يعتبر السخاب أو سخاب العنبر، قطعة حلي تراثية راقية جدا وجميلة، تتزين بها نساء العديد من المدن الجزائرية، على غرار سيدات تبسة، اللواتي لا تزال بينهن من يشتغلن في حرفة صناعة هذه الحلية، التي تتطلب صبرا و مهارة في تشكيل حبات العنبر المشغول ولفها في خيوط تشكل مجتمعة جزءا من أجزاء الحلية التي تطعم بقطع ذهبية أو فضية، تعطيها قيمة جمالية و مادية عالية، و تضاعف خصوصيتها التراثية.
يعتبر الباحث في التراث صالح بريكة، السخاب موروثا ثقافيا ماديا محليا مهما جدا، يواجه تحدي الاستمرار في ظل تطور صناعة الحلي و الإكسسوارات العصرية، مع ذلك فإن وفاء فئة من الحرفيين لكل ما هو تراثي مؤشر إيجابي حسبه، يؤكد أنه بإمكاننا المحافظة على هذا الموروث لوقت أطول خصوصا في ظل العصرنة التي تعرفها الحرف من خلال استعمال بعض التقنيات الجديدة.
ولا تزال نساء في عديد المناطق خصوصا الريفية كما قال، مهتمات بصناعة سخاب العنبر التقليدي كما نعرفه، بحباته السوداء الصغيرة المشغولة بعناية والتي تعبق برائحة عطرة، هي مزيج بين العنبر و المسك و العود و مواد أخرى تجمع في شكل عجين تصنع منه كريات صغيرة تشكل بين الأصابع، يتم تجميعها في خيط واحد بعدما تجف وتزين بقطعة معدنية تتوسط كل مجموعة رباعية أو خماسية من خيوط العنبر.
عام 1972، قدم المخرج الجزائري حزرلي فيلما مطولا بعنوان « السخاب»، وقد كانت تلك قصة حب جميلة ترجمت من خلالها هذه القطعة الفنية معاني الأنوثة و الجمال، و تغنى بالسخاب أيضا الشعراء الشعبيون خصوصا في منطقة الحضنة، أين تعتبر الحلية تفصيلا رئيسيا في الزي التقليدي لنساء بوسعادة والجلفة و الأغواط، والبيض، كما أن القطعة مشهورة حسب الباحث في التراث صالح بريكة، في تبسة و قسنطينة وقالمة وعنابة وغالبية مدن الشرق.
تفاصيل تدخل في صناعة الحلية
ذكر الباحث، أنه من أجل معرفة طريقة صناعة السخاب المحلي بتبسة، اتصل ببعض النساء اللواتي يعرفن بجودة منتوجاتهن الحرفية وتخصصهن في هذه الصنعة، و إجادتهن لصناعة هذا العقد التراثي الأصيل كونهن يمتهن الحرفة منذ عقود.
وقد خلص البحث حسب صاحبه، إلى أن عجين السخاب تتكون من طحين القمح أو نوى التمر بعد حرقهما، و»الطارة « وهي حبة كروية الشكل ذات رائحة طيبة، تباع عند العطارين، فضلا عن « القمحة» و هي ثمرة مجففة لنبات غير معروف لكن رائحته جد طيبة، إضافة إلى المسك الطبيعي ذو الرائحة القوية و المنعشة ، والقرنفل أو ما يعرف محليا بالعود، فضلا على بودرة الصفراء، التي تباع عند العطارين وهي ذات رائحة قوية جدا، كما يشكل العنبر الطبيعي مكونا رئيسيا للخلطة.
تمزج هذه المكونات في إناء أو صحن به ماء ساخن و تترك لأزيد من نصف ساعة، وهذا كي تساعد حرارة الماء في اختلاط المواد بعضها ببعض، ويتكون بذلك عجين يستخدم لصناعة السخاب.
أوضح لنا الباحث، أن الحرفية تقوم قبل جفاف و تصلب العجين بتقطيعه إلى مئات القطع الصغيرة، باستعمال أصابع اليدين «السبابة و الإبهام «، تثقب كل جزء بإبرة كبيرة الحجم، تسهيلا لمرور خيط رفيع و متين يسمى محليا بخيط الصنّارة أو السبيب، الذي يحمل مجموعة الكريات.
قال الباحث، إن للسخاب رمزية كبيرة فهو ترجمة لبعض المعاني والمعتقدات الشعبية، فمثلا تستخدم الحلية كزينة للولد في حفل ختانه، و حسب العرف الشعبي المحلي، يحدد عدد سلاسل و مجموعات السخاب بعدد الأطفال الذين سينجبهم المعني بعدما يكبر و يتزوج
وعادة ما يكون عدد مجموعات السخاب بين ستة أو ثمانية مقسمة على طول السلسة ومفصولة عن بعضها بقطع ذهبية أو فضية، أو قد تتوسطها قطعة كبيرة من المرجان أو الجوهر، كدلالة على صلاح الزوجة، و هي تحتضن و تربّي أبناءها الستة أو الثمانية.
ويحتفظ جيدا بالسخاب الذي يصنع خصيصا لأجل ختان الطفل، ويقدمه له والده يوم عرسه كهدية، أما السخاب الموجه للعروس، فيزين بقطع فضية مثل الخمسة أو قطعة ذهبية، و تحتفظ العروس بسخابها إلى أن تزوج ابنتها البكر، فتورثه لها لتقدمه بدورها للحفيدة الأولى، وهذا هو ما يعطي قيمة تراثية ومعنوية كبيرة لهذه الحلية كما أوضح الباحث.
يذكر أن مديرية الثقافة لولاية تبسة، كانت قد أطلقت قبل سنوات، مبادرة بهدف تشجيع الحرفيات المحليات على الظهور، و تمثيل الولاية في مختلف التظاهرات الثقافية المحلية و الوطنية أو الدولية، بملابس وزينة تراثية محلية خالصة، تعبر عن أصالة المنطقة و تراثها، و تشجيعا لهن للحفاظ على الصناعات المحلية بما في ذلك صناعة السخاب.
ع.نصيب