تحوز جبال جيجل العديد من الغابات و الفضاءات التي تستقطب العائلات بكثرة، كما تتوفر على مساحات خضراء ساحرة لا تزال غير مستغلة سياحيا وتستحق الاكتشاف، على غرار غابة الزان المتواجدة بين بلديتي وجانة و الشحنة، والتي تعد قبلة لعشاق الرياضة الجبلية على وجه الخصوص، وهي غابة كثيفة تتمتع بموقع جميل و بهواء عليل و طبيعة متفردة.
مناطق جذب للسياح ببلدية وجانة
تعرف وجانة، في الآونة الأخيرة، حركية كبيرة و إقبالا للزائرين من مختلف البلديات و الولايات، حيث أضحت قبلة لعشاق الطبيعية الذين يقصدونها للتمتع بخضرة الجبال و نقاء الوديان، بعدما اشتهر واد أزاون كثيرا في السنوات القليلة الماضية وحظي بترويج واسع، ما ضاعف الإقبال عليه من طرف عائلات وشباب تستهويهم السباحة في المياه العذبة.
ولا يقتصر زوار المنطقة على أبناء جيجل فحسب، بل هي قاطبة لسياح وزوار مع عديد الولايات القريبة، إذ تبلغ الحركية ذروتها في نهايات الأسبوع أين يتوافد الكثيرون للتمتع بالطبيعة الخضراء و المناظر الخلابة و الاستمتاع بالجو العليل و هدوء المكان، كما تعتبر الغابة وجهة رئيسية للمغامرة و الرحلات الاستكشافية.
يمكن الوصول إلى غابة الزان التي تتواجد بأعالي المنطقة المشتركة بين وجانة و الشحنة، عبر الطريق المؤدي إلى الأربعاء، حيث يأخذ المسار منعرجا نحو الجهة الشرقية على بعد أمتار من المنطقة التاريخية، و المكان معلوم في الأصل ولا يمكن أن يتوه زائره، لأن أشجار الزان تنتشر على طول المسار و تشكل في كل مرة فضاء جميلا للراحة يمكن التوقف عنده والاستمتاع بجمال الطبيعة.
وتتميز المنطقة بالعموم، بانتشار الينابيع العذبة و البرك الباردة و الخضرة الكثيفة التي تغطي محيط واد أزوان كاملا وصولا إلى وسط البلدية.
أشجار الزان تحتضن زوارها
وقد عرفت غابة الزان، مؤخرا، عديد النشاطات وهو ما زاد من شهرتها، حيث احتضنت منافسات في رياضة العدو، وأقيم بها أول سباق عبر مسار ترابي شارك فيه أزيد من 300 مشارك من مختلف ولايات الوطن.
وهي أيضا محطة مهمة في مسار التجوال السياحي بالدراجات، الذي تقيمه جمعية السفير للسياحة بالتنسيق مع البلدية، و الذي عرف طبعة هامة هذا الموسم أين تعرف الرياضيون المشاركون فيه و الذين قدموا من ست ولايات، على سحر الغابة و اكتشفوها لأول مرة.
كما عملت مصالح البلدية على إقامة عدة نشاطات في الغابة للتشجيع على زيارتها وتحويلها إلى قبلة قارة للعائلات و الرياضيين، وهو تحديدا ما منح المكان صدى وضاعف شهرته في الأشهر القليلة الماضية.وحسب نشطاء في مجال السياحة قابلتهم النصر في المنطقة، فإن غابة الزان من بين الأماكن التي تملك مقومات سياحية هائلة، وذلك لما تحوز عليه من غطاء نباتي كثيف يجعل درجة الحرارة منخفضة و الرطوبة شبه منعدمة، حيث يقول أحدهم « تشعر و أنت تتوغل داخل الغابة أنك في جنة صغيرة، نظرا لجمال وهدوء المكان و وفرة الينابيع المائية العذبة»، وتعتبر هذه المنطقة الأفضل كذلك لممارسي الرياضة، خصوصا العدو و المشي على الأقدام أو الهرولة وذلك لأن المسار منبسط و الطريق الترابي غير متعب، على حد قوله.
في انتظار تهيئتها سياحيا
التقينا خلال جولتنا في غابة الزان، بعائلات و شباب من مختلف الولايات، غالبيتهم من أبناء المدن الداخلية و مدن الجنوب، و بينهم زوار من العاصمة و من الجالية المقيمة في الخارج كذلك، و بالرغم من أن الوقت كان يوحي باقتراب موعد أذان المغرب، إلا أن التوافد ظل مستمرا و الحركية ملحوظة.
وقد أتفق العديد ممن تحدثنا إليهم، أن المنطقة «جنة حقيقة»، لكنها تحتاج إلى التفاتة السلطات لاستغلالها بشكل أفضل و لما لا إنشاء منتجعات سياحية صديقة للبيئة، كما هو الحال في عدد من الدول المتطورة سياحيا مثل «ماليزيا»، وأجمعت التعليقات على أن للمكان سحرا وجمالا و من المهم أن يهيأ بشكل جيد ليكون مناسبا للسياحة في كل الفصول.
من جانبهم قال بعض أبناء المنطقة، إن قيمتها السياحية لا تنحصر فقط في الجانب الطبيعي، بل تشمل كذلك جانب الحرف التي تنتشر بقوة في القرى القريبة وهو ما يقدم قيمة سياحية مضافة، ويمكن أن يشكل بوابة نشاط لهؤلاء الحرفيين في حال تم تثمين الفضاء و جهز ببنية تحتية مناسبة على غرار المنتجعات و مراكز العلاج والتأهيل الطبيعي مثلا، ما سيجعل الحركية دائمة على مدار العام.
كما تزخر المنطقة كذلك، بإرث ثقافي وحضاري ومواقع تاريخية، ومن شأن كل ذلك حسبهم، أن يجعلها قبلة للسياح على مدار السنة، في حال توفرت الإرادة للنهوض بها، حيث أوضح رئيس بلدية وجانة، بأن المنطقة تمتاز بمقومات سياحية كبيرة و تعتبر بديلا للسياحة الشاطئية، وقد تم اقتراحها كمنطقة توسع سياحي، يمكن أن تستقطب مركبات سياحية، كما أنها مناسبة جدا للممارسة الرياضة وإنشاء مراكز تدريب للنخبة.
مضيفا:» كلما ارتفعنا أكثر عن مستوى سطح البحر ، كلما أحسسنا بنقاوة الهواء العليل ، الذي تختلط به روائع الغطاء النباتي المتنوع للمنطقة لاسيما أشجار الزان الرائعة، وهو مشهد بانورامي بديع».
ولكي تصل إلى عمق الغابة، عليك أن تسلك ممرات عدة مشيا على الأقدام، في تجربة فريدة، لأن التجوال في قلب الغابة يمنح شعورا بالسلام والطمأنينة، حيث لا يسمع هناك سوى صوت الطبيعة و الحيوانات و زقزقة العصافير وحفيف الأشجار الكثيفة والباسقة، وهي أيضا جنة نباتية تضم العديد من الأصناف البيئية المهمة جدا للتوازن الطبيعي.
لاحظنا أثناء تواجدنا في المكان، بأن عشاق الرياضة يشكلون غالبية رواد الغابة وقد التقينا مجموعة منهم، علمنا من أفرادها بأن غابة الزان تعتبر من بين أحسن المناطق لممارسة رياضتي العدو والمشي و تعتبر فضاء طبيعيا مناسبا جدا بالنظر إلى طبيعة التضاريس و الجو.شدتنا أيضا خلال الجولة عبر الطريق الترابي، حركية العائلات التي فضلت الغابة على البحر، و اختارت قضاء الوقت فيها للتمتع بجمال الطبيعة و الهدوء الذي يعم المكان و درجة الحرارة المعتدلة التي لا تتجاوز 22، كما تختفي الرطوبة كليا بفضل كثافة الأشجار الباسقة، و قد أخبرنا رب عائلة بأنه قدم من ولاية باتنة لقضاء عطلة الصيف، وقرر القدوم إلى بلدية وجانة لاكتشاف المؤهلات التي تحوز عليها، بعدما شاهد منشورات عنها في مواقع التواصل قائلا « فضلت قضاء أسبوع من العطلة ببلدية وجانة، وذلك لعدة أسباب أبرزها توفرها على مناطق تريح النفس و تبسطني كثيرا، و لقد اكتشفت غابة الزان صدفة من خلال نشاط أقيم بالبلدية مؤخرا، و أبهرتني الصور فقررت رفقة زوجتي و الأولاد زيارتها فتواصلت مع صديق ينحدر من جيجل، وفر لي رقم شخص يخصص منزله للكراء خلال موسم الاصطياف فأجرته».
مضيفا :» لم أندم أبدا على زيارتي للمنطقة وقد وفقت في الاختيار حتى وإن كان البحر بعيدا نوعا ما، فالسباحة في واد أزاون تعتبر أفضل بديل وهي تجربة مختلفة وتمنح شعورا بالراحة والهدوء».
وذكر بعض أبناء المنطقة الذين قابلناهم في الغابة، بأن العديد من العائلات أصبحت تزورها في السنتين الأخيرتين، و يستجم فيها السياح لساعات دون ملل بالنظر لتوفر الينابيع المائية على طول الطريق، وهو ما يجعلهم يحسون بالراحة مشيرين، إلى أن الحركية السياحية تستمر لساعات متأخرة بعد أذان صلاة العشاء، فتوفر الأمن عامل مساعد و محفز للغاية.
وحسبهم، فإن الغابة تملك مؤهلات عديدة يمكن استغلالها بشكل أكبر وأكثر تنظيما لتحقيق قفزة تنموية تعود بالفائدة على كلا البلديتين، بالإضافة إلا أن المنطقة عموما ذات طابع وهو ما يضعنا أمام عديد الخيارات الأخرى للتأسيس لسياحة طبيعية فلاحية من نوع مختلف توفر إمكانية كبيرة للنشاط طوال أيام السنة.
و نحن نغادر الغابة في حدود الساعة التاسعة ليلا، تركنا الغابة عامرة بالزوار من سكان البلدية والمناطق القريبة الذين لجأوا إليها هربا من حر المنازل، وطلبا للنسيم العليل المنعش. كـ. طويل