تبرع الحرفية ليلى بوشامة، في صناعة الشموع و الصابون الطبيعي وقد تمكنت من اكتساح السوق خلال ظرف وجيز، وفرض منتجها بقوة رغم أنها تنحدر من منطقة الطاهير بأعالي جبال جيجل البعيدة، واستطاعت الشابة أن تحقق النجاح في المجال الذي اختارت النشاط فيه، بفضل اجتهادها لدرجة أن منتجاتها صارت متوفرة على المستوى الوطني و يطلبها زبائن من كل الولايات.
تحدت خريجة جامعة جيجل، الظروف الجغرافية وتجاوزت العوائق كلها لتحقق ذاتها قبل كل شيء كما عبرت، فالعمل و النجاح كانا دائما في صدارة أولوياتها، ولذلك لم تستسلم عند أول مطب واجهته بعدما فقدت وظيفتها و انتهى بها الأمر بلا عمل، رغم كونها حاملة لشهادة ماستر في تخصص الكيمياء، لتفكر مباشرة في استغلال تكوينها الجامعي في مجال حرفي يوفر لها دخلا وتكون شغوفة به في الأساس.
ثلاثية حقّقت التميّز
تعتبر ليلى من بين الحرفيات اللواتي استطعن النجاح و البروز في مجالهن بجيجل، وهي من القلائل الذين يتمتعون بثقة زبائن من داخل الولاية ومن خارجها كذلك، فقد مزجت الشابة بين الحرفة و التنوع والتسويق العصري لمنتوجها وهي ثلاثية حققت لها التميز.
ورغم كونها أما وربت بيت تقيم في منطقة جبلية بعيدة نوعا ما، إلا أن ظروفها لم تثن عزيمتها وإصرارها على المضي قدما في طريق تحقيق حلمها في أن تكون صاحبة مشروع، فشقت طريقها نحو النجاح بصعوبة بعد تخرجها من الجامعة، إذ عملت أولا في صيدلية، ثم مرت لتجسيد فكرتها في مجال الحرف.
قالت لنا ليلى بخصوص محطات هذا المسار: «إن نشاط صناعة الشموع والصابون الطبيعي، بدأ منذ ما يقارب سنة و نصف السنة، وقد مر على مراحل، حيث اخترته بحكم تخصصي في مجال الكيمياء الذي أحوز فيه على شهادة ماستر، من جامعة جيجل دفعة 2013». تواصل حديثها «كنت قد عملت لسنوات في القطاع الخاص وتحديدا في صيدلية وبعد ثماني سنوات وجدت نفسي بلا وظيفة، لكني لم أستسلم للبطالة بل قررت أن أنطلق انطلاقة جديدة بشكل مختلف، وكان للصدفة دور في توجهي إلى عالم الحرف، بعدما زاد اهتمامي به فجأة بفعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت كذلك بوابتي للنشاط و نافذة للتعريف بمنتجاتي من شموع و صابون طبيعي».
هذا هو سر نجاحي
أوضحت ليلى، بأن ميدان الحرف استهوى اهتمامها كثيرا بمجرد أن اكتشفته وبدأت في البحث عن خباياه أكثر، فاكتشفت بأنه واسع جدا يجمع بين الموهبة و القدرة على التعلم والإنجاز، وهكذا قررت أن تخوض غماره ليكون طريقها نحو عالم المشاريع، فاختارت في البداية صناعة الشموع على أن تتعلم حرفة ثانية في وقت لاحق.
لاحظت محدثتنا عبر موقع التواصل الاجتماعي شموعا جميلة، جعلتها تفكر في أن تصنع مثلها وأجمل، فبدأت في البحث عن كيفية العمل على إنتاجها مستعينة بقنوات اليوتيوب.
قالت: « الشغف الكبير بالحرفة و حبي للميدان جعلاني أطور من نفسي كثيرا، لاسيما ما تعلق بصناعة الشموع، حصلت أولا على تكوين مهني متخصص وبدأت النشاط لكني أردت المزيد، فاقتحمت بعدها ميدانا آخر هو صناعة الصابون الطبيعي، حيث استفدت من دورة تكوينية في العاصمة قبل سنة، تعلمت خلالها أصول العمل وأسراره»، مضيفة أنها كانت تركز دائما على الحصول على شهادة في كل تخصص تختار التكوين فيه، حتى تعزز حظوظها في اقتطاع بطاقة حرفي، وهو ما تم بالفعل وسمح لها بأن تطلق مشروعها الخاص بشكل قانوني وتنشئ علامة تحمل بصمتها.
بدأت السيدة ليلى، نشاطها من داخل مطبخ منزلها، لتقوم بعدها بتخصيص غرفة كاملة في البيت كمخبر للعمل يستوفي شروط الصحة والسلامة التي يستوجبها أي نشاط تجاري، إذ قامت باقتناء معدات وتجهيزات من أجل النشاط، وبدأت تتفنن في صناعة الشموع وإتقان صناعة الصابون الطبيعي من مكونات غنية ونقية مثل زيت الزيتون. أخبرتنا، أن هذا المجال تحديدا أخذ كل وقتها في مرحلة لاحقة، لكونها عشقت كثيرا صناعة الصابون وأرادت أن تبدع فيها لتقدم منتجات مختلفة ومفيدة مستعينة بمزايا زيت الزيتون البكر الذي تعرف بها منطقتها بجيجل.
وعلقت: «في مجال الشموع أصنع مختلف الأنواع التي تتماشى مع خصوصية المناسبات، كالأعراس، والمولد النبوي، والأعياد الدينية وأوفر لزبائني أيضا شموعا حسب الطلب، لكني أفضل بل أحب أكثر صناعة الصابون الطبيعي بزيت الزيتون و أبدع فيها كثيرا»، كما أوضحت أنها تستعمل مختلف التقنيات التقليدية والحديثة للحصول على نتائج مرضية، و تتفنن كذلك في تنويع القوالب والأشكال.تعتمد الحرفية على التسويق الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تحديدا للترويج لمنتجاتها، وهي طريقة ناجعة كما عبرت، سمحت لها بالوصول إلى زبائن من مختلف ولايات الوطن، حيث تحدت الجغرافيا وتجاوزت حدود المكان البعيد أين تقيم و تنشط ورشتها الصغيرة، لتحقق الانتشار وطنيا.
أنشأت في البداية صفحات وحسابات تجارية عبر مختلف المنصات التواصلية، وتعلمت كيف تلتقط الصور الفنية، وتصور فيديوهات ترويجية لجذب الزبائن، وقد تفاجأت كما قالت بنجاح استراتيجيتها التسويقية، إذ بدأت طلبيات من زبائن من مختلف بروع الجزائر تصلها وتم ذلك حسبها في ظرف وجيز جدا.
بدأت في تنظيم نشاطها و اكتسبت ثقافة التجارة الإلكترونية، وباشرت التعامل مع شركات توصيل موثوقة لتكون حلقة وصل بينها وبين زبائنها من 58 ولاية، موضحة: «وصلت بفضل الله إلى مرحلة بيع كل ما أنتجه، وانتقلت إلى محطة أخرى هي التعامل مع طلبيات كبيرة». ويعتبر هذا التحدي كما قالت محدثتنا، قصة نجاح ملهمة لسيدة نجحت في مجال التجارة، رغم أنها انطلقت انطلاقة بسيطة جدا من مسكنها العائلي بأعالي بلدية الطاهير الجبلية، وآمنت بنفسها واستطاعت أن تفرض منتجاتها في السوق الوطنية وتصل إلى قطاع واسع جدا من الزبائن، مرجعة الفضل في ذلك إلى دعم أسرتها والاستقرار العائلي، قائلة إنه لولا تفهم زوجها و مساعدة أولادها الصغار في مرات عديدة، لما كانت ستحقق مرادها أبدا.
وتفكر الحرفية اليوم، في تطوير المشروع و إخراجه من منزلها إلى السوق، بعد الحصول على محل للنشاط على مستوى البلدية مقر سكناها وذلك باعتبارها حاملة لبطاقة الحرفي، حيث تأمل في أن تحظى ببعض الدعم لتتمكن من كراء محل من محلات الشباب، ما سيسمح لها بتوظيف فتيات من المنطقة و تعليمهن الحرفة، و كذا بلوغ مرحلة إنتاج كميات كبيرة، وعلقت على الأمر: «طموحي الوصول إلى مستوى أكبر والتأسيس لعلامة تتخطى شهرتها حدود الوطن، خصوصا وأن المنتوجات الطبيعية لاسيما الصابون تلقى رواجا واسعا في الخارج، وهذا الحلم يمكن أن يتحقق بتوفر قليل من المساعدة، على اعتبار أن محلات الشباب متوفرة في البلدية وتصلح لإنجاز ورشة توظف شابات وشباب». كـ. طويل