دكاكين تصليح الأجهزة الإلكترونية بقسنطينة تتحدى المنتوج الصيني
تخفي أزقة المدينة القديمة بقسنطينة بين ثناياها، حرفا يعتقد الكثيرون بأنها اندثرت، لكنها في حقيقة الأمر لا تزال صامدة تتحدى الزمن و تواكب تطوراته، وهي صورة ينطبق وصفها على دكاكين تصليح الأجهزة الكهرومنزلية و الإلكترونية المنتشرة بقوة بزنقة «السيدة»، المعروفة بشارع عبد الله باي، هناك تتراكم أكوام من التجهيزات الجديدة المعطلة و الخردوات القديمة التي يعود بعضها لسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
حرفيون بالفطرة
وأنت تتجول بين أزقة السويقة القديمة، تشد انتباهك دكاكين صغيرة يصح وصفها بالأقبية، مساحة بعضها لا تتعدى 10 أمتار، منها ما لا يمكنك الدخول إليه، لأن أجهزة التلفاز و الراديو و الغسالات و الثلاجات القديمة المعطلة تسد مدخله بشكل كلي، عندما ترفع رأسك و تحاول أن تلقي نظرة إلى داخل أحد الدكاكين، تقع عينك على كرسي قديم يجلس عليه رجل يغرق وسط الخردوات هو و طاولة صغيرة عليها آلة تلحيم، زجاجة غراء لاصق، و عدد من البراغي و المفكات، تتساءل في قرارة نفسك هل لا يزال هؤلاء الحرفيين موجودين و هل هناك من يصلح آلة قديمة في ظل وفرة الجديد، لماذا يقولون أن العملاق الصناعي الصيني قد التهم الحرف إذن؟ ! يقطع الحرفي حبل أفكارك و يسألك عن حاجتك، فتفتح معه حديثا عن حرفته، فيقول لك بأنها تواكب التكنولوجيا و تتأقلم لتعيش.
كان دكان السيد عبد الوحيد بشارع عبد الله باي، أول محل تزوره النصر ، وجدنا صاحبه مشغولا بالحديث إلى زبونتين، قال لنا بعد مغادرتهما، بأن زبائنه ليسوا فقط رجالا بل نساء أيضا، كما يزوره شباب كثر لتصليح هواتفهم النقالة و لوحاتهم الرقمية و حواسيبهم، وحتى أجهزة التحكم عن بعد الخاصة بالتلفزيون.
حسب ما علمنا منه، فإن عمر دكانه يزيد عن 40 عاما، قال بأنها الفترة التي زاول خلالها هذه الحرفة، التي أجمع هو و 14 حرفيا آخر، 10 بالسيدة، دكانين اثنين بسيدي بوعنابة و اثنين آخرين في حي الجزارين، بأنها وليدة الموهبة، فلا أحد منهم تلقى تكوينا في مجال تصليح الأجهزة، لا بالجامعة ولا بمراكز التكوين المهني، بل احترفوها إما عن طريق الصدفة، أو تعلموها من شخص آخر، لكنهم أتقنوها عن طريق الممارسة، و اليوم يحملون جميعا بطاقة حرفي تحدد تخصصهم في تصليح أجهزة التلفزيون و الراديو، مع أنهم يبرعون في تصليح أجهزة أكثر تعقيدا بكثير.
العلمة مصدر قطع الغيار
محدثونا قالوا لنا بأن هذه الحرفة لا تزال صامدة بفضل حب ممارسيها لها، رغم أنها ليست مربحة ولا تغطي أحيانا تكاليف المحل، على غرار الإيجار و الكهرباء و الغاز، إذ أن بعض التصليحات قد لا تكلف الزبون أكثر من 50 دج، و قد تصل إلى 500 دج، إذا ما تعلق الأمر بقطعة غيار غير متوفرة أو خاصة بجهاز غالي الثمن، كالهواتف الذكية أو أجهزة الكومبيوتر، وهي قطع غيار يتم توفيرها عادة من مصدر واحد بالنسبة لجميع الحرفيين وهو مدينة العلمة.
حسب عباس، حرفي بزنقة السيدة، فإن جميع الحرفيين يقصدون العلمة من حين لآخر، لشراء الأجهزة المعطلة من هواتف، تجهيزات كهرومنزلية، حواسيب وغيرها، تباع حسب حالته، فمثلا قد يكلف هاتفا تعادل قيمته وهو جديد7000دج، حوالي 2000 دج وهو معطل، وهناك من يبيعون للحرفيين هذه الأجهزة عن طريق وزنها، أي باحتساب الكيلوغرام مقابل 3000 دج مثلا، وفي بعض الأحيان يحمل مواطنون أجهزتهم المعطلة إلى هذه الدكاكين لبيعها، و هو مصدر آخر للتموين.
عند عودتهم يقوم الحرفيون بفرز مقتنياتهم و تفكيكها، للحصول على قطع الغيار التي يستخدمونها في التصليح، وحسب مراد وهو حرفي بزنقة الجزارين، فإن تطور التكنولوجيا، لم يشكل يوما معضلة بالنسبة للمصلحين، و السر في ذلك هو أنهم يتكيفون مع الحياة ويتأقلمون مع جديدها، إذ يقتنون في كل مرة تجهيزات متطورة كالهواتف و اللوحات الرقمية الذكية، و يعمدون إلى تفكيكها و فهم التكنولوجيا التي اعتمد عليها في صنعها، ومن ثم إعادة تجميع قطعها من جديد.
متحف الخردة
على بعد خطوات من مسجد الإصلاح، قابلنا حرفيا كان دكانه يشبه مقبرة للتجهيزات الكهرومنزلية، قال لنا بأنه يزاول المهنة منذ حوالي ثلاث سنوات وخلال هذه الفترة، استطاع تعلم الكثير و الحفاظ على دكانه مفتوحا، رغم تحرشات التكنولوجيا، فمعظم الأجهزة الكهرومنزلية خاصة المتعلقة بالطبخ، حسبه، كالخلاط و العجان وغيرها، أصبحت تصنع في الصين، وفق مبدأ رقمي، تماما كالهواتف الذكية و ليست إلكترونية بسيطة، مثلما كنت سابقا، و السبب، كما قال، هو أنها موجهة للرمي و ليس الإصلاح، بمعنى أنها ذات استخدام محدود.
مع ذلك، أكد محدثنا، بأن نشاطه مستمر وزبائنه دائمون، فأحيانا لا يتعدى دخله اليومي 500 دج ، لكنه قد يصل في أيام أخرى إلى 2000 دج أو أكثر.
و علمنا منه بأن النساء تشكلن السواد الأعظم من زبائنه، فغالبيتهن لا تحبذن فكرة رمي جهاز كهرومنزلي فرنسي أو ألماني و استبداله بآخر صيني، خصوصا وأن أجهزتهن أصلية، منها ما يعود لسنة1975 وحتى 1988 فالخلاط من نوع « آكا» و من نوع «ديلام»، قال لنا بأنها جزائرية الصنع، و قد أخبرته زبوناته بأنهن اقتنينها عندما انطلق تصنيعها بالغرب الجزائري و الوسط في منتصف السبعينيات وبداية الثمانينيات.
دكانه أشبه بمتحف للخردة،يتوفر أيضا على أجهزة قديمة لماركات عالمية لم تعد موجودة و أخرى قديمة، بالإضافة إلى بعض الأجهزة التي كانت موجودة في بيوتنا منذ عقدين من الزمن تقريبا.
نور الهدى طابي