تتصدى البلوزة الوهرانية اليوم، لمختلف محاولات السرقة التي تطالها على غرار عناصر عديدة من التراث الجزائري، ويسعى مصممون شباب إلى حمايتها عن طريق حملات ومبادرات متعددة تتمثل في الحرص على ارتداء اللباس في كل المناسبات، مع عصرنته وإضفاء لمسة جمالية تتماشى مع الموضة، وهو مسعى نجح في بعث الاهتمام بهذا الفستان النسائي الجميل، الذي عاد بقوة منذ الموسم الماضي.
انتشار كبير لهذا الزي التقليدي يسجل مؤخرا، حيث تضاعف الطلب عليه من مختلف ولايات الوطن، ويؤكد مصممون أنه صار جزءا من جهاز العروس في مدن مثل العاصمة وقسنطينة، بعدما ارتدته نجمات الفن ومواقع التواصل، صارت البلوزة حاضرة كذلك في المهرجانات الرسمية على غرار مهرجان الأغنية الوهرانية، ومهرجان وهران السينمائي الدولي وحفل تتويج ملكة وملك جمال الجزائر لصنف الأطفال، وغيرها من الفعاليات.
دعوات للترويج الموسع
وحسب مهتمين بالتراث اللامادي من وهران، فإن «البلوزة» صارت موضة، وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى الجهود المبذولة من قبل المشتغلين في الحقل الثقافي لحماية الموروث الجزائري بما في ذلك الأزياء التراثية، عن طريق رصد العناصر المهمة ووصفها و جردها، والتوعية و التأكيد على أهمية التراث وتثمينه، و التنديد بما يطاله من اعتداءات ومحاولات سرقة، وهذا بالعمل على تفعيل قنوات الترويج.
وفي إطار بحثها المتواصل حول البلوزة الوهرانية كتراث لا مادي مهم في مسار التنمية المستدامة، تقترح الأستاذة آمال إيزة، من أجل الرقي بالبلوزة الوهرانية، أن يتم الترويج لها على المستوى المحلي من خلال دراسة السوق حتى يتوافق العرض مع الطلب وتصميم قطع في متناول الجميع بلمسة عصرية تحافظ على الجانب التراثي للبلوزة، إضافة إلى تحفيز المقبلات على الزواج لإدراج البلوزة الوهرانية في جهازهن، وأيضا التقرب من الوجوه الفنية والإعلامية والمؤثرات عبر مواقع التواصل لمضاعفة الترويج والتعريف بهذا التراث، كما تقترح فكرة مؤسسات ناشئة تنشط في مجال خياطة البلوزة.
لمسات عصرية ارتقت بالتصميم
من جهة أخرى، تواكب البلوزة الوهرانية الموضة العصرية لتستمر في التواجد، حيث تحرص الخياطات و دور الخياطة و التصميم المختلفة على إدخال لمسات جديدة على البلوزة دون المساس بأساسياتها المتمثلة في شكل جهة الصدر والخصر، وأن تكون فضفاضة من الخصر إلى غاية القدمين، إلى جانب الإبداع في «ترصيع العقاش بمختلف أنواعه»، واللمسة الجمالية في تركيبه.
وقد أصبحت البلوزة تستنسخ بعض التصاميم من «ألبسة السهرات» العصرية، وتستلهم إضافات وتفاصيل من أزياء بعض مناطق الوطن، كما صارت تلبي كل الأذواق حتى بالنسبة للمحجبات، إذ تخاط بالأكمام خلافا لما هو متعارف، أو تستعمل في تصميمها أكمام قصيرة، وهذا ما يشجع الإقبال عليها ويدعم الترويج لها لتناسب الجميع.
كما صارت قطع القماش متنوعة جدا وتسمح للخياطات بالإبداع، وبالمقابل ارتفعت الأسعار بالنظر لغلاء وسائل العمل وكل الضروريات التي تدخل في تحضير البلوزة، التي تتشكل من قطعتين الأولى تكون عبارة عن لباس داخلي يسمى «الجلطيطة»، ويكون قماشه حسب نوعية قماش البلوزة، فقد تكون «الجلطيطة» من قماش «الساتان» الرفيع أو من قماش غيره، ويكون موحد اللون يتناسق ولون البلوزة، وكانت «الجلطيطة» تلبس منفصلة وتضاف إليها البلوزة، ولكنها أصبحت اليوم على شكل قطعة واحدة من الخصر إلى القدمين، تلصق بالبلوزة التي يتم فتحها من الأمام لتظهر «الجلطيطة» باللمسة العصرية.
الجدل روج بطريقة غير مباشرة للبلوزة الوهرانية
وأوضح زكرياء الحاج سعيد، صاحب محل لخياطة وبيع «البلوزة الوهرانية»، أن الجدل على مواقع التواصل صار أمرا إيجابيا لأنه يدفع الناس للبحث والدراسة حتى تظهر الحقيقة، وهو ما خدم البلوزة الوهرانية المميزة التي لها كما قال خصوصيتها وتاريخها وتنوعها.
والجدل الذي أثاره البعض من خلال محاولة نسبها إلى بلد آخر، هو ترويج بطريقة أخرى للموروث الجزائري الذي يجب الدفاع عنه وإبراز انتمائه بالحقائق التي سترجح الكفة في الأخير إلى بلادنا وتحديدا إلى الغرب الجزائري، منوها بأن هذا اللباس التقليدي أي «البلوزة الوهرانية» قطعة أساسية في جهاز العروس بالغرب الكبير ولا تزال تتربع على عرش التصديرة، وحتى في باقي جهات الوطن أصبحت البلوزة تستقطب الشابات لإدراجها ضمن قائمة التصديرة. وما زاد الإقبال عليها هو عصرنتها بلمسة جمالية وتفاصيل راقية مستلهمة من لباس السهرة ومن تصميم القفطان الجزائري.
مضيفا، أن البلوزة تنقسم إلى قسمين «الصدر والقماش»، فهي اللباس التقليدي الجزائري الوحيد الذي يمكن خياطته بأي نوع من القماش مهما كان، علما أن أي تصميم للصدر يكون مناسب معه شريطة التنسيق الجيد للألوان و الخامات.
واعتبر المتحدث، أن اللمسات العصرية التي أدخلت على البلوزة ضرورية لتحصينها حتى لا تندثر، لأن هذا اللباس يعبر عن هوية المرأة بغرب البلاد، وهي مهمة يعنى بها الجميع حسبه، بما في ذلك الفتيات الشابات، فارتداء البلوزة لا يجب أن يقتصر على العرائس فحسب، بل وجب أن نثمن أزياءنا التقليدية بشكل أكبر كما قال، وأن نعود إلى خزانتنا التراثية في مختلف المناسبات التي تسمح بالتأنق بهذا الزي وغيره.
مردفا، أن غلاء مستلزمات خياطة البلوزة رفع أسعارها، ولكن بإمكان المصممين الشباب الإبداع و تصميم قطع أنيقة بتكاليف مقبولة تكون في متناول الجميع، مع توفير خيارات متعددة انطلاقا من التصاميم الفاخرة المصنوعة من أجود الخامات والأحجار، إلى التصاميم البسيطة الأنيقة التي تستعمل خامات وأحجار أقل تكلفة. مؤكدا، أن هامش الربح ليس كبيرا في كل الحالات، وأن موضة الأعوام الأخيرة جعلت صدر البلوزة مرصعا كثيرا، مبرزا أنه هو شخصيا يفضل أن تكون البلوزة غير مرصعة بشكل كبير حتى تستغلها المرأة في مختلف المناسبات وتضفي عليها جمالا ويكون التصميم أقل كلفة.
بن ودان خيرة