انحصار تداول العملة الصعبة يلهب سوق الملابس الشتوية
يعرف سوق الملابس الشتوية هذه السنة، ارتفاعا ملموسا في الأسعار يشتكي منه الزبائن و يقدره التجار بحوالي 20 إلى 30 بالمئة، مقارنة بالسنتين الماضيتين، كما يطرحون مشكل ركود النشاط التجاري الذي تسبب في إفلاس الكثيرين و أجبرهم على تغيير نشاطهم، خصوصا في ظل انحصار تداول العملة الصعبة بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، و بالتالي شح السيولة، الأمر الذي انعكس على واقع السوق و أثر سلبا على التاجر و على نسبة كبيرة من المستهلكين الذين باتت الأناقة تتذيل قائمة أولوياتهم، بسبب ضعف القدرة الشرائية، كما أكد مواطنون و تجار للنصر، غياب ضوابط تجارية تنظم نشاط السوق .
* هــدى طابي
زبائن يشتكون الغلاء و تجار أفلسهم الركود
زاد النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة، حول الارتفاع الكبير لأسعار الملابس الشتوية، و للوقوف على واقع السوق تنقلت النصر بين العديد من المحلات بقسنطينة، وبالأخص في المناطق التي تشتهر بأنها نقاط مرجعية لتجارة الملابس، على غرار وسط المدينة و حي سيدي مبروك، بالإضافة إلى المجمعات التجارية بعلي منجلي، و الحقيقية هي أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام، مقارنة بالسنة الماضية، فتكلفة معطف نسائي لا تقل عن 15 آلاف دج، وقد تتعدى ذلك إلى 32 ألف دج، إذا كان مصنوعا من مادة خام أصلية و مزينا بالفرو، بالمقابل تنطلق أسعار سترات و بزات الأطفال من 3 آلاف و 700دج إلى غاية 7 آلاف دج، أما أسعار الأحذية عموما فتتراوح بين 3 آلاف و 500 دج و 8 آلاف دج، و تتباين أسعار الكنزات و السراويل، حسب نوعيتها و تبدأ من ألفين و 500 دج إلى 6 آلاف دج.
و الملاحظ أن السترات المبطنة أو ما يعرف بـ « دودون»، قد عادت بقوة هذه السنة، و تعد الموضة الأكثر رواجا بالنسبة للنساء و حتى الرجال، تنطلق أسعارها من 8 آلاف إلى 15 ألف دج، فما فوق.
خلال جولتنا بين المحلات، لاحظنا بأن نسبة كبيرة من الزبائن يكتفون بتقليب المنتج و السؤال عن سعره، ثم يغادرون المحل دون اقتناء ما أعجبهم، لهذا تقربنا من بعضهم، فقالوا لنا بأن الأسعار مرتفعة، و لا تتماشى مع القدرة الشرائية، فمن غير المنطقي، حسب نسرين الموظفة بقطاع المالية، التي التقينا بها بحي سيدي مبروك، أن تقتني معطفا بمبلغ 22 ألف دج، في حين أن راتبها لا يزيد عن 32 ألف دج، و شاطرتها الرأي السيدة صورية التي تعمل في بنك التوفير و الاحتياط، مشيرة إلى أنها عجزت عن اقتناء ملابس لنفسها بعدما أنفقت نصف راتبها على شراء معطف و حذاء لابنتيها الجامعيتين، و ما تبقى من الراتب لا يكفي لسد مصاريف الشهر، أما عبد الهادي موظف، فقال بأن سترة شتوية و حذاء لابنته الصغيرة، صاحبة السنتين، كلفاه مبلغ 6 آلاف و 200 دج.
من جهتهم أجمع الباعة و التجار بالحي، أن الركود هو سيد الموقف، فنشاط البيع، حسب حمزة، صاحب محل قريب من مصلحة الأمومة و الطفولة، تراجع بنسبة 80 بالمئة، مقارنة بالسنتين الماضيتين، أما «دادي»، وهو واحد من أشهر تجار الملابس والأحذية و الحقائب بالمنطقة، فقال، بأن تجارة الملابس تعرف ركودا منذ بداية موسم البرد، فغالبية الزبائن يسألون، لكن لا يشترون، و بالأخص الفتيات اللائي كن يشتهرن في وقت سابق بحجم إنفاقهن الكبير على شراء الملابس، فالأولويات تغيرت والشباب أصبحوا أقل اهتماما بالأناقة ،و أكثر تركيزا على دفع أقساط السيارات و سكنات عدل، فهذه هي الموضة اليوم، كما عبر.
علمنا منه أيضا، أن عدة أيام تمر على تجار الملابس، دون أن يبيع أحدهم قطعة واحدة، خصوصا المعاطف و السترات الشتوية التي قال، بأن الزيادة في أسعارها تناهز 20 إلى 30 بالمئة هذا العام، حسب نوعية المنتج و البلد الذي صنعه، فالمعاطف الفرنسية و التركية عالية الجودة، لا تقل أسعارها عموما عن 3 آلاف دج، بينما تتراوح أسعار ما يعرف بالدودون و المعاطف التركية بين 8 إلى 11 ألف دج.
الأسعار تلتهب كلما انخفضت درجة الحرارة
تجار آخرون، سألناهم عن حركية السوق، فقالوا بأن الإفلاس يهدد معظمهم، بالأخص التجار الصغار أو حديثي التجربة في هذا المجال، فهناك من غيروا نشاطهم إلى مجالات أخرى كالإطعام، لأن مداخيل المحلات لا تغطي تكاليف كرائها، خصوصا وأن أسعار الكراء في حي سيدي مبروك العلوي لا تقل عن 15 إلى 30 مليون سنتيم شهريا.
و عن السبب الرئيسي وراء تراجع نشاط سوق الملابس و ارتفاع أسعار المنتجات، أوضح التجار، بأن المشكل ظهر تدريجيا في السنوات الثلاثة الأخيرة، مع انخفاض قيمة الدينار الجزائري مقابل سعر الصرف، لكنه احتدم هذه السنة، بعدما تقلص حجم احتياطي العملة الصعبة المتداولة في السوقين النظامية و الموزاية، « فالأورو» ، كما عبروا، غير متوفر وهو العملة التي تتحكم في عصب التجارة، على اعتبار أننا في الجزائر نعتمد كليا على الاستيراد لتغطية الطلب على الملابس بمختلف أنواعها، كما أن الارتفاع المحسوس في الأسعار راجع بالأساس إلى زيادة قيمة الأورو مقابل الدينار، فسعر الصرف وصل في الآونة الأخيرة إلى 21 ألف دج، وهو ما فرض زيادات على المنتجات المستوردة ككل، قدرت بـحوالي 3000 آلاف دج.
تجار آخرون طرحوا مشكل غياب ضوابط تتحكم في نشاط السوق، فحسبهم، يفرض كل تاجر السعر الذي يناسبه، و يختار هامش الربح الذي يريده، حتى أن هناك بعض التجار لا يتوانون في إقرار زيادات غير مبررة تصل إلى 3 آلاف دج على المعاطف و السترات، بمجرد انخفاض درجات الحرارة، وهناك من يأخذون هامش ربح يعادل 10 آلاف دج عن القطعة الواحدة، خصوصا باعة الملابس المستوردة من فرنسا.
من جهتهم، أخبرنا بعض باعة الملابس بالمركز التجاري « رتاج مول» أن المتعاملين الأتراك باتوا على علم بوضعية التجار الجزائريين، و منهم من يقدمون تسهيلات كثيرة لزبائنهم الدائمين، في انتظار تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد، حتى أن هناك من قدموا بضائع للتجار الجزائريين دون مقابل، و أمهلوهم شهورا من أجل دفع ثمنها، وهو ما يرجح كفة تركيا اليوم، كمصدر أول للملابس.
المنتج المحلي يكسر الأسعار باحتشام
قال موسى، صاحب محل تجاري بالمركز التجاري «لاكوبول» بالمدينة الجديدة، بأنه تعرض مؤخرا لموقف معقد بأحد البنوك، فقد حجز للسفر إلى تركيا لإحضار سلع جديدة لمحله، و عندما ذهب إلى البنك لاستلام جواز سفره و مبلغ الصرف الذي أراد تحويله، قيل له بأن السيولة غير متوفرة، و بأنه يتعذر على البنك منحه المبلغ المطلوب، وهو ما اضطره إلى «افتعال فضيحة» قبل أن يتدخل مدير البنك لاحقا و يجد حلا للمشكل.
علما بأن هذا الوضع، حسبه، تحول إلى معاناة دائمة بالنسبة للتجار، وهو ما دفع بالكثيرين الى اللجوء للسوق السوداء التي تعرف هي أيضا ركودا منذ بداية الحراك الشعبي، كما قال.
في بعض محلات وسط مدينة قسنطينة، كان الوضع مختلفا نوعا ما، فالأسعار أقل نسبيا ، مقارنة بسيدي مبروك و المجمعات التجارية، إذ يمكنك أن تجد في بعض الفضاءات التجارية، معاطف و سترات مقابل 4 إلى 6 آلاف دج، لهذا سألنا التجار عن سر الفارق في الأسعار، فأخبرنا بعضهم بأن السعر يتحدد حسب الجودة، إذ عادة ما يكون المنتج الصيني أقل تكلفة، كما أن المنتجات التركية منخفضة الجودة تكون هي الأخرى أرخص بكثير.
من جهة ثانية، أوضح ناصر، تاجر ملابس نسائية بشارع العربي بن مهيدي، بأن هناك بعض الورشات المحلية تنتج معاطف و سترات شتوية بأسعار مقبولة.
الحاج الطاهر بولنوار رئيس جمعية الوطنية للتجار و الحرفيين
السوق يعتمد بنسبة 80 بالمئة على المنتجات الصينية و التركية
أكد من جهته رئيس الجمعية الوطنية للتجار و الحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، بأن نشاط سوق الملابس قد تراجع منذ بداية السنة، بحوالي 30 بالمئة، لأسباب تتعلق بتخوف المتعاملين الاقتصاديين و التجار من الأوضاع التي تعيشها البلاد و غياب الاستقرار ، ما جعلهم يحجمون عن تداول الأموال بشكل كبير، وهو ما أدى إلى نقص السيولة في السوق، كما أن بعض المتعاملين الأجانب الذين كانوا يمولون سوق الألبسة في السنوات الماضية، توقفوا عن ذلك مؤخرا، بسبب الخوف من عدم استقرار الوضع الراهن، و بالتالي إمكانية تعرض بضائعهم للحجز، ناهيك عن أن نشاط النقل تقلص بسبب المظاهرات الأسبوعية ، فخطوط التوزيع التي كانت مشغولة بشكل دائم بمعدل 10 إلى 15 طلبية أسبوعيا، أصبحت أقل حركية ولم يعد الموزعون قادرين على تلبية أكثر من 5 طلبيات في الأسبوع، مع العلم أن عددا معتبرا من التجار أشهروا إفلاسهم و تخلوا عن نشاط بيع و توزيع الملابس هذه السنة.
أما بالنسبة لارتفاع الأسعار، فهو راجع، كما أوضح المتحدث، إلى الانخفاض المستمر لقيمة الدينار الجزائري، و غياب إنتاج محلي بديل، إذ أن السوق تعتمد بنسبة80 في المائة على المنتجات الصينية و التركية و حتى التونسية، كما لا يمكن أيضا إغفال مشكل ضعف القدرة الشرائية للمواطن، الذي لم يعد قادرا على تحمل تكاليف الملابس بعدما بات همه الأساسي هو السكن و الإطعام. حيث تجدر الإشارة إلى أن الجزائريين يستهلكون ما يعادل 6 مليار دولار من الملابس والأحدية سنويا، حيث يزيد حجم الأقمشة والملابس المتداولة في السوق خلال ذات الفترةعن 500 مليون متر.
هـ . ط