الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

المؤرخ والباحث الدكتور علاوة عمارة للنصر: إشراك سكان الدواوير في هجمات 20 أوت أحدث تحولا كبيرا في الثورة

أكد المؤرخ والباحث الدكتور علاوة عمارة أن هجمات 20 أوت 1955 أفشلت مخطط الحاكم العام «جاك سوستال» الرامي لعزل الثورة سياسيا من خلال فتح حوار مع الطبقة التي وصفها بالمعتدلة، مشيرا أن قادة النواحي بالمنطقة التارخية الثانية تركت لهم الحرية في تحديد الأهداف خلال هذه العمليات ما جعل التجاوب متفاوتا في ناحيتي عنابة وميلة،ونفى الباحث السردية التي تتحدث عن إضعاف فرنسا للثورة في الأوراس، لكنه يرى أن شيهاني بشير كان له تأثير واضح على استراتيجية الثورة.

حاورته : نرجس كرميش

النصر : يعتبر المؤرخون هجمات 20 أوت 1955 بمثابة ولادة ثانية للثورة بسبب الظروف التي تم فيها تنفيذها والنقاط المستهدفة، ما هي الرسائل التي أراد أن يبعث بها قادة الثورة من خلال هذه العمليات؟.
هذه الهجمات المنسقة شكّلت دون شك حدثا مفصليا في تاريخ الثورة في الشمال القسنطيني. لكن قبل الإجابة على سؤالكم في ما يخص الظروف التي تمت فيها، يجب التوضيح بأن الهجمات كانت يومي 20 و21 أوت 1955، لأن هجمات ناحية ماونة (مدينة قالمة وبلدة عين العربي) لم تجر إلا في يوم 21 أوت 1955 بإشراف القائد عيسى بوضرسة «سي عمار» صهر القائد يوسف زيغود. أما من حيث الجغرافيا، فهذه الهجمات كان مركزها الناحية الوسطى من الشمال القسنطيني المعروفة بالسمندو، و التي كانت في هذه الفترة تمتد من قالمة إلى القل، حيث تمّ اشراك سكان الدواوير في العمليات الهجومية. أما ناحية ميلة بقيادة لخضر بن طوبال «سي عبد الله»، فلم تشرك الجماهير في العمليات وتمّ الاقتصار على هجمات عسكرية خاطفة بمشاركة الجنود والمسبلين، في حين لم تتجاوب ناحية عنابة بقيادة عمار بن عودة بالشكل المطلوب مع الهجمات واقتصرت على بعض العمليات المحدودة في البلدات الجنوبية للناحية.
فرنسا خططت للقضاء على الثورة سياسيا وشعبيا
إن ظروف شن هذه الهجمات لا يمكن فصلها عن تعليمات البشير شيهاني «سي مسعود» قائد الإدارة العليا لجيش التحرير الوطني بالمنطقة الأولى الأوراس-النمامشة التي بعث بها إلى يوسف زيغود في بداية شهر جوان 1955 بعد حصوله على وثائق كشفت عن مخطط استعماري رهيب للقضاء على الثورة سياسيا وشعبيا وضعاه كل من الحاكم العام جاك سوستال (Jacques Soustelle) والجنرال بارلونج (Le Général Parlange). وتعود هذه الوثائق إلى موريس ديبي (Maurice Dupuy) حاكم بلدية قنتيس المختلطة الذي قضت عليه مجموعة من جيش التحرير الوطني بقيادة عمر عروش «البوقصي» في 24 ماي 1955. فبعد دراسة دقيقة لهذه الوثائق من طرف القائد البشير شيهاني التي كشفت له عن وجود مخطط مزدوج خطير لضرب الثورة، قام بوضع مخطط مضاد وأرسل بنسخة منه إلى يوسف زيغود بعدما نجح الأول في ربط الاتصال بالشمال القسنطيني منذ نهاية فيفري 1955 عبر إيفاد مجموعة لحسن مرير.
وبعد هذا التاريخ كان هناك تبادل لزيارات الوفود حيث برز اسم الطاهر صلاحي المعروف بالطاهر القسمطيني مرفوقا بمجموعة ضمت حسين بوشامة ومحمد العربي حمودي «بوبغل» والعيدي غريبي في القيام باتصالات عديدة مع قائد الإدارة العليا لجيش التحرير الوطني بالمنطقة الأولى الأوراس-النمامشة. بل إن الشهيد الطاهر صلاحي شارك بصفة ممثل المنطقة الثانية - الشمال القسنطيني في اجتماع موسع لقيادة جيش التحرير الوطني بالمنطقة الأولى الأوراس-النمامشة الذي ترأسه البشير شيهاني بعين القلعة من 16 إلى 18 أوت 1955، حيث تلقى هناك نبأ هجمات 20 أوت 1955 عبر اذاعة مونتي كارلو، ودافع عن قرار قيادته بشن الهجمات في وضح النهار.
اتخذ زيغود قرار الهجمات في فترة حرجة كونه استلم قيادة المنطقة حديثا آنذاك، بعد وفاة ديدوش مراد، ألم يحدث هذا القرار خلافا داخل المنطقة خاصة وأنه أرادها عمليات استعراضية كما جاء في بيانه؟.
على عكس السردية الرائجة، لم يتم تعيين قائد منطقة مباشرة بعد استشهاد قائدها مراد ديدوش «سي عبد القادر، سي مسعود» في 18 جانفي 1955، حيث انقطع الاتصال بالقيادة العليا وبقادة المناطق الأخرى، وبقي قادة نواحي عنابة و السمندو و ميلة يديرون نواحيهم والاكتفاء بالتنسيق فقط. ولهذا السبب فبمجرد عودة الوفد الذي أرسله البشير شيهاني إلى مقر قيادة منطقة الأوراس النمامشة بعين القلعة وأعلمه باستشهاد «سي عبد القادر» الذي هو الاسم الثوري لمراد ديدوش، أصدر أمرا بتعيين يوسف زيغود خلفا له، لكن دون ناحية سوق اهراس التي انضمت للمنطقة الأولى الأوراس-النمامشة بطلب من مسؤولها عمر جبار. لكن رغم هذا التعيين استمر كل من مسؤول ناحية ميلة ومسؤول ناحية عنابة في ادارة ناحيتهما بشكل مستقل، كما تدل على ذلك وثائق يوسف زيغود وشهادة لخضر بن طوبال، لكن تم ذلك بالتنسيق مع يوسف زيغود في تخطيط العمليات الكبرى ووضع استراتيجية الثورة. وفي هذا الإطار لم يحظ مخطط هجمات ناحية السمندو بقيادة يوسف زيغود -ونوابه في تلك الفترة وهم محمد الصالح ميهوبي «بلميهوب» وبولعراس بوشريحة «الشيخ» وعبد السلام بخوش «سي الساسي» وعيسى بوضرسة «سي عمار» وسماعين زيغد- بالإجماع خلال اجتماع مشتة الزمان في كدية داود في بداية أوت 1955، ولهذا كان تجاوب ناحيتي ميلة وعنابة متفاوتا ولم يتم اشراك سكان الدواوير في العمليات الهجومية.
هدف قيادة ناحية السمندو كان التأكيد على الدعم الشعبي لجيش التحرير
كان هدف قيادة ناحية السمندو هو التأكيد على الدعم الشعبي لجيش التحرير الوطني بعيدا عن الصورة النمطية الدعائية لسلطات الاحتلال بوصفهم بالعناصر الخارجة عن القانون ولتأكيد المطلب الاستقلالي من خلال رفع علم حزب الشعب الجزائري (العلم الوطني فيما بعد) وترديد الشعارات والأهازيج الوطنية، والأهم هو إشراك الجماهير الشعبية في العمليات الثورية، وبالتالي قطع الطريق أمام محاولات سلطات الاحتلال فصلها عن جيش التحرير الوطني، بالإضافة إلى إفشال مخطط جاك سوستال الرامي لعزل الثورة سياسيا من خلال فتح حوار مع الطبقة التي وصفها بالمعتدلة ويقصد هنا البيان والعلماء والشيوعيون والليبراليون، وهذا من خلال استهداف مناضلين كبار منها بمدينة قسنطينة في يوم 20 أوت 1955، وقد نجحت عملية واحدة باستهداف عضو بالمكتب الوطني للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري. ولم يقف اختلاف الرؤى عائقا أمام شن الهجمات، حيث ترك الخيار لكل قائد ناحية في اختيار الأهداف وتنظيم الهجمات من خلال عقد اجتماعات محلية، وبالتالي فرغم تباين الرؤى بين قادة النواحي الثلاث لمنطقة الشمال القسنطيني، فإن الخيار تُرك لكل قائد للقيام به دون تعصب لأي رأي.
يقال الكثير عن حكمة زيغود يوسف وقوته التخطيطية وبما أنكم ممن بحثوا في شخصيته ، هل كان قرار الهجومات محليا أي داخل المنطقة أم بتعليمات من قيادة الثورة؟
سار يوسف زيغود ورفاقه وفق استراتيجية وضعها قادة الثورة وهي القيام بهجمات منسقة في نفس التوقيت، وقد عمل بها مراد ديدوش خصوصا بالنسبة لهجمات أول نوفمبر وهجمات 8-9 نوفمبر 1954، لكن التأثير الواضح في وضع استراتيجية الثورة كان دون شك من البشير شيهاني الذي كان يرسل بالتعليمات والسلاح والجنود إلى منطقة الشمال القسنطيني وصلت إلى درجة اهدائه للباسه العسكري الخاص وسلاح رشاش FM ليوسف زيغود. فبمناسبة عيد العمال نظمت هجمات منسقة استهدفت البنية التحتية للاحتلال (ليلة 30 أفريل- صبيحة 1 ماي 1955) ثم موجة ثانية من الهجمات بمناسبة الذكرى العاشرة لمجازر 8 ماي المصادفة لنفس اليوم من عام 1955 على امتداد كل جغرافيا الشمال القسنطيني قبل أن يتم التخطيط لهجمات 20-21 أوت 1955 تحت اشراف يوسف زيغود وبمشاركة نوابه المقربين في ناحية السمندو التاريخية الذين ذكرتهم سابقا.
مخطط زيغود يوسف للهجمات لم يحظ بإجماع قادة النواحي
كيف تمكنت المنطقة الثانية من كسر الحصار المضروب على الثورة في فترة كان الاتصال بين المناطق شبه معدوم والقادة محاصرون ومطاردون؟ ما الذي تحقق بعد 20 أوت 1955 وهل غيرت القيادة من استراتيجيتها؟
في نهاية الستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي تشكلت السردية التي تتحدث عن كسر الحصار المضروب على الأوراس وقبل هذا التاريخ لا نجد أثرا لها سواء في وثائق القائد البشير شيهاني أو وثائق القائد يوسف زيغود، ولم يسبق أن تحدث عنها أحد. والحقيقة أن الثورة في الأوراس كانت قوية ولم ينجح جيش الاحتلال في حصارها، بل إن الأفواج التي أرسلها البشير شيهاني إلى ناحية سوق اهراس و الذرعان والشمال القسنطيني والجنوب و الحضنة و تونس و بلاد القبائل وصلت إلى أهدافها دون إشكال ما عدا فوج بلاد القبائل الذي سقط في كمين ليس في المنطقة الأولى الأوراس-النمامشة و انما في اليشير بالمنطقة الثالثة – بلاد القبائل يوم 21 جويلية 1955.
فبالرغم من الزج بقوات كبيرة فإن الجيش الاستعماري فشل فشلا كبيرا في حصار الأوراس خصوصا وأن القائد البشير شيهاني كان يدير منطقته من مركزه بعين القلعة جنوب غرب خنشلة.
كان الهدف الأساسي للهجمات هو البرهان على أن الشعب يقف خلف جيش التحرير الوطني وافشال المخططات الاستعمارية لضرب الحاضنة الشعبية، وأيضا حصار الثورة سياسيا قبل التحاق معظم الكتل السياسية بها في النصف الأول من عام 1956. إذا كان البشير شيهاني وأركان قيادته قد عملوا على تنظيم تجمعات شعبية لشرح أهداف الثورة وبيان أول نوفمبر كرد على مشروع الجنرال بارلونج، فإن زيغود ورفاقه خططوا للأمر بطريقة مختلفة، وهو إشراك سكان الدواوير البالغين في العمليات الثورية مباشرة، وهو ما أدى إلى تحول كبير في الثورة لتصبح شعبية بعدما اقتصرت في أشهرها على مناضلي الحزب الوطني (حزب الشعب الجزائري- حركة انتصار الحريات الديمقراطية). وكان لرد الفعل الانتقامي من جانب الاحتلال دمويا على طريقة مجازر 8 ماي 1945، وهو ما أحدث هوة ثم قطيعة ما بين الطبقة السياسية الجزائرية المترددة وسلطات الاحتلال تجلى ذلك بالتحاق معظم تياراتها بالثورة خلال الأشهر اللاحقة.
مؤتمر الصومام انعقد بعد عام من الهجمات ويوم 20 أوت تحديدا ،ماذا يربط المحطتين الهامتين في تاريخ الجزائر؟
محطتان هامتان في تاريخ الثورة التحريرية، 20 أوت 1955 أعطى للثورة تحولا لافتا وقطع الطريق أمام سياسة جاك سوستال لعزلها سياسيا، والأكثر من هذا النجاح السياسي التدريجي للقضية الجزائرية في الخارج وكسب تعاطف الرأي العام الدولي إزاء المحرقة التي يتعرض لها الشعب الجزائري خصوصا بعد نشر وعرض صور وفيديوهات تقتيل المدنيين الجزائريين التي نقلها المصور جورج شسانييه (Georges Chassaigne) بعدسته أثناء تغطيته لعمليات الجيش الاستعماري وميلشيات المستوطنين خلال المجزرة المقترفة بعين عبيد في 22 أوت 1955.
أما 20 أوت 1956 فقد أدخل الثورة في مرحلة ثانية أكثر تنظيما وهيكلة من سابقتها. وهنا أؤكد أن المساعي الأولى لعقد اجتماع لقادة الثورة قبل هذا التاريخ لم تكلل بالنجاح، وأقصد هنا الاجتماع الذي كان مبرمجا في نهاية ماي 1956 ببوالزعرور جنوب غرب القل والاجتماع الذي نجح كان بمسعى واتفاق بين كريم بلقاسم وعُمار بن بولعيد شقيق مصطفى بن بولعيد خلال زيارته لمنطقة القبائل في ماي وبداية شهر جوان 1956، وكان الاجتماع مبرمجا يوم 30 جويلية 1956، غير أن تأجيله ليوم 20 أوت 1956 كان بطلب من عُمار بن بولعيد لأسباب مرتبطة بالانقسامات التي عرفتها المنطقة الأولى عقب استشهاد مصطفى بن بولعيد، رغم أنه في رسالته برر ذلك بمرض شقيقه الشديد (وهو كان قد استشهد في مارس دون علم قادة المنطقة الثالثة). كما أن وقوع وثائق المؤتمر في يد القوات الاستعمارية على إثر كمين جنوب تازمالت في 23 جويلية 1956 أدى إلى ضرورة تغيير المكان من نواحي الأخضرية إلى نواحي الصومام، بعدما علمت السلطات الاستعمارية بالمكان والتاريخين المحددين. ولهذا واجهت المشاركين صعوبات كبيرة في الوصول إلى مكان انعقاد المؤتمر نظرا لقيام السلطات الاستعمارية بحملات تمشيط واسعة النطاق خصوصا في المناطق المحيطة بالأخضرية خلال هذه الفترة.
شيهاني بشير كان له تأثير واضح على استراتيجية الثورة
إن إعادة تنظيم الهيكلة السياسية والعسكرية للثورة كان لها دون شك تأثير واضح في الميدان من خلال توسيع القاعدة الشعبية والسياسية للثورة، وأيضا تكثيف العمليات العسكرية وأساليب الضغط السياسي، خصوصا من خلال الاضرابات وتكثيف العمل الفدائي داخل المدن، مما أربك السلطات الاستعمارية بشكل واضح وعجّل بسقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا.
ن.ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com