الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

مختصون في علم النفس والاجتماع يحللون الظاهرة: هـــذه أسبــاب التهـاون و التهوّر أمـام المخاطــر

تسجل مصالح الحماية المدنية حوادث مختلفة، يتضح بعد البحث في أسبابها بأن سببها التهاون أو الاستهتار، وهو سلوك يتكرر في العديد من المرات سواء على الطرقات أو في الشواطئ أو البرك و غير ذلك، ويرجع مختصون في علم النفس و علم الاجتماع، ذلك إلى عدم الوعي بالخطر والتهور بفعل عوامل ترتبط أساسا بالانتقال غير المتدرج من العقلية التقليدية إلى التفكير الحديث، والمرور بفترات لا استقرار، وبلوغ اليأس النفسي و خلفيات أخرى.

يقف المتتبع لأخبار حوادث الطرقات و الوفيات خلال موسم الاصطياف، على تفاصيل تعكس عدم وعي الضحايا بالخطر، إذ أظهرت حالات الغرق المسجلة وبشكل يومي منذ بداية الصيف، فضلا عن الأرقام المخيفة لضحايا حوادث المرور، مدى استخفاف الفرد بالمخاطر، لدرجة إلقاء نفسه للتهلكة بتصرف غير واع، فهناك شباب وكهول فارقوا الحياة، بسبب السباحة في الحالات الممنوعة والشواطئ غير المحروسة وخارج أوقات السباحة، وفقدت عائلات أفرادا بفعل التهور كما حصل مؤخرا حين غرق رجل وابنه بسبب السباحة بين أمواج عالية بأحد شواطئ جيجل المعزولة. أمثلة كثيرة لحالات مشابهة، وقعت في شواطئ غير محروسة صارت قبلة للشباب و الأسر كذلك، رغم أن الوصول إليها يتطلب قطع مسافات في الزوارق لبلوغ شاطئ لا يتوفر على شروط الأمن، ما يدل على غياب الوعي بالمخاطر حتى لدى أرباب عائلات، ما يتسبب في استمرار ارتفاع حصيلة الوفيات التي تعدت الموسم الحالي 162 حالة غرق، وهو ما يدل على مستوى استخفاف الراشدين بالخطر و تأثير ذلك سلبا على وعي المراهقين والأطفال، الذين أصبحوا يتباهون بتعريض أنفسهم للمخاطر والتقاط صور مغامراتهم ونشرها.كما تعد فئة الشباب الأكثر تهورا حسب من تحدثنا إليهم من مختصين، وما يؤكده المحتوى المتداول عبر الفضاء الافتراضي، سواء من خلال فيديوهات السياقة التي تظهر عدم التقيد بأدنى إجراءات السلامة و التباهي بالقيام بالتجاوزات الخطيرة و استعمال السرعة المفرطة، أو التنافس في القيام بمناورات على طريقة الأفلام، وقد شهدنا حوادث مرور مميتة على المباشر، إلى جانب تحديات صعود المرتفعات، و صور التعلق بحبال الجسور على ارتفاع أكثر من 175 مترا، كما يفعل شباب بقسنطينة.

* الدكتور محمد زيان أستاذ علم الاجتماع
التهور يعبر عن عدم تكيف وانعدام للتوازن
قال الدكتور محمد زيان رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 02، مدرس مقياس علم اجتماع المخاطر بجامعة قسنطينة 02، إن التهور سلوك يعبر عن حالة عدم تكيف وانعدام للتوازن الذي يرجع أولا إلى عدم توازن الأفراد في إشباع حاجياتهم، وطبيعة علاقاتهم بالمؤسسات التابعين لها، كالمدرسة، ناهيك عن دخول أفكار جديدة بشكل غير تدريجي عبر بوابة التكنولوجيا تنعكس في سلوكات غير واعية.
وحسب الدكتور زيان، فإن التعامل مع المخاطر بمنطلق « الأعمار محددة والموت قضاء والقدر»، بسط مفهوم الخطر لدى الفرد الذي يلقي بنفسه إلى التهلكة متجاهلا أن من شرع الموت هو من نهى عن إيذاء النفس.
كما ذكر، عاملا آخر يرتبط بالمرجعية الثقافية للأفراد، وطبيعة الحياة التي كانت في الماضي بسيطة وهادئة، لتشهد وفي ظرف وجيز تحولا كبيرا، نجم عنه الانتقال السريع غير المتدرج من العقلية التقليدية إلى العقلية العصرية، والغوص في عوالم التكنولوجيا دون التحضير لذلك.وأشار، إلى أننا من المجتمعات التي لم تتمرس وتتحضر تدريجيا لمسايرة العصر، فاستعمالنا الخاطئ مثلا للتكنولوجيات الحديثة في شتى المجالات وعدم الوعي بمخاطرها، أثر على سلوكيات ووعي الأفراد، وبالنظر حسبه لحجم الحوادث المميتة التي تسجل يوميا، خلال الصيف عبر الشريط الساحلي وعلى الطرقات، نقف على غياب الوعي بالخطر، و نرصد نوعا من التهور و اللامبالاة تجاه التحذيرات على الشواطئ وعدم صيانة المركبات قبل استعمالها وعدم احترام إشارات المرور، والاستخفاف بالتجاوزات المؤدية إلى حوادث مأساوية ومميتة. ويؤكد الأستاذ زيان، أنها سلوكات تترجم وتعبر عن حالة نفسية داخلية، تتمثل في إحباطات وتحديات، تختلف طريقة إخراجها للواقع باختلاف الفرد، وتجعله يتهور في بعض السلوكيات الخطيرة، فهناك من يلج نفق المخدرات واستهلاك الحبوب المهلوسة تعبيرا عن هذه الإحباطات، فيما هناك من يعبر عنها بطرق أخرى، وفي شكل سلوك عدواني، أو التكلم بصوت مرتفع في محاولة لرفض الإحباط الداخلي واثبات مكانته الاجتماعية في الوسط الموجود فيه.
ويشمل التهور واقتياد النفس للخطر، الأشخاص المتعلمين والمثقفين كذلك والدليل حسب ذات المتحدث، أن هناك من يركبون زوارق الموت، غير آبهين بالخطر المحدق بهم، وبتشريح الأسباب نجد عوامل كثيرة ترتبط بالضغوطات الاجتماعية الناجمة عن أشياء عدة مرتبطة بمناحي الحياة، كاستعمال وسائل النقل والانتظار و البيروقراطية.إلى جانب ذلك، يصف المتحدث الوضع، بعدم التكيف وانعدام التوازن الذي يرجع أولا إلى عدم التوازن في إشباع الحاجات، وطبيعة العلاقة مع المؤسسات، ناهيك عن التدفق المعلوماتي عبر بوابة التكنولوجيا وسوء التعامل معها، وكلها عوامل قد تقف وراء سلوكيات غير مسؤولة.وأردف محدثنا، بأنه ومن خلال المقياس الذي يدرسه بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قسنطينة 02، وهو علم اجتماع المخاطر، فإنه يتطرق إلى موضوع المخاطر كالأوبئة والهجرة والإدمان وغيرها، وانعكاسات عدم الوعي بخطورتها على المجتمع، مردفا بأن المخاطر الفردية لها أثر على أصحابها وأسرهم ومحيطهم، فضلا عن انعكاساتها الاقتصادية، منها المتعلقة بتكاليف التعويض عن الوفاة.

* أستاذة علم النفس العيادي البروفيسور فريدة سوالمية
اليأس النفسي وعدم الشعور بالأمن سبب مباشر
أكدت البروفيسور فريدة سوالمية، أن عدم الوعي بالمخاطر كظاهرة نفسية اجتماعية، تستدعي التطرق للظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، لمعرفة الأسباب الخفية وتشريحها بشكل دقيق ومعمق. ونجد عند تحليل الأوضاع النفسية والاجتماعية حسبها، بأن المجتمع الجزائري عاش فترة لا استقرار، أو كما يعرفها عالم الاجتماع دوركايم بـ « اللامعيارية» ففي غياب المعايير المجتمعية يولد شعور بالا أمن وعدم الاستقرار، ما ينعكس على نفسية الفرد وبالأخص فئة الشباب، ويؤدي إلى بلوغ قمة اليأس فيولد شعور بعدم تقدير المخاطر.
كما ذكرت عوامل أخرى، تتمثل في عدم القدرة على تحقيق أشياء قاعدية كتوفير السكن أو الوظيفة، والموجودة في هرم ماسلو، إذ يصبح الحديث هنا عن تقدير المخاطر خاضعا لهذه الظروف، وكلما كان الفرد مستقرا كلما كان متمسكا أكثر بالحياة ومحافظا على صحته ونفسه، لذلك فإن حالة البعض تترجم كل الإحباطات الداخلية بالتهور في السياقة والسباحة وغيرها، و تعبر عن عدم ارتياح وجودي عميق جدا، فعدم الاستقرار العاطفي النفسي والمجتمعي، يؤدي إلى التهور وإلى خلل وفوضى مجتمعية تعكسها سلوكيات وآفات اجتماعية.
أ ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com