الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الأكاديمي والباحث في التاريخ جمال يحياوي للنصر: هجمات 20 أوت 55 حطمت أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر

* هكذا تم التأسيس وترسيم العلاقة القوية بين الجيش والشعب
أكد الأكاديمي والباحث في التاريخ الدكتور جمال يحياوي أن هجمات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني بقيادة الشهيد الرمز زيغود يوسف، شكلت حدثا مفصليا في مسار الثورة التحريرية المظفرة، ما جعل فرنسا الاستعمارية تقابلها بانتقام وقمع و بطش لا مثيل له مؤكدة من خلاله وحشيتها وإصرارها على ممارساتها الإجرامية في حق الجزائريين المدنيين العزل، كونها قضت على أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر.

أجرى المقابلة: عبد الحكيم اسابع

وأبرز الدكتور يحياوي في حوار خص به جريدة "النصر" أن ما يجعل هذه الهجمات، تشكل منعرجا رئيسا كونها أكسبت الثورة الجزائرية طابعها الشعبي، وأعطت ضربة قاسية للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري.
فقد جاءت هذه الهجمات بعد أقل من سنة من اندلاع الثورة التحريرية أي بعد 200 يوم فقط عمل عسكري ميداني، منظم، خطط له بإحكام الشهيد زيغود يوسف، وشملت أكثر من 26 مدينة وقرية بالشمال القسنطيني، كما أن العمليات المسلحة استهدفت كافة المنشآت والمراكز الحيوية الاستعمارية، ومراكز الشرطة والدرك في المدن، ومزارع المعمرين في القرى والأرياف، حيث تمكن المجاهدون من السيطرة على عدة مدن وقرى، في هذا اليوم المشهود مما سمح للجماهير الشعبية بالتعبير عن رفضها للاستعمار ومساندتها لجبهة وجيش التحرير الوطني، وهو ما ساعد على توسيع رقعة ثورة التحرير وفك الحصار العسكري الذي كان مطبقا على الولاية التاريخية الأولى، لتحقق الثورة بذلك نجاحا عسكريا باستهداف أهم قواعد الاحتلال فضلا عن رفع معنويات جيش التحرير الوطني بتحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر، وكذا تفنيد ادعاءات المحتل التي مفادها أن ما كان يحدث هو مجرد أعمال تخريبية يقوم بها متمردون خارجون عن القانون.
كما عززت هذه الهجمات، الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية لإسماع صوت الثورة المجيدة وتدويل القضية الجزائرية بلفت أنظار الرأي العام العالمي لقضية الشعب الجزائري الذي يقود ثورة وطنية مسلحة لاستعادة سيادته، و إدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ومناقشتها في دورتها الخريفية في الـ 20 سبتمبر1955، وهو ما يعتبر مكسبا للقضية الجزائرية. وأشار الباحث إلى أن المعطيات العسكرية الميدانية التي سبقت هذه الهجومات كانت مهمة جدا، حيث بيّنت قيمة هذا الحدث في مسيرة الكفاح المسلح للشعب الجزائري، من خلال العمل العسكري النوعي والمفصلي الذي خطط له الشهيد الرمز زيغود يوسف والذي تم تنفيذه في وضح النهار في شهر أوت، والذي قلما يحدث في تاريخ حركات التحرر.كما يأتي هذا الحدث في وقت تضاعف فيه فرنسا الاستعمارية صفوف قواتها العسكرية بعشرات المرات في كل مرة، إذ كانت كل دفعة تصل إلى الجزائر تقدر بـ 40 ألف جندي في المرة الواحدة فضلا عن مضاعفة ميزانية الحرب، و سقوط حكومة فرنسية.
وبعد أن أشار إلى الخوف من العمل بعد اعتقال بعض القادة العسكريين للثورة واستشهاد البعض الآخر، ما قد يؤثر على عامة الشعب، سيما مع بدء الدعاية الاستعمارية التكلم في هذه المرحلة على الربع ساعة الأخير، وعلى إجهاض العمل العسكري لوحدات جيش التحرير الوطني، أكد الباحث في التاريخ، أن العمل الذي قام به البطل الرمز زيغود يوسف، جاء لكسر كل هذه المعطيات، و إبراز أن الثورة التي اندلعت منذ أقل من سنة متواصلة وها هي ترسم العلاقة بين الجيش والشعب، لأن من شارك في هذه الهجومات إضافة إلى عناصر جيش التحرير الوطني، آنذاك وكان عددهم قليلا في تلك المرحلة، هم عامة الشعب، وهو ما كسر تلك الصورة النمطية التي كانت تروج للدركي الفرنسي والشرطي الفرنسي والعسكري الفرنسي، الذي لا يقدر على مواجهته والصمود أمامه أحد.
وحتى المعمر الفرنسي الذي تم تسليحه، رأى بأم عينيه وحدات وعناصر جيش التحرير الوطني وهم يقومون بهذا العمل العسكري الميداني في وضح النهار بعد ما كانت الدعاية الاستعمارية تروج بأن عناصر جيش التحرير الوطني لا يملكون من الشجاعة ما يسمح لهم لمواجهة الجيش الفرنسي نهارا، أمام الناس أو في معارك مفتوحة، لذلك فإن هجمات 20 أوت 1955، غيرت موازين القوى من جهة، وقضت من جهة أخرى على الصورة النمطية للجندي الفرنسي الذي لا يقدر على مواجهته أحد.
أما من الناحية الإعلامية والدعائية أو ما يسمى بالحرب النفسية التي كانت تمارسها الإدارة الاستعمارية، بعد استشهاد ديدوش مراد، واعتقال قادة باقي المناطق على غرار مصطفى بوالعيد قائد المنطقة الأولى، ورابح بيطاط الذي اعتقل في شهر مارس 1955، فإن الثورة وفق المؤرخ ورغم كل تلك المعطيات تواصلت وتم ترسيم العلاقة بين الشعب والجيش، وهي العلاقة التي نراها تتأكد بعد سنة في مؤتمر الصومام من خلال إقحام المنظمات الجماهيرية الشعبية في العمل العسكري المسلح.
من جهة أخرى فمن نتائج هذه الهجمات، وفق الأستاذ جمال يحياوي "الامتداد الميداني لها، إذ بعد شهر واحد جاءت معركة الجرف الكبرى (22-28 سبتمبر 1955) التي شهد وقائعها جبل الجرف ببلدية سطح قنتيس بولاية تبسة والتي لم تكن مجرد معركة عادية في تاريخ الثورة التحريرية كونها ألحقت بجيش الاحتلال الفرنسي هزيمة نكراء وكسرت شوكته رغم قلة العتاد، فضلا على أنها دعمت نتائج هجومات 20 أوت 1955 في تدويل القضية الجزائرية، وقد خسرت فرنسا فيها جيشا كبيرا وعتادا باهظا».
فبالرغم من صعوبة تضاريس المنطقة التي تتميز بجبالها الصخرية، إلا أن هذه الملحمة التاريخية «تعد من أعنف المعارك في تاريخ النضال الجزائري وأكثرها ضراوة كما شكلت نقطة تحول في تاريخ الثورة التحريرية، حيث تميزت هذه المعركة الكبرى بمشاركة نوعية لأبرز قادة الثورة التحريرية بالمنطقة الأولى «أوراس النمامشة» من بينهم بشير شيحاني وعباس لغرور وعاجل عجول وشريط لزهر والوردي قتال وفرحي ساعي المدعو «بابانا» والعيد ساعي وغيرهم».
و من بين نتائج العمل العسكري الذي قام به زيغود يوسف، والمعارك التي أعقبته، تضاعف عدد جنود جيش التحرير الوطني في ظرف ستة أشهر أكثر من عشرين مرة، حسب إحصائيات رسمية، وهذا كان – حسب الدكتور يحياوي، أكبر انتصار بالنسبة لزيغود يوسف وبالنسبة للثورة التحريرية وهو الذي عجل بانعقاد مؤتمر الصومام فيما بعد لاحتواء هذا الوضع الجديد ميدانيا من خلال الهيكلة والتنظيم والوحدات وتقسيم الجيش إلى أفواج والى كتائب وما إلى ذلك. الحاصل أن انتفاضة 20 أوت 1955 التي جاءت بعد اندلاع الحرب التحريرية بأقل من عشرة أشهر وتمت في منتصف النهار، كانت بمثابة النفس الثاني للثورة الجزائرية و المنعرج الأول و الكبير للمسيرة النضالية للشعب، كما كانت البداية الحقيقية للثورة و أكبر هجمات جيش التحرير الوطني و الأولى من نوعها التي خطط لها زيغود يوسف الملقب بـ ‘’سي أحمد’’، قائد المنطقة التاريخية الثانية، في سرية تامة و بتخطيط جيد، و ما شهدته من هبة جماعية لأبناء الشعب الجزائري وتلاحمهم مع جيش التحرير الوطني، وما أعقبها مباشرة من معارك حقق فيها جيش التحرير الوطني انتصارات عديدة ومستمرة، كل ذلك كان له تأثير كبير وواضح على الصعيد الداخلي والخارجي، وتنوعت هذه الانتصارات بين معارك طويلة دامت عدة أيام ، وكمائن خاطفة، وعمليات تصفية الخونة والمتعاونين مع الاستعمار.وإذا كانت بوادر تدويل القضية قد بدأت تظهر أشهر قبل هذه الهجمات، في مؤتمر باندونغ في أفريل 1955، فإنه و بعد أربعة أشهر تأتي انتفاضة 20 أوت 1955 لتؤكد البعد الدولي للقضية الجزائرية وعدالتها، حيث تم إدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ومناقشتها في دورتها الخريفية في الـ 20 سبتمبر1955، ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت القضية الجزائرية حاضرة في كل دورة للجمعية العامة الأممية.
إذا إن هذه الهجومات كما يؤكد الباحث في التاريخ، قد تم التخطيط لها وفق استراتيجية محددة و تم تحقيق أهدافها بتجاوز عقدة الجيش الفرنسي وإسقاط الصورة النمطية عن ‘’ هذا الجيش الذي لا يهزم’’، " إلى جانب تجاوز الدعاية الفرنسية والحرب النفسية الفرنسية في بداية الثورة، وأكثر من هذا ربط تلك العلاقة القوية بين الجيش والشعب، لأن هذا الجيش سيجد سنده في عامة الجزائريين".
فإذا كان الجيش الفرنسي في تلك المراحل يجد سنده في الاحتياطيين وفي الميزانيات الضخمة التي كانت تضخ في ميزانية وزارة الدفاع الفرنسية فإن جيش التحرير الوطني سيجد سنده في الشعب الذي يصبح هو الجندي وهو القائد في جيش التحرير الوطني إلى غاية تحقيق الاستقلال، كما يضيف محدثنا.
الذاكرة لا تسقط بالتقادم
وبرأي الأكاديمي فإن الحديث عن هجمات 20 أوت 1955، التي تعد منعرجا حاسما في تاريخ ثورة التحرير، يجرنا للحديث عن موضوع الذاكرة، لكننا لا نركز فقط عن وصف الأحداث الميدانية، التي جرت على غرار المعارك البطولية التي خاضها جيش التحرير الوطني قوات الاحتلال الفرنسي، وسياسة البطش والمجازر التي اقترفها جيش الاحتلال في حق الشعب الجزائري، وإنما يتوجب علينا حسبه أن نتكلم عن المعطيات الجديدة التي حدثت في حياتنا اليومية ومن بينها اليوم الوطني للجيش، المصادف للـ 04 أوت من كل سنة، والذي يؤرخ لتحويل جيش التحرير إلى الجيش الوطني الشعبي، وعن علاقة التلاحم بين الشعب والجيش. ولكننا في المقابل وفق تحليله، يجب أن نستمر في تسليط الضوء على الدور الفعال الذي لعبته الجزائر في دعم حركات التحرر وتصفية الاستعمار في إفريقيا وفي باقي مناطق العالم.
من جهة أخرى «ينبغي الاستمرار في إدانة سياسة البطش التي اقترفها الاستعمار الفرنسي ضد الشعب الجزائري، والمجازر التي تم ارتكبها عبر مختلف أنحاء الوطن وذهب ضحيتها ملايين الجزائريين ومن بينها الانتقام البشع الذي ارتكبته قوات الاحتلال باقترافها مجزرة كبيرة في اليوم الموالي لهجمات 20 أوت 1955، بملعب فيليب فيل سابقا المسمى حاليا ملعب 20 أوت 1955 بسكيكدة، أين تم حشر آلاف الرجال والنساء والأطفال والشيوخ و بإعدامهم، حيث ذهب ضحية الحملة الانتقامية للاحتلال والمليشيات الفاشية ما يقارب الـ 12 ألف جزائري».
وفي عين اعبيد بولاية قسنطينة كما يؤكد الأكاديمي والباحث في التاريخ جمال يحياوي، قام معمرون مسلحون ورجال الدرك بالانتقام من المواطنين الأبرياء العزل غداة هجمات 20 أوت، فقتلوهم رميا بالرصاص وبدم بارد انتقاما منهم و كان ذنبهم الوحيد أنهم جزائريون، وقد وثق صحفي أمريكي هذه الجريمة النكراء بكاميرا والقنوات التلفزيونية الوطنية تتداول صورة وحيدة ما تزال محفوظة في الأرشيف توثق قيام دركي فرنسي بالإجهاز على مواطن جزائري رميا بالرصاص.
ولهذا يجب وفق المؤرخ أن نبقى كجزائريين نطالب الطرف الآخر بالاعتراف بجرائمه التي مازالت إلى حد اليوم مربط الفرس في علاقاتنا مع الدولة الفرنسية لأن جرائم فرنسا الاستعمارية لا تسقط بالتقادم ولا تعني منطقة معينة ولا ترتبط بحدث معين وإنما بمجموعة من الجرائم منذ 1830 إلى غاية جويلية 1962، باعتبار أن فرنسا الاستعمارية وحتى في المرحلة الانتقالية بين 19 مارس 1962 تاريخ الإعلان عن وقف إطلاق النار وإعلان الاستقلال في 5 جويلية 1962 ، استمرت في اقتراف جرائم في حق أبناء الشعب الجزائري، ومن بينها جرائم منظمة الجيش السري الإرهابية، والأحداث التاريخية المرتبطة بمناسبات مختلفة من تاريخنا المجيد، «تعيدنا دائما للحديث عن الذاكرة لأن الذاكرة عندنا كجزائريين ليست مجرد تذكّر أحداث فقط وإنما لبناء الشخصية، لأن الذاكرة هي التي تجمع الجزائريين وتوحدهم وهي التي ترسم معالم الطريق بالنسبة للأجيال، و النظرة المستقبلية تبقى مرتبطة بذاكرتنا».

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com