بلال إبراهيمي، جزائري قضى 25 سنة في الغربة، وتحديدا في إيطاليا أين اشتغل في مجال الإطعام، ليقرر العودة إلى أرض الوطن وفي جعبته دفتر وصفات يحضرها على الطريقة الإيطالية بمنتجات من خيرات بحر و بساتين جيجل، أين افتتح مطعمه الخاص بالبيتزا و الباستا و غيرها من الأكلات الشهيرة في حوض المتوسط و العالم ككل. يوظف المطعم حاليا ما لا يقل عن 07 شباب بصفة دائمة، و يقدم الأطباق الإيطالية الأصلية لسكان المدينة، كما يقصده الإيطاليون المقيمون في الولاية و حتى الولايات المجاورة.
قصــــة نجـاح بـدأت سنــة 2014
قصة بلال و نجاحه في جيجل بدأت بتحديات رفعها منذ سنة 2014 واجهته في رحلة التأقلم مع مناخ لا يتقبل التجديد بسهولة خصوصا فيما يتعلق بالمطبخ، ناهيك عن صعوبات في إنجاز مشروعه بحد ذاته و توفير بعض المواد الأولية الأصلية، وإنجاز فرن للخبز على الطريقة الإيطالية وهو فرن أخبرنا أنه له مواصفات محددة تعتبر مهمة جدا بل وعاملا رئيسيا في إنجاح إعداد البيتزا، حيث عمل على بنائه بمعية البناء الذي اعتمد عليه ورافقه في كل تفصيل خلال مختلف مراحل البناء.
كما تحدث أيضا، عن تجربته في البحث عن ممون له بمادة الخشب التي تتطلب كذلك مواصفات بعينها، وقد تطلب إنجاز الفرن وتجهيزه كما قال أشهرا عديدة.
أخبرنا بلال، بأنه من الصعب تحقيق النجاح في ظروف غير ملائمة من ناحية بعض المعايير التقنية و الفنية الواجب توفرها لإنجاز الفرن، و كذا تغيير ذهنيات المستهلكين، و لكن السر وراء كل قصة ملهمة هو الإصرار و العمل بجد و الثقة في النفس، ليبقى التقييم الأخير للزبون الذي يكتشف أولا ثم يقرر ما إذا كانت التجربة تستحق التكرار أم لا، ويعد الإقبال على مطعمه وشهرته في جيجل دليلا على أنه سلك الدرب الصحيح.
خلال حديثنا مع الطاهي الشاب، سرد علينا بعض تفاصيل قصته وكيف بدأ العمل في مجال الطبخ، وقال إنها تعود إلى مطلع التسعينات، إذ قرر حينها مغادرة الوطن على خلفية الأزمة الأمنية فاتجه إلى إيطاليا و استقر بإحدى مدن البلد.
سمحت له الظروف بالعمل في مطعم مشهور لإعداد البيتزا وعن ذلك قال لنا : « تنقلت إلى إيطاليا وأنا ابن 22 من العمر، كانت هجرة فرضتها علي الظروف الأمنية، كنت مترددا في البداية وقد راودني شعور العودة مرارا لكني قررت البقاء في النهاية ولم أتوقع أن الأمر سيطول لـ 25 سنة كاملة وأنا الذي كنت أفكر في أن لا أغيب عن الأهل لأكثر من سنتين».
أوضح لنا، أنه خلال بداياته في إيطاليا لم يكن يعرف أبسط طرق صناعة البيتزا لأنه لم يكن من هواة الطبخ، لكن القدر كتب له قصة أخرى معلقا : « كنت بحاجة إلى العمل فبدأت في محل بمدينة فيرونا، وهو محل كان شهيرا بصناعة البيتزا، عملت في المطبخ في بداياتي، و مع مرور الوقت بدأت أقحم نفسي في العمل و أتعلم إعداد البيتزا و قد ساعدني صاحب المحل كثيرا، و أعطاني الفرصة للتعلم».
أخبرنا كذلك، بأنه تعلم صناعة البيتزا بمهارة، وقرر الاستقرار في إيطاليا و تزوج من فتاة من جيجل و أخذها معه إلى المهجر لكنه لم ينقطع عن زيارة الأهل و كان يتردد على جيجل في كل مرة تسمح له الفرصة خصوصا في العطلة.
هكـــذا كـانـت البدايـــة
أوضح، بأنه خلال ربع قرن قضاه في إيطاليا، كان يعمل في المحلات التابعة للإيطاليين، لأن سكان البلد متشددون جدا فيما يتعلق بثقافتهم و من الصعب أن يمتلك دخيل بينهم محلا خاصا لصناعة البيتزا، كما أنه من الصعب منافستهم في المجال، مع ذلك فإن العديد من الجزائريين حققوا النجاح في إيطاليا و نالوا جوائز في هذه الصناعة البيتزا حسبه.
في سنة 2014 قرر بلال العودة إلى أرض الوطن لسببين، حيث أراد لأبنائه أن يكبروا في بيئة مسلمة وفق تقاليد أجدادهم، ولأجل تحقيق حلمه أيضا في امتلاك مطعم خاص يحضر الأطباق الإيطالية. فتح محلا صغيرا بأولاد بوالنار، و قد وجد صعوبة في الحصول على الحطب كما قال، كونه يستعمل فرنا تقليديا يعتمد على نوع معين من الحطب المعالج وهو اختصاص موجود بكثرة في المدن الإيطالية، ولذلك فقد راودته المخاوف في البداية، وقد علق « قمت ببناء الفرن بمواصفات دقيقة، ثم بحثت عن ممون يوفر لي الحطب، بعد عناء وجدت متعاملا مرخصا من مصالح الغابات و أخبرته بما أريده وبالمقاييس المطلوبة فوافق رغم أن عملية المعالجة طويلة و تتطلب صبرا».
زبائن من خارج الولاية و إيطاليون وجهتهم المحل
عمل بلال على تعليم ابنه فنون صناعة البيتزا و أسند إليه مهمة العمل في المطعم إلى جانبه، كما يعتمد على صديقه عبد الحق الذي قضى معه سنوات عديدة في إيطاليا، و عاد معه للوطن ليعمل كمسير للمحل.
قال محدثنا: « علمت ابني حرفة صناعة البيتزا، ووجود صديقي عبد الحق دعمني كثيرا، فقد قرر العودة معي و مرافقتي وهو اليوم مسؤول عن تسيير المشروع، وجوده يساعدني كثيرا مع الإيطاليين الذين يعملون في ورشات الطريق السيار و يقصدون مطعمنا باستمرار للاستمتاع بالنكهات الإيطالية الأصلية».
ذكر، بأن محله يعرفا إقبالا كبيرا من قبل عشاق البيتزا و الأطباق الإيطالية، والعديد من الزبائن يأتون حسبه، من ولايات بعيدة على غرار العاصمة و قسنطينة، كما أن الزبائن الذين يتذوقون البيتزا في المطعم يدمنونها، علما أن مطعمه يعد المفضل كذلك لإيطاليين مقيمين في الجزائر يزورونه بشكل مستمر خصوصا العاملين بورشة الطريق المنفذ جن جن ـ العلمة.
ســر البيتـــزا الشهيـــرة
و فيما يتعلق بطريقة تحضير البيتزا و الأطباق، يعتمد على التوابل و المواد الأولية التي يقتنيها دوريا من إيطاليا بسبب عدم توفرها في السوق المحلية، إذ يسافر في كل مرة لشراء المواد الأولية، أو يتكفل صديقه عبد الرحمان بالعملية، من أجل ضمان إعداد الطعام بنكهة إيطالية، و قد عمل من جهة أخرى كما عبر، على تلقين ابنه والعاملين في المحل أسرار الوصفات و كل تفصيل صغير يلعب دورا مهما في نجاحها وتميزها.
أما صديقه عبد الرحمان الذي قابلناه في المطهم، فقال إنه رافق بلال طيلة 25 سنة في الغربة، و قررا العودة معا للعمل في الجزائر، وهو ما تم فعليا حيث استلم مهمة تسيير المطعم.
أما عن طريقة إعداد البيتزا و الأطباق فقد أوضح لنا أن كل شيء يرتبط بالمقادير الدقيقة والصحيحة ، التي تجعل البيتزا التي تقدم في المطعم مشابهة للبيتزا التي يمكن أن يتناولها اي شخص في أي مطعم في إيطاليا، خصوصا وأن المكونات و التوابل تستورد من البلد الأصلي.
مضيفا، بأن البيتزا التي تطهى في فرن الحطب، تحمل نكهة خاصة، ولذلك فقد حرص صديقه على بنائه و الإشراف على العملية بنفسه، لأن المطعم ليس مجرد مشروع عادي بل هو حلم كبير بالنسبة إليه.
زبائن قابلناهم في المحل، تحدثوا عن اختلاف التجربة، وعن لذة الأطباق، وقالوا بأن البيتزا و الوصفات الإيطالية الأخرى تسحرهم في كل مرة و تدفعهم للعودة مرارا، وقد علق أحد الزبائن قائلا « محل بلال معروف بالبيتزا المطهوة في فرن الخشب، و التي تتميز لذة خاصة، ولذلك تدمنها عائلتي حتى إننا لم نعد نطلبها من مكان آخر.»
وعبر آخر، بأن المعكرونة الإيطالية التي تحضر في المحل لذيذة للغاية و لا يمكن مقاومتها، فطريقة التحضير تتم بمكونات أصلية وذات جودة وهو ما يصنع الفارق في الذوق، معلقا أنه رغم تجربته لعديد المطاعم عبر الوطن بحكم عمله وتنقله الدائم إلا أنه يفضل بيتزا بلال و أطباقه حيث قال « حتى الإيطاليون يشاطرونني الرأي وقد قابلت عددا منهم هنا في المطعم خلال زياراتي إليه، يخبرني البعض أن الطعام لذيذ جدا و لا يختلف عن وصفات المطاعم في بلادهم.»
وتبقى للبيتزا في مطعم بلال نكهة إيطالية خالصة لا يمكن وصفها، كما أكد كل من تحدثنا إليهم من زبائن، ولذلك تعرف شهرة و يذيع صيتها أكثر فأكثر في جيجل و الولايات القريبة، بدليل استمرار التوافد على المحل طوال اليوم، من قبل زبائن يبحثون عن النكهة الأصلية.
كـ. طويل