مدارس تشدّد قوانينها لكبح هوس التلاميذ بالموضة
أثار قرار إلزام الأولياء بتوقيع القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية التي يتمدرس فيها أبناؤهم و المصادقة عليها على مستوى بعض البلديات، جدلا في أوساط الأولياء و حتى التلاميذ ببعض إحياء قسنطينة و ضواحيها، و يرمي الإجراء إلى التفعيل الصارم للأنظمة الداخلية للمؤسسات، بغية ضبط عملية التمدرس بشكل أفضل و إعادة الانضباط للتلاميذ، خصوصا ما يتعلق بشق الالتزام بالهندام اللائق، وهو أمر اعتبره بعض التلاميذ و حتى أوليائهم، تقييدا للحرية الشخصية، في حين يرى آخرون بأن القرار ضروري لإعادة تنظيم علاقة التلميذ بالمدرسة، وبالأخص فئة المراهقين.
قرار قديم أعيد تفعيله
يتعلق الأمر عموما بالقرار الوزاري 66 ، المؤرخ في 28 شوال 1439 هجري، الموافق لـ 12 جويلية 2018، و المحدد للتوجيهات العامة لإعداد النظام الداخلي لمؤسسات التربية و التعليم، وهو قرار لم يكن مفعلا بشكل صارم في السابق، غير أن المدارس فرضته بصرامة على التلاميذ هذه السنة الدراسية، و توجهت بعض المؤسسات، إلى إلزام الأولياء بتوقيع مسودات قوانينها الداخلية، وذلك كطريقة للضغط عليهم من أجل فرض رقابة أكبر على أبنائهم. علما أن هذه القوانين تعد قديمة تحوز عليها كل المدارس، لكنها تختلف من مؤسسة إلى أخرى، لأن لكل واحدة الحق في ضبط قانونها الداخلي الخاص.
«أضواء الموضة أعمت التلاميذ ولابد من تصحيح النظر»
ومن أهم النقاط التي تضمنتها القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية باختلاف الأطوار التعليمية، إجبارية العناية بالنظافة و حسن الهندام وهو شق فضفاض اختلف تطبيقه من مدرسة إلى أخرى، على الرغم من أن الإجماع شمل عدم السماح للتلاميذ، باعتماد تسريحات شعر عصرية ومنعهم من دخول المدرسة ببنطلونات ممزقة أو قصيرة، إضافة إلى منع الفتيات من إسدال شعورهن، و ارتداء الإكسسوارات و وضع مساحيق التجميل، و ارتداء التنانير القصيرة و القمصان بدون أكمام، مع إجبارية ارتداء المآزر ذات الأكمام الطويلة بالنسبة للجنسين.
و أرجع بعض المساعدين التربويين على مستوى مدارس بكل من علي منجلي و حي بالصوف بقسنطينة، السبب في التوجه إلى فرض هذه القوانين الصارمة على التلاميذ، إلى المظاهر غير المقبولة التي طبعت المدارس العام الماضي بسبب أسلوب هندام التلاميذ، خصوصا على مستوى المتوسطات و الثانويات.
قالت ياسمين، مساعدة تربوية بإحدى المدارس بعلي منجلي، أن هندام التلاميذ في السنوات الأخيرة خرج عن السيطرة، إذ بتنا، حسبها، « لا تفرق بين تلميذة في الطور الثانوي و طالبة جامعية بسبب التشابه في المظهر و اعتماد الماكياج و الكعب العالي و المبالغة في تسريحات الشعر ، كما أن هناك تركيزا كبيرا من قبل التلاميذ على المظهر لدرجة تؤثر سلبا على تركيزهم في الدراسة، خصوصا على مستوى الثانويات، التي قالت محدثتنا أنها باتت تشهد عروض أزياء مع كل دخول مدرسي جديد».
من جهته أكد أستاذ، بثانوية رضا حوحو بحي بوالصوف، بأن الهوس بالموضة أعمى التلاميذ ، كما عبر، و أضعف حس الانضباط لديهم، لدرجة أن منهم من باتوا يرفضون ارتداء المآزر حتى داخل المؤسسة التعليمية، و هو سلوك له تأثير على احترام التلميذ للمدرسة عموما وبالتالي التزامه بالجدية داخلها، وعليه فإن فرض القانون الداخلي بصرامة، بات ضرورة لتصويب الأمور، خصوصا و أن هناك مظاهر مشينة أخرى ترتبط بصفة مباشرة بعدم احترام التلاميذ للهندام و الإفراط في التبرج بالنسبة للطالبات، كما قال.
وأضاف المتحدث بأن تطبيق القانون الداخلي من شأنه أن يعيد تنظيم علاقة التلميذ بالمدرسة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالهندام، بل يشمل أيضا إلزامية احترام مواقيت الدراسة و الدخول و الخروج من المؤسسة، و طريقة التعامل مع الأساتذة و الطاقم الإداري و ما إلى ذلك من تفاصيل، من شأنها أن تضمن هيبة المؤسسة التعليمية و احترامها، فإلزام التلميذ بإحضار ولي أمره في حال الغياب أو التأخير، من شأنه أن يضع حدا لمشكل التسرب و أن يفرض رقابة بعدية عليه.
تفاوت في وجهات النظر بين رافض و مؤيد
خلال حديثنا إلى بعض التلاميذ لمسنا تذمرا كبيرا، خاصة في ما يخص إجبارهم على ارتداء مآزر موحدة اللون بيضاء أو زرقاء، طويلة الأكمام إذ قال لنا بعضهم أن الأمر يتضمن الكثير من المبالغة، على اعتبار أن منهم من اقتنى مئزرا عاديا دون أكمام مقابل مبلغ 1700دج، وذلك قبل الالتحاق بالمدرسة، ومن غير المنطقي إجبار التلميذ على شراء مئزر آخر بحجة فرض النظام، كما عبر عبد الرؤوف، تلميذ بثانوية رضا حوحو.
من جهتهن قالت تلميذات ، بأنهن قد يتقبلن فكرة عدم وضع الماكياج، لكن أن يصل الأمر إلى حد إجبارهن على عدم إسدال الشعر، فذلك غير ضروري، في حين اعتبر بعض التلاميذ أن تشديد الرقابة على الهندام يعد ضروريا لضمان حسن سلوك التلاميذ و عدم تشتيت تركيزهم، حيث قالت عبير، تلميذة بمتوسطة عبد الحفيظ بو الصوف، بأن الهوس بالموضة أصبح يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام أبناء جيلها، وأن السعي للظهور و التميز والرغبة في لفت الانتباه، يضيع على «الكثيرات»، حسبها، فرصة التفوق دراسيا.
وقد بدا واضحا، بأن أكثر المتضررين من الإجراء هم تلاميذ الثانويات الذين أخبرنا بعضهم، بأن منعهم من ارتداء بعض القطع كالبنطلونات الممزقة، يعتبر إجحافا، لأنها جزء من خزانة ملابسهم، و أن منهم من لا يملك سوى بنطلونين اثنين، ولا قدرة لأهله على كسوته مجددا، كما أن هذه الموديلات تعد الوحيدة التي باتت رائجة في الأسواق و المحلات، ومن حقهم ارتداء ما يحبونه و ما يناسبهم، كما من حقهم تصفيف شعورهم بالطريقة التي تعزز ثقتهم بأنفسهم، كما عبروا.
وقد بدا لنا بأن تلاميذ المتوسطات يعتقدون بأن الأمر عادي و أنه يدخل في إطار مفهوم المدرسة الجاد، أما تلاميذ الإبتدائيات، فقد استنتجنا بأنهم لا يعيرون الأمر اهتماما و لا يفهمون أساسا معنى القانون الداخلي للمدرسة.
ترحيب واسع وسط الأولياء
خلال جولة استطلاعية ببعض المؤسسات التعليمية، لاحظنا ترحيبا كبيرا بالقرار من قبل أغلب الأولياء، بالرغم من أن هناك من اعتبروا في الأمر مبالغة، خصوصا ما يتعلق بالتشديد على الهندام و منع التلاميذ من ارتداء ملابس معينة أو وضع الأكسسوارات، إذ قال أولياء بأن في هذا التشديد مساسا بالحرية الشخصية لأبنائهم، وأن هندام أبنائهم لم يؤثر يوما على مردودهم الدراسي، متسائلين عن السبب وراء إعطاء أهمية أكبر للموضوع هذه السنة.
وقال البعض، بأن منع التلاميذ من دخول المدرسة قبل أن يدق جرس الساعة الثامنة بحوالي 10 دقائق، يعد إجحافا، خصوصا بالنسبة للأبناء الذين يشتغل آباؤهم بعيدا عن المدارس، فالأمر يدفع بالتلميذ للشارع و يجبر الولي على التأخر عن عمله في كل مرة أو على الأقل مغادرة المكتب مرة واحدة أو مرتين لتبرير تأخر ابنه أو ابنته.
من جهة أخرى، فإن نسبة كبيرة من الأولياء وجدوا في الإجراء فرصة للتحكم بطريقة غير مباشرة في جموح أبنائهم المراهقين، و تحريرهم من هوسهم بالموضة و التوجه إلى استخدام الكيراتين، حتى أن هناك أولياء عقدوا جمعيات عامة على مستوى بعض المدارس لمناقشة القانون الداخلي و ضمان تفعيله بدقة وصرامة.
هدى/ط