انتشرت خلال الأيام الماضية، ممارسة خطيرة بين الأطفال بقسنطينة وعدة ولايات أخرى، تتمثل في استعمال أنبوب مطاطي لإحداث انفجار صغير ليكون بديلا للعبة القديمة «البازوكا»، ورغم ما تشكله هذه الأداة من تهديد لصحتهم وحياتهم، إلا أنها صارت موضة و اختراعا بسيطا أنساهم استعمال المفرقعات قبيل أيام قليلة من مناسبة المولد النبوي الشريف.
إعداد: حاتم بن كحول
احتفال على طريقة جيل الثمانينيات
اختفت ظواهر اكتشاف ألعاب تقليدية مصنوعة بمواد بسيطة منذ سنوات طويلة، خاصة بعد التطور التكنولوجي الحاصل في كل بقاع العالم، ومواكبة الجيل الجديد له وانسجامه مع كل كبيرة وصغيرة، ما جعل استعمال ألعاب من صنع يدوي عادة مندثرة غابت مع جيل الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن سنة 2024 عرفت ظهور أول اختراع للجيل الجديد ويتمثل في «بازوكا مطاطية» كبديل «للبازوكا المعدنية» التي كانت اللعبة المفضلة في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
وقد كانت «البازوكا» اللعبة الأكثر انتشارا قبل 20 سنة، نظرا لسهولة صنعها وفعاليتها، إذ لا تزال آثار انفجارها على عديد الجدران بولاية قسنطينة، وتتكون اللعبة من قطعة معدنية أسطوانية الشكل تثقب في الوسط لحشوها بالكبريت، ثم يتم تفجيرها باستعمال مسمار جراء التصادم بين مادة الكبريت والمعادن، ليبتكر بعد 20 سنة الأطفال نسخة مطورة من «البازوكا» التقليدية، ولكن هذه المرة عن طريق أنبوب مطاطي.
ولفت انتباه النصر، استعمال أطفال صغار لأنابيب يتم ضربها على الجدار أو الأرض لتحدث انفجارا خفيفا، ليتقرر التعمق أكثر في طريق صنعها وفعاليتها كأداة للترفيه والخطورة التي تشكلها على مستعملها، خاصة وأن صوت الانفجار شبيه بـ «البازوكا» التقليدية التي استخدمها أطفال قبل عقدين من الزمن، يبلغ عمر أصغرهم اليوم30 سنة.
أدوات بسيطة لصنع «البازوكا المطاطية»
ومن أجل التعرف أكثر على هذه اللعبة يدوية الصنع، اقتربنا من مجموعة من الأطفال كانوا بصدد صنع واحدة، لنكتشف أن الخطوات تنطلق بتوفير أنبوب مطاطي طوله لا يتجاوز 40 سم، يتم إحداث ثقب على طرفيه، توضع في الطرف الأول شمعات إشعال خاصة بالمركبات تكون منتهية الصلاحية، وظيفتها إحداث شرارة بين الهواء والوقود تنتج عنه شرارة تقوم بإشعال المحرك.
ويقوم الأطفال بتثبيت شمعة السيارات ببرغي بحجم كبير تفاديا لأي حركة مفاجئة أثناء الانفجار، أما في الطرف الثاني فيثبت برغي، ويكفي ملء الفراغ الموجود داخل الشمعة بمادة الكبريت ثم ضرب الطرفين بقوة ليحدث انفجار. هذه العملية رغم خطورتها، تسعد الأطفال كثيرا في ظل عدم انتباه الأولياء لما يحدث، ما يمكن أن يشكل خطورة و يتسبب في احتراق اليدين و الوجه، على غرار ما حدث من قبل عند استخدام «البازوكا» التقليدية.
موضة خطرة
خطفت «البازوكا المطاطية» الأضواء من المفرقعات قبيل مناسبة المولد النبوي الشريف، رغم تنوع واختلاف استعمال المفرقعات وتطورها من سنة إلى أخرى، إلا أن الصنع اليدوي تغلب على الابتكار الصيني هذه المرة، فلم تسجل في الأحياء والشوارع لحد الآن أية مظاهر لاستعمال المفرقعات إلا في حالات نادرة، ما يؤكد أن جيل الأطفال الحالي يسير على نهج سابقه قبل 20 سنة.
وأخذت النصر، المقاطعة الإدارية علي منجلي كعينة بولاية قسنطينة، من أجل الوقوف على مدى انتشار استعمال هذه الأداة الجديدة، لنتأكد أنها تشكل موضة رائجة بين الأطفال في الفترة الراهنة، إذ لا يمر طفل إلا وهو حامل لأنبوب مطاطي في يده باحثا عن مكان مناسب لإحداث الانفجار الخفيف، كما شد انتباهنا تواجد مجموعات من الأطفال يمارسون هذه اللعبة معا، ليتباهى كل واحد منهم على الآخر بأن أداته أكثر فعالية وقوة، ويتخذ من دوي الانفجار دليلا على ذلك.
طلب على الكبريت وأولياء مطالبون بالتدخل
كما تعرف مختلف محلات بيع الكبريت إقبالا كبيرا من الأطفال الصغار لاقتناء علب يستعملونها في إحداث الدوي، لتنتعش تجارة علب الكبريت الصغيرة مجددا بعد أن تراجعت في السنوات الماضية.
وقبل التنقل إلى محلات بيع الكبريت على غرار الأكشاك متعددة الخدمات، فإن التوجه يكون في بادئ الأمر إلى محلات الميكانيكيين، من أجل العثور على شمعة سيارة متلفة، باعتبارها العنصر الرئيسي والفعّال لإنجاح عملية الانفجار، وشاهدنا الأطفال متوجهين للمحلات المعنية راجيين أصحابها منحهم شمعة أو شمعتين خاصة وأن العثور عليها أصبح نادرا مع الطلب الكبير عليها منذ أيام.
وغالبا ما يقوم الميكانيكي بمنح قطعة لطالبها خصوصا وأن الأطفال يستعينون في ذلك بوساطة شخص راشد، لتصبح الشمعة التي كانت ترمى في القمامة سابقا، قطعة مهمة جدا و ذات قيمة لدى عشاق «البازوكا المطاطية».
واستحسن بعض الأولياء استعمال أطفالهم لهذه اللعبة الجديدة، لأنها لا تتطلب توفير أموال، بالمقابل اعتبر آخرون الأمر خطيرا وتهديدا صريحا لصحة الأطفال، ناهيك عن أن اللعبة يمكن أن تتسبب في حرائق أو حوادث غير محمودة العواقب.
وتفشت ظاهرة استعمال هذه اللعبة في شوارع علي منجلي، حيث لا يكاد الشخص يمر على حي أو شارع ما، إلا ويسمع ذوي انفجار خفيف، تليه ضحكات استمتاع بأصوات رقيقة نابعة من حناجر الأطفال الصغار الذين لا يتجاوز سنهم 12 سنة.
كما أصبحت المناطق التي توفر قطع تشكيل هذه اللعبة تعرف حركية كبيرة من الأطفال على غرار محلات بيع قطع الغيار بحي «أوبيالاف» بالوحدة الجوارية 6، والتي تعج بالأطفال القادمين من مختلف الوحدات الجوارية والباحثين عن مكونات صنع «البازوكا». ورغم المتعة التي توفرها هذه اللعبة، وسهولة استعمالها وحرية اللعب بها في أي مكان، إلا أنها تشكل خطرا حقيقيا على مستعمليها، وخاصة ممن يبالغون في تفريغ مادة الكبريت داخل الشمعة أين يحدث انفجار كبير يمكن أن يسبب جروحا و إصابات على مستوى اليد أو الوجه، خاصة وأن الشمعة التي تعد نقطة احتكاك بين الكبريت والبرغي، يمكن أن تتحرك من مكانها لعدم تثبيتها جيدا، وبالتالي قد تلحق الأذى بالطفل الذي لا يعي خطورة الاحتكاك بين المادة المعدنية والكبريت. ويذكر أن الأولياء قد واجهوا مشاكل جراء استعمال «البازوكا» التقليدية من طرف أطفالهم، خاصة وأن تلك الفترة عرفت تسجيل حوادث عديدة وإصابة صغار بجروح وحروق على مستوى مناطق متعددة من الجسم وخاصة العين واليد، بسبب الانفجار الكبير المفاجئ في بعض الأحيان، ولا تزال آثار البازوكا تظهر على أجساد الجيل السابق لحد اليوم، على غرار الشاب محمد البالغ من العمر 37 سنة، والذي يعاني إلى اليوم من ندبة على مستوى اليد جراء انفجار كبير لـ «بازوكا» معدنية كان يلعب بها وهو طفل.
أطفال مختصون في صنعها يشتهرون بين أقرانهم
وأكد العديد من الأطفال للنصر، أنهم يستمتعون كثيرا باستعمال «البازوكا المطاطية»، لأنهم يشعرون بفخر لقدرتهم على صناعتها بأنفسهم ودون طلب مساعدة من الكبار، إضافة إلى نجاحهم في ضمان فعاليتها بطريقة بسيطة بعيدا عن أي وساطة.
وأوضحوا أنهم يعتبرون الانفجار الحاصل جراء احتكاك الكبريت بالمعدن، ثمار اجتهاد وتحد شخصي يؤكد نجاح العملية، معتبرين إياها أفضل أداة للعب خاصة وأنها سهلة الصنع والاستعمال.
وأضافوا، أن هذه اللعبة تجنبهم عناء إقناع أولياء بمنحهم المال لشراء المفرقعات، كما راحوا يتسابقون عن أي أداة قوة وأكثرهم براعة في صنعها، ليعتبروا البعض منهم مختصين في الصنع بل أصبحوا مشهورين لدى أقرانهم بإتقان صنع «البازوكا المطاطية»، كما ردوا جميعا عن استفسار إن كانوا قد اقتبسوا الفكرة من «البازوكا المعدنية التقليدية»، بأنهم لا يعرفون أي معلومة عنها ولا حتى فترة استعمالها ولا نسبة نجاعتها.