أصبحت الهواتف الذكية في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم اليوم جزءا لا يتجزأ من حياة الأطفال والشباب، بل وحتى البالغين ومع التوسع الكبير في استخدام هذه الأجهزة، تزايدت المخاوف بشأن تأثيراتها السلبية على الجهاز العصبي، خاصة لدى الأطفال في مراحل النمو الحرجة، كما حذرت عديد الدراسات من المخاطر التي قد تنجم عن الاستخدام المفرط لمختلف الأجهزة الإلكترونية.
لينة دلول
ويأتي العمل على توعية التلاميذ في مختلف الأطوار التعليمية بمخاطر الهواتف والألواح الرقمية، ضمن أولويات في الجزائر، خصوصا و أن هذه الأجهزة قد تخلف أضرارا بالغة على الجهاز العصبي، و على الوعي الإدراكي والسلوكي للأطفال والمراهقين.
ويبرز هذا التحذير في الوقت الذي أصبح فيه العديد من الأطفال يقضون ساعات طويلة أمام شاشات الهواتف، ما يعرضهم لمشاكل صحية قد تؤثر على تركيزهم وتحصيلهم الدراسي، فضلا عن ظهور مشاكل سلوكية وعصبية قد تستمر معهم طوال حياتهم.
وتشير العديد من الدراسات إلى تأثير الهواتف الذكية على الجهاز العصبي للأطفال، خاصة في ظل الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة، فقد أكدت دراسة نشرت في مجلة BMC Psychiatryأن الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا على الهواتف الذكية يعانون من ارتفاع في معدلات القلق والاكتئاب، نتيجة التعرض المستمر للضوء الأزرق الصادر عن الشاشات وتأثيره السلبي على إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم. كما أن اضطرابات النوم المزمنة قد تؤثر بشكل مباشر على وظائف الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى ضعف في التركيز والذاكرة.
من جهة أخرى، وجدت دراسة أجرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية مرتبط بزيادة النشاط المفرط واضطرابات الانتباه لدى الأطفال. وأوضحت، أن التعرض المستمر للمؤثرات السريعة والمحفزات المتكررة عبر التطبيقات والألعاب الإلكترونية، يمكن أن يؤدي إلى إجهاد الجهاز العصبي للأطفال الذين لا يزالون في طور النمو العصبي.
كما أكدت الدراسة، أن الدماغ في هذه المرحلة يكون أكثر عرضة للتأثر بالتكنولوجيا الحديثة، مما قد يسبب تغييرات طويلة الأمد على تطور المهارات العصبية والاجتماعية.
علاوة على ذلك، سلطت دراسة نشرتها مجلة Frontiers in Neuroscience الضوء على العلاقة بين استخدام الهواتف الذكية واضطرابات النمو العصبي لدى الأطفال، وأشارت إلى أن قضاء أكثر من ساعتين يوميا أمام الشاشات، قد يؤدي إلى تراجع في أداء القشرة الجبهية للدماغ، وهي المسؤولة عن التفكير المعرفي والتنظيم العاطفي. وأوضحت الدراسة أن هذا التأثير يعود إلى انخفاض النشاط البدني وتراجع التفاعل الاجتماعي، وهما عاملان أساسيان في تعزيز التطور العصبي لدى الأطفال.
* طبيب الأعصاب عماد بومعزة
هذه أهم تأثيرات الاستخدام المفرط للهواتف الذكية
أكد أخصائي طب الأعصاب، الدكتور عماد بومعزة، أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية من قبل الأطفال يشكل خطرا كبيرا على نموهم العقلي والجسدي، مبرزا العديد من الأضرار العصبية والنفسية الناتجة عن هذا السلوك.
وأوضح الطبيب، أن أبرز الأضرار تتمثل في صعوبة التركيز، حيث يعاني الأطفال الذين يمضون ساعات طويلة أمام الشاشات، من تشتت الانتباه وانخفاض القدرة على التركيز في المهام الدراسية، كما أن الإفراط في استخدام الهواتف يؤدي إلى التأخر الدراسي، كون الطفل بحسبه، يقضي وقتا طويلا أمام الهاتف على حساب أنشطته التعليمية، مما يعيق تقدمه الدراسي ويؤثر سلبا على تحصيله العلمي.
وأشار الأخصائي، إلى أن أحد الأعراض الشائعة بين الأطفال المدمنين على الهواتف الذكية هو فرط الحركة، حيث يؤثر الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، على الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى اضطراب السلوك الحركي وزيادة النشاط بشكل غير طبيعي.
وأكد بومعزة، أن التعرض المستمر لشاشات الهواتف الذكية يؤدي إلى تغييرات دائمة في الجهاز العصبي للأطفال، خاصة وأنهم في مراحل نمو حرجة.
وشدد المتحدث، على أن استخدام الهواتف من قبل الأطفال دون سن الخامسة، قد يسبب تأخرا واضحا في النمو الإدراكي والذهني، وأوضح أن هذه الفترة العمرية تعد مرحلة حساسة للغاية، حيث تتوجب خلالها حماية الطفل من التعرض المبكر للتكنولوجيا، لأنها قد تؤدي إلى اضطرابات في السلوك وتأخر في المهارات اللغوية والحركية.
الضوء الأزرق وتأثيراته السلبية
وحذر الأخصائي، من خطورة الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الذكية، مشيرا إلى أن هذا النوع من الإضاءة الاصطناعية يؤثر سلبا على وظائف الدماغ والجهاز العصبي.
وأوضح، أن استخدام الأجهزة الذكية في الليل يعرض الأطفال لمشكلات النوم، حيث يؤدي الضوء الأزرق إلى اضطرابات في إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، مما يسبب الأرق ويؤثر على جودة نوم الطفل، بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني الأطفال من ضعف في الرؤية نتيجة التعرض المطول لهذا النوع من الإضاءة، إلى جانب تأثيرات سلبية أخرى على الوظائف الحسية.
وأكد الدكتور بومعزة، أنه يمكن ملاحظة علامات سلوكية وعصبية واضحة على الأطفال الذين يستخدمون الهواتف الذكية بشكل مفرط، من بينها السلوكيات غير السوية التي تظهر مع التقدم في العمر، مثل الانعزال الاجتماعي، والإدمان على الهواتف الذكية ومحتوياتها، وصعوبة التفاعل مع المحيط.
كما تتأثر قدرات الطفل الحسية والإدراكية، وقد يواجه تأخرا في النطق وضعفا في الفهم والتعلم، إلى جانب اضطرابات في النوم وتراجع مستوى الأداء المدرسي.
و للحد من الأضرار، دعا الطبيب، إلى ضرورة تقنين ساعات استخدام الهواتف الذكية للأطفال المتمدرسين، مع فرض حظر تام على استخدام هذه الأجهزة من قبل الرضع والأطفال دون سن الخامسة. وبين أن هذه الفئة العمرية تتطلب رعاية خاصة لأن الجهاز العصبي يكون في مرحلة تطور سريعة، وأي تدخل سلبي قد يعيق النمو.
وينصح الأخصائي، بزيارة مختصين في الأرطوفونيا أو الطب النفسي للأطفال في حال ظهرت علامات تدل على تأثر الجهاز العصبي أو السلوكي، حيث يمكن للمختصين تقديم الدعم اللازم ومساعدة الطفل على استعادة التوازن العصبي والنفسي.
كما شدد، على أهمية تقديم بدائل ترفيهية للأطفال، مثل الألعاب التعليمية والأنشطة الرياضية، لتعزيز مهاراتهم الاجتماعية والحركية بعيدا عن الشاشات.
و أشار بومعزة، إلى أن المحتوى الذي يتعرض له الأطفال عبر الهواتف الذكية لا يقل خطورة عن تأثير الأجهزة نفسها، موضحا أن المحتوى غير المناسب قد يتسبب في ترسيخ سلوكيات غير سوية وزيادة التوتر والقلق لدى الطفل. و دعا إلى ضرورة مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال وتوجيههم نحو استخدام التكنولوجيا بشكل آمن ومفيد.
وأكد في ذات السياق، على أن حماية الأطفال من أضرار الهواتف الذكية تتطلب تعاونا مشتركا بين الأهل والمربين والأطباء المختصين، من خلال التوعية المستمرة ووضع ضوابط واضحة للاستخدام.
* أخصائي أمراض الأعصاب عبد السلام بن المجات
الهاتف الذكي يُدرج ضمن علاجات الإدمان
من جهته، حذر الدكتور عبد السلام بن المجات، أخصائي في أمراض الأعصاب، من التأثيرات السلبية لاستخدام الهواتف الذكية على الأطفال، مشيرًا إلى أن أولى هذه التأثيرات هي الإدمان.
وأوضح، أن الإدمان على الهواتف الذكية أو مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون بوابة للإدمان على المخدرات، وهو ما أثبتته بعض الدراسات الحديثة بحسبه، كما أطلق علماء النفس على هذا النوع من الإدمان مصطلح «الهيروين الرقمي».
وأضاف، أن الإدمان على الهواتف الذكية أصبح يُدرج ضمن علاجات الإدمان على غرار الإدمان على المخدرات، نظرا لتأثيراته الواضحة على الصحة النفسية والعقلية وأكد الدكتور، أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يؤدي إلى اضطرابات في النوم، بسبب الضوء الأزرق المنبعث من شاشاتها، هذا الضوء يعطل إنتاج مادة الميلاتونين، المسؤولة عن تنظيم النوم، مما يؤدي إلى السهر واضطراب الإيقاع البيولوجي. كما أن ذلك يؤثر على العصب البصري، الذي بدوره يؤثر على الدماغ، مما يضعف التركيز والتحصيل الدراسي لدى الأطفال.وأشار الأخصائي، إلى أن الضوء الأزرق يؤثر بشكل مباشر على وظائف الدماغ من خلال إرسال إشارات خاطئة إلى الغدة النخامية، مما يعيق النمو السليم للأطفال. كما تطرق، إلى مخاطر أخرى لاستخدام الهواتف الذكية، منها التأثير السلبي على النطق والقدرة على الإدراك والذكاء، مشيرا إلى أن الاستخدام المفرط للهاتف يمكن أن يجعل الأطفال عرضة للمخاطر الرقمية، مثل الوقوع ضحايا لمجرمين إلكترونيين.
وأكد الطبيب، أن السنوات الأولى من حياة الطفل، خصوصا أثناء المرحلة الدراسية الأولى، تُعد حاسمة في تطور الدماغ ولهذا، فإن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يشكل خطرا كبيرا على هذا التطور ويوصي بن المجات، الآباء بضرورة تقنين ساعات استخدام الأطفال للهواتف الذكية، مؤكدا أن الإفراط في استخدامها يؤثر سلبا على السلوكيات والقدرات الإدراكية والنفسية للأطفال.
كما أشار، إلى وجود دراسات جزائرية حديثة تعنى بدراسة العلاقة بين الجهاز العصبي واستخدام الهواتف الذكية، بهدف تسليط الضوء على آثارها على سلوكيات ونفسية الأطفال.
ل.د
