لا تخلو منشورات مواقع التواصل الاجتماعي من الصوّر و التعليقات التي تهين وتزدري البعض، لدرجة بات الفضاء الإلكتروني ساحة للتراشق بالكلمات والعبارات التي قد تصف شخصا بسوء، أو تتهكم على مظهره وطريقة حديثه، وهي ظاهرة يؤكد قانونيون بأنها تتطلب كبحا ومكافحة وفقا لما أقره المشرّع الجزائري.
إيناس كبير
تحوّلت اللغة على لوحة مفاتيح مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيلة عنف وإساءة، ليتمادى المتنمر ويصل إلى حد شتم ضحيته، وتعلق هذه الفئة بحسب ما لاحظناه في بعض المنشورات، على أشكال الآخرين وطرق لباسهم و أساليب أحاديثهم، ويصل الأمر إلى حد السخرية من العلل الجسدية التي يعاني منها البعض، أو الأخطاء التي يرتكبونها أثناء الكتابة خصوصا إذا كانت اللغة المستخدمة أجنبية، وهناك من يتهكم على المشاكل التي يشاركونها، فلا يبدي المعلقون اهتماما بالمشكلة في حد ذاتها، وإنما يتوجهون مباشرة إلى مهاجمة صاحب المنشور أو السخرية منه، لينهال التفاعل على التعليق باستخدام «إيموجي» «مضحك»، وهو ما يهدف إليه المتنمر ليتحول إلى «ترند» يعاد نشره على صفحات أخرى، دون مبالاة بما يسببه ذلك من ألم نفسي للغير.
وتعد فئة المشاهير والمؤثرين على «سوشل ميديا» أول ضحايا هذه الظاهرة خصوصا النساء، فإذا نشرت إحداهن صورتها دون مستحضرات التجميل، أو ظهرت بوزن زائد وترهلات، تتحول إلى محط للسخرية والتنمر و الإساءة.
ويحدث أن تصبح منشورات السخرية والتهكم «ترندا» عالميا، مثلما حدث مع الملاكمة الجزائرية إيمان خليف في أولمبياد باريس 2024، بعد تداول منشورات تسخر من جسدها وقوتها البدنية، وقد شاركت شخصيات معروفة ومؤثرة في إشعال فتيل حملة التنمر على الرياضية، ما فرض تساؤلا عن علاقة التنمر الإلكتروني بالمستوى الثقافي والاجتماعي للفرد، وإن كان الخلل أخلاقيا وسيكولوجيا يجب معالجته، ووضع آليات تؤدب مرتكبه.
آليات قانونية للوقاية
انتشرت جريمة التنمر الإلكتروني في المجتمع الجزائري مع انتشار استخدام الإنترنت، وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لما أوضحته الأستاذة بكلية الحقوق، في جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة 01، جميلة حركاتي، موضحة بأن القانون الجزائري لا يورد مصطلح جريمة «التنمر الإلكتروني»، بل كيفها على أنها جريمة إلكترونية أو من الجرائم السيبرانية كونها تتم عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
مضيفة، بأن المشرع الجزائري عرف الجرائم الإلكترونية بصفة عامة، بأنها جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المحددة في قانون العقوبات، وأي جريمة أخرى ترتكب أو يسهل ارتكابها عن طريق منظومة معلوماتية، أو نظام للاتصالات الإلكترونية، وبالتالي فإن جريمة التنمر الإلكتروني تُصنف بأنها من الجرائم المعاقب عليها قانونا.
أما بالنسبة لخطاب الكراهية، تقول الأستاذة، فقد عرفه المشرع في المادة 02 من قانون 20/05 بأنه جميع أشكال التعبير التي تُنشر، أو تشجع أو تبرر التمييز، وكذا تلك التي تتضمن أسلوب الازدراء، أو الإهانة أو العداء أو البغض أو العنف، وتكون موجهة إلى شخص أو مجموعة أشخاص على أساس الجنس أو العرق و اللون والنسب، أو الأصل القومي الإثني، اللغة الانتماء الجغرافي، أو الإعاقة أو الحالة الصحية، وفي نفس المادة هو كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل، يقوم على أساس الجنس أو العرق أو النسب أو الأصل القومي، أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الإعاقة أو الحالة الصحية، يستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها أو ممارستها، على قدر المساواة في المجال السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة الخاصة.
وبحسب المتحدثة، فإنه يمكن أيضا تكييفها في جرائم أخرى مثل السب والقذف، والمساس بحرمة الحياة الخاصة للأفراد التي يحرص المشرع على حمايتها ابتداء من دستور 2020، الذي يؤكد على حرمة الحياة الخاصة للأفراد ويؤكد على حماية الفرد من هذه الممارسات.
وتسعى التشريعات القانونية للوقاية ومكافحة التنمر الإلكتروني بكل أشكاله، وكذا المشرع الجزائري، الذي عمل على ذلك منذ سنة 2004، وذكرت حركاتي، تعديله لقانون العقوبات الذي ما يزال ساريا لحد الآن، وأيضا إصداره سنة 2009 قانون 09/04 المتعلق بالقواعد الخاصة للوقاية من جرائم تكنولوجيات الاعلام والاتصال ومكافحتها، وصدور قانون 20/05 سنة 2020 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما.
طرق المواجهة
وعرجت الأستاذة بكلية الحقوق جميلة حركاتي، للحديث عن خطورة جريمة التنمر الإلكتروني، التي تأتي من إخفاء الجاني لهويته، وتواجده على مواقع التواصل الاجتماعي باسم مستعار وصورة ومعطيات غير حقيقية، ناهيك عن أنها لا تتطلب اتصالا مباشرا بالضحية، أو استخدام العنف الجسدي.
وتضيف، بأنها أيضا جريمة سهلة وعابرة للحدود، وقد تؤدي إلى جرائم أخرى كالسب و القذف والتشهير، والابتزاز الإلكتروني، ناهيك عن المساس بحرمة الحياة الخاصة للأفراد، ويمكن أن تتحول من جريمة إلكترونية إلى جريمة عادية، بواسطة العنف الذي يصل إلى القتل.
أما عن الإجراءات التي يقوم بها الضحية، وضحت حركاتي، بأنها نفسها في حال التعرض لأي جريمة أخرى، وفي هذا السياق تحدثت عن الاستعانة بالشرطة الإلكترونية التي يتوجه الشخص إلى مصالحها أو يتصل بها لتقديم شكوى ضد الجاني.
عقوبات صارمة تصل إلى حد السجن
ويضع المشرع الجزائري عقوبات صارمة لمرتكب جريمة التنمر الإلكتروني أو أي شكل من أشكالها، بحسب ما أشارت إليه الأستاذة بكلية الحقوق في جامعة قسنطينة حنان بلمرابط، وقالت إن المشرع الجزائري عمل على تجريم كافة الأفعال التي تعد تنمرا إلكترونيا مثل التمييز، وخطاب الكراهية كما قرر عقوبات بشأنها.
ووفقا لبلمرابط، فإن الجاني يُعاقب على اقتراف جريمة التمييز وخطاب الكراهية بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية تبدأ من 60ألف دج إلى 300 ألف دج، حسب نص المادة 30 من القانون 20/05. مضيفة، بأن المشرع الجزائري رفع مقدارها من 200 ألف دج إلى 500 ألف دج، إذا استغل مرتكب الجريمة الإلكترونية مرض الضحية أو عجزها البدني أو العقلي، وهذا حسب نص المادة 31 من الفقرة الأولى والثانية من القانون رقم 20/05.
واعتبرت بلمرابط، بأن المشرع الجزائري بموجب هذا النص قد احترم خصوصية الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة واعتبره ظرفا مشددا كما يعاقب على جريمة خطاب الكراهية إذا تضمنت الدعوى إلى العنف من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات، وغرامة مالية من 300ألف دج إلى 700ألف دج، حسب نص المادة 32 من القانون رقم 20/05. كما اعتبر المشرع حسبها، جريمة التمييز وخطاب الكراهية ظرفا مشددا في حالة كل من يدير أو يشرف على موقع إلكتروني، أو حساب إلكتروني يخصص لنشر معلومات للترويج لأي برنامج أو معلومات أو أخبار رسوم وصور من شأنها إثارة التمييز والكراهية في المجتمع.
ومن التدابير القانونية والتقنية التي تبناها أيضا المشرع الجزائري لمكافحة الظاهرة، ذكرت الأستاذة، إنشاء المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، وهو هيئة تتولى رصد كل أشكال ومظاهر هذا السلوك وتحليلها وكشف أسبابها، واقتراح التدابير اللازمة للوقاية منها حسب نص المادتين 09/10 من القانون رقم 20/05. بالإضافة إلى الاستعانة بأسلوب التسرب الإلكتروني وهو نظام بحث وتحريات حديث، يسمح لضباط الشرطة القضائية بموجب القوانين اختراق المنظومة المعلوماتية والتوغل فيها مع إعلام وكيل الجمهورية، فضلا عن منح صلاحيات للشرطة القضائية لمراقبة الأشخاص المشتبه فيهم من خلال نص المادة 26 من قانون 20/05.
إ.ك