تتفنن السيدة سارة من بلدية الطاهير بجيجل، في مجال عصرنة الزي التقليدي، حيث توظف الآلات الإلكترونية الحديثة في عملية التطريز للحصول على تصاميم عصرية صنعت لها شهرة واسعة.
واستطاعت سارة، أن تقدم تشكيلات جديدة و متنوعة من ملابس العروس، بطريقة أكسبتها زبائن من كافة ربوع الوطن، وذلك بفضل بصمتها الفريدة في تفصيل و تطريز أزياء جميلة وأنيقة تتماشى مع متطلبات العصر.رغم كونها حاصلة على شهادة في تخصص البيولوجيا من جامعة جيجل، إلا أنها اختارت أن تتخصص في نشاط اكتشفته بالصدفة من حرفيين في ولاية قسنطينة، لتنخرط في الميدان و تتعلم من تلقاء نفسها في ظل عدم وجود تخصصات تدرس في ميدان التطريز الصناعي بالولاية طوال ست سنوات.
وتدريجيا وسعت من نشاطها بإنشاء ورشة متخصصة في الميدان بعد الحصول على قرض من أجهزة الدولة.
تصاميم باستخدام البرمجيات
عملت سارة، على توسيع نشاطها و اقتحام سوق الألبسة التقليدية بعلامتها و لمستها الإبداعية، حيث قامت عبر البرمجيات المخصصة في تصميم الألبسة، بإبراز الموروث الثقافي بأدق تفاصيله، إذ ترسم تفاصيل القطع أولا، ثم تعيد تحميلها إلكترونيا في أنظمة الماكينات، وقبل أن تجهز الطلبيات تستعين بحرفيات لأجل إتمام اللمسات الأخيرة.
تقول السيدة سارة:" أنا لست خياطة و لكن بحكم احتكاكي بالخياطين و كوني امرأة أعرف خبايا الألبسة التقليدية، استطعت أن أرسم و أصمم مختلف الأزياء المعروفة لاسيما جهاز العروس و أنتج منه كميات كبيرة"، حيث إنها تحاول في كل مرة التنويع في التصاميم و إضافة رتوشات جميلة.
أخبرتنا، خلال جولتنا داخل ورشتها المتواجدة ببلدية الطاهير أنها حرفية عصامية، دفعتها الصدفة إلى المجال و ساعدها حب التعلم على تطوير مهاراتها، وهي عملية تعليم استغرقت منها سنوات للتحكم في تقنيات استعمال الحاسوب والبرمجيات، كما أصبحت مع مرور الوقت على دراية بمختلف الماكينات العصرية و خصائصها وطريقة تشغيلها.
قالت لنا، إنها عانت من البطالة بعد تخرجها من الجامعة سنة 2010، وفي يوم زارت أقارب لها بقسنطينة، وهناك ومن باب الصدفة تعرفت على حرفيين و منخرطين في مجال الطرز العصري و الصناعي، و أعجبت بعملهم فقررت أن تخوض التجربة.
العصامية كانت سبيلي للتميز
بدأت أولا كما أوضحت لنا في البحث و التدريس في المجال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما ساعدها بعضهم حرفيون من ولاية قسنطينة و لم يبخلوا عليها في تقديم المعلومات، مما جعلها تتمكن تدريجيا من النشاط و تتحكم في عملية التصميم عبر الكومبيوتر و البرمجيات، بعدها اقتنت الماكينات المطلوبة.
بمرور الوقت بدأت مهاراتها تتطور أكثر في المجال، حتى بلغت مرحت التميز والإبداع، حيث علقت:" لقد تعلمت لوحدي، اكتشفت تدريجيا خبايا المجال عبر مواقع التواصل الاجتماعي أين بحثت عن مختلف التصاميم الممكنة، بالإضافة إلا أن بعض الحرفيين في قسنطينة قاموا بإرشادي وتوجيهي مع تقديم يد المساعدة عدة مرات، و لم يبخلوا علي بأدق التفاصيل التي كنت أبحث عنها".
تواصل:" لم أخضع في بداية مشروعي لدورات تكوينية أو تأهيلية في مجال التطريز الصناعي أو الإلكتروني، لكنه عائق تجاوزته بالإرادة وبفضل التعليم الذاتي، وهكذا تحديدا اكتسبت الخبرة خصوصا وأني كنت دائمة الاحتكاك بالخياطات في المدينة اللواتي أرشدنني وساعدنني".
قالت سارة، إنها واجهت على مر السنوات، صعوبات كبيرة لاسيما فيما تعلق بمواكبة التطور الحاصل في مجال المكننة والبرمجيات، خصوصا وأن التطريز ليس سهلا كما يبدو بل يستوجب الدقة و التحديث المستمرة للتمكن من المنافسة، معلقة:" هناك تصاميم من الصعب العمل على إتقانها عن طريق البرمجيات، لكن حاولت مرارا التغلب على هذه العقبة، واستطعت أن أجد الحلول وأن أقدم تصاميم بمختلف المواصفات، لدرجة أنه يصعب أحيانا كثيرة التفريق بين التصميم يدوي الصنع و التصميم الصناعي باستخدام الماكينة".
قسنطينة المنعرج الفاصل في رحلة النجاح
قالت محدثتنا، إنها قضت قرابة عشر سنوات كاملة في المجال، وقد اجتهدت كثيرا لإتقان العمل بشكل جيد، مؤكدة أن رحلتها إلى قسنطينة كانت نقطة تحول في حياتها لأنها كانت الباب الذي أدخلها إلى عالم التجارة.
أوضحت لنا، أن الرحلة كانت صعبة وطويلة، فإلى جانب عدم معرفتها بخلفيات النشاط، لم تكن تملك المال الكافي للانطلاق، وتعذر عليها الحصول على قرض لكونها لا تملك شهادة في التخصص المطلوب.
تقول:" اضطررت للانطلاق من الصفر، وكان من الضروري أن أحصل على شهادة تأهيلية كي أتمكن من طلب قرض من صندوق التأمين على البطالة و اقتناء ماكينة، اجتهدت و حققت هذا المراد،وكانت تلك بمثابة نافذة أمل لأن الماكينة هي الأساس، أما باقي التفاصيل الأخرى في اللباس فيمكن إتمامها يدويا".
أوضحت محدثنا، أن كان الصعب أيضا إنجاز المشروع بجيجل،وذلك لعدة عوامل أولها أن المجال جديد وغير معروف، ناهيك عن صعوبة الحصول على اليد العاملة المؤهلة، ولذلك فقد اعتمت على خبرتها الشخصية لتكوين النساء في ورشتها.
أخبرتنا، أنها اضطرت لتعليمهن كل صغيرة وكبيرة عن العمل بداية بطريقة تشغيل ماكينة الخياطة، ومن ثم طريقة عمل البرمجيات، كما واجهت صعوبة في المحافظة على بعضهن لعدة لاعتبارات مختلفة".وفيما، يتعلق بالجانب التسويقي، قالت إنها لا تواجه مشكلة لأن المنتوج مطلوب في السوق، نظرا لجودته و كذا انخفاض سعره مقارنة باللباس التقليدي المصنوع يدويا.موضحة، أنها تتعامل مع أصحاب محلات وتجار جملة من مختلف الولايات، إضافة إلى زبائن أفراد غالبيتهن نساء يطلبن تصاميم مختلفة على غرار القندورة، والقفطان والكاركو.
حسب سارة، فإن سر النجاح يكمن في الإصرار و إتقان العمل، مع تطوير نشاطها بشكل مستمر والاهتمام بإرضاء الزبائن، وهو ما أكسبها مكانة في قلوبهم.
كما أوضحت أنها تهتم جدا بالعاملات لديها وتحاول المحافظة على وفائهن لورشتها والاستثمار في مهاراتهن باستمرار. وتحدثت أيضا، عن دعم زوجها لها وكيف رافقها طوال مشوارها، وقالت إنها اليوم تأمل في الحصول على قطعة أرض ضمن مناطق النشاطات المصغرة لتوسع ورشتها، خصوصا وأن ورشتها تعتبر مساهمة في عملية التوظيف وتعتبر باب رزق للعديد من السيدات والحرفيات في مدينتها.
كريم طويل