الموضة الناعمة و موجة «اللاتجنيس» تهددان أبناءنا ..
يمنح الكثير من الأولياء بمجتمعنا الحرية الكاملة لأبنائهم الذكور، لاختيار ملابسهم ، و يغضون البصر عن اختياراتهم، خاصة إذا بلغوا مرحلتي المراهقة و الشباب، بدعوى مواكبتهم للموضة و مسايرتهم لأقرانهم، في حين يحذر مختصون من الانتشار الصامت لأزياء و تسريحات و هندام لشباب و مراهقين و حتى أطفال، يركبون موجة «اللاتجنيس»العالمية، تحت غطاء تقليد النجوم و مواكبة تيارات الموضة التي تروج لها القنوات التليفزيونية و مواقع الإنترنت، فتتسرب بشكل «خفي و تدريجي و مخادع» ، لتلغي الفروق في المظهر بين الجنسين، فيبدو العديد من أبنائنا الذكور و كأنهم يتأرجحون بين ملامح و مظاهر الذكورة و الأنوثة في آن.
لا يمكن إلا أن تثير انتباهك و أنت تسير في شوارع المدن الكبرى، ومن بينها قسنطينة تلك الفئة و هي تتمايل و تتحدث بصوت ناعم ، و ترتدي سراويل ضيقة و ملونة ك» الفيزو النسائي» أو هابطة و ممزقة، و قمصان أو «تيشرتات» ملتصقة بأجسادهم، مزينة بأشكال الورود و القلوب، و تحمل بعضها عبارات جريئة و حتى بذيئة بالإنجليزية و غيرها.
فئة القزع ذات الأقراط و الخواتم و السلاسل طاغية بينهم ، و تجسد مختلف التسريحات الغربية الغريبة ذات الأشكال الهندسية و النباتية، أو الحاملة لرموز ماركات تجارية، مثل «جيفنشي» أو «نايك» و أحيانا عرف الديك!، و لا تتردد فئة أخرى في إسدال الشعر على الكتفين ، أو تبني تسريحة ذيل الحصان و الغرة و الاستعانة بصالونات الحلاقة و التجميل لاكتساب «اللوك» المنشود، ما يجعلنا نتساءل هل الموضة مبرر لتخلي أبنائنا عن المظهر الرجولي الأنيق؟
شبان ينافسون الفتيات في قاعات التجميل و الحلاقة
أكدت لنا أخصائية في التجميل و العلاج بالليزر بقسنطينة، بأن نسبة كبيرة ممن يقصدونها شبان في العشرينات و الثلاثينات، ينافسون النساء في إزالة الشعر الزائد من الوجه و الحاجبين، أو تبييض البشرة و التخلص من آثار الجروح و الندوب و اكتساب بشرة ناعمة ، في حين قال لنا حلاق بحي سيدي مبروك، بأن عددا متزايدا من زبائنه أصبحوا ينشدون نعومة و نضارة البشرة و يطلبون منه أقنعة مختلفة، و كذا صبغات الشعر، خاصة باللونين الأشقر و الرمادي، إلى جانب مستحضرات تصفيف و تنعيم الشعر، سواء الخلطات السحرية و الكيراتين أو البوتوكس أو البروتين .
صاحب محل لمستحضرات التجميل بنهج بلوزداد بقسنطينة، أكد لنا بدوره بأن هذه الفئة من الشبان تنافس النساء في الإقبال على اقتناء مواد العناية بالبشرة و التخلص من الشعر الزائد و غيرها، متحدين خصائص مجتمعنا و عاداتنا و تقاليدنا و قيمنا، متحججين أمامه برغبتهم في المحافظة على رونق الشباب و النضارة، و أضاف بأن لديه زبائن دائمين، من بينهم طلبة و موظفون و ممثلون و مغنون، يقدمون له طلبيات تتضمن احتياجاتهم من المستحضرات التجميلية المستوردة، غير مبالين بأسعارها، لأن الجمال اهتمامهم الأول.
يرتدون الملابس الضيقة و يتزينون بالأكسسوارات
النصر حاولت التقرب من عينة من الشبان و المراهقين الذين يتفننون في ركوب الموجة الغريبة، بأزياء فئة من نجوم الغناء و التمثيل و الرياضة على وجه الخصوص، فكان الاتجاه الأول نحو حي بغريش مصطفى، وسط مدينة قسنطينة، حيث التقينا بأربعة شبان يبدون في العشرينات من العمر، يتجاذبون أطراف الحديث، و كانوا يرتدون جميعا سراويل الجينز الممزقة و الهابطة بألوان باهتة و «تيشيرتات» ملونة و ضيقة جدا مليئة بالرسومات و الكتابات، و قصات شعرهم على شكل عرف ديك، في مقدمة الرأس، تحيط به خطوط دقيقة ، مع حلق جوانب الرأس و القفا تماما، وحده شاب أسمر بينهم انفرد بصبغ شعره باللون الأشقر الفاتح، و يبدو أنه انتبه إلى نظرات الاستغراب التي صوبناها إليه فقال « سيدتي أريد أن أصلي و أداوم على صلاتي، ماذا يمكنني أن أفعل ؟»، ابتسمت و أجبته « تخلص أولا من القرط الذي في أذنك ثم غير مظهرك..» فرد الشاب بابتسامة و قد احمرت وجنتاه خجلا، ثم مد يده و نزع فعلا قرطه، و طأطأ رأسه و ابتعد عن أصدقائه الذين اندهشوا لردة فعله.
و التقينا في حي المنظر الجميل بالعديد من الشبان و المراهقين، و كأنهم خرجوا للتو من مسلسل «سنوات الصفصاف» التركي ، و هم يتزينون بالأساور الجلدية و المعدنية ، فسألنا أحدهم عن سبب اختياره لزي غريب، فرد مستغربا «إنها الموضة و لاشيء غير الموضة، و أتبعها كما يتابعها أقراني، لكن عندما أذهب إلى الجامعة، لأنني لا أزال طالبا، أضطر لتغيير طريقة تصفيف شعري و لباسي مؤقتا».
في حين قال شاب ثالث التقيناه في حي الكدية بوسط المدينة، بأنه جد متأثر بالمغنيين الفرنسيين الشباب، و تبنى «ستايلهم « منذ سنوات، و يضمن له شقيقه المقيم بفرنسا الملابس التي تواكب الموضة الجديدة، و عندما سألناه إذا لم يصطدم بملاحظات والديه أو أقاربه و أصدقائه ، خاصة في ما يتعلق بالسروال الضيق جدا و الأكسسوارات ، رد ضاحكا بأنه هو الذي يطلق الموضة في حي سيدي مبروك ، حيث يقيم مع عائلته، و يتبناها جيرانه و أصدقاؤه .
استشاري العلاقات الأسرية و أخصائي الأمراض العقلية و النفسية نصر الدين تيطاح
50 بالمئة من الشباب أصبحوا يميلون إلى النعومة و 30 بالمئة منهم عرضة للمثلية الجنسية
يرى الدكتور نصر الدين تيطاح ، استشاري في العلاقات الأسرية و أخصائي في الأمراض العقلية و النفسية، بأن شريحة الجنس الخشن التي تميل إلى النعومة و التخنث في المظهر، أصبحت تشكل نسبة 50 بالمئة من المراهقين و الشبان في مجتمعنا، و 30 بالمئة منهم، يمكن أن تتطور حالتهم، حسبه، إلى الشذوذ و المثلية الجنسية، إذا لم يتدارك الأمر من قبل الأولياء مبكرا.
و يرجع الطبيب أسباب ذلك أساسا، إلى استقالة عدد متزايد من الآباء من مسؤولياتهم إزاء أبنائهم و انشغالهم بالوظيفة و الأصدقاء، و تنشئة الأبناء الذكور في وسط نسائي مكثف، بين الأم و الجدة و الأخوات و القريبات في المنزل، و عندما يتمدرسون يجدون أنفسهم في قطاع يهيمن عليه النساء في كل الأطوار التعليمية، من الأستاذة إلى المديرة و الناظرة و المساعدات التربويات إلى الزميلات في القسم، كما تهيمن حواء على معظم القطاعات الأخرى، كالصحة و التضامن و الإدارة و غيرها ، و يكون لذلك تأثير سلبي أحيانا، فبعض الفتيان يكتسبون بعض صفات النساء الكثيرات حولهن، كنعومة الصوت و طريقة الكلام و الإشارات، و حتى المبالغة في الاعتناء بالمظهر بكل تفاصيله.
الأخصائي أشار من جهة أخرى، إلى أن انقلاب الأدوار بين العديد من الأزواج في هذا العصر و تغير المعطيات، كعمل المرأة خارج البيت و تحقيقها الاستقلالية المادية، عوامل جعلتها في حالات كثيرة، هي التي تمتلك بيت الزوجية و السيارة و تسير مصروف البيت و الأبناء، فتفرد سيطرتها على أسرتها و تؤثر على أفرادها و تتحكم في زمام الأمور ، و بالمقابل، حسبه، فقد الأب مكانته و هيبته كرب الأسرة ، و أصبح يبدو في معظم الأحيان ضعيفا و مهتز الشخصية أمام أبنائه، و لم يعد يشكل المثل الأعلى لهم كرمز للحماية و الرعاية و التكفل المادي و المعنوي، خاصة و أن الكثير من الآباء، استقالوا من مسؤوليتهم إزاء الأبناء و انشغلوا بالوظيفة و الأصدقاء . و علق المتحدث «أصبحنا شئنا أم أبينا نميل إلى المجتمع الأنثوي، مع كل السلبيات التي تترتب عن ذلك و يبقى الأطفال في مقدمة الضحايا». و أضاف الدكتور تيطاح بأن الاختلاط في المؤسسات التربوية يزيد الطين بلة،لأن الطفل قبل مرحلة البلوغ يتأثر بشكل مكثف بالوسط المؤنث الذي يعيش فيه، و في ظل التغيرات الفيزيولوجية المرتبطة بالبلوغ تختلط عليه الميول و الأحاسيس. و لتجنب كل ذلك ينصح الطبيب بإسناد مهمة التعليم في كل الأطوار للرجال و النساء معا، و منع الاختلاط بين التلاميذ من الجنسين و عدم السماح للأبناء باستعمال الانترنت إلى غاية المرحلة الجامعية و متابعة الأولياء المستمرة لأبنائهم في اللباس و السلوك و الدراسة، و التركيز على التربية الدينية و الأخلاقية.
إلهام.ط
الأستاذ الجامعي و النفساني لخضر عمران
عنف اتجاه الذات و ركوب لموجة «اللاتجنيس»
يرى الأستاذ الجامعي و الأخصائي النفساني الدكتور لخضر عمران بأن قصات و تسريحات الشعر و الأزياء و الأوشام الغريبة التي يقبل عليها بعض المراهقين و الشبان بمجتمعنا، تجسد نوعا من العنف اتجاه الذات و اضطرابات نفسية و سلوكية حقيقية، تتطور بصمت، فأخطر أنواع الاضطرابات تمس هوية المجتمع و الأفراد. و أكد الأخصائي "نحن نرى حولنا مراهقين و شبان، و من بينهم جامعيين، يسيرون نحو «اللاتجنيس»، في غفلة عن ذويهم و المجتمع ككل، حيث نجد ذكورا و إناثا يرتدون نفس الملابس تقريبا مع نفس الأكسسوارات و الألوان ، مثلا انتشرت في الشتاء الفارط موضة المعاطف بأغطية رأس مزينة بالفرو، فأقبل عليها الذكور أكثر من الإناث، رغم أن الفرو ارتبط طويلا بأزياء النساء، فإشكالية التقمص جلية لدى هذه الفئة التي تشهد تزايدا ملحوظا، و هي تتبنى نماذج من الخارج لتلغي الفروق بين الجنسين، متخفية وراء الموضة، بينما هي في الواقع عبارة عن تيار عالمي لتشجيع ما يعرف بالجنس الثالث و حقوق الشواذ جنسيا، و إبعاده عن خانة الاضطراب، لإدراجه ضمن الحرية الشخصية، و لكم أن تتصوروا الآثار الوخيمة على مفهوم الأسرة و المجتمع".
و ذكر المتحدث بأن عوامل كثيرة تساهم في انتشار الظاهرة و في مقدمتها مواقع الانترنت و القنوات التليفزيونية، و من بينها الجزائرية، التي أصبحت تستضيف شريحة الشواذ جنسيا في حصص الكاميرا الخفية و المسلسلات و تقدمهم كنجوم، إلى جانب الملابس التي تعرض في الأسواق كالسراويل الهابطة التي ظهرت لأول مرة في سجون الولايات المتحدة و كان يرتديها الشواذ جنسيا، و شدد الأخصائي بأن من يركب موجة هذه «الموضة» الغربية، تتطور لديه تدريجيا ميولات و استعدادات للشذوذ الجنسي.
المعالجة النفسانية سميرة بعداش
طغيان العنصر النسوي قد يصيب الصبي باضطرابات الهوية
ترى النفسانية سميرة بعداش، بأن هناك أسباب عديدة قد تؤدي إلى معاناة الشاب أو المراهق من اضطرابات نفسية، قد تصل إلى اضطرابات في الهوية الجنسية، و من بينها فترة الحمل، و أوضحت بهذا الشأن « قد تنتاب الحامل رغبة قوية في إنجاب بنت، و عندما يكشف جهاز الإيكوغرافي بأنها حامل بولد، تصدم و عدم رغبتها في الذكر، تؤثر سلبا على الجنين، لأنه يقاسم أمه كل المشاعر. و خلال الشهور الأولى التي تلي الوضع، تبقى الأم متمسكة ـ لاشعوريا ـ بإنجاب بنت، فتجدها تحدثه و كأنه بنت و تدلله بأسماء و صفات البنات. و تنتقل هذه الرغبة من أحاسيس الأم إلى أحاسيس الابن، و تنمو معه، هذه الخلفيات الأولية للظاهرة، تليها خلفية أخرى تتمثل في هيمنة العنصر النسوي على محيطه الأسري و الاجتماعي منذ نعومة أظافره، ففي البيت هناك الأم و الأخوات و في المدرسة هناك المعلمات و الزميلات، و يتأثر كثيرا بسلوكهن و طريقتهن في الكلام و التصرف، و يتشتت ذهنه و مشاعره. و الطامة الكبرى عندما تغيب السلطة الأبوية، فدور الأب مهم جدا في زرع صفات الرجولة عند الابن و اتخاذه كقدوة له. و لا بد أن أشير هنا إلى عامل آخر يساهم بشكل كبير في بروز اضطرابات الهوية الجنسية، و هو طلاق الوالدين و إعادة كل منهما الزواج بشخص آخر، و اصطدامه ببديل عن الأم و عن الأب، فالابن في هذه الحالة لا يتقبل الوضع، و لا يجد الأب الذي يقتدي به في سن البلوغ، فيلجأ إلى الشارع و رفاق السوء، ما يؤدي إلى ركوب كل الموجات الغريبة و ربما الشاذة ، في غياب الوازع التربوي و الأخلاقي».
أما الأخصائية في علم النفس التربوي نبيلة عزوز ، فتربط انسياق العديد من المراهقين و الشبان خلف موجات الموضة الغريبة الناعمة التي قد تقود إلى «اللاتجنيس»، إلى غياب الوازع الديني و عدم الاهتمام بالتربية التي من المفروض أن تأتي قبل التعليم في كنف الأسرة ، الخلية الأولى في المجتمع.
إلهام.ط