أقليات غير مسلمة تؤكد أنها تعيش بسلام في الجزائر
ينفي مسيحيون وبوذيون يعيشون في الجزائر وقوعهم تحت تأثير النظرة التطرفية للأقليات أو تعرضهم لأي نوع من الازدراء بخلفيات دينية، ويؤكدون أنهم يعيشون بسلام داخل مجتمع لا ينبش وراء المعتقد ويتقبل الاختلاف، و مع تأكيد البعض بأنهم يتكتمون عن دياناتهم خوفا من ردات فعل غير متوقعة ويفضلون ممارسة الشعائر بشكل سري وعدم إظهار ما يرمز للديانة، إلا أنهم يعترفون بأنه مجرد سلوك حذر تمليه معطيات لها علاقة بما يجري في العالم من تصادم بين الديانات لا بواقع المعاملة في الجزائر التي يسودها الاحترام.
تحقيق: نور الهدى طابي * تصوير : الشريف قليب
النصر ومن خلال هذا التحقيق دخلت دور العبادة لأقليات مسيحية تعيش بقسنطينة وسط المجتمع لا على هامشه، و اقتربت من أشخاص من جنسيات إفريقية وأوروبية و آسيوية لنقل صورة صحيحة عن واقع معاملة طلبة وعمال وحتى رجال دين يشاركون الجزائريين الفضاء والمعيشة دون حساسيات أو حرج، حتى و إن لمسنا نوعا من التحفظ حول إلتقاط صور إلا أن من تحدثنا إليهم يؤكدون أنهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ولا يقعون تحت أي نوع من الضغوط، عدا كونهم لا يجدون أماكن كافية للعبادة .
القس ميشال غيو ممثل الكنيسة الكاثوليكية بقسنطينة و الشرق
الجزائر نموذج ناجح للتعايش الديني في المنطقة العربية الإسلامية
يرى ممثل الأقلية المسيحية الكاثوليكية بقسنطينة و شمال شرق الجزائر، القس ميشال غيو مسؤول دار الرعي الصالح، بأن مسيحيي الجزائر يتمتعون بهامش كبير من الحرية الدينية و الحماية القانونية، إذ تعد الجزائر بمثابة نموذج ناجح إلى مدى بعيد، فيما يخص التعايش الديني، مقارنة بباقي الدول العربية و الإسلامية، و الحديث عن وجود تضييق أو ضغوط مفروضة على هذه الأقلية فيه نوع من المبالغة، لأن القوانين جد مرنة، و أي اختلافات تنسب عادة إلى أفعال فردية، قد تكون صادرة عن بعض الأشخاص و ليس المؤسسات.
المتحدث بين بأنه طيلة عشر سنوات قضاها في الجزائر، لم يقف على أي نوع من أنواع العدائية أو الضغط، كما لم يسمع بتدخلات من قبل مصالح الأمن أو إجراءات من قبل مؤسسات الدولة، ضد أي شخص بسبب خلفيته الدينية، و هو موقف، قال بأنه يصر على إبرازه في كل مرة، مشيرا إلى أن منطقة القبائل تعد بمثابة تكريس ايجابي لمبدأ التعايش السليم بين الأديان.
بخصوص عدد المسيحيين في الجزائر، قال القس، بأنه غير مستقر إذ يرتفع و ينخفض حسب حركة الأفراد، على اعتبار أن غالبية مسيحيي الجزائر هم من العمال الأجانب من الصينيين، الفيليبينيين، المصريين، السيريلانكيين، و الأوروبيين من الفرنسيين أو الإيطاليين و البرتغاليين، لذلك يصعب جردهم وتقديم عدد حقيقي لهم، بالمقابل يصل عدد مسيحيي قسنطينة إلى حوالي 50 فردا من أوروبيين و أفارقة، من بينهم 5 عائلات جزائرية.
و أكد المتحدث من جهة ثانية، بأن الحديث عن وجود نشاط تبشيري تقوده الكنيسة، يعتمد على توزيع الهبات و الأجهزة الكهرومنزلية و تأشيرات الإقامة و السفر غير صحيح، خصوصا ما تعلق بالكنيسة الكاثوليكية، على حد قوله ، إذ أن هيئته الدينية تعمل، وفق قوانين الدولة و تحترمها، كما أن هدفها الأساسي هو رعاية أبناء الأقلية و متابعة شؤونهم، بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أن الكنيسة تستقبل في العديد من المناسبات بعض الطلبة الجزائريين المسلمين، الذين يدفعهم الفضول الى طرق أبواب دار الرعي الصالح، المتواجدة على مستوى كلية الطب بقسنطينة، لكن العلاقة تبقى علاقة احترام و انفتاح ثقافي لا أكثر.
المتحدث أكد بأن الأبرشية لم تتقدم بأي طلبات للترخيص لها ببناء كنائس جديدة أو أماكن عبادة، لأن عدد أتباع الديانة لا يفرض ذلك، بالرغم من وجود نقص ملموس في ولايات قريبة كسكيكدة، و قالمة، يعاني منه طلبة جامعيون يضطرون للانتقال إلى عنابة للتعبد أحيانا، مرجعا ذلك إلى تركيز تواجد المسيحيين في المدن الثلاث الكبرى قسنطينة، وهران و العاصمة.
المجتمع أصبح أكثر انفتاحا مقارنة بالعشرية الماضية
حسب الأب ميشال غيو، فإن هناك انفتاحا اجتماعيا ملحوظا على الأقلية المسيحية خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالعشرية الماضية، فبالرغم من أن المجتمع الجزائري يميل إلى التدقيق و معرفة كل شيء عن كل شخص، إلا أن التوجس من الاختلاف الديني لم يعد بنفس الحدة، كما كان سابقا، خصوصا بالنسبة للأوروبيين الذين تكون ديانتهم معلومة مسبقا، بسبب أصولهم الغربية.
يبقى المشكل الوحيد المطروح بالنسبة للطلبة الأفارقة الذين يمثلون الأغلبية المسيحية، هو معاناتهم من نوع من الصعوبة في التأقلم، ففي وقت يكون بعضهم علاقات اجتماعية ممتازة مع المسلمين الجزائريين، لم يتمكن آخرون من الاندماج، بسبب تجارب فاشلة عاشوها لدى وصولهم إلى الجزائر، بسبب بعض العقليات المنغلقة ، حتى أن بعضهم تعرضوا للرشق بالحجارة، ما حفر عميقا في نفسيتهم، و دفعهم إلى تكوين أحكام مسبقة منعتهم من إبراز انتمائهم و دفعتهم إلى الانطواء، بالمقابل لا يمكن الإنكار بأن المجتمع، و ليس الدولة، لا يزال يرفض تقبل الجزائريين المتنصرين، أو من اعتنقوا المسيحية بعد إسلامهم.
و تعد الحملة المغرضة على المسيحيين، كما وصفها المتحدث و التي شنتها بعض وسائل الإعلام، و تحديدا الجرائد سنة 2006، بحجة محاربة النشاط التبشيري، واحدة من المحطات المفصلية التي كان لها تأثير مباشر على واقع الأقلية المسيحية في الجزائر، إذ أنها،عكس ما أراد لها من كانوا يقفون وراءها، "ساهمت في تسليط الضوء علينا و توعية المجتمع بوجود الآخر، وهو ما سمح لنا بالبروز و الكينونة، أخيرا أصبح المجتمع الجزائري المسلم ،مدركا لوجودنا و معترفا بنا " ،كما علق.
وأضاف بأنه ورغم اتساع الفكر المتطرف في العالم عموما، وما أثارته رسومات " شارلي إيبدو" الكاريكاتورية من استياء، إلا أن ذلك لم يؤثر بشكل سلبي واضح على نوعية التعايش السلمي في ظل الاحترام بين المسلمين و الأقلية المسيحية في الجزائر، حتى أن هنالك نوعا من الانفتاح على المسيحيين ذوي الأصول الجزائرية، بدأ يظهر مؤخرا وهو ما تجسد من خلال ردود أفعال رصدها ملتقى حول "الإساءة للأديان" نظمته جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة قبل سنة تقريبا، أظهر ارتفاعا في مستوى الوعي الاجتماعي و ميلا نحو دحض الفوارق و تجاوز الأحكام المسبقة لتحقيق التعايش.
مسؤول الكنيسة البروتستانتية بقسنطينة
أبراهام بوجاجة الأقلية المسيحية لا تعاني من ضغوطات أو عدائية
اعتبر مسؤول الكنيسة البروتستانتية بقسنطينة أبراهام بوجاجة، بأن الأقلية المسيحية في قسنطينة و الجزائر على وجه العموم، لا تعاني من ضغوطات أو عدائية، مشيرا إلى أنه شخصيا يتمتع بعلاقات طيبة مع جيران كنيسة الوحدة الميثودية، المتواجدة على مستوى شارع بن مليك.
و أوضح المتحدث، بأن الكنيسة التي يعود وجودها لبداية التسعينيات، لطالما كانت محط اهتمام من قبل العديد من طلبة جامعة العلوم الإسلامية الأمير عبد القادر، و موضوعا لدراساتهم في مجال مقارنة الأديان، لذلك فإن هنالك نوعا من التعايش و التبادل و الانفتاح يطغى على نشاطها عموما، مشيرا إلى أن غالبية أتباع الكنيسة في قسنطينة، هم طلبة أفارقة يشكلون نسبة 80 في المائة تقريبا من الأوفياء لها، بينما تشكل النسبة المتبقية، مسيحيين أوروبيين، أو جزائريين اعتنقوا المسيحية.
و نفى كل ما يشاع حول وجود نشاط تبشيري من أي نوع، مؤكدا بأن الكنيسة تفتح أبوابها أمام الجميع دون استثناء، لكن لممارسة إيمانهم و تكريس قناعاتهم الدينية لا غير، و استقبال بعض الأشخاص المهتمين بإجراء المقارنة بين الإسلام و المسيحية، لا يعني بأن الأمر يتضمن نوعا من التبشير، مؤكدا بأن المسيحيين يندمجون بصورة جد سريعة و إيجابية مع الغالبية المسلمة، وكما يزورون المساجد من باب الفضول و حب الاطلاع ، يفعل المسلمون ذلك.
في ما يتعلق بوضعية الجزائريين الذين اعتنقوا المسيحية، أوضح بأنهم يميلون إلى الاحتفاظ بقناعاتهم الدينية لأنفسهم و عدم إشهار انتمائهم العقائدي، خوفا من رد فعل المجتمع و تحديدا الأسرة، مضيفا بأنه لا يملك صورة واضحة عن الوضع عموما، نظرا لكونه تقلد مسؤولية الكنيسة قبل ستة أشهر فقط.
رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني
لم نتلق شكاوى من غير المسلمين و عددهم 100 ألف تقريبا
أكد رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، بأن هيئته و منذ تأسيسها لم تتلق أي شكاوى من غير المسلمين، تتعلق بالتضييق على ممارسة العقيدة أو حرية التعبد، مشيرا إلى أن الأقلية غير المسلمة في الجزائر تعادل 100 ألف شخص، حوالي 5000 فرد منهم يدينون بالمسيحية ،
و الباقي يهود و بوذيون و ذوي عقائد أخرى مختلفة . و أوضح المحامي بأن الجزائر من الدول الأكثر احتراما لحرية الممارسة الدينية، في إطار ما يسمح به القانون، تماما كالعديد من دول العالم المتحضرة، وتاريخها يشهد لها بذلك، إذ أن الدولة بمختلف مؤسساتها طالما ضخت كل الإمكانيات المادية والمعنوية لضمان حرية المعتقد لغير المسلمين رغم كل ما يقال عنها، مضيفا بأن المادة 36 من الدستور، تعد تأكيد على مبادئ الجزائر و احترامها لحرية الأفراد، إذ لم يسبق لها أن مارست أي نوع من أنواع التضييق أو الضغط أو العراقيل على اليهود أو المسيحيين أو غيرهم.و قال الحقوقي، بأن القوانين المنظمة للشعائر الدينية في الجزائر، سمحت بوقف التجاوزات التبشيرية، إذ لم تسجل منذ حوالي خمس سنوات، أي قضايا من هذا النوع.أما بخصوص ما تداوله التقرير الأمريكي الأخير، الذي اتهم الجزائر بالتضييق على حرية المعتقد، فقد أوضح المتحدث بأنه مغلوط و لا يمت للصحة بأي شيء، مؤكدا بأن الأمر لا يعدو أن يكون دعاية ذات خلفيات و أغراض سياسة، إذ أكد بأن هيئته قدمت اعتراضا رسميا على مضمون التقرير، وذلك في مراسلة خاصة للبيت الأبيض الأمريكي تضمنت إشارة إلى ضرورة تصحيح الأخطاء و التأكد من المصادر، فضلا عن توجيه دعوة لإجراء عمل ميداني يبرز الحقائق و يعكس الواقع.
مسيحيون و بوذيون هناك تعايش لكنه حذر و عدد دور العبادة قليل
تقربنا من عدد من المسيحيين بقسنطينة، لتسليط الضوء على مستوى تعايشهم مع الأغلبية المسلمة، ومدى اندماجهم في المجتمع عموما، فكان لنا لقاء مع شريحتين أساسيتين، الأولى تخص طلبة جامعيين، معظمهم من النيجر، زيمبابوي و الكونغو، أما الفئة الثانية فتضم عمالا صينيين، إيطاليين و برتغاليين.
و بالرغم من أن جميع من شملهم استطلاعنا، رفضوا التصريح بهويتهم و نشر صورة لهم في الجريدة، إلا أن الغالبية اتفقوا على أن الحديث عن وجود تعايش ديني أمر واقعي، حتى وإن كان الوضع لا يخلو من بعض التفاصيل الراجعة بالأساس، إلى طبيعة المجتمع الجزائري المحافظ.
لقاؤنا الأول كان مع النيجيرية ساشا، التقيناها بمكتبة بوسط مدينة قسنطينة، فقالت بأنها تتواجد في الجزائر منذ قرابة ثلاثة أشهر، بإيعاز من جمعية إنسانية ذات طابع تضامني، و تعمل بصورة مستقلة عن الجهات الرسمية، وهدفها متابعة ظروف الطلبة الأفارقة في الجزائر، أضافت بأنها تملك شقة بمنطقة زواغي تأوي الطلبة الذين يواجهون صعوبات مادية أو عابري السبيل و حتى بعض الجزائريين الذي يبحثون عن أماكن للمبيت عند تنقلهم من ولاية إلى أخرى.
باعتبارها مسيحية، أكدت ساشا بأنها ومنذ وصولها إلى قسنطينة، لم تواجه أية مشاكل تذكر، لا مع السلطات و لا مع المواطنين، لأنها غير مطالبة أساسا بالتصريح بانتمائها الديني، مشيرة إلى أنها تمارس عقيدتها بكل أريحية، خصوصا في ظل توفر الكنائس و أماكن التعبد، مضيفة بأن الأمر الوحيد الذي يضايقها هو عدم قدرتها على ارتداء قلادة الصليب، لأنها تدرك أن الأمر قد يخلق حساسية في مجتمع محافظ، لا يزال متمسكا بقوة بعقيدته الإسلامية.
أما ماكوبي، وهو طالب من زمبابوي، فقابلناه خلال قداس الثلاثاء بالكنيسة البروتستانتية، فبين لنا بأنه يعيش في الجزائر منذ سنتين و يدرس اللغة الانجليزية، و يتمتع بعلاقات جيدة مع زملائه المسلمين الجزائريين، غير أن مشكلته الوحيدة هو ومن يشاركونه السكن من الطلبة الأفارقة، تكمن في عدم قدرتهم على أداء الصلاة داخل الشقة، تجنبا لإزعاج الجيران و خوفا من رد فعلهم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن صلاتهم تتضمن التهاليل،وهو ما يضطرهم للتنقل إلى وسط المدينة في كل مرة للصلاة داخل الكنيسة.
بينما أكدت أنومي سيسي، من نيجيريا، بأنها دائما حذرة و تواجه صعوبة في التأقلم مع محيطها لأنها تلمس اختلافها كمسيحية، و تخاف من ردود الأفعال، خصوصا و أنها تنزعج كثيرا من سؤال البعض لها إذا ما كانت تصوم أم لا خلال شهر رمضان، معلقة بأنها ربما قد كونت أحكاما مسبقة لا أساس لها، لأنها في النهاية لم تواجه أي عدائية من أي شخص، منذ وصولها قبل سنة لدراسة الهندسة.
أومبيرتو الايطالي وهو عامل بمشروع الجسر العملاق، أخبرنا بأنه لا يواجه أية مشكل بسبب خلفيته الدينية المسيحية، حتى خلال الأعياد و المناسبات الدينية، لأن المجتمع لا ينتبه أساسا لتصرفات الأجانب و لا يراقب تحركاتهم و زياراتهم للكنيسة من عدمها.
في حين قالت تشي هوان، الصينية الوحيدة التي قبلت الحديث معنا ، بأن الكثير من الصينيين المسيحيين الذين تعرفهم، يفضلون الصلاة داخل مقرات إقامتهم، بدلا من الذهاب إلى الكنيسة وذلك بسبب ضغط العمل، مؤكدة بأن الاختلاف في العقيدة لم يشكل يوما مشكلا بالنسبة إليهم، كما لم يؤثر بأي شكل على تجارتهم، بالعكس أخبرتنا بأن العديد من الصينيين اعتنقوا الإسلام نتيجة احتكاكهم الكبير بالمسلمين و اندماجهم القوي في المجتمع.
لكن، حسب المتحدثة، يواجه الصينيون البوذيون من أمثالها، مشكلة حقيقية في الصلاة وممارسة الشعائر، بسبب انعدام أماكن العبادة لذلك يميلون إلى زيارة الكنائس كحل بديل.
نفس الموقف ذهب إليه ناندو الفلبيني، عامل بإحدى و رشات البناء بالمدينة الجديدة، و الذي كشف لنا عن عقيدته البوذية، مؤكدا بأنها لا تشكل أي عائق أمام اندماجه في المجتمع، حتى أنه و العديد من زملائه الصينيين، حظوا بكرم كبير من قبل المسلمين الذين أصروا على مشاركتهم وجبات إفطارهم خلال رمضان الماضي.
بومدين بوزيد مسؤول ديوان الثقافة بوزارة الشؤون الدينية
تقنين الممارسة الدينية ضرورة لمحاربة الطائفية
وفقا لقانون تنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين الصادر في 28 فيفري 2006، طالبت الحكومة الجزائرية الكنائس بالتكيف مع قوانين الدولة، على أن تتم الممارسات الجماعية للشعائر الدينية في البنايات المخصصة لذلك دون غيرها، وتكون عامة و ظاهرة المعالم من الخارج، كما نص القانون المذكور، على منع كل كلمة أو كتاب أو وسيلة سمعية بصرية تحتوي على استفزاز أو إغواء هدفه تحويل المسلم إلى ديانة أخرى.
و يؤكد مدير الثقافة بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف بومدين بوزيد، بأن الجزائر لا تمارس أي نوع من أنواع التضييق على حرية الممارسة الدينية، عكس ما تروج له بعض التقارير الخارجية، و كان آخرها تقرير أمريكي ذهب إلى حد تصنيف الإباضيين كأقلية دينية، وهو أمر مرفوض، موضحا بأن المجتمع الجزائري يتعايش بشكل متسامح مع مختلف الأقليات، وذلك وفقا لقوانين الدولة، التي لا تهدف، حسبه، إلى التضييق، بل تعد ضرورة لتنظيم الممارسة الدينية و محاربة الطائفية.
حسب المسؤول، فإن الأقلية المسيحية تمثل الشريحة الأكثر اندماجا في المجتمع الجزائري، نظرا لكونها تشكل الأغلبية مقارنة بطوائف أخرى بوذية أو يهودية، حيث يقارب عدد المسيحيين في الجزائر حوالي 3 آلاف فرد، يتوزعون على المدن الكبرى العاصمة، قسنطينة، وهران و بالأخص منطقة القبائل،و يأتي الكاثوليك في مقدمتهم و من ثم البروتستانت، و هذا الرقم تقريبي، يترجم من خلال عدد الكتب الدينية التي تطلب الأبرشية المسيحية بترخيص إدخالها، وهي عادة كتب إنجيل أو مختارات دينية ، باللغة الفرنسية و العربية و الأمازيغية.
و أضاف المتحدث بأن الجزائر من بين الدول العربية الإسلامية الأولى التي نظمت الممارسة الدينية من خلال قانون 2006، و ذلك بهدف حماية حقوق الأقليات، و هو مبدأ كرسته المادة 36 من الدستور الجديد، التي جاءت للتأكيد على ضمان حرية المعتقد، حيث ينتظر أن تتدعم قريبا بقوانين تنظيمية، و ذلك بمجرد أن يتم الإفراج عن قانون الجمعيات الدينية الموجود على طاولة الحكومة و المقرر أن يصادق عليه البرلمان خلال الأشهر القليلة القادمة.
وينتظر أن يشمل القانون الجديد مجموعة من الإجراءات التنظيمية التي تضبط الممارسة الدينية، سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين، خصوصا ما تعلق بشق بناء دور العبادة بما في ذلك المساجد، وذلك لمحاربة التدين السري، و بالتالي قطع الطريق أمام التطرف و الطائفية.
المسؤول اعتبر بأن الحديث عن وجود نشاط تبشيري في الجزائر، لا يعد من صلاحيات مصالحه بقدر ما يندرج ضمن اختصاصات وزارة الداخلية، مشيرا إلى أنه ربما قد تكون نسبة من الكتب الدينية التي تدخل الجزائر سنويا، بطلب من الطائفة المسيحية، موجهة للتبشير، وهو أمر غير مؤكد، خصوصا و أن مسيحيي الجزائر يحترمون قوانين الدولة، وقد يكون النشاط التبشيري حكرا على طائفة معينة ارتبطت بالتيار الليبرالي و المحافظين الجدد في أمريكا في مرحلة معينة.
لم نتلق مبادرات من اليهود و نتوجه نحو ترخيص بناء المعابد للبوذيين
نفى المدير المركزي بوزارة الشؤون الدينية، أن تكون الدولة الجزائرية قد مارست أو تمارس أي نوع من أنواع التضييق الديني على الأقلية اليهودية، مؤكدا بأن هذه الطائفة ينظر إليها القانون الجزائري كأي أقلية أخرى تتمتع بكامل الحقوق التي تمنح للآخرين، موضحا بذات الشأن، بأن الوزارة لم تتلق أي طلبات من قبل اليهود لترخيص فتح معابد أو إنشاء جمعيات معينة، وهو ما حال دون تحديد رقم حقيقي لعدد أتباع هذه الديانة في الجزائر.
مقابل ذلك، فإن الدولة تسعى إلى تنظيم كل أطر الممارسة الدينية، أيا كانت العقيدة المتبعة، و ذلك ضمن قالب قانوني يضمن احترام مبادئ الدولة و يحفظ نظامها العام، كما يسمح بالتواجد في منأى عن التقارير المغرضة التي تصدرها بعض الهيئات ضد الجزائر، و التي تشير إلى أن الأقليات الدينية تمثل 2 في المائة فقط، من النسيج الاجتماعي الجزائري، وتواجه صعوبات في ممارسة شعائرها، ما يعد مغالطة كبيرة لا تستند إلى أي أساس من الصحة، حيث أن الجزائر تعتبر من بين أكثر الدول احتراما لحرية المعتقد، وهو ما سيتجسد قريبا من خلال إمكانية تأكيد احتمال التوجه نحو السماح بفتح معابد للبوذيين، بقواعد الحياة التابعة للعمال الأجانب، و ذلك تماشيا مع الارتفاع الكبير في عدد العمال الصينيين والفيليبينيين و غيرهم من أتباع المذهب البوذي في الجزائر.
قوانين لمواجهة التبشير وحريات يضمنها الدستور
واجهت الجزائر خلال السنوات الأخيرة حملة مغرضة أطلقتها تقارير أمريكية وبعض الجمعيات الدولية و الوكالات الخاصة، اتهمت من خلالها الدولة بقمع حرية الأجانب في المعتقد وممارسة العبادة، ما اعتبره مسيحيون أجانب و جزائريون وحتى بوذيون افتراء و تفسيرا ضيقا نابعا عن أفكار مغلوطة، مؤكدين بأن الواقع الفعلي للممارسة الدينية في الجزائر يعكس صورة حضارية لمجتمع منفتح يتقبل الاختلاف و يحترم العقيدة في إطار محدد، لا يمس بتقاليد المجتمع و لا يتجاوز التنظيمات و القوانين، مشيرين إلى أن النظرة الضيقة للأقلية الدينية في الجزائر، تراجعت في السنوات الأخيرة بالرغم من تنامي الخطاب الطائفي المتطرف في العالم.
الدستور الجزائري الجديد، أقر مبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الرأي في المادة 29، و أكد في المادة 36، على ضمان حرية العقيدة و الرأي، يأتي ذلك في وقت تشير المعطيات إلى أن الأقلية غير المسلمة، باتت تشكل نسبة 2 في المائة من النسيج الاجتماعي العام، غالبية أفرادها مسيحيون.
وقد اعتمدت الجزائر في الفترة الممتدة بين 2002 و 2005، إجراءات جديدة لتنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، تضمنت عقوبات تصل إلى حد السجن لنحو 5 سنوات و غرامات مالية، لكل من يثبت تورطه في نشاط تبشيري مشبوه، وذلك بعد "تنصر" 10 آلاف شخص في الفترة المذكورة، إذ منحت ذات التدابير صلاحيات واسعة للمسؤولين المحليين لمنع أي تظاهرة و صد أي نشاط، إذا ما رأوا أن ذلك يشكل خطرا على حفظ النظام العام، كما أخضعت حق التظاهر الديني لشرط الترخيص المسبق.
كما تمنع هذه القوانين ، استعمال وسائل إغراء أو مؤسسات تعليمية أو تربوية أو إستشفائية أو ثقافية أو أي مؤسسة أخرى لحمل مسلم على تغيير دينه وإلقاء الخطب أو القيام بممارسات مشبوهة مثل جمع التبرعات أو قبول الهبات، دون ترخيص و القيام داخل الأماكن المعدة لممارسة الشعائر الدينية بأي نشاط يتعارض مع طبيعتها أو مع الأغراض التي وجدت لأجلها، و كلها إجراءات اعتبرت جهات خارجية بأنها تشكل نوعا من التضييق و الضغط على واقع الممارسة الدينية ما نفاه مسيحيون و حتى بوذيون، مؤكدين بأن الجزائر تعد نموذجا ناجحا للتعايش الديني، مقارنة بالعديد من الدول.