تعرض قبل أيام 38 شخصا، بينهم 8 أطفال بحي واد الحد بقسنطينة، لتسمم غذائي سببه حلويات اقتنوها من طاولات البيع الفوضوية التي تنتشر عبر الأحياء كالفطريات منذ بداية رمضان، و تحولت إلى قبلة للكثيرين، رغم افتقارها لشروط العرض و النظافة، فغياب الثقافة الاستهلاكية و الفارق الكبير في الأسعار بين حلويات الأرصفة و تلك المعروضة في المحلات ، ضاعف الإقبال عليها، خصوصا وأن سعر القطعة الواحدة يتراوح بين 20 و 30دج، في حين أنه يعادل70 دج بالنسبة للأنواع البسيطة، 150 دج للحلويات المشكلة، بينما يصل إلى غاية 450 دج بالنسبة لبعض الأصناف الفاخرة .
روبرتاج: هدى طابي
تحضر في ورشات سرية داخل الأحياء الشعبية
لا يكاد يخلو وسط مدينة قسنطينة من طاولات بيع الحلويات، خصوصا على مستوى الأرصفة المحاذية للأسواق المغطاة ، كسوق الإخوة بطو و سوق بومزو، أما شارع العربي بن مهيدي «الطريق الجديدة»، فيعتبر محطة رئيسية للباعة الفوضويين، و بالأخص باعة الحلويات و المرطبات، الذين ينتشرون كذلك بشكل كبير في الأحياء الشعبية.
النصر حاولت الوصول إلى مصدر هذه الحلويات، فقادنا استطلاعنا إلى عديد النقاط، حيث تحدثنا مع باعة فوضويين، رفض بعضهم الحديث إلينا عن مصدر بضاعتهم، مكتفين بالقول بأنهم يقتنونها من محلات المرطبات عن طريق الجملة، و يعيدون بيعها في الشارع ، فيما كشف آخرون بأنهم يتعاملون مع ورشات تنتشر بأحياء واد الحد و القماص و جبل الوحش و سركينة، و هي عبارة عن «مخابر» لصنع هذه الحلويات تنشط بشكل سري في مرائب المنازل و يفتقر أصحابها لسجلات تجارية.
وقد فوجئنا خلال حديثنا إليهم بقناعتهم المطلقة، بأن بضاعتهم لا تقل جودة عما تقدمه المحلات، مع فارق كبير في السعر، يرجع، حسبهم، إلى أن الورشات التي تمولهم لا تحتسب تكاليف الجباية التي تدرجها المحلات المرخصة ضمن تكلفة المنتج.
حاولنا الوصول إلى ورشة معينة دلنا عليها أحد الباعة الفوضويين، فتنقلنا إلى حي واد الحد تقربنا من بعض سكان التجمع السكني الذي أرشدنا إليه البائع، لكننا عجزنا عن تحديد مكان الورشة، بعدما رفض جميع من سألناهم توجيهنا، مجمعين على أن الورشة لم تعد موجودة و أن صاحبها أغلقها بعد قضية التسمم الغذائي الأخير، أمام إلحاحنا لمعرفة عنوان الورشة المغلقة، اكتفوا بالقول بأنهم كانوا يعلمون بوجودها، لكن لا أحد يعرف عنوانها بالضبط.
تركنا واد الحد و واصلنا استطلاعنا، فقادتنا جولتنا نحو عدد من محلات المرطبات و الحلويات، فحاولنا الاستفسار من أصحابها عن حقيقة ما صرح به بعض الباعة الفوضويين، بخصوص تزويد طاولاتهم بمنتجات محلات البيع، فنفوا ذلك جملة و تفصيلا.
حسب سمير درواز، وهو صاحب محل بحي سيدي مبروك، لا يمكن لأي تاجر نظامي أن يتعامل مع تجار السوق الفوضوية، لأن ذلك قد يعرضه للمساءلة الأمنية و القانونية، خصوصا في حال تعرض مستهلكين للتسمم بسبب شروط العرض، موضحا بأن كل ما يباع على الأرصفة، يأتي من مصدر واحد وهو الورشات السرية، التي قال بأن أصحابها لا يحترمون شروط النظافة و الحفظ ، إذ يعمدون إلى توقيف تشغيل أجهزة التبريد ليلا ليقتصدوا استهلاك الكهرباء، ناهيك عن استخدامهم لفواكه تعرضت للتلف و رخيصة.
كما أنهم لا يلتزمون، حسبه، بالوصفات الدقيقة ليقلصوا التكاليف، وهو ما يبرر سعر الحلويات المنخفض، حيث أنهم يعوضون الزبدة بالزيت في صنع حلوى « الميل فوي» و البيض و الحليب بالسكر و النشاء بالنسبة للكريمة، كما يستخدمون ملونات صناعية محظورة لتلوين حلوى « التارتولات»، علما أن هذين الصنفين، يعتبران الأكثر طلبا و انتشارا على طاولات البيع ، نظرا لملاءمة أسعارهما ، وشعبيتهما الكبيرة ، فلا تتجاوز 20 إلى 30 دج.
1.56 طنا من الحلويات سحبت من الأسواق في 2018
تجدر الإشارة إلى أن مصالح التجارة بولاية قسنطينة، كانت قد سحبت ما يعادل 1.56 طنا من الحلويات غير الصالحة للاستهلاك من محلات الولاية سنة 2018، بقيمة إجمالية قدرها 603 آلاف و 912 دج، وذلك خلال ألفين و 729تدخلا، تم على إثرها تحرير 386 محضرا، و اقتطاع 1674 عينة، و بينت التحاليل بأن 108 منها عينات مطابقة، مقابل 56 عينة غير قابلة للاستهلاك ، كما كشف مسؤول مصلحة مراقبة الجودة و قمح الغش السيد عبد الغاني بونعاس .
و أوضح المتحدث بأن التحاليل أوضحت أن الأمر يتعلق بحلويات تحتوي على بكتيريا بسيطة ناتجة عن عدم احترام شروط النظافة و الصحة، مؤكدا أن كافة المحلات ملزمة بفرض رقابة ذاتية على منتجاتها قبل عرضها.
وحسب ذات المصدر، فإن التدخلات السابقة أسفرت عن غلق 10 محلات، كما عرفت تنظيم حملات قمع مشتركة مع مصالح الأمن مست الطاولات العشوائية.
فارق السعر يتعدى 80 دج و أصناف تباع بـ 450دج !
خلال جولتنا بين عديد المحلات بوسط المدينة و بعض الأحياء المجاورة، لاحظنا بأن فارق الأسعار بين ما تعرضه طاولات البيع الفوضوية وبين ما تتزين به مبردات المحلات النظامية، جد كبير و يناهز 80دج فما فوق بالنسبة لبعض الأصناف، فأسعار الأصناف البسيطة و الشائعة كحلويات « الميل فوي «و «التارتولات»، تتراوح بين 40 و 60دج، بينما لا يزيد سعرها فوق الطاولات عن 20 إلى 30دج.
أما باقي الأصناف المشكلة و المصنوعة من الشوكولاطة و المكسرات و الفواكه و غيرها، فلا ينزل سعرها في المحلات عن 70 دج إلى 150دج و حتى 250دج، مقابل 40 دج على الأرصفة، بالمقابل فإن سعر بعض الأصناف الفاخرة التي تباع في المحلات الشهيرة يصل حتى 450 دج وهي أسعار قال بعض من تحدثنا إليهم من زبائن طاولات الأرصفة، بأنها لا تتناسب مع قدراتهم الشرائية.
وقف استيراد الشوكولاطة و المكسرات يلهب بورصة الحلويات
استفسرنا من عدد من أصحاب المحلات، عن أسباب ارتفاع أسعار منتجاتهم، خصوصا في السنتين الأخيرتين، فأرجعوا الأمر إلى تكلفة صناعة الحلوى التي تأثرت بتبعات قرار وقف استيراد بعض المكونات الأساسية، على غرار الشوكولاطة و المكسرات و مكونات أخرى، ناهيك عن ارتفاع أسعار البيض و منتجات الحليب التي تدخل في عملية خبز الحلوى، كما سجل ، حسبهم، تطور كبير في صناعة هذا المنتج و رقي في الأصناف و طرق التزيين، وكلها عوامل تلعب دورا في تحديد الأسعار.
هدى طابي