أكد جامعيون مختصون في التاريخ و السياسة، بأن البصمات التي تركتها الثورة الجزائرية في كفاح حركات التحرر والشعوب في العالم من خلال مواقفها ومواثيقها ووقوفها مع هذه الحركات، جعلت إشعاع الثورة دوليا يستمر إلى الوقت الراهن ولا يزول، وأجمع هؤلاء في ندوة النصر بأن المبادئ التي سارت عليها الثورة الجزائرية أكسبتها التقدير العالمي، مؤكدين بأن الإشعاع الدولي للثورة جعل مواقف الدبلوماسية الجزائرية تبقى ثابتة إلى اليوم، كما أن هذا الإشعاع لم يكن وليد الصدفة بل كان مرتبطا بثوابت الأمة والعقيدة الراسخة التي قامت عليها هذه الثورة.
نورالدين عراب
* أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد القادر سوفي
إشعاع الثورة دوليا جعل المواقف الدبلوماسية للجزائر ثابتة إلى اليوم
يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد القادر سوفي بأن مواقف الدبلوماسية الجزائرية بقيت ثابتة منذ الثورة التحريرية إلى يومنا هذا، وإشعاع الثورة دوليا جعل مواقفها الدبلوماسية تبقى ثابتة، مضيفا بأن الجزائر لم تخذل أحدا على الإطلاق بل بقيت ثابتة على كل مواقفها، وقال إن هذه المواقف الثابتة للجزائر منذ الثورة كلفها في بعض الأحيان الكثير لكنها لم تخن.
وقال الدكتور سوفي بأن الإشعاع الدولي للثورة الجزائرية لم يكن وليد الصدفة، ولم يأت من العدم، بل هو مرتبط بثوابت الأمة الجزائرية والعقيدة الراسخة والخلفية التي تتمتع بها الدبلوماسية الجزائرية عبر التاريخ، وبالرغم من غياب الجزائر على الصعيد الدولي لفترة معينة ولأسباب معينة خصوصا مع نهاية الثمانيات، حيث غاب الإشعاع الدبلوماسي الجزائري في الساحة الدولية، بعد أن كانت السياسة الداخلية تمثل الأولوية لها على السياسة الخارجية.
وأضاف سوفي بأنه مع انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد ووضع 54 التزاما حدد فيها ضمن أولوية الأولويات الدبلوماسية والاقتصاد، ومن هذا المنطلق رسمت الجزائر حسبه أسباب التحول في المنطقة لأن المقومات التي تتمتع بها الجزائر والمورد البشري الجزائري يؤهلها لأن تكون لاعبا فاعلا في المنطقة والعالم، قائلا « على هذا الأساس بنت الجزائر قوة تؤهلها لأن تدحر التهديدات المحيطة بها وتمكنها من أن تكون لها كلمة وازنة في المجتمع الدولي « مضيفا بأن هذا كان له منطلقين هامين، المنطلق الأول حماية الدولة الجزائرية من التهديدات التي تمنع هذا البزوغ، وهذا يكون بمؤسسة عسكرية قوية وجبهة داخلية ملتحمة، متحدثا في السياق ذاته عن القدرة الاقتصادية التي تمكن من الإبقاء على الديمومة والاستمرار وتمكن المواطن من العيش الكريم.
وأكد سوفي بأن التوجهات التي تبنتها الجزائر اليوم من خلال ما سماه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الجسر الإفريقي والتقارب بين الدول الإفريقية يؤهلها بأن تتخلى المنطقة عن نمطية الاتكال على الآخر و مواجهة الاستعمار الاقتصادي والسياسي، مؤكدا بأن مواقف الجزائر برزت بشكل أفضل وخطابات رئيس الجمهورية أعطت أكثر ثقة للوطن العربي ولإفريقيا والعمل المتواصل والحركية الدبلوماسية الجزائرية داخل المجموعات المتعددة الأطراف على شكل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومجموعة 77 ودول عدم الانحياز والعلاقات الثنائية المميزة مع القوى الكبرى ومع باقي الدول، وهذا يؤكد حسبه على أن الجزائر تقف بنفس المسافة مع الجميع احتراما لمبادئها ومبادئ هيئة الأمم المتحدة واحتراما للقانون الدولي، وإلى جانب ذلك يقول نفس المتحدث بأن الجزائر تمتلك مصداقية في العالم، مشيرا في السياق ذاته إلى أن العالم يشهد تحولات كبيرة، وخلال هذه المرحلة سيكون النظام الدولي الجديد يعتمد على التكتلات، والجزائر خاصيتها أنها لما أخذت استقلالها، أخذته والسلاح في يدها، وهذا شيء مهم جدا. والثورة الملهمة وما أحدثته بعد أكثر من قرن من الجهاد والكفاح انتهت بهذه المرحلة التي تعيشها اليوم، مضيفا بأن قدرات الجزائر يمكن حصرها في قيم ثورة نوفمبر التي قامت على الكفاح المسلح، وكذا الدبلوماسية التي قامت عليها الجزائر منذ الثورة وولوجها إلى المنظمات الدولية أعطاها صفة خاصة وهي الصبغة الثورية.
* أستاذ التاريخ أعمر عمران
السياسة الخارجية الجزائرية قائمة على قيّم بيان أول نوفمبر
أكد أستاذ التاريخ أعمر عمران بأن السياسة الخارجية الجزائرية قائمة على القيم التي تبناها بيان أول نوفمبر، مضيفا بأن السياسة الخارجية إبان الثورة لم تختلف عن السياسة الخارجية المنتهجة حاليا، و أفد بأن كل الرؤساء الذين تعاقبوا على الجزائر منذ الاستقلال كان يستحيل عليهم الخروج في السياسة الخارجية عن المبادئ التي قام عليها بيان أول نوفمبر التي كان منطلقها عدم التدخل في شؤون الآخر، ورفض أي تدخل أجني في الشؤون الداخلية.
وأكد أستاذ التاريخ أعمر عمران بأن قيم أول نوفمبر هي التي تركت السياسة الخارجية الجزائرية متزنة مع مختلف دول العالم، وذلك منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، كما كان لها صدى قوي وإشعاع دولي، مضيفا بأن سر نجاح السياسة الخارجية الجزائرية يتمثل في ارتباطها بقيم ومبادئ بيان أول نوفمبر.
وفي السياق ذاته قال نفس المتحدث بأن السياسة الخارجية في الوقت الراهن بقيادة رئيس الجمهورية كان لها صدى، ولم يصنعها أي رئيس سابق بهذا الشكل الذي تشهده اليوم، مجددا التأكيد على أن ذلك يعود إلى تمسك الدبلوماسية الجزائرية الحالية بقيم نوفمبر.
* أستاذ التاريخ الدكتور كريم مناصر
المبادئ التي سارت عليها الثورة أكسبتها التقدير العالمي
يرى أستاذ التاريخ الدكتور كريم مناصر بأن صدى ثورة التحرير على الصعيد الدولي اقترن بسمعة هذه الثورة وتسميتها بثورة المليون ونصف مليون شهيد، مشيرا إلى أنه لما تذكر الثورة الجزائرية في المحافل الدولية أو في الأوساط الشعبية العالمية فإنها توصف دائما بثورة المليون ونصف مليون شهيد، وقال بأن العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا في مقاومة الاستعمار صنع دهشة العالم وتقديرا لهذا الشعب الذي استعد وضحى بالنفس والنفيس من أجل الظفر بالاستقلال، مضيفا بأن المبادئ التي سارت عليها الثورة أكسبتها التقدير العالمي.
وأكد الدكتور مناصر بأن الثورة الجزائرية نالت التقدير العالمي، وحتى من طرف العدو، وإن كان لا يصرح بذلك علنا، مضيفا بأن هذا الصدى العالمي للثورة وراؤه التقدير الذي صنعته الثورة لنفسها وبقدر ما كانت تقدر نفسها قدرها الآخرون، خصوصا وأن الثورة سارت على مبادى ثابتة لم تتراجع عنها، ثم سايرت كل الوسائل والأحداث أثناء الثورة ودبلوماسيتها على المستوى الخارجي لعبت الدور المعروف على مستوى هيئة الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، وخاصة على مستوى المجموعة الآفروآسيوية التي عرفت فيما بعد باسم حركة عدم الانحياز، وكذا مكانة جبهة التحرير الوطني في الخارج كان لها هي الأخرى حسب نفس المتحدث دور في خلق هذا الصدى، ناهيك عن المسرح وفريق كرة القدم الذين ساهموا كلهم في صناعة هذا الصدى ويبقى الشعب الجزائري الصانع الفذ في هذا الصدى إلى يومنا هذا. وقال نفس المتحدث بأن الدبلوماسية الجزائرية استمدمت مبادئها من بيان أول نوفمبر الذي ساير الشرائع والقوانين الدولية ولم يخرج من هذا الخط، وبذلك نالت الثورة التقدير والاحترام حتى أنه تم طلب الوساطة الجزائرية في العديد من القضايا على كثرتها والكل يعلم بذلك، وذلك نظير احترامها للقانون الدولي وكذا المبادئ التي قامت عليها الثورة الجزائرية.
وأكد الدكتور مناصر بأن صدى الثورة الجزائرية في الوقت الراهن هو امتداد لاندلاع ثورة 1954، التي صنعت صداها قبل أن تنطلق من خلال التحضير الجيد لها، كما أحسن قادة الثورة حسبه استخدام كل الوسائل التي أتيحت لهم. وفي السياق ذاته قال الدكتور كريم مناصر بأنه لا يمكن نكران الإنجازات التي تحققت منذ 1962 إلى يومنا هذا، كما لا يمكن إنكار وجود إنجازات لا يستهان بها في الوقت الراهن خاصة مع السلطة الجديدة التي رفعت شعار الجزائر الجديدة، مؤكدا وجود جهود نلاحظها خاصة على المستوى الدبلوماسي واسترجاع سمعة الجزائر التي تأثرت لظروف يعرفها الجميع في فترة معينة، مضيفا بأن الشعب الذي له رصيد والبلد الذي له تاريخ طويل وعريض لا يخشى تلك الضربات المؤقتة حتى وإن كانت موجعة في بعض الأحيان.
* أستاذ التاريخ الدكتور محفوظ عاشور
الثورة الجزائرية تركت بصماتها في كفاح حركات التحرر
أكد أستاذ التاريخ الدكتور محفوظ عاشور بأن الثورة التحريرية تركت بصماتها في كفاح الشعوب وفي كفاح الحركات التحررية في العالم من خلال مواقفها ومواثيقها ووقوفها مع الحركات التحررية، في وقت كان الشعب الجزائري والثورة التحريرية تحارب في الاستعمار، مشيرا إلى أن مشاركة الجزائر في مؤتمر باندونغ في سنة 1955 كان في إطار التضامن الأفروآسيوي، أي التضامن الذي أملته الظروف وجعلت من الجزائر تكون بعد استقلالها قبلة للحركات التحررية من مختلف القارات ومن مختلف مناطق العالم، ومنها الحركات التحررية التي شهدتها إفريقيا، وكذلك موقف الجزائر بالنسبة لنظام أبرتايد العنصري في جنوب إفريقيا، إلى جانب مواقفها اتجاه القضية الفلسطينية وكل قضايا التحرر في العالم. وأشار في السياق ذاته الدكتور محفوظ عاشور إلى أنه إذا عدنا إلى بيان أول نوفمبر نجد فيه بأن قبل اندلاع الثورة كان التوجه في ذلك البيان نحو التضامن بين الحركات التحررية لأن كفاح الشعب الجزائري كان يندرج في إطار كفاح شعوب المغرب العربي وشعوب العالم العربي ككل، قائلا « إذا نظرنا إلى مواقف الجزائر الثابتة ودبلوماسيتها في دعم حركات التحرر، نجد أنها لم تتغير لأنها مبنية على مبادئ الثورة التحريرية المباركة. وأكد نفس المتحدث بأن دبلوماسية الجزائر مستمدة من قيم الثورة التحريرية لأن اندلاعها تم في ظروف تميزت بانتشار الحركات التحررية في العالم، كما أن الثورة الجزائرية فهمت حسبه أن نجاح الحركات التحررية لا يقف على محاربة الاستعمار في منطقة واحدة بل أن تكتل الجهود والتضامن بين الحركات التحررية هو وحده الكفيل بالقضاء على الاستعمار الذي استغل ثروات كل الشعوب. وفي السياق ذاته يضيف الدكتور محفوظ عاشور بأن الدبلوماسية الجزائرية كانت السباقة للمشاركة في مختلف الملتقيات والندوات العالمية التي تناهض الاستعمار، وأصبحت بعد الاستقلال هي السباقة لاحتضانها في الجزائر، كما أن الجزائر احتضنت حسبه معظم حركات التحرر ووقفت إلى جانبها في كل العالم لأنها تعي وتفهم جيدا معنى الحركة التحررية، وتفهم جيدا ما معنى الكفاح من أجل التحرر، لاسيما وأن الجزائر تعرضت للاحتلال لمدة 132 سنة، والمواقف الدبلوماسية الجزائرية مبنية على مواقف الثورة التحريرية التي كانت مواقفها عادلة وتحررية ورافضة للظلم وللهيمنة الأجنبية على الشعوب.