الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث في حديث للنصر: هجومات 20 أوت 1955 عجلت بتدويل القضية الجزائرية

* الهجومات وضعت حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها
* تحقيق رهان احتضان الشعب وبشكل نهائي العمل المسلح ضد فرنسا في كل مكان

حاوره: عبد الحكيم أسابع

أكد الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث، المؤرخ والأكاديمي بجامعة الجزائر1 بن يوسف بن خدة، بأن هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني، لم تأت بشكل عشوائي، بل جرى الإعداد والتحضير لها نفسيا وسياسيا بشكل محكم وأن أهدافها حُددت بدقة ما جعلها تعتبر بمثابة " أول نوفمبر ثان "  لمكانتها وتكريسها للطابع الجماهيري للثورة.
كما أبرز البروفيسور بلغيث في حوار للنصر بأن هذه الهجومات وضعت حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها كما أنها قضت نهائيا على أمل العدو الفرنسي ومخططاته الرامية لزعزعة الثورة ووأدها في المهد، وخلقت بذلك تصدعا في أوساط الرأي العام الفرنسي وفضحت أكاذيب الإعلام الفرنسي المروجة للأكاذيب الساعية لتشويه الثورة الجزائرية.
وإلى جانب ذلك فقد حققت القضية الجزائرية – يضيف محدثنا - نتائج باهرة على الصعيد الدولي وتم تسجيل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العاشرة بتاريخ 30 سبتمبر 1955.
* النصر: كيف اتسمت أجواء وظروف الإعداد والتحضير لهجومات 20 أوت 55 وكيف جرى التنسيق بين البطل زيغود يوسف وقادة الثورة في الأوراس؟
أ.د. بلغيث: لقد دام الإعداد لهذه الهجومات فترة طويلة، بما يقارب الثلاثة أشهر، حسب شهادات الأحياء من المجاهدين، ولم تأت بشكل عشوائي، وقد كان البطل الشهيد زيغود يوسف صاحب الفكرة ومهندس انتفاضة 20 أوت 1955م، يشعر بأن مصير الثورة على الأقل في المنطقة الثانية يقع على مجاهدي المنطقة، فلا بد من الإسراع، بالنصر أو الشهادة، وكانت الانتفاضة قد حددت الأهداف منذ الأيام الأولى للهجومات.
فتم الإعداد لهذه الهجومات من خلال التحضير النفسي، والسياسي، وتدارس الأوضاع المحلية، والإقليمية، والدولية، حيث قام زيغود يوسف بصفته قائد منطقة الشمال القسنطيني بتوجيه الدعوة في أوائل شهر جويلية إلى كافة المسؤولين بالمنطقة، للحضور إلى المكان المعروف بـ»بوسطور»، قرب سيدي مزغيش، جنوب غرب سكيكدة، على بعد حوالي 35 كلم، ثم تغير موقع الاجتماع إلى المكان المسمى »الزمان»، ببلدية محمود بوشطاطة (الحدائق).
 وأثناء توجه المجاهدين، إلى مكان الاجتماع، اكتشف العدو مجموعة منهم فاشتبكوا معه في معركة يوم 20 جويلية 1955، استشهد فيها المجاهدان، محمود نفير والحاج القسنطيني المدعو الألماني، وتدخلت طائرات العدو دون جدوى، وتم القضاء على عسكريين فرنسيين، وجرح ثالث.
وقد تمكن المجاهدون من لم شملهم، وواصلوا طريقهم إلى مكان الاجتماع، ومن بين الذين حضروا اجتماع «الزمان» عمارة بوقلاز، بمرافقة اثنين من ناحية سوق أهراس (القاعدة الشرقية فيما بعد)، إلى جانب عبد الله بن طبال، ومصطفى بن عودة، وعلي كافي، وصالح بوبنيدر (صوت العرب)، وبشير بوقادوم، وأحمد رواي، المدعو الرواية، وغيرهم، وتم توزيع المهام والمسؤوليات بينهم.
* النصر: ما هو تأثير هجومات 20 أوت 55 على مجرى الثورة التحريرية؟
أ.د. بلغيث: تلقى الشعب الجزائري في الأرياف، والمدن أصداء هذه الانتفاضة بالافتخار، والزهو، وانضم الآلاف من الشباب المتحمس للثورة إلى صفوفها، فكانوا الوقود، والسواعد المفتولة، التي سجلت على جبين الفرق العسكرية الاستعمارية مدى جبنهم، ورعبهم، وهم يجابهون المجاهدين في الجبال، والسهول.
وقد حققت هذه الهجومات أهداف اجتماع «الزمان»، إلى جانب تحقيق أبعاد سياسةي لمهندس الانتفاضة الشهيد البطل زيغود يوسف رحمة الله عليه.
وانهارت معنويات القتلة من أمثال "بول أوساريس" و»كروفو» رئيس بلدية سكيكدة، و»ديبلي» رئيس بلدية رمضان جمال، وغيرهم من المجرمين، والقتلة، فيما تحقق بالمقابل  الطابع الجماهيري للثورة، والقضاء على آمل العدو الفرنسي الذي كان يتوهم بأن " القوات الاستعمارية ستقضي على "قطاع الطرق"، و "الفلاقة" خلال أشهر ثلاثة.
كما كانت انتفاضة 20 أوت 1955 قد قضت نهائيا على الحلول الاستعمارية العرجاء، وقضت على الانتخابات المزمع قيامها في تلك الفترة.
ولا يختلف اثنان من أن انتفاضة 20 أوت 1955 كانت ملحمة ثورية شكلت انعطافًا كبيرًا في مصير الثورة، وهي من الملاحم الكبيرة في تاريخ الجزائر خلال القرن الماضي، ويكفي مهندس الانتفاضة فخرًا أنه بعد سنة كاملة وفي 20 أوت 1956م عقد مؤتمر الصومام، وهي تحية خاصة للثورة عامة بكل الجزائر، وتحية خاصة للمنطقة الثانية بالشمال القسنطيني.
* النصر: لماذا تعتبر هجومات الشمال القسنطيني بمثابة أول نوفمبر ثان ؟
البروفيسور بلغيث: تعبر انتفاضة 20 أوت 1955 النفس القوي الذي لا يشبهه في تأثيره على المجتمع والدولة الاستعمارية إلا ما وقع ليلة الفاتح من نوفمبر لهذا تسمى هذه الانتفاضة نوفمبر الثانية لمكانتها واستقطابها لأبناء الشعب.
* النصر: ما هي الأبعاد العسكرية والسياسية لهجومات الشمال القسنطيني على القاعدة الشرقية للثورة التحريرية ؟
أ.د. بلغيث: القاعدة الشرقية بمفهومنا هي الولاية غير المعلنة قانونا التي تأسست بين المنطقة الثانية والأولى من أجل أن تكون فاصلا بين الداخل، الجزائر، وبين تونس ولتكون قاعدة لجمع السلاح وهو ما كان يفكر فيه بشكل كامل عمارة بوقلاز، وكل شخصيات الجهاد في سوق هراس خاصة.
* النصر: ما هي أهم النتائج التي ترتبت عن هجومات الشمال القسنطيني داخليا وخارجيا، سيما ما تعلق منها بتعزيز الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية ؟
أ.د بلغيث: لقد كان مشروع البطل زيغود يوسف يتمثل في تجديد العهد مع الثوار لمواصلة الحرب على المشروع الاستعماري المعروف بـ " سياسة التهدئة، وهي عنوان الإبادة الجماعية للسكان كما كان يفعل مجرمو فجر فرنسا الاستعمارية بيجو لامورسيير كافينياك"، الذين كانوا القدوة الحسنة والمثل الأعلى للمجرم شارل ديغول.
وحتى تتضح الصورة هل الأوراس التي كانت تزود الولاية الثالثة مثلا بالسلاح وأرسلت القيادة العامة للثورة بقيادة المجاهد شيحاني بشير نجدة من رجال أشاوس لمساعدة الشمال القسنطيني في عملياته الجريئة ضد الكولون وضد الجيش والشرطة الفرنسية في وضح النهار، تحتاج من يفك عنها الحصار، وقد كانت بشهادة "دومنيك فارال" جهنم التي تواجه مشروع بارلانج والمسح الشامل لجبال الأوراس والنمامشة.
لهذا حتى يكون السياق واضحًا كان جاك سوستيل وأمثاله يعلمون خطورة تعميم الثورة وكسب رهان الشعب الذي احتضن بشكل نهائي العمل المسلح ضد فرنسا في كل مكان.
وهكذا ورغم الوحشية التي قوبلت بها هجومات الشمال القسنطيني من طرف الاستعمار الفرنسي إلا أنها أسفرت على مجموعة من النتائج الهامة كانت في صالح الثورة التحريرية من بينها إفشال المخططات الفرنسية الرامية لزعزعة الثورة ووأدها في المهد، حيث مني جيش الاحتلال بخسائر مادية وبشرية جسيمة، وأكدت انتفاضة 20 أوت 1955، على أن جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للقضية الجزائرية.
وتم تسجيل قيام تضامن كبير بين الشعب والثورة الجزائرية، وضع حدا فاصلا ونهائيا بين مؤيدي الثورة وأعدائها كما وضعت أحزاب الحركة الوطنية أمام الأمر الواقع للانضمام للثورة، كما قضت على فكرة الإدماج وخلق القوة الثالثة التي كان يدعو إليها جاك سوستال، إلى جانب أنها فكّكت و أحدثت شرخا في صفوف جماعة 61 داخل المجلس الجزائري، الأمر الذي جعل من فرنسا تتراجع عن إجراء الانتخابات التي كانت مقررة يوم 02 جانفي 1956.
كما أكدت على وحدة المصير والكفاح المشترك بين دول المغرب العربي، وتوسعت دائرة التضامن العربي مع الثورة الجزائرية في النوادي السياسية، والفكرية: في العراق، ومصر، وسوريا، والأردن، ولبنان، والمملكة العربية السعودية.
وإلى جانب ذلك فقد تصدع الرأي العام الفرنسي بشأن "الوضع المستقر في الجزائر"، وتم تسجيل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العاشرة بتاريخ 30 سبتمبر 1955، وتم فضح الإدعاءات الإعلامية الفرنسية المروجة للأكاذيب الساعية لتشويه الثورة الجزائرية.
* النصر: وهل مكنت هذه الهجمات من القضاء على الخونة بعد تصفية الكثير منهم؟
أ.د بلغيث: لقد كان هدف الانتفاضة يتمثل كما أسلفنا في تشجيع المناطق الأخرى للوطن على الانخراط في الثورة والعمل المسلح، لأن الثورة اختيار، لا رجعة فيه، مهما كانت أحلام الانهزاميين، والخونة، وأتباع الإدارة العامة، من رجال السياسة، وبالتالي وضع الخط الأحمر الفاصل بين من يريد الكرامة والعودة إلى سيادة الأمة، وبين الخونة، والعملاء، والجبناء، إذ لم تعد ثمة حجة لأحد، إما مع فرنسا ، أو مع الثورة المسلحة، التي سقت دماء الشهداء أرضنا الطاهرة.
* النصر: هل استطاع المؤرخون الجزائريون إطلاع الأجيال الصاعدة على كل تفاصيل المجازر التي اقترفها الاحتلال الفرنسي خلال تلك الأحداث التي استشهد فيها آلاف الجزائريين؟
أ.د. بلغيث: دراسات الجزائريين حول هذا الموضوع معقولة  ولكن لا تفضح بشكل واضح جرائم الفرنسيين، إلا ما قرأنا من خلال المحققين الفرنسيين لقدرتهم على الوصول للشهادات والأرشيف الذي لا يزال تحت سيطرة المتروبول لأنهم يخفون جرائم جيشهم المجرم.
وللأمانة والتاريخ من بين أهم الدراسات الوافية التي فضحت جاك سوستيل ومن حوله من المجرمين هي أعمال المؤرخة" كلود موس كوبو" (Claire Mauss- Copeaux) في كتابين من الدرجة العالية من حيث التحقيق والاستقصاء الأول بعنوان» الجزائر 20 أوت 1955 انتفاضة، قمع ومجازر»، ضمن منشورات المكتبة الصغيرة بايو، والكتاب الثاني يتعلق بجرائم وقعت في الشمال القسنطيني ما بين جيجل و ميلة وهي أعمال بربرية كما وصفتها المؤرخة بعد اتصالها بالأحياء من جنود الخدمة العسكرية وبالأخص مجندي فرنسا في مدينة القل.

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com