقي القبض على مجاهد يسمى بومعزة كان معهم، فضلا عن المجاهد مصطفى بن لدرع، ومجاهد آخر، في حين تعرض عمي العربي إلى صدمة في الرأس وفقد القدرة على السمع وتقيأ، مثلما يروي، حيث جره من بقوا من رفاقه إلى الكازمة، التي اكتشفها جنود الاستعمار. وقال محدثنا "لقد كان المجندون الحركى من اكتشفوا المخبأ، حيث اعتقدت في البداية أنهم مجاهدون". ونقل عمي العربي إلى معسكر استعماري في جيجل ثم نقل إلى عنابة وظل لمدة شهرين في مستشفى عنابة أين عولج في الجناح المخصص للمجاهدين المسجونين، ليعاد بعدما شفي إلى جيجل، ثم يحول بعد ذلك إلى سجن قصر الطير في سطيف.
ويستذكر عمي العربي المرحلة ما قبل الأخيرة من رحلته الثورية في سجن قصر الطير، الذي وصفه بالقول "إنه كان جحيما حقيقيا"، حيث كان مسجونو الثورة يمضون فيه جميع أيامهم في الأعمال الشاقة، على غرار تحطيم الحجارة وتنظيف الوادي ورفع الطوب الذي يصنعونه بأيديهم، ناهيك عن الشتم اليومي والسب. ويقول محدثنا، الذي قضى 18 شهرا في جحيم قصر الطير، "إن حراس السجن كانوا ينتقمون منا، في حال رفض أحد المسجونين القيام بعمل ما أو مجادلة أحد الحراس، حيث يجلبون الحساء (الصبة) ويسكبونها فيعاقبون الجميع بالجوع"، في حين حرر عمي العربي مع باقي السجناء في 19 مارس 1962، ليعود إلى الجبال ويمضي ما بقي من عمر الثورة مع المجاهدين إلى غاية الخامس من جويلية 1962.
س.ح

المجاهد عبد الله بوداموز يروي شهادته حول أحداث 20 أوت: المجاهدون قسموا مواشي المعمرين على الجزائريين في منطقة سطارة بجيجل


يقدم المجاهد عبد الله بوداموز، في حوار مع النصر، شهادته عما عايشه من أحداث 20 أوت 1955 في منطقة سطارة بجيجل، حيث تمكن المجاهدون من استرجاع أكــثـر من ألف رأس من المواشي ووزعوها على السكان الجزائريين، في حين يسرد علينا تفاصيل وأحداثا عن الثورة في منطقته، والانتهاكات الوحشية التي قام بها جنود الاستعمار في حق سكان قريته العزل، ما جعله يلتحق بجيش التحرير.

حاوره: سامي حباطي
ويروي المجاهد عبد الله بوداموز، المولود عام 1943 في قرية برج علي بدائرة السطارة في جيجل، والذي نظم لقاءَنا به متحف المجاهد لولاية قسنطينة خلال ندوة تاريخية، تفاصيل التحاقه بجيش التحرير في أواخر عام 1957 رغم صغر سنه، حيث يقول "لقد التحقت بالثورة بكل إصرار، فعمي عمار بوداموز كان من الذين فجروا الثورة في منطقتنا، وتحديدا في أول نوفمبر بمنطقة بولحمام في الميلية الذي يحتوي على مخزن المواد المستعملة في تفجير الأنفاق المنجمية، وكان يترأس المجموعة التي قامت بعملية أول نوفمبر بالنيابة عن سيد علي العواطي". وقد تفرق بعد ذلك المجاهدون، إلى أن جاء تاريخ 20 أوت 1955، حيث اجتمع المجاهدون في المكان المسمى "تايراو" في منطقة بني صبيح في منزل محمد لحمر وكانوا من دوار أولاد مبارك ودوار بني تليلان ودوار بني صبيح، حيث اتفقوا على القيام بعمليات 20 أوت في السطارة وبرج علي والميلية.
وانتقل المجاهدون مثلما يؤكد المجاهد عبد الله بوداموز إلى المكان المسمى بوسميشة في منزل المجاهد عبد الله الدني، وكلفوا المجاهد حمودي مختار من أجل ترأس المجموعة التي تهاجم المعمرين في دوار برج علي المعروف حينها باسم "آراغو"، حيث كان عدد المعمرين لا يتجاوز الثمانية، وكُلف بالهجوم إلى جانب المجاهد صالح بودرمين، في حين كلفت مجموعة عمار علواش بالهجوم على منطقة سطارة، كما رافقهم السكان المدنيون أيضا بأدوات بسيطة مثل السيوف والفؤوس والعصي وغيرها. وقد هجم المجاهدون والسكان مثلما يتذكر عمي عبد الله عند منتصف النهار، حيث طبقوا تعليمة الشهيد زيغود يوسف بأن يكون الهجوم عند منتصف النهار، بينما كان اندلاع ثورة نوفمبر عند منتصف الليل.
وحرق المجاهدون والسكان منازل المعمرين واسترجعوا أكثر من ألف رأس من المواشي، التي تم توزيعها على الجزائريين الذين كانوا يعيشون حياة فقر مدقع، حيث يستعيد عمي عبد الله أنه أكل منها، في حين تم القضاء على أحد المعمرين يدعى "بريسو"، فضلا عن عودة المجاهدين في اليوم الموالي وقيامهم بقطع الأشجار لتعطيل وصول عساكر الاستعمار، الذين قدموا في اليوم الثالث ضمن قوة كبيرة، لكن المجاهدين كانوا قد غادروا واتجهوا إلى المكان المسمى "تاسقيف".
المجاهدون أعدموا حاكما فرنسيا في أول يوم من توليه المنصب في الميلية
ونصب المجاهدون بحسب ما يرويه عمي عبد الله كمينا لجنود الاستعمار بين منطقتي "تاسقيف" والميلية وترصد أي دعم من العدو من أجل القضاء عليه دون وضع هدف محدد، في حين مر من المكان حاكم المنطقة الاستعماري برتبة رائد في سيارة عسكرية "جيب" وأخذ يتبجح أمام السكان، حاملا سلاحا رشاشا من نوع "مات 44" وشرع يطلق الرصاص منها، لكن بمجرد وصوله إلى المنطقة المسماة "تاسقيف" أطلق عليه المجاهدون النار فأصابوه مباشرة، بينما سقط  السلاح الرشاش من السيارة.
وبعد حوالي شهرين كان يتنقل فيها المجاهدون من منطقة إلى أخرى، عينت السلطات الاستعمارية حاكما جديدا للمنطقة، بعد تحويله من قالمة، حيث جمع الموالين لفرنسا من المدنيين، على غرار القياد والحراس الريفيين، فضلا عن السكان المدنيين وارتقى المنصة ثم قال متحديا "لقد قتلتم الحاكم السابق... وقتله أبناء الميلية. أنا جديد هنا ويمكن أن تقتلوني أيضا إلا أن قبعتي ستبقى دائما في الميلية، لكنني سأجعلكم تبكون دما". ويضيف محدثنا أن الحاكم الجديد لم يكن يعلم أن فدائيين اثنين، وهما السعودي كحال ومجاهد آخر معه، موجودان ضمن التجمع، فبمجرد شروع الجمع في التفرق، حتى أطلقا عليه النار وقضيا عليه في نفس المكان، لتعين فرنسا بعد ذلك حاكما عسكريا.
وقام المجاهدون بعمليات ضد قوات الاستعمار أيضا في 20 أوت 1956، حيث نصبوا كمينا لهم في منطقة بني هارون وقضوا فيه على عدد منهم, بينما استشهد فيها مجاهد يعرف باسم "عبد الله المروكي"، وأكد عمي عبد الله أن لقبه غير معروف إلى اليوم في المنطقة، فقد قدم من منطقة ميلة مع لخضر بن طوبال.
بشاعة انتهاكات الاستعمار دفعتني للالتحاق بالعمل المسلح
ويعود عمي عبد الله إلى تفاصيل التحاقه بالجبال، فقد جاءت في سياق تبعات هجمات 20 أوت وما لحقها، حيث يتذكر هجوم عساكر فرنسا على المشتى الذي كان يقيم فيه، وهو لم يتعد بعد عامه الرابع عشر، ليستقبلهم المجاهدون بمقاومة كبيرة ثم غادروا، في حين قام الفرنسيون بمحاصرة المدنيين الذين ظلوا في المشتى، وأخذوا يعذبون النساء والأطفال، ثم اغتصبوا النساء في القرية. وقد ارتسمت علامات الحسرة والحزن على عمي عبد الله وهو يستعيد هذه الذكرى الأليمة حيث قال "لقد شاهدت هذه الأشياء البشعة وأنا بالغ تقريبا، ولم أستطع أن أتقبله أو أستسيغه، فطلبت من عمي تجنيدي مباشرة، لكنه أبى بسبب صغر سني، فطلبت بعد ذلك من خالي تجنيدي لكنه رفض وطلب مني أن أصبر إلى أن أكبر قليلا".


ولم يتخل عمي عبد الله عن إصراره في الالتحاق بالثورة، حيث لاحظ وجود عناصر الدرك الفرنسي عند مدخل سوق "الفيلاج" وتفتيشهم للمدنيين، فأخذ يراقبهم لثلاثة أيام ثم قرر تنفيذ عملية ضدهم، فاتجه بعد ذلك إلى الشهيد رابح خدروش، فسأله عن سبب عدم تجنيده من طرف عمه، ليخبره أن السبب يعود إلى السن، في حين قام الأخير بتكليف المجاهد رابح بزاز الذي كان يعمل في قطاع المناجم ويتعامل مع المتفجرات، بتكوين عمي عبد الله على استعمال القنابل اليدوية. وقد أمضى محدثنا ثلاثة أيام في التدرب على استعمالها في شهر سبتمبر من عام 1957، فيما يسترجع ما قاله له الشهيد رابح خدروش "إن استشهدت في العملية فستكون في كراس الشهداء وإن نجوت فأنت في صف جيش التحرير".
ولم يتوقع عمي عبد الله أن يصادف عملية أخرى أُمِرَ بها من منطقة ميلة لمهاجمة عساكر فرنسا، فأغلق "الفيلاج" من كل جهة، ليعود محدثنا أدراجه ويلتحق بجيش التحرير في مكان يسمى "القلعين" في دوار بني تليلان، حيث سلم القنبلة اليدوية وظل في نفس المركز إلى غاية 1958، ليعين بعد ذلك كساعي بريد الثورة إلى غاية الاستقلال. وذكر لنا المتحدث عدة عائلات في منطقة بني صبيح قدمت أعدادا كبيرة من الشهداء، في حين انضم محدثنا بعد الاستقلال إلى الجيش الوطني الشعبي، ثم غادره واشتغل في شركة إلى غاية تقاعده.
س.ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com