كانت الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية ترصد تحركات القائد سي أحمد زيغود يوسف وزياراته الميدانية لتنظيم وتفقد الوحدات القتالية في الناحية الشرقية للسمندو بقيادة بولعراس بوشريحة والناحية الغربية للسمندو بقيادة محمد الصالح ميهوبي المعروف بمحمد الصالح بليمهوب. وهنا يفيد تقرير مفصّل مبني على استنطاق مجاهد أسير أعده الفيلق الثامن عشر (18eRIPC) قطاع الحروش تحت رقم 458 بتاريخ 6 أوت 1955 بزيارات القائد سي أحمد زيغود يوسف للفصائل التي يقودها بولعراس بوشريحة في دوار الصوادق و المجابرية والخرفان والغرازلة انطلاقا من مشتة الكرمات، وهذا تحضيرا لشن هجمات 20 أوت 1955، وهنا يركز التقرير على السلطة والاحترام الكبير الذي يكنه الجنود للقائد سي أحمد يوسف زيغود. ويضيف بلاغ أمني آخر قائمة مفصلة بقيادة بولعراس بوشريحة للمجموعات النشطة في الناحية الشرقية للسمندو بمساعدة حسين بوشامة وعيسى بوضرسة»سي عمار» بتعداد ما بين 35 و40 عنصر غالبيتهم المطلقة من وادي زناتي ومشتة الكرمات و الصوادق.
لكن هذه الأجهزة أخفقت بشكل كلي في المشروع الذي كان يدور في ذهن سي أحمد قائد الشمال القسنطيني لتحضير هجمات مكثفة وأهداف محددة في 20 أوت 1955 لتحقيق الأهداف المسطرة خصوصا كسر الضغط العسكري على الجنوب القسنطيني وتأكيد استمرارية وشمولية الثورة المسلحة. وتتطابق الشهادات المتوفرة على أنّ مهندسها هو القائد «سي أحمد يوسف زيغود» الذي تفيد الشهادات بتلقيه رسالة من البشير شيحاني «سي مسعود» يطالبه فيها بشن هجمات لتشتيت القوات المعادية في الأوراس كما تبينه شهادة المجاهد محمد السعيد لوصيف أحد المشاركين في الهجمات وأخ المجاهد رابح الأمة قائد هجوم 20 أوت 1955 على بلدة وادي زناتي.
للتاريخ فقد تشكلت قيادة الشمال القسنطيني التي خططت وهندست لهجمات 20 أوت 1955 من يوسف زيغود «سي أحمد» ومحمد الصالح ميهوبي وبولعراس بوشريحة عن ناحية السمندو التي وسعت بعد ذلك المشاورات لبقية أعضاء قيادة الشمال ، وهم تحديدا لخضر بن طبال عن الناحية الغربية وعمار بن عودة عن ناحية عنابة، وتوسعت القيادة في شهر جوان بإنشاء ناحيتين جديدتين، الأولى هي سكيكدة بقيادة سماعين زيغد و الثانية هي قالمة-عزابة بقيادة عبد السلام بخوش المدعو «سي الساسي»، وتظهر مختلف الصور اجتماعات هذه القيادة قبل عقد الاجتماعات الموسعة لاحقا في بوساطور والزمان.
كانت الاجتماعات الأولى فيها قيادية إذن بصفة محضة، أما في المرحلتين التاليتين فكانت تحضيرية وموسعة بحضور القادة الميدانيين والجنود لتوزيع المهام، وهذا في اجتماع بوساطور قرب سيدي مزغيش وبحضور الهيئة القيادية للشمال القسنطيني: يوسف زيغود «سي أحمد» ولخضر بن طوبال وعمار بن عودة ومحمد الصالح ميهوبي وبولعراس بوشريحةوعبد السلام بخوش «سي الساسي» واسماعين زيغدوعدد من القادة الميدانيين على غرار عيسى بوضرسة «سي عمار» وعلاوة بوضرسةوالعايب دراجي ومسعود بوعلي، وهذا في25 جوان 1955، وفي اجتماع كدية داود بجبل الزمان غرب سكيكدة في بلدية بوشطاطة حاليا وهذا في 23 جويلية، فقد تمّ ضبط الخطط وتوزيع المهام من حيث القيادة وجمع الأسلحة والتعبئة الشعبية. وللتذكير فإن هذه المنطقة عرفت انتشارا وهيكلة للثورة وانشاء مركز لها في شهر ماي 1955 عن طريق سي أحمد يوسف زيغود ومحمد الصالح ميهوبي.
أما فيما يخص ناحية السمندوالممتدة من وادي زناتي إلى حدود بلدة القرارم، فقد أشرف يوسف زيغود «سي أحمد» ونائبيه محمد الصالح ميهوبي وبولعراس بوشريحة على تنظيم العملية من جمع الأسلحة وتعبئة الجنود والمسبلين والإشراف والتوزيع الميداني للقادة، وهذا باشراك الجنود الملتحقين بالثورة في أفريل وماي 1955 وتكليفهم أيضا بقيادة هجمات على البلدات الاستيطانية.
جرت اجتماعات محلية لتحضير الهجمات في كل المناطق كما هو متفق عليه مع جمع المزيد من بنادق الصيد وتعبئة المسبلين الذين تهيكلوا في مجالس المشاتي والدواوير تحضيرا لتوزيعهم على الأفواج المهاجمة، مع برمجة اجتماعات نهائية عشية 20 أوت 1955 في كل النواحي. ففي ناحية السمندو على سبيل المثال جرت الاجتماعات الأخيرة في مركز عبد الله بن مصباح ومزرعة بوقرة حسيني بعياطةشمال بلدة السمندو(زيغود يوسف حاليا). وفي دوار الصوادق جرى تجميع العدد الأكبر من المسبلين في المطلق عند عائلة بوضرسة حيث ألقى ﭬراس خطبة حماسية ووزت الأفواج على كل المناطق من بيزو والحامة وقسنطينة والخروب وغيرها. وفي 19 أوت 1955 بجبل الوحش أشرف القائد سي أحمد يوسف زيغود شخصيا وبحضور مصطفى عواطي مسؤول النظام بمدينة قسنطينة وعمر زعموش “فولف” قائد مجموعات الفدى ومسعود بوجريو وعمر طلاعة الملتحقان بالجبل في شهر ماي من نفس السنة وأعضاء النظام بالمدينة على غرار محمد الصالح لاخر والسعيد حمروش وغيرهم على تنظيم هجمات 20 أوت 1955 بقسنطينة، حيث حدد القائد يوسف زيغود “سي أحمد” أهداف الهجوم بعد أخذ رأي مصطفى عواطي ومسعود بوجريو وبعد أداء المهاجمين للقسم على المصحف أمامه بعدم خيانة الأمانة. ولهذا فإنّ السلطات الاستعمارية اعتبرت يوسف زيغود “سي أحمد” رجل هجمات 20 أوت 1955.
حقق شن هجمات واسعة على أهداف أمنية ومدنية في نفس التوقيت وهو 20 أوت 1955 في الساعة الثانية عشر زوالا ولمدة ثلاثة أيام لضرب 39 هدف نجاحا لافتا وكان له دورا محوريا في توسيع رقعة الثورة في الشمال القسنطيني خصوصا وأنّ القوات الفرنسية بدأت في عملية الانتشار الميداني بعد تثبيت وحدة للقوات الخاصة بقيادة الكولونالديكورنو(Ducourneau) ببلدة الحروش، وهو ما أربك السلطات الاستعمارية ونلمسه خصوصا بالنسبة لبلدة السمندو في طلب المجلس البلدي في جلسته ليوم 25 أوت 1955 توفير آليات مدرعة للكتيبة الأولى من الفرقة الرابعة (1/4 RIC) المنتشرة بالبلدة لضمان حماية فعالة خوفا من تكرار الهجوم.
لقد اعترفت نشرية المكتب الثاني في القوات الاستعمارية الخاصة بشهر أوت 1955 بنجاح هجمات 20 أوت 1955 في المنطقة الممتدة ما بين عنابة والميلية مع قوتها بشكل واضح على المحورين الممتدين ما بين قسنطينة وسكيكدة من جهة وقسنطينة ووادي زناتي من جهة ثانية مع تسجيل نجاح قيادة الشمال القسنطيني في تقوية جيش التحرير الوطني بمئات المقاتلين الجدد. وهي النتيجة ذاتها التي توصل إليها جهاز استخباراتي آخر وهو مركز الاتصالات والاستغلال الذي جعل من 20 أوت 1955 تحولا مفصليا في تاريخ الثورة التحريرية.
السلطات الاستعمارية ارتكبت مجازر في عدة مشات انتقاما من الهجوم
في المقابل أقدمت قوات الاحتلال على ارتكاب مجازر كبيرة في ناحية سكيكدة وعين عبيد وإبادة تسع مشاتي في المنطقة الواقعة بين السمندو وعزابة وعين عبيد منها مشتةالكرمات في دوار الخرفان التي ورد اسمها في بيان الحكومة العامة الذي نشرته جريدتا لوموند (Le Monde) والبرقية القسنطينية(La Dépêche de Constantine) في 23 أوت 1955 الذي تغنى بعمليات «سحق» مشاتي الثورة وفق تعبيرها. ولهذا فإن تاريخ 20 أوت 1955 يرتبط أيضا بمجازر وحشية ضربت المناطق الخلفية للثورة واستمرت إلى غاية بداية شهر سبتمبر 1955 وأدت إلى سقوط آلاف الشهداء من المدنيين اختلفت التقديرات حولها ما بين 12000 و20000 شهيد فيما لم تعترف السلطات الاستعمارية إلا ب 1173 بما في ذلك المستوطنين والعسكريين الفرنسيين. د.علاوة عمارة
فرنسا ارتكبت مجزرة بوادي المالح في سكيكدة ورمت جثث الشهداء للذئاب
وادي الصفصاف الذي يطلق عليه اسم "المالحة" هو إحدى الأماكن التي وقعت فيها أحداث 20 أوت و لا تزال شاهدة على وحشية وهمجية فرنسا الاستدمارية في حق الشعب الجزائري في 20 أوت 1955 ويذكر شهود عيان عايشوا الأحداث بأن قوات المستعمر الفرنسي قامت بقتل 17 شخصا من أبناء الشعب بوحشية ورمي جثثهم الطاهرة للذئاب ولحد اليوم لم يتم العثور على رفاتهم لإعادة دفنهم حيث تم التعرف على 11 شهيدا فقط و6 شهداء لم يتم التعرف عليهم.
المجاهد هريو العيدي
قتلـنــا 45 جنـديا فـرنـسيا في اشـتبــاك بسـتان جبـل مكـسن
يروي المجاهد العيدي هريو الذي لا يزال يتذكر تلك الهجمات رغم كبر سنه، أنه صادف عندما كان عائدا من تونس وكان حينها قائدا لفيلق يتكون من 200 مجاهد لجلب السلاح ونقله إلى القل وبالتحديد بقرية جبل مكسن قرب المكان المسمى المالحة، وجدنا المكان محاصرا ولم يكن أمامنا سوى مواجهتهم من أجل مواصلة السير وإتمام المهمة حيث دخلنا في اشتباك معهم وتمكنا بفضل شجاعة المجاهدين من إلحاق خسائر بشرية فادحة في قوات العدو قوامها 45 جنديا، بينما فقدنا جندي واحد في صفوفنا ويواصل حديثه بكل تأثر قائلا: «كانت معركة شرسة، رغم أن قوات العدو كانت تحكم قبضتها على المكان وتسيطر عليه إلا أننا تمكنا بفضل تمركزنا الجيد في مواقع المكان الذي كان عبارة عن بستان تغطيه أشجار كثيفة من قيادة المعركة بكل بسالة والتغلب على الجنود الفرنسيين، الذين كانوا يسقطون تباعا أمام أعيننا» وأتذكر يضيف بأن المجاهد العيدي بويديوة الذي لا يزال على قيد الحياة أصيب حينها بجروح وتكفلت بحمله على أكتافي إلى غاية الصباح وتابع يقول أن التحضير لهجمات 20 أوت كان في شهر جوان تحت قيادة الشهيد زيغود يوسف وبعض القيادات من الميلية والقبائل، وبعدها عقدنا لقاء تحضيري مصغر بمنطقة بوزعرورة بالجهة الغربية للولاية ومن خلاله تلقينا التعليمات والتوجيهات من القادة وانطلقنا مباشرة في تعبئة الشعب وتحضيره لهذه الهجومات وأتذكر أننا شكلنا حوالي 300 مناضل من مختلف فئات الشعب مزودة بمختلف الأسلحة سواطير عصي وغيرها وتوجهنا إلى منطقة خندق عسلة التابعة إداريا لبلدية زردازة وكان ذلك تحت قيادة المجاهد المرحوم الشهيد العايب الدراجي وبقينا على مقربة من مدينة الحروش، بعد أن قسمنا أنفسنا على عدة مجموعات بكل من السعيد بوصبع، بئر أطل، الفج بمنطقة الظهيرة، والتوميات بحكم أن الاتفاق كان يقتضي ذلك، وبعد أن تلقينا الأمر دخلنا للحروش وشرعنا في الهجوم على عدة مناطق على وجه التحديد محكمة التي تم إضرام النار بداخلها رغم الحراسة المشددة. وفي الأخير أكد المجاهد العيدي هريو بأن هجومات 20 أوت 1955 كانت محطة مفصلية في تاريخ الثورة التحريرية كنا نسعى من خلالها إلى التأكيد على تماسك الثورة وإسماع صوت قضيتنا في المحافل الدولية وكشف مجازر فرنسا و بعدالة القضية التي تكافح من أجلها. كمال واسطة
عائلة المجاهد المرحوم أحمد مهري المدعو صالح
والــدنــا نصــح الشــهيد زيغــود يـوسـف بــأن العــدو سيقتــله لـــو ذهـــب إلــى سيدي مزغيش
في شهادة جديدة تنفرد بها النصر لأول مرة، يروي أبناء المجاهد المرحوم أحمد مهري المدعو صالح بأن والدهم حذر الشهيد ومهندس هجومات 20 أوت 1955 البطل زيغود يوسف من مغبة التوجه إلى منطقة سيدي مزغيش بولاية سكيكدة، وقال له بصريح العبارة بأن العدو سيقتلك لا محالة لأن المكان الذي كان سيختبئ فيه غير صالح لجعله منطقة استراتيجية للجيش بمنطقة الحمري لكون الأخيرة تعتبر موقعا مكشوفا وسهل للعدو أن يكشف مكانه، غير أن زيغود يوسف حسب شهادة عائلة المجاهد مهري لم يعر لنصيحة والدهم الذي كان يعرف جيدا تلك الناحية اهتمام وهذا ما حصل بالفعل، عندما تمكن العدو من اكتشاف مخبأ زيغود يوسف ليحاصره ويستشهد في منطقة الحمري، حينها أدرك رفقاء الشهيد زيغود يوسف بأن أحمد مهري كان على حق وتأكدوا بأن المنطقة كانت مكشوفة فعلا للعدو.
و المجاهد أحمد مهري هو من مواليد 27 ماي 1930 بالحروش انخرط في صفوف حزب الشعب في 1945، ثم التحق بالثورة التحريرية سنة 1955 عن طريق زيغود يوسف، و كان مكلفا بحراسة منطقة التوميات التي تبعد عن الحروش بنحو 3 كلم، وبعد وشاية ، ألقي عليه القبض من طرف العدو وحكم عليه ب 8 سنوات سجن و10 سنوات، وبعد اعتقاله فر من سجن الكدية بقسنطينة في 1962 والتحقق مجددا بالجبل، وشارك بعدها في حراسة انتخابات الاستقلال بمنطقة زيغود يوسف. ويواصل احد أبناء سرد بعض الأحداث والوقائع المرتبطة بالتحضير للثورة ومساهمة والدهم فيها، وفق ما أخبرهم به، حيث أنه لما التقى أحمد مهري ديدوش مراد في منطقة التوميات واختير لأن يكون مرافقا له في ممارسة الرياضة فكان والدهم مكلف بإرشاد الأخير في مسالك وطرقات المنطقة بحكم معرفته الجيدة للمكان لكن ديدوش مراد كان في كل مرة يتوقف لتدوين بعض المعلومات والمعطيات عن المنطقة بدون أن يعلم والدهم بالأمر وبعد 20 يوما انطلقت الثورة وعرف فيما بعد أن ديودوش كان يحضر و يجمع المعطيات تحضيرا لانطلاق الثورة.
كمال واسطة
وزير المجاهدين الطيب زيتوني
20 أوت عنوان لثورة التحرير
دعا وزير المجاهدين الطيب زيتوني أمس السبت بتلمسان الى التمسك بالتاريخ المجيد للجزائر والهوية الوطنية ومواصلة حفظ ذاكرة الشهداء والمجاهدين وأكد الوزير لدى افتتاحه أشغال ملتقى وطني حول شخصية الكاتب والباحث الراحل مولود معمري وإسهاماته في الثورة التحريرية أن جيل الثورة من مجاهدين وشهداء قد «عاهدوا ووفوا وما على الخلف من جيل اليوم الا أن يثبت أنه جدير بحفظ الأمانة وصيانة الوديعة التي خلفها السلف عن طريق الترفع عن الدنايا ونبذ الاستكانة والركون والخمول وعليهم أن يتعهدوا شعلة الوطنية بالرعاية لتبقى منيرة تقتبس منها الأجيال القادمة ودع السيد زيتوني الى ضرورة تذكر ذلك الماضي وصبر الشعب الجزائري وتحمله للمحن بذكاء وإيمان وقوة وبصيرة واستطاعته اعطاء درس كبير وعظيم في النصر ونصرة رسالة الجزائر وإعادتها لقوتها ولأصلها وفي حديثه عن اليوم الوطني للمجاهد أبرز السيد زيتوني أن المجاهد يعد «عنوانا لثورة التجرير ومجدا للأمة ورمزا مرتبطا بالتاريخ والحاضر سيظل الشعب الجزائري متمسكا بما يشمله من قيم ومبادئ ينهل منها باستمرار من أجل الرسالة الشريفة غايتها عزة الوطن وكرامة المواطن» معتبرا بأن ما حل على أرضنا وشعبنا ما كان ليقهر لولا جيل نوفمبر الذي لا يموت أبدا بمبادئه وقيمه في نقل الرسالة جيلا عن جيل.
وذكر أن الذكرى المزدوجة لليوم الوطني للمجاهد ومؤتمر الصومام هي فرصة نستلهم منها قيما متجددة لشحذ العزائم وصقل العقول وهي قيم ستظل الينبوع الذي نرتوي منه لتنوير الأفكار وشحن الارادات من أجل رفع تحديات المستقبل الذي وضع أسسه الأولى نساء ورجالا من خيرة الأمجاد كما نوع الوزير بمجهودات رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة في تطوير البلاد في جميع المجالات من أجل تحسين الاطار المعيشي للمواطن مشيرا الى أن كل ذلك من أجل جزائر السنوات القادمة وأشار الى أن مولود معمري حافظ على تلك الروح التي لازمته في كل مراحل حياته مدافعا عن أفكاره وقناعاته متمسكا بوطنيته الصادقة وحبه للجزائر معبرا عن نظرته للحاضر والمستقبل من خلال اصداراته التي أغنى بها مشهد الثقافة التي تنهل منها ومن معانيها الأجيال الصاعدة لأن عطائه كبير في خدمة الوطن وحماية الهوية والدفاع عن الشخصية يضيف السيد زيتوني -عنوانا للوفاء والمثابرة ومدرسة يجب أن يظل مولود معمري توفر للأجيال الزاد الضروري في بناء الشخصية الوطنية الأصلية يذكر أن هذا الملتقى الوطني ينتظم من طرف المحافظة السامية للأمازيغية في إطار القافلة الأدبية لمئوية ميلاد الكاتب والباحث الراحل مولود معمري بمشاركة مجموعة من الأساتذة والمختصين ومن جهة أخرى أشرف وزير المجاهدين على مراسم تسمية الشارع الرئيسي بحي ايمامة باسم الشهيد شبني غوتي والعيادة المتعددة الخدمات لحي «ابن تاشفين» بعاصمة الولاية باسم المجاهد الراحل عبد الله يخلف والعيادة المتعددة الخدمات لحي «اكداير» باسم الشهيدة بوعناني زوليخة. وأج
المجاهد عمر شيدخ العيدوني للنصر
أحداث 20 أوت نجحت سياسيا وعسكريا بمنطقة الميلية
يروي المجاهد عمر شيدخ العيدوني في حديث مع النصر تفاصيل مثيرة مما احتفظ به في ذاكرته عن أحداث 20 أوت 1955 بمنطقة سكيكدة والميلية، التي اهتزت فيها أركان جيش الاستعمار وتكبد خسائر كبيرة، كما سرد علينا أحداثا كثيرة وقعت بعد التاريخ المذكور، الذي شكل محطة هامة في تاريخ حرب التحرير بالجزائر وعلى مستوى “مملكة الفلاقة” مثلما أسماها في عنوان كتابه، حيث ساهمت المنطقة بقدر كبير في إنجاحها، كما استعصت فيما بعد على الجيش الفرنسي رغم ما قام به من ممارسات بشعة للقضاء على الثورة، وتفوقت عليه في جل المعارك، كما كانت واحدة من أقوى جبهات الثورة في الجزائر.
معارك 20 أوت تعود إلى أحداث 9 ماي بالميلية
ويذكر المجاهد عمر شيدخ العيدوني بأن جذور أحداث 20 أوت 1955، تعود إلى معارك وقعت على مستوى المنطقة في التاسع من ماي من نفس السنة، حيث فرضت القيادة على مجاهدي المنطقة الذين انضموا إليها بعدما كانوا في حركة انتصار الحريات والديمقراطية بأن يثبتوا ولاءهم وتأييدهم بشكل كامل للنهج العسكري لجبهة التحرير الوطني، فقام مجاهدو الميلية بشن مجموعة من الهجمات المختلفة على عدة نقاط في ذلك التاريخ، الذي يتزامن أيضا مع ذكرى 8 ماي 1945. وقد شملت المعارك دوار أولاد دباب وأولاد قاسم، وقطع فيها المجاهدون شبكات الكهرباء والهاتف وأشجار البلوط من منطقة زاهر إلى غاية جسر إحزوزاين، ومن الجسر المسمى بوسيابة إلى غاية القل، وهو نفس الجسر الذي نسفوه كما خربوا الطريق، ونصبوا كمائن لقوات الاستعمار.
وحققت هذه العمليات، بحسب نفس المصدر، صدى كبيرا في أوساط المستعمرين، ما جعل الشهيد زيغود يوسف، الذي كان يشاهد الأحداث من منطقة بني صبيح مع عبد الله بن طبال، يخطط لأحداث أكبر بالولاية الثانية تهز قوات الاستعمار الفرنسي ويكون لها صدى كبير على المستوى الدولي، حيث فكر في أحداث 20 أوت، التي كان منتصف النهار الموعد المحدد للشروع فيها، حيث اتصل مجاهدو الميلية بكل من يملك سلاحا حتى وإن كان يدويا مثل الشواقير والسكاكين وأخبروهم بأن يتأهبوا من أجل شن هجومات شاملة على قوات الاستعمار.
وقاد عبد الله بن طبال ومسعود بوعلي العمليات في الميلية، التي تعرف بـ”أولاد عيدون” في اسمها الأصلي بحسب عمر شيدخ، حيث أوضح محدثنا بأنه وقع قتال كبير على مستوى المنطقة المسماة بـ”أسردون” ومعارك وكمائن أخرى تكبد فيها الجيش الفرنسي خسائر كبيرة، في حين قاد بن طبال معركة بنفسه في يوم عشرين أوت على مستوى المكان المسمى “آراغو” ومعركة أخرى في مكان يسمى “بادسي”، حيث يشير في كتابه إلى أن “آراغو” أعلنت كأول منطقة مستقلة في الجزائر ولم تدخلها فرنسا بعد ذلك إلا في عمليات التمشيط الكبرى، في حين اتخذت كمركز قيادة وملجأ للقادة الكبار على غرار زيغود يوسف وعلي كافي وعلي منجلي وصالح بوبنيدر.
وفي اليوم الموالي للتاريخ المذكور، وقعت معركة كبيرة أيضا على مستوى منطقة سطارة بقيادة أحمد بلعابد، قتل فيها الكثير من المعمرين، لكن المجاهدين أصابوا أحد الجزائريين خطأ فيها على مستوى المكان المسمى “حزوزاين” بعدما ظنوا بأنه معمر، عندما كان يقود سيارته الشبيهة بسيارات المعمرين، فضلا عن أنه كان يشبه الأوروبيين. وقد قال زيغود يوسف بحسب محدثنا، بعد عام من الثورة “إن الثورة نجحت سياسيا في سكيكدة ونجحت سياسيا وعسكريا في أولاد عيدون”.
الضربة القاصمة باغتيال الحاكم الفرنسي لأولاد عيدون
وتمكن مجاهدو أولاد عيدون في يوم 22 أوت من اغتيال حاكم المنطقة المدعو رينو والذي كان يحمل رتبة عقيد، بعد رصد تحركاته، حيث كان يشرف شخصيا على إدخال المعمرين العاملين والمقيمين خارج المدينة، فقد قتل بالمنطقة المسماة “أودادن”، عندما كان على متن سيارته يسبق المعمرين، حيث عينت الثورة 11 قناصا أطلقوا عليه النار وأردوه قتيلا في حين عفوا عن سائقه. ويذكر محدثنا أيضا بأنه كلف بالحراسة خلال هذه الأحداث لأنه كان صغير السن عندما التحق بالعمل المسلح، مشيرا إلى أن هجمات عشرين أوت 55 تركزت في الميلية وسكيكدة بقيادة إسماعيل زيغد بينما لم تعد الأحداث التي وقعت في المناطق الأخرى عن كونها “مناوشات” بحسبه، ووقعت بالخروب وقالمة ووادي زناتي وقسنطينة، في حين ارتكب المعمرون مجزرة وحشية على مستوى عين عبيد قتلوا فيها 500 جزائري أعزل.ويتساءل المجاهد عمر شيدخ في كتابه “مملكة الفلاقة”، عن سبب عدم ذكر البلاء الحسن الذي قدمته منطقة الميلية في هذه الأحداث في كتب التاريخ الرسمية، كما يقول “إن الأحداث لم تمتد إلى غاية 27 من شهر أوت وإنما استمرت لثلاثة أيام فقط، مشددا على أن هذه الأحداث لم تجر أبدا للاحتجاج على سجن الملك محمد الخامس، رغم تأكيده على علاقة الأخوة بين الجزائريين والمغاربة.
ورشة متنقلة لتصليح الأسلحة بالمنطقة
ويضيف عمي عمر في كتابه بأن نجاحات أحداث 20 أوت بمنطقة أولاد عيدون، جعلت ابن طبال يأمر بإنشاء أول ورشة متنقلة لتصليح أسلحة المجاهدين وصيانتها، حيث أشرف عليها المجاهد بونويوة محمود المدعو بابن قريقة، أين كان يشتغل معه ما بين عشرة إلى 15 فردا، وقد استمر نشاط هذه الورشة إلى غاية الاستقلال، حيث كان أول مقر لها بالمكان المسمى “بصام”، وهو جبل واقع بين أولاد دباب وبني خطاب، في حين كونت العديد من المجاهدين حتى صاروا قادرين على القيام بأعمال الصيانة والإصلاح بأنفسهم، قبل أن تكشف القوات الاستعمارية على مكانها في سنة 58 وتستولي على عتادها، ليعيد المجاهدون بعثها في مكان آخر.
كما يؤكد محدثنا بأن الثورة على مستوى منطقة أولاد عيدون قد ازدادت تنظيما بشكل كبير بعد 20 أوت، حيث أصبح المجاهدون ينقسمون إلى ثلاث فرق، تتصدرهم الفرقة السياسية التي تتكفل بتوفير الأكل والعتاد وغيرها، والفرقة العسكرية الرسمية التي تسير في الجيش للقتال، بالإضافة إلى فريق محلي يشارك أعضاؤه في المعارك بأسلحة خفيفة، ثم يخفونها ويعودون بعد ذلك إلى نشاطات مدنية عادية، على غرار زراعة الزيتون والفلين، فالموارد كانت ضئيلة جدا في تلك الفترة، قبل أن يأتي مؤتمر الصومام ويزداد مجاهدو منطقة الميلية قوة وتنظيما.
ووقعت بعد العشرين من أوت معركة كبرى على مستوى المنطقة المسماة ذراع بولقشر ، حيث شارك فيها مائتا مجاهد ضد الجيش الفرنسي الاستعماري، الذي تكبد خسائر كبيرة أيضا، فقد تقدم المجاهدون كثيرا وبلغ الأمر حد القتال الجسدي، وهناك يذكر عمي عمر أن المجاهد المدعو “المشلط”، المعروف بقوة بنيته وتمرسه على القتال الجسدي، قد تمكن من القضاء على نقيب فرنسي بضربة من رأسه أسقطته أرضا فقتله، في حين استشهد آخر يدعى عمر بورغدة عندما خرج في مواجهة مباشرة مع ضابط فرنسي فأطلقا النار على بعضهما وسقطا في نفس المكان، لكن الغنيمة الكبرى في هذه المعركة هي قتل كولونيل يسمى ماني، كما أن مجاهدي الميلية تمكنوا من القضاء على عقيد ثالث في معركة أخرى، بإسقاط الطائرة العمودية التي كان على متنها.
الاستعمار يرد بطريقة قاسية
بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها الثورة بمنطقة الميلية، ردت السلطات الاستعمارية بمخطط بيجار، الذي رجع إلى بيته خائبا رغم أنه ألحق بعض الأضرار بالثورة في المنطقة، فكلف بعده الجنرال «غريبان» بنفس الأمر فغادر خاسرا أيضا، ليكلف الجنرال شال العقيد روجي ترانكي بالمهمة خلفا لسابقه، بعد أن ادعى الأخير بأنه من قضى على الثورة في الجزائر العاصمة وجاء متبجحا بما حققه من انتصارات، حيث قدما تعهدا لديغول بدحض الثورة في 6 أشهر، وقد قاموا بأبشع الممارسات ضد المدنيين والثوار، وجلبوا نساء أجبروهن على البغاء لتشتيت الرأي العام ومحاولة لاختراق صفوف جيش التحرير، كما شنوا حملة دعاية عليهم وفتحوا المواخير والملاهي لإلهاء الشباب.لكن الثوار ردوا عليهم بأن قضوا على 300 عسكري في تلك الفترة، كما حققوا انتصارات مهمة على المستعمرين خلال تواجد هذا العقيد بالمنطقة، حيث تجرأ مرة وأرسل رسالة إلى المجاهد المدعو بلحملاوي يطالبه فيها بوقف القتال، في مناورة منه ليثبت لديغول بأنه حقق الهدف وتحضيرا لزيارته، بحسب ما رواه لنا عمر شيدخ، لكن المجاهدين ردوا عليه برسالة قالوا له فيها إنهم «كانوا يظنونه عسكريا عبقريا ويمثل فرنسا بشرف لكن تبين بأنه عديم شرف يوم قام بتعرية أجساد نسوة في نقطة تفتيش وترك جنوده يتحرشون بهن».وارتكب جنود الاستعمار مجازر في حق المدنيين أيضا حيث أحرقوا منازلهم وقراهم ومحاصيلهم، ما دفع بهم إلى الهجرة نحو قسنطينة بسبب الجوع وما لحقهم من فقر، وهناك أطلقت عليهم تسمية «الحرايك» بحسب عمر شيدخ العيدوني، لأنهم كانوا يجيبون عندما يسألون عن سبب هجرتهم بالقول «الحرائق»، لكن سكان هذه المنطقة ينطقون حرف القاف كافا. وما زالت هذه التسمية تلاحق سكان المنطقة إلى اليوم.
الثوار كانوا قادرين على قتل ديغول عندما زار الميلية
ويضيف نفس المصدر بأن مجاهدي منطقة الميلية كانوا قادرين على قتل شارل ديغول عندما زار منطقة سطارة في سنة 1960، حيث رابط الجيش الفرنسي على ضفة من طريق السيارات بينما اتخذ المجاهدون أماكنهم على الجهة المقابلة، لكنهم تلقوا أوامر من القيادة العليا بعدم التعرض له بسبب المفاوضات والعمل السياسي والدبلوماسي الخارجي الذي كان جاريا في تلك الفترة، كما أن الجنود الفرنسيين أيضا لم يهاجموا المجاهدين لأنه لم يكن من مصلحة ترانكي أن يظهر لديغول بأن الأمن غير متوفر بالمنطقة.
لكن ديغول كان على علم بالتقارير المغلوطة التي كان يرسلها إليه الجنرال شال والعقيد ترانكي عن الوضع في أولاد عيدون، عن طريق وزيره ميسمر، حيث وجه خطابا شديدا لترانكي يوم زيارته وقال له “كفاك كذبا”.
أولاد عيدون من أقوى جبهات حرب التحرير في الجزائر
ويؤكد عمي عمر بأن الاسم الحقيقي للميلية هو أولاد عيدون، وتعني أبناء العائدين من القاهرة من أبناء قبائل كتامة بعد بناء الدولة الفاطمية، في حين شدد محدثنا على أنه لم يحمل رتبة مسؤول في جيش التحرير، حيث كان جنديا بسيطا لكن المهام التي أوكلت إليه جعلته يحتك بأهم القادة والزعماء في المنطقة. وأضاف محدثنا بأن الميلية كانت من أقوى الجبهات في ثورة التحرير، فقد ساعدتها التضاريس الصعبة في دحر جيش الاستعمار، وهذا ما أكد عليه الوالي العام للجزائر جاك سوستيل عندما زارها بعد أحداث التاسع من ماي 55.
وأشار نفس المصدر إلى أن العديد من مناطق الميلية لم تخضع حتى للسلطة العثمانية، على غرار سكان أولاد عواط الذين قضوا على «عصمان باي» حاكم بايلك قسنطينة عندما قاد حملة عليهم لإخضاعهم لسيطرته، فالتمرد على الغزاة من طبيعة سكانها، موضحا بأنه لم يسقط أي من قادة الثورة الكبار الذين مروا بالميلية أو مكثوا فيها طيلة سنوات الثورة.
إلا أن عمي عمر يشدد على أن الثورة واحدة، وأنه يجب محاربة الجهوية والعنصرية، فمن غير المعقول أن تكون جميع المناطق جبهات قوية للقتال ضد الاستعمار، كما أن التنسيق كان يتم بين مختلف المناطق في الجزائر، منبها بأن حرب التحرير كانت ضد الاستعمار فقط ولم تكن حتى ضد فرنسا كدولة. كما أوضح بأن المجاهدين لم يكونوا مجرمين ولم يقتلوا المدنيين الفرنسيين، باستثناء المعمرين المسلحين ضدهم، مذكرا بحادثة أسر فيها المجاهدون مدنيين فرنسيين ثم قاموا بتسليمهم أحياء وسالمين إلى الصليب الأحمر بالميلية.
وجدير بالذكر بأن المجاهد عمر شيدخ العيدوني التحق بالثورة بعدما كان عضوا في حركة انتصار الحريات والديمقراطية، حيث ألف كتابا بعنوان «مملكة الفلاقة»، وهذا العنوان عبارة أطلقها الجنرال شال كوصف للمنطقة، التي استعصت على قواته ولم يتمكنوا من القضاء على ثورة التحرير فيها.
ســامي حباطي