قسنطينيون يفضلون الحمامات التقليدية بدل الشواطئ صيفا
في الوقت الذي تجاوزت فيه درجات الحرارة بقسنطينة 40 تحت الظل، وشد الكثيرون الرحال نحو مختلف الشواطئ طلبا للاستجمام والتمتع بمياه البحر،اختار البعض من أبناء المدينة العتيقة الاسترخاء و التدليك تحت المياه الساخنة حد الغليان، في الحمامات التقليدية وسط المدينة القديمة.
هذه الفئة من الأشخاص الذين اختاروا درجة حرارة ما بين 50 و60، يجدون راحتهم داخل الغرفة الساخنة للحمامات التركية، أين يمكنهم الاسترخاء والتدليك والاستحمام والجلوس أمام «برمة الماء» الساخنة لدرجة الغليان، و الملاحظ أن قاصد هذه المرافق، لا يجد نفسه وحيدا بل يتقاطع في شغفه مع عدد لا بأس به من هواة حمامات البخار، فهنا تقابل من يفضل إسناد ظهره إلى برمة الماء الحار و من يحبذ الاسترخاء على أرضية قاعة الاستحمام، وهناك آخر بين يدي الحجّام المعروف محليا ب» الكياس “، و رابع يقوم بمزج الماء وتلطيف درجة حرارته ،فيما يلجأ من لم يقاوم حرارة المكان إلى الغرفة الباردة التي تتوسط بهو الحمام و تفصل بينه وبين القاعة الساخنة ذات السقف المستدير المقعر، الذي يتسرب منه ضوء النهار عبر زجاج غليظ مربع ودائري الشكل يتميز بجمال توزيعه للضوء، أما أكثر الأحاديث تداولا هنا، فهي تلك التي تخص مباريات كرة القدم وانتصارات الخضر، و التكهنات حول المباريات الأوروبية، قبل أن يعم الهدوء المكان فجأة ليلتفت كل واحد إلى شأن نفسه.
ويعد عمر عرعرية، مسير الحمام و الكياس نجم الغرفة بامتياز كيف لا وهو المحترف الذي يوزع الكلمة بين زبائنه ويداه لا تكفّان عن تدليك وغسل الأبدان، التي تسترخى وتستسلم بين يديه و تحت تأثير حركاته المدروسة، ما يجعل الجسم يسترد طاقته ونشاطه و يتخلص من تأثير الرطوبة العالية التي أصبحت تنغص عيش سكان المدينة، والتي قيل بأن سببها يعود إلى سد بني هارون و ارتفاع نسبة التبخر فيه.
حمام الصيف أنفع للبدن
حدثنا عمر، عن حركية الحمام خلال الصيف، فقال بأن زبائن هذا الفصل، يختلفون عن زبائن الشتاء، فمنهم من يترددون عليه أيام البرد فقط ومنهم زبائن دائمون يقصدونه طول السنة، و حسب مسير الحمام، فإن هنالك زبائن من نوع خاص لا يأتون إلا خلال شهر رمضان ويوميا، وبدوره قال أحد الزبائن، بأنه كلما أحس بالتعب وجدّ في العمل اختار اللجوء إلى الكياس ليسترد نشاطه على يده علما أن معظم زبائن الحمام هم من تجار المدينة وسكان وسطها حيث يرى بعضهم أن دخول الحمام في عز الصيف أنفع للبدن منه في فصل الشتاء، و يكمن السر حسبهم، في تلك القيلولة البسيطة التي يقضيها المستحم مستلقيا وسط البهو وهو ملفوف في مناشف كبيرة تمتص عنه الماء و تزيد من رطوبة جسده، فيحس براحة وقوة يستعيد بعدها طاقته مما يجعله يقاوم حرارة صيف قسنطينة.
وقد أجمع كل من تحدّثنا إليهم، على أن لحظات الاسترخاء في القاعة الرئيسية للحمام لا تقدر بثمن بعد الخروج من قاعة الاستحمام الساخنة، خصوصا تلك اللحظات التي يغفوا خلالها الإنسان مستسلما للراحة، ما يعيد للجسم قوته ونشاطه، وهو تحديدا مبتغى كل زبون يقصد حماما تركيا في عزّ أيام الصيف بقسنطينة.
عمر ..آخر الكياسين في قسنطينة
للإشارة، فأن عمر ابن مدينة تيارت و مسير حمام بلبجاوي، الواقع بنهج سيدي بوعنابة بالسويقة، هو ناشط في جمعية أصدقاء متحف سيرتا، وهو اليوم الكياس الوحيد في المدينة و من أقدم ممتهني هذه الحرفة فيها إذ تقاعد مؤخرا، و قد أخبرنا قائلا، بأن المدينة العتيقة تتوفر على 24 حماما، ينشط منها 3 فقط، هي على التوالي حمام بلبجاوي و حمام 40 شريف وحمام دقوج بالشّارع، بينما يخضع حمام بن شريف لعملية ترميم، فيما يعرف حمام “ المزابي» أشهر حمام في المدينة مصيرا مجهولا منذ تاريخ غلقه سنة 1997 ، و يقع هذا الحمام في مدخل شارع سيدي بوعنابة من جهة شارع العربي بن مهيدي، و يعتبر تحفة معمارية تعكس بفضل هندستها الفريدة الطابع المعماري التركي في المدينة ، فيما توقف نشاط العشرين حماما الأخرى كليا، بسبب وضعية المدينة القديمة و الترحيلات ونزوح السكان نحو المدينة الجديدة، ما تسبب في قلة الإقبال عليها وتراجع المداخيل، بعد أن قلت الحركية عموما في المدينة بل و باتت تعرف ركودا أثر على النشاطات التجارية و الحرفية، إضافة إلى انقراض حرفتي التدليك و تسيير الحمامات، و اللتان تعدان أساس هذه المرافق، وهو ما أثر على نشاطها وتسبب في تراجعها و غلق العديد منها، وبذلك تكون المدينة العتيقة قد فقدت بعض مقوماتها وأنشطتها التي تميزها.
ص/ رضوان