نظافة غائبة و هياكل مهترئة بالمستشفى الجامعي لقسنطينة
يصطدم كل من يدخل المستشفى الجامعي بقسنطينة لمشهد النفايات المنتشرة في مختلف أرجائه، ولحالة المصالح والأجنحة المهترئة والتي تنعدم بها أدنى شروط استقبال المرضى، حيث يشكو مرتادو المرفق من غياب التجهيز كما عبّروا عن تخوّفهم من الإصابة بأمراض ناجمة عن نقص النظافة وتدهور المصالح ، فيما يجد العمال صعوبات في التحكم في الوضع نتيجة الضغط الكبير وضعف الوسائل.
حيث تظهر ببنايات المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة الممتدة على مساحة 13 هكتارا تصدعات مع اهتراء أسقفها و جدرانها في غياب أشغال الترميم و الصيانة، و قد أرجع مدير المستشفى ذلك إلى النقص الكبير في عدد عمال النظافة الذي لا يكاد يغطي حتى 20 بالمئة من احتياجات هذا الصرح الصحي الكبير الذي يعود تشييده إلى سنة 1864 و يضم 56 مصلحة يتوافد عليها يوميا مئات المرضى و ذويهم من 15 ولاية عبر الشرق الجزائري ، و هو ما يفسر الضغط الممارس على الأطقم الطبية و شبه الطبية، و كذا الإدارة .
أمهات يجبرن على تنظيف غرف أبنائهن المرضى
عبرنا مدخل المستشفى الذي يشهد حركية كبيرة، و قطعنا الطريق الذي يتوسط جانبي المستشفى، حيث توجد المصالح الطبية، على غرار الطب الشرعي، مصلحة الإنعاش و الصيدلية المركزية، ثم شهدنا لافتة على اليمين كتبت عليها طب الأطفال، فتوجهنا إليها كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، دخلنا عبر باب خشبي ، على يمينه توجد قاعة كبيرة تضم عددا من الأسرة و كان الطاقم الطبي منشغلا بفحص المرضى الصغار. واصلنا جولتنا عبر باقي الغرف، فلاحظنا أنها مقبولة من حيث النظافة.
و صادفنا إحدى مرافقات المرضى منهمكة في تنظيف غرفة تضم أربعة أطفال مرضى، فاقتربنا منها و سألناها عن السبب، فأخبرتنا أنها أم لأحد هؤلاء المرضى الصغار، و منذ مكوثه في المصلحة و حضورها معه كمرافقة، تقوم يوميا بالتناوب مع باقي الأمهات المرافقات لأبنائهن، بترتيب و تنظيف الغرفة من الغبار و الأوساخ، من أجل حماية أطفالهن من الجراثيم، و أمام نقص عاملات النظافة يجبرن حتى على تنظيف الأرضية .
روائح كريهة و مرضى يضعون لوازمهم أرضا
غادرنا مصلحة طب الأطفال، صوب مصلحة الجراحة العامة ابن سينا و هي من أهم المصالح في المستشفى، و أول ما جذب انتباهنا العدد الكبير من مكبات النفايات البلاستيكية المتراصة بالمدخل والتي تنبعث منها روائح كريهة ، دخلنا المصلحة و قطعنا رواقا طويلا، توجد بجانبيه عدة غرف، قصدها الكثير من الزوار، و كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار ، اللافت غياب أعوان الحراسة و الأمن، و بالتالي يمكن لأي شخص الدخول و التجول بكل حرية .
واصلنا السير إلى آخر الممر، أين وضعت حاملة «نقالة» للمرضى فوقها غطاء متسخ ، و بالقرب منها يوجد مدخل انبعثت منه رائحة كريهة، فشدنا الفضول لمعرفة ما يوجد داخله، فوجدنا حوضا به ماء لونه أسود، لركوده الطويل و تعفنه، إلى جانب عدد من قارورات المياه المعدنية مملوءة بالبول، و أكياس قمامة بعثرت محتوياتها هنا و هناك، و بمحاذاتها توجد غرفتان توقفت بهما أشغال الحفر و البناء، و امتلأتا عن آخرهما بالردم و الألواح و الغبار.
واصلنا السير نحو الطابق العلوي للمصلحة ، مرورا بالغرف و كذا المراحيض، و العامل المشترك بينها الروائح الكريهة و القاذورات منتشرة، توجهنا إلى شرفة تطل على مصلحة الاستعجالات الجراحية ،فلاحظنا أن سقفها مليء بمياه الأمطار الراكدة، و على جانبيها توجد أكوام من الردم و أسرة و كراس طبية متحركة مهملة دون تصليح، فيما يضطر المرضى إلى التنقل سيرا على الأقدام، أو على متن سياراتهم الخاصة للوصول إلى المصلحة ، خاصة المصابين بكسور و الحالات الخطيرة وفق ما لاحظناه .
وجهتنا الموالية كانت مصلحة أمراض الدم و الطب الداخلي بالجهة العلوية من المستشفى، مرورا بسلالم فقدت الكثير من بلاطها و أجزاء من قضبانها الحديدية، ما يحتم السير بحذر لتجنب التعثر و السقوط، و بالقرب من المصلى، لاحظنا تدفق المياه من تحت صخرة صغيرة، و بدل البحث عن حل جذري للمشكلة، تم وضع دلو بلاستيكي كبير يحوم حوله الذباب و البعوض و تنبعث منه رائحة مزعجة.
عندما وصلنا إلى مصلحة أمراض الدم، أول ما لفت انتباهنا بمدخلها وجود كيس وضعت فيه بقايا ، و نحن في طريقنا نحو غرف المصلحة، توقفنا عند المطبخ الذي وجدناه في حالة مزرية، حيث يوجد به كيس كبير للقمامة، بالقرب من خزانة مهشمة الأبواب ، و بالجهة المقابلة يوجد حوض متسخ. كما لاحظنا أن المرضى اضطروا إلى وضع لوازمهم من أدوية و طعام و ألبسة على الأرض أو فوق بعض الألواح البلاستيكية و الخشبية، في غياب طاولات خاصة بذلك، فيما لجأ مريض إلى وضع حقيبة ملابسه فوق دلو كبير للطلاء وجده مرميا في شرفة الغرفة التي انبعثت منها روائح كريهة، لأن أكواما من النفايات ألقيت خلفها و تجمع حولها القطط.
مراحيض غير صالحة للاستعمال و مرضى يستغيثون
محطتنا الموالية كانت مصلحة الطب الداخلي التي بدت غاصة بالمرضى، حيث توجهنا مباشرة إلى الطابق الأول، أين يوجد قسم النساء ، و بعد جولة خاطفة، توجهنا إلى المرحاض فوجدناه في حالة مزرية، إذ وضعت به حاويتين للنفايات تنبعث منهما روائح كريهة، إلى جانب وجود تسربات للمياه و تشققات في الجدران في ديكور يوحي بأن المكان غير قابل للاستعمال ويستحيل أن يكون خاصا بمرضى.
أما مراحيض قسم الرجال بالجهة المقابلة، فروائحها تقول الكثير عن المكان ، بعضها محطمة و أخرى مليئة بالقاذورات و المياه العكرة و الزجاج المهشم، أين أعرب بعض المرضى عن امتعاضهم من هذه الوضعية و خوفهم من الإصابة بأمراض أخرى ناجمة عن نقص النظافة.و نحن في طريقنا نحو الطابق الثاني للمصلحة، صادفنا غرفة كبيرة توجد بإحدى زواياها أكياس النفايات الطبية و العادية، كان بعضها ممزقا و تناثرت بقايا الطعام و بعض الحقن و قارورات الدواء منه، فانهمكت إحدى عاملات النظافة في جمعها بحذر.
و قالت لنا بانفعال شديد إن العمل في هذه المصلحة مرهق جدا، مشيرة إلى أنها تعمل بالتناوب مع زميلتها طيلة أيام الأسبوع، لتنظيف كل غرف المرضى، و تجبران على مضاعفة ساعات العمل بطلب من الإدارة، لتغطية العجز في اليد العاملة ، مع القيام بأعمال إضافية كغسل الأواني و جميع القمامة و تنظيف الأرضيات.
و لاحظنا بالقرب من القمامة ، العربة المخصصة لنقل وجبات المرضى و فوقها صندوق حديدي يبدو متسخا من الخارج و تعلوه طبقة دهنية سميكة يميل لونها إلى السواد، و بداخل الصندوق بقايا قطع لحم و أرز، و فوق أحد الرفوف كدست الكثير من قطع الخبز ، في مشهد يجعل المكان أقرب إلى مكب للنفايات أو مرآب كبير، لا مصلحة استشفائية.
بعد تنقلنا عبر الغرف، توجهنا إلى شرفة تمتد عبر كافة قاعات المصلحة، بإمكان من يقف بها مشاهدة كافة الأجزاء السفلية للمستشفى، و مع مواصلة النظر نحو الأسفل، ، يمكن مشاهدة أكوام النفايات المرمية في الحديقة .. قارورات بلاستيكية ، كراس و أسرة و مكاتب محطمة وغيرها بكميات معتبرة، فعلق أحد المرضى « من هنا يمكنك التمتع بمنظر الزهور و الورود..» ثم ضحك ساخرا. و بالجزء المقابل خصصت زاوية للأكياس البلاستيكية، منها السوداء الخاصة بالنفايات «المنزلية «و أخرى صفراء المخصصة للنفايات الطبية الخطيرة، في تصرف يمكن أن يشكل خطرا على رواد المصلحة.
كمال بن يسعد مدير المستشفى
«نعاني من ضغط رهيب و إمكانيات محدودة»
طرحنا المشاكل و النقائص التي وقفنا عليها في عدة مصالح على مدير المستشفى السيد كمال بن يسعد، ، فلم ينف وجودها، و أرجع السبب إلى نقص الميزانية ، مشيرا إلى أن هناك وعود من قبل الوزارة برفعها خلال سنة 2020.
أما عن مشكل النظافة، فأرجعه إلى العجز الكبير في عدد عمال النظافة، حيث يوجد 200 عاملة نظافة فقط في كامل المستشفى ، نظرا لتجميد التوظيف، حيث لم تتمكن الإدارة من فتح مناصب عمل جديدة و تدعيم المؤسسة التي تعرف ضغطا رهيبا و تستقبل مرضى من 15 ولاية شرقية، في حين لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية ألفي سرير، و بالتالي فهذا العدد غير كاف تماما .
واعترف المتحدث أن الكثير من المصالح تعاني من ضغط رهيب، على غرار مصلحة التوليد التي بها 200 سرير و تستقطب يوميا حوالي 250 حاملا، 10 بالمئة منهن فقط من قسنطينة، كما أن مصلحة طب الأطفال تضم 120 سريرا فقط، فيما يبلغ عدد المرضى الصغار الذين يتوجهون إليها ضعف هذا العدد، و هذه المعطيات تتطلب الرفع من عدد عمال النظافة لتحسين وضعية المستشفى، كما أكد المدير.و أضاف أن الإشكال المطروح ستخف حدته سنة 2020 ، و ذلك من خلال التعاقد مع مؤسسات خاصة ستزود المؤسسة ب100 عاملة نظافة جديدة ، يعملن طيلة الليل و النهار، حسبه. و بخصوص عمليات الصيانة الغائبة تماما عن المرفق، قال المتحدث إن الوصاية خصصت مؤخرا 10 ملايير سنتيم، لتهيئة السقف المهترئ و ستنطلق الأشغال قريبا.
هيبة عزيون