الجمعة 31 جانفي 2025 الموافق لـ 1 شعبان 1446
Accueil Top Pub

تصاميم عصرية بلمسة أصيلة: إقبال على «قندورة القطيفة» بعد رواجها في منصات عالمية


استعادت «قندورة القاطيفة» القسنطينية، أو»قندورة الفرقاني» كما تسمى في بعض الولايات، بريقها بعد سنوات من التراجع في السوق، حيث فرضت نفسها من جديد كواحدة من أبرز الأزياء التقليدية الجزائرية وأكثرها أناقة وجمالية، وذلك بعدما أدرك حرفيون محليون ومصممو أزياء قيمة هذا الزي التقليدي ونجحوا في تحويله إلى قطعة عصرية قادرة على المنافسة، تقام لها عروض أزياء في عواصم الموضة على غرار عروض «دار عزي» في باريس، و كريم آخروف في موناكو و جونيف، و عروض «دار منوبة» في روما وميلان خلال أسابيع الموضة العالمية.

زبونات من الجزائر ومن بلدان الجوار
يشد انتباه المتجول في حي 19 جوان بوسط مدينة قسنطينة، المعروف بانتشار أشهر محلات بيع الأزياء التقليدية، جمال القطيفة القسنطينية المعروضة في واجهات المحلات، تحت أضواء خافتة تزيد من بريق ولمعان خيوط الذهب التي طرزت بها هذه القطع التراثية، التي تتميز بألوان المخمل الراقية والتطريز الفني المتقن، ما يعكس عبق حرفة «الفريضة والحرج» القسنطينية التي لا تزال محافظة على مكانتها في المجتمع المحلي رغم منافسة الصناعة.
لاحظنا خلال جولتنا بين المحلات المذكورة، أن هناك إقبالا كبيرا على هذه القطعة تحديدا، وأنها عادت لتحجز مكانا ضمن خزانة المناسبات الخاصة بنساء من مختلف الأعمار بما في ذلك فتيات صغيرات، صرن يتألقن بالقطيفة في حفلات الرياض و المدارس، خصوصا في ظل تنوع التصاميم و عصرنتها.
وبحسب ما أكده لنا تاجر بشارع 19 جوان، فإن قندورة القطيفة ما تزال تحافظ على مكانتها بين الملابس التقليدية، لأن الزبونات يفضلنها كونها تجمع بين الفخامة والطابع الثقافي،بل وقد تضاعف عليها الإقبال في السنتين الأخيرتين بعد الترويج الكبير الذي استفادت منه على مواقع التواصل، علما أن هناك سيدات من تونس وليبيا يطلبنها أيضا خلال زياراتهن إلى قسنطينة.
تميزت الملابس التي عايناها خلال جولتنا بدقة عالية في الإنجاز، وقد أكد الباعة بأن قندورة القطيفة تحديدا لا يمكن أن تطرز إلا يدويا، لأن هذا التفصيل يعد جزءا من قيمتها كمنتوج حرفي، ناهيك عن أن الإبداع اليدوي للإنسان يضاعف جودة القطعة ولا يترك أي مجال للخطأ، فتصبح القندورة عبارة عن تحفة أو لوحة فنية متكاملة تراقص فيها تموجات المخمل ضوء خيوط الذهب و العقاش الحر، وهو ما يفسر ارتفاع أسعارها.
موضحا، أن التصاميم التي تفصل وتطرز عن طريق الآلة تكون أقل سعرا في العادة، لكنها أيضا أقل جمالا و إتقانا، وحتى إن كان هناك طلب عليها في السوق حسبه، فإن الأفضلية تبقى للقندورة التقليدية حرفية الصنع.
عند تفحصنا للقطع المعروضة، لاحظنا أن القطيفة القسنطينية في شكلها التقليدي لم تشهد تغييرات كبيرة، ومع ذلك تم إدخال بعض تعديلات البسيطة على التصميم لزيادة جاذبيته، مثل إضافة زخارف حديثة ولألئ للزينة، أوتعديل أشكال الطرز لتكون أكثر بساطة وملاءمة لذائقة الزبونات اللواتي يفضلن اللمسات الناعمة.
قالت زبونة شابة، قابلنها بمحل بشارع العربي بن مهيدي، « طريق جديدة»، إنها بصدد اختيار قندورة قطيفة لحفل حنتها معلقة « أحب التصاميم البسيطة، وأقدر الحفاظ على الطابع التقليدي مع بعض اللمسات العصرية، فقد أعجبت بالتصميم الجديد الضيف قليلا عند الخصر ووجدت أنه مناسب جدا لشكل جسمي خصوصا وأني نحيلة نوعا ما».
عصرنة مشروطة و تفاوت في الأسعار
ويكمن السر في عودة القطيفة القسنطينية إلى الواجهة، في العصرنة التي تبناها حرفيون ومصممون محليون وعبر الوطن، حيث يؤكد الحرفي ياسين، صاحب محل شهير لبيع القطيفة بحي «رحبة الصوف» وسط المدينة، أن هناك تجديدا في بعض التفاصيل مثل الألوان و الأحجار التي تستخدم في التطريز والتزيين، كما صار هناك اعتماد على بعض « الرشمات» المبتكرة باستخدام خيوط الذهب والفضة.
وأكد المتحدث، أن اللمسات العصرية جعلت قندورة القطيفة أكثر جاذبية للشابات، خاصة وأنها أصبحت تواكب متطلبات الموضة الحديثة، مع تصاميم تناسب الأعراس والحفلات تكون ضيقة قليلا ومحددة عند الحضر أو على شكل حورية البحر.
من جهته، قال رامي، صاحب محل لبيع الأزياء التقليدية، بأن القطيفة القسنطينية أصبحت حديث النساء في المناسبات، ولا يقتصر الإقبال عليها على السوق المحلية فقط، بل نجحت في لفت أنظار زبائن أجانب، بفضل مشاركات الحرفيين والمصممين الجزائريين في معارض وطنية ودولية. مؤكدا، أن هذه القطعة التراثية الجزائرية الفاخرة، أدهشت زبائن أجانب كانوا يبحثون عن ملابس تجمع بين التراث والفخامة، وقد استقبل كما قال عدة طلبات لتصاميم خاصة، وهذا في رأي دليل على نجاعة الترويج الكبير الذي يحظى به اللباس التقليدي على المنصات التواصلية.ويذكر بأنه ورغم أن القاطيفة القسنطينية كانت تعرف بارتفاع سعرها، بسبب اعتماد حرفييها على أقمشة مستوردة وتطريز يدوي كامل إلا أنهم تمكنوا من توفير خيارات تناسب مختلف الفئات، حيث قاموا بإدخال تقنيات حديثة في الخياطة والتطريز جعلت السعر أكثر تنافسية. حيث يبلغ متوسط سعر القاطيفة حاليا حسب ماوقفنا عليه، بين 2 مليون و20 مليون دينار جزائري، حسب جودة القماش ونوع التطريز.
* المصمم عبد اللطيف عزي
عودة قوية «للمجبود» و التطوير لا يمس بالجوهر

«لا تزال في ورشات قسنطينة، أيد ماهرة تحيك القطيفة بخيوط من ذهب، محافظة على روح هذا الزي التقليدي الذي يعكس عراقة المدينة»، هكذا عبر المصمم الشاب عبد اللطيف عزي، نجل المصمم فؤاد عزي صاحب أشهر دار للزي التقليدي بالمدينة.
أكد محدثنا، خلال زيارتنا إلى محله الكائن بشارع عبان رمضان، أن الحفاظ على أصالة قندورة القطيفة يعتبر التزاما ومبدأ لدى عائلته، لكن التكيف مع متطلبات العصر جعلهم يعملون أكثر بغية الجمع بين التراث والابتكار، موضحا أن القطيفة لم تعد مجرد زي تقليدي، بل أصبحت رمزا يعبر عن ثقافة وهوية الشعب الجزائري،خاصة مع توسع دائرة انتشارها أين أثبتت قدرتها على المنافسة في عالم الموضة، لتكون قطعة فريدة تجمع بين عبق التراث وبريق الحداثة. وأوضح المتحدث، أنه ورغم التحديات التي واجهت صناعة القندورة، في سنوات ماضية،بسبب ارتفاع تكلفتها وتغير توجهات الموضة، إلا أنها عادت بقوة إلى الواجهة، بفضل جهود الحرفيين والمصممين المحليين الذين دمجوا بين الأصالة والحداثة بنجاح، وجعلوا منها قطعة تستقطب عشاق التراث من داخل الجزائر وخارجها.وحسب الشاب، فإن «قندورة الفتلة» تعتبر من التصاميم التقليدية التي تحظى برواج أكبر، أما «قندورة المجبود» التي تعد الأصل في التصميم فقد تراجعت قليلا في سنوات مضت لكنها تشهد أيضا عودة قوية.متابعا بالقول:» المجبود يعكس جوهر القطيفة القسنطينية، فهو الحرفة التقليدية الأصيلة التي توارثناها عن أجدادنا، ومع ذلك أدركنا أن الحفاظ على هذه الحرفة لا يعني الجمود، بل يعني تطويرها لتواكب العصر دون المساس بهويتها.» وكشف عبد اللطيف، بأن السر وراء الانتعاش يعود إلى عدة عوامل منها عصرنة التصميم، والمشاركة المكثفة في المعارض الوطنية والدولية، إضافة إلى الترويج على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن إدراج القطيفة ضمن قائمة التراث اللامادي لمنظمة اليونيسكو ساهم في تسليط الضوء عليها عالميا. مضيفا في ذات السياق، بأن عرض الأزياء الأخير الذي قدمه والده في قسنطينة شهد حضورا كبيرا، لأنه أبرز تشكيلات جديدة جمعت بين الطابع التقليدي واللمسات الحديثة، والحضور الكبير الذي طبع العرض يعد بحسبه، دليلا على أن قندورة القطيفة لا تزال محط إعجاب النساء.
نحو جودة عالمية
وحسب ما أكده عزي، فإن حوالي 60% من زبوناته شابات مقبلات على الزواج، في حين تمثل النسبة المتبقية أقارب العروس وأفراد العائلة الذين يرغبون في اقتناء تصاميم جديدة تناسب مناسباتهم الخاصة.
تلجأ بعض الزبونات في المقابل إلى استئجار القطيفة، خاصة تلك التي تتميز بالتطريز اليدوي المذهل والمعروفة بـ «القطيفة الحرة»، نظرا لارتفاع أسعارها، وهو تفصيل أدركه المصممون فوفروا بديلا مطرزا بالآلة لكنه أقل جودة. وقال المتحدث، إن ما يميز القطيفة القسنطينية، هي قدرتها على التكيف مع العصر و الحفاظ على جوهرها في نفس الوقت، موضحا أن التغيرات التي تطرأ على التصاميم تقتصر على القصات وبعض التفاصيل البسيطة التي تجعلها أكثر ملاءمة للشابات، لكن هذه القندورة في الأصل لباس محتشم يعكس الأصالة والتراث الجزائري.
أما عن الألوان فأوضح عزي، بأن القطيفة كانت في الماضي تعتمد على ألوان تقليدية محدودة مثل الأسود، الأحمر الآجوري « العنابي»، الأخضر الزيتي، والبنفسجي، وهي ألوان قماش الجنوة، لكن في ظل النقص الحاد لهذا القماش، بدأ المصممون في الاعتماد على أقمشة أخرى بألوان متنوعة.
وأكد الحرفي، أن هناك طلبا كبيرا اليوم، على ألوان جريئة مثل الأحمر الفاتح والأزرق الملكي، الذي يضيف لمسة من الحداثة على القطيفة دون أن تفقد طابعها التقليدي.
وتشكل هذه القندورة موضوع منافسة قوية بين المصممين المحليين، سواء في قسنطينة، أو عنابة، أو الجزائر العاصمة، أو حتى بين الجالية الجزائرية في فرنسا، حسب المتحدث، حيث تطرح كل عام تشكيلات جديدة تهدف إلى جذب اهتمام الزبائن المحليين وفي الخارج على حد سواء.
وقال بأن دار عزي، واحدة من أقدم الدور المتخصصة في تصميم القطيفة، التي تقدم نموذجا ناجحا في هذا المجال، مؤكدا أنهم ملتزمون بالحفاظ على مبادئ العائلة، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تطوير التصاميم لتواكب العصر وتناسب أذواق الزبائن.
لينة دلول

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com